ولا يوم الطين
- إعداد الدكتور سليمان عباس البياضي
- باحث في التاريخ والحضارة
- عضو اتحاد المؤرخين العرب
- عضو اتحاد المؤرخين الدولي
- عضو الجمعية المصرية التاريخية
- كاتب وروائي وإعلامي
- محاضر في جامعة العريش
في الأندلس من جارية إلى ملكة في عهد ملوك الطوائف بالأندلس، كان محمد بن عباد حاكم إشبيلية قد اعتاد أن يتبارز بالشعر مع صاحبه الشاعر ابن عمار(الذي أصبح لاحقاً وزير دولته) فيقول ابن عباد بيتاً ليجيزه صاحبه بالتتمة.
وبينما كان الاثنان يتنزهان، قرب نهر الوادي الكبير قال محمد بن عباد:
"صنع الريح من الماء زرد" وطلب من ابن عمار أن يجيزه، لكنه سكت ولم يكمل..
إلا أن جارية اسمها اعتماد كانت تغسل الملابس على طرف النهر قطعت الصمت مجيزة ابن عباد:"أي درع لقتال لو جمد".
فتن ابن عباد بسرعة بديهتها وفتن بحسنها إذ لم تقع عينه على أجمل منها قط.
فأغرم بها ووقعت في نفسه وتزوجها.
تربعت اعتماد الرميكية إلى جانب زوجها ابن عباد على عرش إشبيلية وقرطبة بعد وفاة والده المعتضد، وتربعت على عرش قلبه.
وكنى ابن عباد نفسه، بـ "المعتمد على الله" تيمناً باسمها "اعتماد" وقد كان يعرف قبل ذلك: بـ "المؤيد بالله".
أغرقها المعتمد بالنعيم والترف، ويروى أن اعتماد رأت الثلوج تهطل لأول مرة في قرطبة وقد كان ذلك نادر الحدوث، فغمها ذلك لعدم وجود الثلج هناك.
أمر المعتمد بزرع أشجار اللوز على جبل قرطبة، لتبدو عند طلوع أزهارها كأنها مُغطَّاة بالثلوج .
وذات يوم كانت مغمومة، ولما سألها عن سبب حزنها، قالت إنها اشتاقت لحياتها السابقة عندما كانت تمشي في الشوارع حرة دون أن تتوجه إليها الأنظار ولا تبالي إن تمرغت قدماها وثيابها بالطين.
فأمر بأن يُسحَق لها الطيب والعنبر والكافور ثم يصب ماء الورد على المزيج حتى يبدو كهيئة الطين، وتُغَطَّى به كل ساحة القصر، لتتمشى اعتماد فوقه وتمرغ قدميها وثيابها به كما كانت تتمنى.
نظم المعتمد بزوجته الأشعار أشهرها قصيدة يبدأ كل بيت منها بأحد حروف اسم محبوبته "اعتماد" يقول فيها:
أغائبة الشخص عن ناظــري .. وحاضرة في صميم الفــــؤاد
عليك السلام بقدر الشجون .. ودمع الشؤون وقدر السهاد
تملكتِ مني صعب المـرامي .. وصادفتِ وُدِّي سهل القيـــــاد
مرادي لقياك في كل حيــن .. فيا ليت أنــــي أُعطَى مـــرادي
أقيمي على العــهد ما بيــــننا .. ولا تستحيلي لطــــول البعـــاد
دسست اسمك الحلو في طي شعري .. وألفت منه حروف اعتمـــاد
كانت أعين المرابطين في المغرب على ممالك الأندلس، حيث أفتى فقهاء المسلمين يوسف بن تاشفين بجواز ضمِّه إمارات ملوك الطوائف إليه بالقوة، لتبذير الرميكية وجر زوجها إلى حياة الترف واللهو. وسقوط المدن بيد الإسبان.
سقطت إشبيلية بعام 1091م بيد المرابطين، واقتيد المعتمد وزوجته وأولاده إلى المغرب واستقروا في أغمات، واحتملوا سوياً شظف العيش وذل الأسر، إلى أن جاء يوم اختلفت فيه اعتماد مع زوجها وغضبت فقالت له:"والله ما رأيتُ منك يوماً حسناً!"، فقال لها: "ولا يوم الطين!"، فخجلت!!.
توفيت اعتماد بمدينة أغمات في العام 1095م ولم يصبر المعتمد على فراقها، فمات بعدها بأربعة أشهر، وكان قبره بجانب قبرها في غرفة واحدة.