( خطاب مفتوح )
من رئيس التحرير إلى نائب الدولة بلواء المكلا
مقالات وحوارات واستطلاعات
الأستاذ / أحمد عوض باوزير
في صحيفة الطليعة الحضرمية
العدد (57)، 20 محرم 1380هـ 14 يونيو 1960م
سيدي النائب:
هذه هي المرة الأولى التي أوجه فيها إليك هذا (الخطاب المفتوح) ولقد يكون بعض ما يرد في هذا الخطاب - إن لم يكن كله - معلوماً لديك فكثيراً ما كنا نتحدث عن عدد من الموضوعات العامة وأحياناً كنا نتطرق في الحديث إلى مشاكل هذه المنطقة أو تلك.
ولعلك تذكر ذلك الحديث أو بالأحرى النقاش العنيف الذي جرى في مكتب أحد الأصدقاء قبل شهر أو أكثر والذي تناول واجب نائب الدولة ومسئوليته تجاه خدمة المواطنين، ثم تطرق الحديث إلى مقاطعة الغيل التي لم تنعم طوال فترة طويلة بالاستقرار العائلي والتقدم المطرد!!
وعلى الرغم من أن مدينة الغيل قد عاصرت فجر النهضة التعليمية الحديثة، فإن هذه النهضة قد ظلت محصورة داخل معاهد التعليم ولم تتعد جدرانها. في حين كانت المدينة تعيش في جو من التناحر والتفكك والانقسام ولم يحدث أن هذه النهضة حاولت أن توسع دائرتها قليلا فتشمل الأجزاء الأخرى من المدينة.
إن الذي يقارن بين التطور الذي حققته الحركة التعليمية وبين الأحوال السائدة في المدينة ليشعر بأن تلك الأحوال ظلت تتدهور من سيئ إلى أسوأ. وقد وصلت الآن إلى حال يدعو للرثاء والشفقة.
وأنا متأكد تماما من أن أحدا من المسئولين أو الأهلين على حد سواء لم يعمل على وقف هذا التدهور أو معالجة المشاكل والخلافات الكثيرة التي تنشب أحياناً لسبب أولی غير سبب حتى المجلس البلدي الذي أريد له أن يكون نموذجا بين المجالس البلدية الأخرى قد أغفى إغفاءة طويلة لم يفق منها حتى اليوم، ولم يحدث أن اجتمع لمناقشة المشاكل وما أكثرها.
وإذا كانت المجالس البلدية والقروية في حضرموت قد أثبتت عدم صلاحيتها وجدواها ربما كان ذلك لنظام التعيين الحالي للأعضاء أو لتدخل السلطات أحيانا في أعمالها، فإن مجلس بلدي الغيل هو أسوأ تلك المجالس وأكثرها عقماً وتجميداً. ولقد كنا ننتظر أن نسمع صوت المجلس في أشد المسائل التصاقا بحياته وعمله، ولكن المجلس لم يتحرك أو يفتح عينيه المغمضتين !!
ومثال آخر على أن هذا المجلس لا يفكر في شيء إطلاقا، فالمدينة بحاجة إلى مدرسة حكومية للبنات وكل المجالس في المقاطعات الأخرى سعت إلى افتتاح مثل هذه المدارس. ولقد قطعت هذه المدارس بالفعل شوطاً بعيداً في حين توجد هناك مدرسة واحدة أهلية تفتقر إلى المساعدات الفعالة وفي مقدمة هذه المساعدات المعلمات والأدوات الأخرى. وهناك أيضا (معلامة للبنات) تضم العشرات منهن يقوم على تدريسهن الأذكار والموالد أحد المبصرين!!
أما مشكلة المشاكل وأصل كل البلاء فهو الخلاف الحاصل حاليا بين الحافتين ثم الخلاف بين أهل الحافة الواحدة.
ونحن ندعو بشدة إلى إلغاء نظام الحويف مرة واحدة ونرى في بقاء هذا النظام وصمة عار في تاريخ هذه البلاد وإننا نتحدى من يزعم أن هذا النظام حسنة واحدة. وإن الحكومة لتستطيع أن تلغي هذا النظام بقرار حازم، إلا إذا كانت ترى في انقسام أهالي المدينة الواحدة وتناحرهم سياسة مرسومة لها فهذا شيء آخر !!
أما ما نسميهم بالمقادمة فقد أساءوا عن قصد أو غير قصد استعمال السلطات الممنوحة لهم. تلك السلطات التي جعلت في أيديهم سلاحاً خطيراً يوجهونه إلى كل خارج عليهم معارض لهم!!
ونحن أساسا نرفض نظام الحويف لأنه اعتراف بنظام الطبقات و يجب أن نعمل للقضاء على التقسيم الموجود حاليا للسكان، بحيث لا يكون هناك طبقات تتميز الواحدة عن الأخرى.
ولست أدري لماذا لا تنظم حملة ضد نظام الحويف في المساجد والمدارس وعن طريق الصحف والاجتماعات العامة. إن شر ما نکبت به هذه البلاد هو هذا التقسيم الذي يجعل المدينة الواحدة طوائف متناحرة. ونحن الآن بحاجة إلى جمع الكلمة ولم الشمل حتى نتمكن من التفرغ للإصلاح العام والتطور الذي نشده.
سيدي النائب:
لقد لمست بعينيك الحالة المؤلمة التي يعيشها أهل هذه المدينة وإننا لننتظر منك أن تعمل على إعادة الصفاء بين الجميع وأن تدفعهم للعمل على ما يعلي شأنهم وينهض ببلدهم وإن أمامك فرصاً لتحقق لأهل هذه المدينة ما لم يحققه لهم غيرك ولك من بصيرتك وحسن نظرك ما يرشدك إلى الطريق الصحيح ويجنبك الوقوع في الزلل والأخطاء.
وإننا لندعوك إلى أن تعيش في مشاكل المدينة أياماً تقضيها في البحث والدرس وسوف تخرج من هذه الدراسة بخطة للعمل تقودك إلى الظفر والنجاح.
وكما صنعت الكثير في المقاطعات الأخرى فإننا ننتظر منك أن تصنع لأهل هذه المقاطعة أكثر وأكثر. فالمشاكل جمة والمتاعب كثيرة ولكن بالصبر والأناة يمكن تحقيق الكثير من الإصلاح.
ولك مني في الختام خالص التقدير والاحترام.