أنا عائد من مؤتمر (شهورة بين البادية والحكومة) (1)
مقالة تم نشرها في صحيفة الطليعة الحضرمية
العدد (79)، 26 جمادى الثانية 1380هـ
15 ديسمبر 1960م.
حضر رئيس تحرير (الطليعة) مؤتمر (شهورة) بين مقادمة البادية ورجال الحكومة. كان الصحفي الوحيد الذي شهد المداولات والمناورات داخل وخارج جلسات المؤتمر.
اجتمع بالزعيم بانهيم.. وتحدث معه.. واستمع إلى قصة حياته.. وروى له بعض أشعاره.
وقد عاد رئيس التحرير مساء يوم الاثنين الماضي.. ليتمكن من تقديم أولى انطباعاته عن المؤتمر قبل حلول موعد صدور الصحيفة.
وسيوالي في الأسبوع القادم هذه الانطباعات التي تحكي قصة المؤتمر والاتجاهات التي كانت تتجاذبه و تسيره.
ساعتان ونصف قطعتها السيارة من شهورة وأنا عائد من المؤتمر إلى المكلا. كان الوقت ليلا.. والسيارة تنهب الأرض وكأن السياط تلهب ظهرها فهي تحاول أبدا اتقاءها.
وفي جذمة، إحدى المحطات الواقعة على الطريق، توقفت بنا السيارة بعض الوقت لتلتقط أنفاسها اللاهثة استعدادا للمرحلة التالية.
كانت الأشجار المتناثرة على جانبي الطريق تبدو في الظلام وكأنها الشخوص تتحرك، وكانت السيارة وهي تعلو وتنخفض كأنما هي في حالة ذعر واضطراب.
وبين السائق ومعاونه .. كنت أجلس صامتا معظم الوقت. كانت ذكريات شهورة تقفز إلى ذهني في تشويش وفوضي .. عشرات العناوين تبدو لي في قالب صحفي شيق، وفي لحظات تطير هذه العناوين حين تهبط بنا السيارة في المنحدر وليس بينها وبين بطن الوادي السحيق سوى شريط من الأرض لا يكفي لتسيير عربة أطفال!
يومان فقط قضيتها في شهورة بعيدا عن ضجيج عمال المطبعة وحركة آلاتهم وشقاوة راضي .. العامل الدؤوب بالمطبعة، حركت في نفسي لواعج الشوق إلى ذلك الجو الصاخب اللذيذ.
وأخذ شريط شهورة .. يمر أمامي واضحا قطعة قطعة. ها هم مقادمة البادية ورجالها المسلحون يقفون صفا واحدا للترحيب بالوفد الرسمي عقب عاصفة من أزيز الرصاص الذي انطلق يدوي في الفضاء، كأنها قد انشقت عنه الأرض. وجلس الجميع.. يتبادلون التحية ويرتفع صوت المقدم بانهيم عاليا يسأل عن أفراد الوفد الرسمي واحدا واحدا. إنك تحس في صوته الهادئ الرصين.. اعتداد القائد الذي عقد له النصر في مواطن كثيرة.
طوال اليوم الأول من المحادثات کان بانهيم هو المتحدث الوحيد عن البادية التي حضرت المؤتمر. ثم كان له في الاجتماعات الأخرى النصيب الأوفر من الحديث. كان المقدم الأوحد .. في مؤتمر شهورة!!
وطوال يومين كاملين .. كان الوفدان الحكومي و البدوي يدوران في حلقة مفرغة.. وكان الجانب الحكومي كثير الأناة والصبر. كانت الرغبة شديدة في الوصول إلى اتفاق.
كان احتمال اللجوء إلى إجراء عسكري ضعيفا. كانت الرغبة السلامية متوفرة بين الطرفين، لكن الجانب البدوي لم يقدم الدليل الواضح على تلك الرغبة !!
لقد كان الوفد البدوي يصر على إلغاء قرار حظر إطلاق النار من غير قيد أو شرط. وقيل لهم في أكثر من اجتماع: ما الضرر الذي تشكونه من القرار؟! ماذا تريدون بالضبط حتى يمكن النظر فيها تريدون ؟!
ولم يكن هناك تفاهم .. لم يكن هناك جواب ما ..
وبدأت الاتصالات خارج المؤتمر وقيل إن الجانب البدوي أظهر الرغبة في الخروج من المشكلة القائمة .. ولكن مازالت تلك الرغبة في طور أولي.
وحتى كتابة هذه السطور لم يتضح الموقف تماما ..
إن الجانب البدوي .. يبدو أنه يتصرف في المؤتمر كمن يتلقى التعليمات من جهة أخرى .. ربما تكون هذه الجهة خارج البلاد!!
وإذا توصل الجانبان إلى اتفاق وهذا غير واضح الآن، فإن تلك الجهات ستصاب بضربة قاضية في آمالها بافتعال هذه الأزمة!!
وليس من يرغب في هذه الأزمة سوى نفر من ذوي الأغراض وأصحاب الجيوب الممتلئة.
إنهم يعرضون مصالح الطبقة العريضة من المواطنين للخطر.
ولكن هل ينجحون في خطتهم؟!
هذا ما سيسفر عنه المؤتمر المنعقد حتى هذا اليوم في شهورة.