أنا عائد من مؤتمر .. شهورة (۲)
مقالة تم نشرها في صحيفة الطليعة الحضرمية
العدد (80)، 4 رجب 1380هـ
22 ديسمبر 1960م.
لقد كان مؤتمر شهورة .. المنعقد في الفترة مابين (11-14) ديسمبر الحالي، محاولة لمنع تدهور الموقف بين الحكومة والبادية. وكان واضحا أن الموقف آخذ في التدهور خاصة بعد أن وقعت حوادث لتعكير حالة الأمن على الطريق الموصل إلى دوعن !!
وقد أخذ موقف المؤتمر في القمرة يتحرج أكثر فأكثر بسبب هذه الحوادث المؤسفة، حتى إن أولئك المقادمة أنكروا أن تكون لهم علاقة بهذه الحوادث، كما أعربوا عن استنكارهم لكل ما حدث.
غير أن تنصل أولئك المقادمة من مسئولية ما حدث لم يكن ليعفيهم مطلقا من تحمل تلك المسئولية لأن الحوادث كانت تقع داخل المناطق التي يقطنونها. وحتى لو فرض جدلا أن الفعلة قد جاءوا من مناطق أخرى فإن ذلك قد حصل لأن اجتماعات القمرة قد خلقت حالة من التوجس والخوف بين المواطنين.
لهذا فإن اجتماع شهورة الذي تم بناء على طلب من المؤتمرين في القمرة كان خطوة نحو تصحيح ذلك الموقف الذي نشأ بفعل بعض التصورات الخاطئة والاستنتاجات الباطلة.
ولم يعد خافيا الآن .. ما لعبته بعض الجهات في الداخل والخارج من دور الإثارة الشكوك بين البادية وإيهامهم بأن قرار حظر إطلاق النار في دوعن ليس سوى خطوة أولى لنزع السلاح مستقبلا. بل لم تتورع بعض الجهات في الخارج أن تسمي قرار حظر إطلاق النار بقرار نزع السلاح لتجمع حولها الأنصار ولتكسب تأييد الرأي العام.
ولقد شهدت شخصية كبيرة الاجتماعات التي عقدت في عدن الشهر الماضي، وذكر أيضا أن مساعدات مالية كبيرة قد تسلمها المؤتمرون في القمرة للتشدد في موقفهم ورفضهم التسليم بالقرار. وكان هدف كل هذه الاجتماعات هو التأثير على الحكومة حتى تتراخى قبضتها عن القرار و حتی تتراجع عن موقفها.
ولكن موقف الحكومة لم يتبدل بل حدث أنها رفضت في إصرار قبول أية وساطة بينها وبين البادية بحجة أن قرار حظر إطلاق النار لا يمس البادية من قريب أو بعيد.
ولم تقتصر النتائج التي أسفر عنها مؤتمر شهورة على تحقيق السلام في المنطقة وإنهاء حالة الاضطراب والقلق، ولكن هناك شيئا آخر أسفر عنه هذا المؤتمر وهو أن إصلاح ذات البين بين البادية والحكومة يمكن أن يتم بدون أن تحل عليه بركة أصحاب المقامات والجاه!!
وهكذا فإن اجتماع شهورة في حد ذاته كان لقاء على منتصف الطريق بين البادية والحكومة. كان لقاء من أجل منع انفجار الموقف. كان لقاء من أجل تصحيح تلك الاستنتاجات السوداء التي أوحت بها جهات معينة.
ونجح مؤتمر شهورة .. لأن الجانبين كانا يريدان نجاح هذا المؤتمر. وقد كان فشل هذا المؤتمر يعني شيئا واحدا وهو انقطاع آخر خيط لتفاهم ولم يكن البديل لذلك سوى العمليات الحربية!! وقد تردد هذا الكلام خارج اجتماعات المؤتمر الرسمية. تردد في الاتصالات الشخصية التي كانت تجري خلال انفضاض اجتماعات المؤتمر.
وعلى الرغم من الاجتماعات الطويلة المملة التي كانت تعقد علنية ويحضرها الكثيرون من رجال البادية فإن الحكومة لم تضق ذرعا بتلك الاجتماعات التي كانت تدور في حلقة مفرغة. بل على العكس من ذلك كانت تقبل عليها برغبة شديدة أملا في الوصول إلى اتفاق.
ولقد قيل لي إن المفاوض البدوي يميل في بداية المفاوضات إلى اتخاذ موقف متصلب، ثم لا يلبث هذا الموقف أن يتغير حتى يصبح في النهاية وكأن ليس بينه وبين سابقه أي شبه على الإطلاق!!
ولقد أبديت بعض مخاوفي من ذلك الموقف المتصلب الذي يوحي بأن ليس هناك ثغرة يمكن التسلل منها ولكني علمت فيما بعد أن ذلك الموقف ليس سوى تكتيك مألوف.
وسرعان ما انقلب الموقف في اليوم الثالث للمحادثات. وسواء أكان الانقسام الذي حدث بين القبيلتين الكبيرتين سيبان ونوح مفتعلا أم غير مفتعل، فإن التقدير للموقف كان له الفضل الأكبر في رجحان كفة السلام وتغليب المصلحة العامة على غيرها من المصالح الأخرى.
هذه هي الظروف التي عقد فيها مؤتمر شهورة .. لم يكن المقادمة البادية معها مجال للاختيار .. فقد كان للمؤتمر طريقان .. لا ثالث لهما. طريق السلام وطريق الحرب.
واختار المقادمة طريق السلام. وكان طريق القمرة طريق الحرب. ومن أجل هذا .. ذهب مؤتمر القمرة، وبقي مؤتمر شهورة، مؤتمر السلام.