من الخميس إلى الخميس
أسس الوحدة .. التي ننادي بها
مقالة تم نشرها في صحيفة الطليعة الحضرمية
العدد (15)، 7 ربيع الأول 1379هـ
10 سبتمبر 1959م
كتبنا في العدد الأخير من (الطليعة) نقول:" إن الوحدة التي ننادي بها ينبغي أن تكون صدى لإرادة الشعب العربي في حضرموت ولهذا فإننا ندعو الشعب في المنطقتين إلى تدارس أشكال هذه الوحدة على ضوء من مصلحته الوطنية لا على ضوء مصلحة أقوام معينين أو جهات أجنبية ."
وقلنا أيضا: "هكذا كانت دعوتنا من البداية واضحة فإذا خرج بها بعض الناس عن طريقها السوي لتحقيق مآرب خاصة فهذا أمر ينبغي ألا يفوت المواطن الفطن الذي يرفض أن يكون قفازا للآخرين."
هذه هي قصة المعركة المفتعلة التي أثيرت منذ صدور أول عدد من (الطليعة). والذين أثاروا هذه المعركة هم واحد من اثنين فإما أن يكونوا من أصحاب المصالح الشخصية الذين يرون في تحقيق الوحدة ضياعا لتلك المصالح وقضاء على ما يتمتعون به من نفوذ وسيطرة. وإما أن يكونوا من البسطاء أو (القفازات) التي تنخدع بالألفاظ وتخضع (للتوجيه) لأنها أبدا ليس لها شخصية أو رأي مستقل. والنوع الثاني (بسيط) شأنه لأنه مسخ ولأنه صدي لغيره فإذا ذهب (الأصل) تداعي (النقل) بالتبعية!!
والذين افتعلوا معركة الوحدة التي تبنتها (الطليعة) منذ صدور عددها الأول كانوا عازمين على إثارة أية معركة و حتى لو لم تكن هناك دعوة للوحدة لافتعلوا معركة أخرى لأن الهدف الحقيقي هو غرس الأشواك وبلبلة الخواطر لعرقلة سير (الطليعة)
حتى تدخل في معارك كلامية لتنشغل بها عن المعارك الحقيقية التي يجب خوضها.
ودليلنا على هذا هو أنه لم يمض سوى أيام قليلة على صدور العدد الأول من (الطليعة) حتى انبرت الأقلام تكيل الاتهام بسخاء و کرم بالغين كأن تلك الأقلام كانت على موعد مع (الطليعة) بل إن طلائع العاصفة كانت ظاهرة حتى قبل صدور (الطليعة).
وفي الوقت الذي كانت فيه تلك الأقلام المسعورة تفرز (سمومها) كانت تهاني المواطنين بظهور (الطليعة) - وما زالت - حتى اليوم تبارك هذا الحدث الصحفي الهام و تجد نفسها في خدمته.
هذه هي بداية المعركة. أو هذه هي حقيقة المعركة. وكانت (الخطة) أن نواجه هذه المعركة بالصمت لأن الهدف الحقيقي للمعركة هو جرنا إلى معارك كلامية ثم إلى معارك جانبية.
ولم نرد .. إلا لتوضيح بعض المواقف الهامة . ونحن لم (نسكت) عن عجز أو ضعف فإن السباب والشتائم لا تحتاج إلى جهد .. أو عناء. إنها عملية سهلة لا تكلف المرء أي مجهود خارق.
ولكن ما الذي ستجنيه من هذه المعارك الكلامية؟ ما الذي سنستفيده؟ .. ما الذي سنكسبه؟ لا شيء سوى أن نسود الصفحات الطوال بغث القول وجزافه.
هكذا كانت (الخطة) أن نسكت .. أن لا نرد إطلاقا. ولكن أصحاب تلك الأقلام
لا يريدون أن تنتهي المعركة على هذا النحو.
كانوا يريدونها معركة حامية تأكل الأخضر واليابس وشعارهم في هذا .. علي وعلى أعدائي يا رب!!
ولكن لن نمكنهم من هدفهم، سنضع عليهم غرضهم الحقيقي وستفوت عليهم الفرصة. كيف يكون هذا؟ لننظر في منشأ هذا الخلاف .. في النقطة التي انطلقت منها المعركة المفتعلة .. ما هي؟! أليست هي الدعوة إلى وحدة حضرموت؟ ثم .. ماذا هم يقولون عن هذه الوحدة؟ أليسوا هم يقولون: إن هذه الوحدة ليست في صالح شعب حضرموت.. في هذا الوقت بالذات.. وإنها ستضر بتلك المصالح لأن الوضع في المنطقتين لم يتغير وأن الشعب لا يملك مقدراته.. لا يحكم .. والوحدة التي ستم سوف لا يكون له فيها رأي وربما صاحب قيام هذه الوحدة توقيع اتفاقيات ومعاهدات والتزامات جديدة.
لهذا فهم ينادون بأن يستمر الوضع على ما هو عليه حتى تجد ظروف أخرى تجعل تحقيق هذه الوحدة في صالح شعب المنطقتين. هذا هو رأي الذين ينادون بأن لا تقوم وحدة بين جزأي حضرموت.
ونحن لا نختلف معهم من حيث النتائج المتحصل عليها من قيام الوحدة. فنحن نريد وحدة تحقق مصالح الشعب العربي في حضرموت کما یریدون. نريد وحدة شعبية يحكم فيها الشعب حكما نيابيا مباشرا.. ولكن وسائل تحقيق هذه الوحدة هي موضع الخلاف.
فالذين ينادون بقاء التجزئة والتطلع إلى ظروف أفضل لتحقيق هذه الوحدة لا يحددون معالم الطريق. إنهم يقررون ولكن لا يفعلون شيئا من أجل جعل هذا (التقرير) واقعا مجسدا. إنهم يتركون (التنفيذ) للمستقبل يجدد زمانه ومكانه.
أما الذين ينادون بالوحدة فورا فسبيلهم إلى ذلك واضح:
- إنهم يطلبون توحيد الحكومتين في حكومة واحدة تحمل اسم (حكومة حضرموت).
- تكوين مجلس للسلاطين.
- تكوين مجلس تشريعي ينتخب ثلثا أعضائه على الأقل.
- تعميم مبدأ الانتخاب في المجالس البلدية وإعطاؤها صلاحيات تنفيذية واسعة.
- تحتفظ العلاقات مع بريطانيا بطابعها قبل الوحدة.
هذه هي الأسس التي ستقوم عليها الوحدة. وهي أسس يجب أن نعمل لها متكاتفين حتى تتحقق على الوجه المرضي.
وقد لا تحقق هذه الوحدة كل شيء في البداية إلا أنه من خلال التمس بالأحداث ومواجهة المشاكل يمكن تحقيق مكاسب أخرى. وقد لا يوافق بعض أصحاب السلطة على هذه الأسس. ولكن باتحادنا ومثابرتنا على السعي الحثيث لا بد وأن نحقق الغاية منها.
والطريقة المثلى لتحقيق هذه الوحدة هو أن تقوم منظمات أو هيئات سياسية تمهد الطريق لالتقاء الشعب في المنطقتين وستقف في طريقها مصاعب جمة ولكن ينبغي تذليلها والتغلب عليها.
هذه هي أسس الوحدة التي ننادي بها. إنها أسس واضحة صريحة لا غائمة ولا مضطربة، إننا نعلنها هنا .. لتناقش بتفصيل ..
والوحدة التي ننادي بها لن تتحقق في يوم أو ليلة، إنها تحتاج إلى جهد كبير وعمل متواصل. وهذه الوحدة .. هي حقنا الشرعي. سنتمسك به وسنحرص عليه. ويجب أن نثبت للملا عن اقتدارنا على تحمل المسئولية والنهوض بها. يجب أن نتناسى أشخاصنا ونحن نعمل لبناء صرح مستقبلنا.
إن الأهمية المطردة لهذه المنطقة من جنوبنا الكبير تحتم علينا أن نقف متحدين متكاتفين لا تفرقنا الأهواء الشخصية أو تباعد بينا الأحقاد. يجب أن نثبت للآخرين أننا رجال كبار. يجب أن نبدل نظرتنا بعضنا إلى بعض فلا عقد تتحكم في علاقاتنا ولا ضغائن تطبع تصرفاتنا.
إن العالم من حولنا يجري ويتطور ونحن لا نفعل شيئا سوى أن يحطم بعضنا بعضا ويحارب أحدنا الآخر.
هذا هو سبيلنا .. وهذه هي دعوتنا نعلنها واضحة لا لبس فيها ولا غموض. لعل أصحاب الأقلام المسعورة و (القفازات المأجورة) تمسك عنا أذاها، لنواصل البناء .. بناء المستقبل الزاهر السعيد.