من الخميس إلى الخميس
مناقشات .. حول الوحدة والتحرر
مقالة تم نشرها في صحيفة الطليعة الحضرمية
العدد (79)، 26 جمادى الثانية 1380 هـ
15 ديسمبر1960م
الخلاف بيننا وبين من يسمون أنفسهم بدعاة التحرر والوحدة خلاف يبدو وكأنه غير واضح تماما. فالذين يدعون إلى ما يسمونه (باليمن الطبيعية) أو (اليمن الواحد) لا يفترقون في قليل أو كثير عمن يدعون إلى وحدة إمارتين أو ثلاث أو أكثر. لأن ما يسمى باليمن الطبيعية ليست سوى مجموعة هذه الإمارات أو البلاد التي استقلت إداريا.
وحتى هؤلاء الوحدويون اليمنيون يعتبرون - حسب مفهومهم - دعاة انفصال، حيث إن وحدة اليمن الطبيعية هي عبارة عن وحدة إقليمية. وعلى هذا التفسير يمكننا أن نقول عن وحدة الإقليمين المصري والسوري إنها كذلك وحدة غير متكاملة لأنها لا يشملان البلاد العربية من المحيط إلى الخليج !!
ولقد يعترض الوحدويون اليمنيون علينا بقولهم إن الشرط الأساسي للوحدة ه مناقشات حول الوحدة والتحرر من الاستعمار ومن الرجعية. ولنا على هذا الاعتراض سؤال بسيط وهو: هل إذا تحرر بلدان عربيان من الاستعمار ثم أرادا أن يتحدا فهل يعترف الوحدويون اليمنيون بهذه الوحدة أم أنه يشترط في ذلك أن تكون الوحدة لليمن الطبيعي كله؟!
والواقع أننا نحن الداعين لوحدة حضرموت بشطريها القعيطي والكثيري ندرك أن التحرر شرط أساسي لكي تصبح هذه الوحدة ذات فعالية، بل إن إيماننا بالتحرر لا ينبع من إيماننا بالشعارات أو النصوص الحرفية المكتوبة وإنما هو نابع من شوقنا الأبدي إلى الحرية التي بدونها لا يكون للوجود أي معنی.
وكما أسلفنا فنحن لسنا هواة نصوص مكتوبة وإنا نحن أصحاب تجارب حية ذاتية. وعندما ندعو إلى وحدة حضرموت فإنما نشعر عن يقين أن هذه الوحدة هي جواز المرور إلى التحرر. فنحن كأفراد في دويلات صغيرة لن يكون لمطالباتنا في التطور الشامل القوة التي ستكون لنا ونحن في دولة متحدة.
وهاهو القناع ينحسر عن أولئك الذين ظلوا يناهضون الدعوة إلى وحدة حضرموت بحجة أن هذه الوحدة في ظل الأوضاع الفاسدة لا يمكن أن تخدم مصلحة الشعبين. فقد تجلى الآن واضحا أن أولئك المناهضين للوحدة يعملون على تثبيت تلك الأوضاع وإعطاء الأجنبي الدخيل فرصة التدخل في شئونهم الخاصة!!
والوحدويون اليمنيون - في نظرنا - لا يختلفون من حيث النتائج عن أولئك المناهضين للوحدة، العاملين في الوقت نفسه على تدعيم سلطة الأجنبي، لأنهم ليسوا جادين في شيء مطلقا، إنهم يناقشون للنقاش وحده، إنهم ليسوا من النضال في شيء، لأنهم أعجز من أن يحققوا وحدة النضال بين الجماعة الصغيرة المتعايشة في المدينة الواحدة ناهيك بوحدة النضال في بلد تفصل بين أبنائه مفازات من التخلف الاجتماعي والاقتصادي، کيا تتجاذبه قوی الرجعية والاستعمار.
لقد قلنا أكثر من مرة إن الوحدة التي ننادي بها بين شطري حضرموت هي وحدة الشعبين، وإن تحقيق هذه الوحدة يتطلب مزيدا من الجهود الصادقة يبذلها المخلصون من سكان المنطقتين، وسوف تعترض الصعاب طريق هذه الوحدة ولكن بتصميم الشعبين سوف تزول تلك الصعاب وتتحقق الوحدة المنشودة.
ونحن نعلم أن دعوة الوحدويين اليمنيين إن هي إلا دعوة طوباوية لأن هؤلاء لم يقدموا الدليل حتى الآن على جدية دعوتهم، كما إنهم لم يتبينوا طبيعة المعركة التي يتحدثون عنها، فإذا سألتهم كيف يتحقق لهذه الأقطار المتأخرة ثقافيا وعمرانيا وسياسيا التحرر جملة واحدة، لأتاك الجواب خليطا مشوشا من كلمات النضال الموحد وحرية الشعب العربي والاستعمار والرجعية المتحالفة إلى آخر هذا الخليط الغريب.
هذه الكلمات نكتبها ردا على الكتابات الغائمة التي تطالعنا بين الحين والآخر والتي تتستر وراء دعوة النضال ولكن حيث لا نضال. ونحن الذين نؤمن بحرية الرأي نرجو أن يرتفع هؤلاء الوحدويون اليمنيون إلى مستوى الحوادث الحاضرة وأن يثبتوا أقدامهم على أرض الواقع لا أن يحلقوا بها في عالم الخيال وأن يستشعروا بمسئولية الكتابة، فإنه لا يصح أن نغمض أعيننا عن هذه الحقائق السافرة، وأن نقطع الوقت في جدل عقيم لا يجدي ولا يفيد.
ونحن مع هذا من أزهد الناس عن الكلام الأجوف الفارغ، عن النظريات المستوردة، عن النصوص الحرفية المكتوبة، عن القوالب المصنوعة. فدعونا بالله نفکر بعقولنا، دعونا نقيم لأنفسنا طريقا في هذه الحياة. إن الوحدة في مثل أوضاعنا الحاضرة هي جواز المرور كما قلنا إلى التحرر. فإن الدويلات الصغيرة المجزأة لا تستطيع أن تتحرر من الاستعمار والرجعية إلا إذا اتحدت في جماعات أكبر، وإلا فإنه يسهل على الاستعمار والرجعية القضاء على أية حركة للتحرر واقتلاعها واحدة واحدة.
هذا هو مفهومنا للوحدة شرحناه أكثر من مرة وفي أكثر من مقال واحد ولكن هواة النصوص المكتوبة ودعاة التحرر أولا، هؤلاء يطالعوننا بكتابات لا تمت إلى أرض الواقع بصلة. إنها أشبه ما تكون بأماني الحالمين لا يبذلون من أجل تحقيقها أي مجهود وإنما هم يرددونها ويتسجرونها كلما تذكروا أنهم لم يصنعوا لبلدهم شيئا، إنها سلواهم أو هي جنتهم يفرون إليها.
إننا نرثي المفاهيمهم .. لأفكارهم .. لواقع النضال الذي يتحدثون عنه .. النضال النابع من الفراغ الذي يطحنهم. وإن التحرر من الاستعمار ومن الرجعية ليس هو هدفهم وحدهم، وإنما هو هدف كل المواطنين الشرفاء، والفارق بيننا وبينهم أننا سائرون نحو تحقيق هذا التحرر. أما هم فيكتفون بالصراخ بالتشدق بالألفاظ والوقوف عندها .
هذا هو الفارق بيننا وبينهم .. يبدو وكأنه فارق في الشكل وفي الأسلوب، ولكن الواقع أنه فارق في الخطة والعمل. شرحناه في هذه الكلمات الواضحة .. الصريحة .. لعلهم يفهمون عنا معاني الوحدة التي ننادي بها، والتي نمهد بكتاباتنا لقيامها إن عاجلا أو آجلا.