خصوصية العلاقة بين الأمراء الحاتميين والدولة الرسولية في عهد الملك المظفر يوسف بن عمر (647 ـ 694هـ)
د / محمد منصور علي بلعيد
أستاذ مشارك / كلية التربية ـ زنجبار
د / محمد عبدالله سعيد الميسري
أستاذ مشارك / كلية التربية ـ زنجبار
كما علينا في هذا الشأن، أن نشير إلى الموقف العام للأمراء الحاتميين من الدولة الرسولية، ففي حين قرر الأمير بدر الدين محمد بن حاتم وأخوته الاندماج الكامل مع الدولة الرسولية في عهد الملك المظفر، ووضعوا كل حصونهم وممتلكاتهم تحت تصرف هذا الملك، اتخذ الأمراء الحاتميون في حصن ذي مرمر موقفًا مغايرًا كليًا لهم، إذ أرادوا الاحتفاظ بنوع من الخصوصية التي ورثوها عن أجدادهم السلاطين([1])، وهو ما لم يرق للملك المظفر ولم يرَ إليه سبيلًا، ولعل لهذا التباين في الموقف بين الأمراء الحاتميين من الدولة الرسولية، عدة أسباب، أهمها:
أولًا- أن الرئاسة في بني حاتم ظلت محصورة مدة طويلة بيد الأمراء من نسل السلاطين في حصن ذي مرمر، فأراد أبناء عمومتهم من الأمراء الحاتميين في حصن العروس منافستهم على الرئاسة([2])، وذلك بالتعرض لخدمة الملك المظفر، والتقرب منه، وهو ما كان يأنفه الأمراء من نسل السلاطين.
ثانيًا- أن بذور هذا الانقسام تعود إلى ذلك الخلاف الذي حدث بين الملك المظفر وابن عمه الأمير أسد الدين بسبب قيام الملك المظفر باعتقال الأمير فخر الدين أبي بكر بن الحسن([3])، أخي الأمير أسد الدين، ففي حين وقف الأمراء الحاتميون في حصن ذي مرمر في صف الأمير أسد الدين، استنادًا إلى تحالف قديم جمعهم به أيام ولايته على صنعاء في عهد الملك المنصور عمر بن علي([4])، اختار الأمراء الحاتميون في حصن العروس الوقوف في صف الملك المظفر ورفضوا أي استضافة للأمير أسد الدين في حصون بني حاتم، حتى قال الأمير بدر الدين محمد بن حاتم([5]): "فما زال ذلك بيننا حتى ولّد حقدًا وشحناء، ثم آل الأمر إلى المحطة على ذي مرمر".
ثالثًا- كان الأمراء الحاتميون في حصن العروس أكثر قراءة للواقع السياسي في ذلك الحين، وأدركوا بفراستهم أن هذه المرحلة هي مرحلة الملك المظفر ولا سواه، فوضعوا رهانهم على الحصان الرابح، فصدقت فراستهم وارتفع شأنهم، بعكس الأمراء الحاتميين في حصن ذي مرمر الذين ما زالوا يعيشون في زمن أسلافهم السلاطين ولم يدركوا أنه ولّى دون رجعة، وأن عليهم التعايش مع الواقع كما هو.
رابعًا- وقفت العلاقات مع الأشراف الحمزيين حجرًا عثرة دون أي تقارب بين الأمراء الحاتميين في حصن ذي مرمر والملك المظفر، فقد كانوا يرجحون كفة هؤلاء الأشراف على كفة الملك المظفر عند حدوث أي خلاف بينهما، بينما يفعل الأمراء الحاتميون في حصن العروس العكس من ذلك تمامًا.
ولكل ما أسلفنا، فقد انحصرت خصوصية العلاقة ـ موضوع البحث ـ في الأمراء الحاتميين في حصن العروس ـ ونعني بهم الأمير بدر الدين محمد بن حاتم وإخوته، ومن كان على نهجه، وانتهى أي دور للأمراء الحاتميون في حصن ذي مرمر بعد إخضاعهم مرغمين للدولة الرسولية([6]). واللافت في الأمر، أن من تصدر هذه المهمة هم أبناء عمومتهم في حصن العروس، إثباتًا للملك المظفر على صدقهم في تحالفهم معه، وأن لا شيء قد يثنيهم عن ذلك، حتى إنهم كانوا أحرص منه على إسقاط حصن ذي مرمر، فعندما أرسل إليهم الملك المظفر أن لا يحدث الاستعجال في أخذ الحصن وأن يُعطَوا الفرصة للتفكير، أقسم الأمير بدر الدين محمد بن حاتم على إسقاطه بأي الوجوه([7]).
ونظرًا للجهود التي بذلها الأمير بدر الدين في إخضاع حصن ذي مرمر، وهبه الملك المظفر ثلث ما يُتحصل من بلاد حصن ذي مرمر والثلث من المال المخصص للأمراء كافة يتصرف به كيف يشاء، وهنا تتجلى صورة من صور الخصوصية في العلاقة بين هذا الأمير تحديدًا والملك المظفر، حين قال له([8]): "لست أطلب إلا الشفقة تبقى عليّ، وأنت الأهل والمال والحصن والبلد"، ثم يضيف حينما ألح عليه الملك المظفر في أخذ المال: "فأقسمت لا أخذت غير عادتي من المال التي أعتادها ولا أخذت غير بلد أستوهبها منك"، ثم أردف قائلًا: "ثم عمل لي من البر والكرم والمعروف أضعاف ذلك".
وفي سنة 657هـ، قرر الملك المظفر الطلوع إلى مناطق اليمن الأعلى([9])، وإخضاع ما تبقى من الحصون الممتنعة، فجعل محطته في سيان([10])، وأرسل قادته لحصار تلك الحصون، فأرسل علي بن موسى بن رسول لحصار حصن فدة([11])، وأرسل الأمير بدر الدين محمد بن حاتم لحصار حصن الظفر([12]). وفي أثناء هذا الحصار ورد أمر من الملك المظفر إلى الأمير بدر الدين بالتقدم إلى بلاد بني شهاب([13]) وحضور([14]) للتوسط بينه وبين تلك القبائل، وكان على رأسها في ذلك الحين الأمير شهاب بن الوشاح([15]).
ونظرًا لقوة العلاقة التي جمعت الأمير بدر الدين محمد بن حاتم بكل من الملك المظفر من جهة، والأمير محمد بن الوشاح، توصل الطرفان إلى تفاهم بينهما، وكان الأمير بدر الدين حريصًا على إتمام ذلك الصلح، يظهر ذلك جليًا من قوله([16]): "وما زلت به (يقصد الأمير محمد بن الوشاح) حتى أصلحت أموره عند مولانا السلطان"، بل ورهن أخاه الأمير السيف بن حاتم ([17]) عند آل الوشاح في حصن بيت ردم ([18])، ضمانةً لما تم الاتفاق عليه، بينما كان حصن العروس التابع للأمراء الحاتميين، المكان الآمن للرهائن من القبائل عند عقد أي صلح بينها وبين الملك المظفر.
ولم يزل الملك المظفر يعتمد على الأمير بدر الدين محمد بن حاتم وإخوته من الأمراء الحاتميين للقيام بالمهام الجسام، ومن تلك المهام شراء الحصون ممن يرغب في بيعها من القبائل كحل وسط بينه وبين تلك القبائل. وفي هذا الشأن تمكن الأمير بدر الدين من إقناع أصحاب حصني عزان ([19]) والمصنعة ([20]) ببيعهما بثلاثين ألف دينار([21]).
وفي سنة 658هـ، أوكل الملك المظفر ولاية صنعاء للأمير علم الدين الشعبي ([22])، وفيما يبدو أن الملك المظفر لم يكن يرغب في تولية صنعاء للأمير بدر الدين محمد بن حاتم، على الرغم من تلك الجهود التي بذلها في خدمة الدولة الرسولية، لعدة أسباب، لكن أبرزها: الخوف من تفكير الأمراء الحاتميين في استعادة أمجادهم الغابرة وإحياء دولتهم المندثرة، فأراد بتولية الأمير علم الدين قطع كل الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا الأمر، لا سيما أنه رأى تلك المكانة الكبيرة للأمير بدر الدين في نفوس قبائل صنعاء وما حولها، وهو الذي كان يُلقب بـ: "الأمير الكبير"([23])، تمييزًا له عن بقية الأمراء الحاتميين.
وعلى الرغم من ذلك، كان الملك المظفر يوكل للأمير بدر الدين مهامًا هي أقرب في جوهرها إلى وظيفة الوالي دون تعيين رسمي، فتراه حينًا يجعله شريكًا للوالي، وحينًا نائبًا لـه، وحينًا أخرى بديلًا عنه عند انشغاله، وهذا يدل على ذكاء كل من الملك المظفر والأمير بدر الدين، فالأول وإن لم يعين الأمير بدر الدين واليًا على صنعاء، إلا أنه أشعره بأهميته في تلك المناطق وجعله يمارس دور الوالي دون تعيين، وبالمقابل لم يطمع الأمير بدر الدين في أكثر من ذلك، وكانت قراءته للواقع السياسي ـ في ذلك الحين ـ صحيحة، وأدرك أن التحالف مع الملك المظفر قلبًا وقالبًا هو السبيل الوحيد لتبوء مكانة تليق به بين الأمراء والأشراف والقبائل على حد سواء، وعمل بالمثل القائل: "ليس بالإمكان.. أفضل مما كان".
وتأسيسًا على ما تقدم، بذل الأمير بدر الدين وبقية الأمراء الحاتميين من إخوته وأقاربه، جهودًا محمودة في خدمة الدولة الرسولية بالتعاون مع هذا الوالي الجديد، حتى إن الأمير بدر الدين كان يقترح على الأمير علم الدين الشعبي أن يحل محله في بعض مكامن الخطر([24])، وبالمقابل كان الأمير علم الدين الشعبي يدرك مكانة الأمير بدر الدين في مناطق اليمن الأعلى، ويعلم أنه لن يستقيم له الحال، إلا بالتعاون معه، ولذلك كان يعامله بما هو أهله ويستشيره ويستصوب رأيه في كثير من الأمور بل ويقبل شفاعته إكرامًا له ([25]).
ولم تقتصر علاقة الملك المظفر بزعماء همدان على الأمير بدر الدين فقط، بل امتدت لتشمل الكثير من الزعامات القبلية، وإن لم تكن بالمستوى والخصوصية نفسهما، ومن هؤلاء الشيخ عزان بن عمرو الهمداني الذي أوصى الملك المظفر قادته في صنعاء ألا يفعلوا شيئًا دون مشورته ([26]). وكذلك الأمير محمد بن عمران الهمداني الذي كان أحد قادة المحاط الست الموكلة إليها مهمة حصار حصن ثل ا([27]). وكذلك الأمير شمس الدين أحمد بن علي الصليحي الهمداني الذي كان واليًا للملك المظفر على بلاد حجة([28]).
ونتيجة لسياسات الأمير علم الدين الشعبي وأساليبه الخاطئة في التعامل مع القبائل اليمنية ([29])، توترت الأوضاع في مناطق اليمن الأعلى حتى وصل الحال إلى أن الأمير علم الدين لم يعد يأمن على نفسه، وهنا تتجسد صورة أخرى من صور خصوصية العلاقة التي جمعت الأمير بدر الدين وهمدان عامة بالدولة الرسولية في عهد الملك المظفر، ومن ذلك ما رواه الأمير بدر الدين حين قال ([30]): "فسار الأمير علم الدين راكبًا حصانه قلقًا مما فعل العسكر ـ حين تركوه وحيدًا ـ وقال لي: هؤلاء الغُز قد صدروا ولم يلووا، فقلت له: لا بأس نحن يا همدان بين يديك، والله لا أُخذ لك عقال ومنا عين تطرف"، وكان وعده قبل ذلك بألف رجل من همدان، وهو في مقدمتهم، يعوِّض بهم عسكره الذين تمردوا عليه، في أثناء حصار حصن ثلا، ولكنه من شدة خوفه لم يثبت وفك الحصار عن الحصن([31]).
ومع تواتر الأخبار إلى الملك المظفر بما آل إليه الحال في مناطق اليمن الأعلى، رأى أن الوقت قد حان ليتولى الأمير بدر الدين محمد بن حاتم، بعض المهام التي أخفق فيها الأمير علم الدين الشعبي، ومن ذلك قول الأمير بدر الدين: "ثم اتفق في هذه الهدنة أن الأمر السلطاني ورد (عليَّ) بالنزول إلى الأبواب (السلطانية) للمراجعة بحديث المحطة على ثلا (للمرة الثانية)"، ثم أردف قائلًا: "فنزلت إلى الأبواب ومثلت بالمقام، وقال لي مولانا السلطان: عرضنا المحطة على ثلا، وأن تكون أنت صاحب المحطة"، ولتنفيذ هذا الأمر، استعمل الأمير بدر الدين ألف رجل من همدان([32]).
ولم يكتفِ الملك المظفر بهذا الدور للأمير بدر الدين، بل أرسل إليه عبر وسطاء من حجة، خزانة مبلغها خمسون ألف دينار مظفرية، وفي مضمونها([33]): "عند وصول الخزانة إليك، ترسل منها للأمير علم الدين بجامكية عسكره، وتنفق على الرتب التي تحت يدك وكذلك الحصون، وما كان منها محتاجًا إلى الجامكية أنفقت على أهله، فليس عندنا صورة ولا تفصيل لما تحتاج إليه". وهذا يدل على الثقة الكبيرة التي كان يوليها الملك المظفر للأمير بدر الدين محمد بن حاتم، إذ استأمنه على هذا المبلغ الكبير من الخزانة دون أن يعلم تفاصيل إنفاقها على وجه التحديد، بل إنه أرسل إليه خزانة غيرها وبمبلغها نفسه، ولكن من طريق ذمار، ضمانًا لوصول الخزانة وتحسبًا لتعثر إحداهما ([34]).
والمؤكد في كل هذا، أنه ما كان للأمير بدر الدين أن يتمتع بهذه المكانة عند الملك المظفر لولا وقوف الأمراء الحاتميين خاصة وهمدان عامة إلى جانبه، بل إن الكثير منهم جاد بنفسه دفاعًا عن الدولة الرسولية، وعلى رأس هؤلاء الأمير بشر بن حاتم الذي قُتِلَ في إحدى المعارك مع الأشراف الزيديين([35]).
الجدير بالذكر هنا، أن الأمير بدر الدين محمد بن حاتم كان أعلم بأحوال البلاد العليا من الملك المظفر، نظرًا للتقارب الجغرافي بين البلاد الحاتمية الهمدانية وتلك التي تخضع للنفوذ الزيدي شمال صنعاء، وكان لا يدخر نصحًا للملك المظفر، وإن كان لا يعارضه إذا أصر على أمر، بينما كان الملك المظفر يثق في رأيه، ولا أدل على ذلك من كثرة المراجعات التي نزلها الأمير بدر الدين للأبواب السلطانية في زبيد أو تعز([36])، والتي كان يلتقي فيها بالملك المظفر شخصيًا، ويناقش معه أهم المستجدات على الساحة السياسية، ومن الأمثلة على ذلك، ما رواه الأمير بدر الدين، حين أمره الملك المظفر بالمحطة على ثلا، إذ نصح الملك المظفر بترك حصني ثلا([37]) وظفار([38]) كمتنفسين للأشراف الزيديين ينشغلون بهما عما سواهما، وأكد له أن محاولة إسقاط هذين الحصنين سيجعل الأشراف يفكرون جديًا في تنحية خلافاتهما جانبًا([39]) وفي إقامة إمام يجمع كلمتهم([40])، ويوحد صفوفهم، وهذا ما حدث فعلًا. بعد أن أصر الملك المظفر على حصار ثلا، إذ لم تمضِ مدة على هذا الحصار حتى بايع الأشراف الزيديون المهدي إبراهيم بن تاج الدين إمامًا لهم في سنة 671هـ ([41])، فاجتمع له عسكر عظيم، فيه كل مناهضي الملك المظفر، ولم يثبت مع الملك المظفر سوى الأمراء الحاتميين ومن ورائهم قبيلة همدان([42]).
ونظرًا لهذا الموقف من الأمراء الحاتميين، قام الإمام المهدي إبراهيم بن تاج الدين ([43]) بالاستيلاء على حصني النواش ([44]) والمنار([45])، وهي من الحصون الحاتمية، كما أمر المماليك بنهب بيوت الأمراء الحاتميين في صنعاء بعد دخولهم إليها ([46])، وكان على الأمير بدر الدين وإخوته أن يقودوا المواجهة مع هذا الإمام، حتى روى مصنف السمط هذا الأمر بقوله ([47]): "قال الأمير بدر الدين محمد بن حاتم، وأقبل الأمير علي بن عبدالله (الزيدي) وبنو شهاب، فأرسلت صنوي السيف (ابن حاتم) في خيل ورجل من همدان مقابلته، وأقبل أحمد بن محمد.. بمن معه، فجعلت في مقابلتهم صنوي الفهد (ابن حاتم)، ثم خرجت أنا بمن بقي من همدان وقد تلازم الأمير علي بن عبدالله والصنو السيف... ملازمة عظيمة، فكسرناهم، ومنح الله النصر الجنود المظفرية".
ومن الأمثلة على ذلك أيضًا، قول الأمير بدر الدين محمد بن حاتم ([48]): "وكان صنوي علي بن حاتم في موضع يسمى "دباخ" ([49])... فقاتلوه في تلك الليلة قتالًا عظيمًا... فلم ينالوا منهم شيئًا"، وقوله أيضًا([50]): "ثم قصدونا إلى الزعلاء... فرددناهم تلك الليلة وأمسى كل منا ومنهم يوقد ناره خائفًا من صاحبه، والرمي من أول الليل إلى الصباح".
ولم يزل الأمراء الحاتميون يواجهون الأشراف بمفردهم تارة، ويسعون إلى الصلح معهم تارة أخرى، حتى وصلتهم الأخبار بطلوع الملك المظفر ومحطته في جهران([51])، وفي صورة من صور الخصوصية في العلاقة بين هؤلاء الأمراء والدولة الرسولية في عهد الملك المظفر، انتدب هذا الملك اثنين من الأمراء الهمدانيين لمهمة استطلاع الطريق له إلى صنعاء وتأمينه، وهما: الأمير السيف بن حاتم والأمير شمس الدين أحمد بن علي الصليحي الهمداني([52])، كما أمرهما باستكشاف حال القبائل، ومن منهم لا يزال على الطاعة، ومن منهم مخالف، وأعطاهما عشرة آلاف دينار من أجل هذا الغرض، وتعهد لهما بالمزيد إن احتاجا لأكثر من ذلك، وألح عليهما بإفساد من أمكنهما إفساده من عسكر الأشراف وحلفائهم ([53]).
بينما أسندت للأمير بدر الدين محمد بن حاتم مهمة مراسلة القبائل في حضور وبني الراعي ([54]) ليتراجعوا عن خلع الطاعة، والعودة إلى حلف الملك المظفر، فأنجز هذه المهمة بنجاح، وألزمهم تقديم الرهائن على ذلك ([55])، وكذلك فعل الأمر ذاته مع أهل بيت حنبص ([56])، ثم ورد عليه الأمر من الملك المظفر بالطواف حول جبل عيبان ([57]) على رأس مائة فارس، وتفحص جوانبه، ومن أي الجهات يمكن طلوعه، نزولًا إلى صنعاء ([58]).
وبينما الوضع على هذه الحال، قرر الإمام المهدي النزول من صنعاء لملاقاة الملك المظفر، وهو لا يعلم أن الأمراء الحاتميين قد أفسدوا عليه القبائل، فلم يجد غير حصن في قرية أفق ([59]) يتحصن به من الجنود المظفرية، وبعد فترة قصيرة وقع الإمام المهدي ومن معه في الأسر بعد أن تم اقتحام الحصن.
ولا تزال العلاقة بين الأمراء الحاتميين والملك المظفر تتوطد أكثر فأكثر حتى إنهم لم يكونوا يرفضون له أمرًا ولو كان فيه ضرر لهم، ولعل فيما اشترطه أهل حصن كوكبان على الملك المظفر، مقابل تسليمه دليلًا على ذلك، فقد اشترطوا عليه لتسليم الحصن، عشرين ألف دينار والأمان لهم ولأموالهم وحصن ردمان ([60]) بديلًا عن حصنهم، وهو يومئذ للأمير بدر الدين محمد بن حاتم، اشتراه من الأمير الحمزي علي بن عبدالله، وقد أورد الأمير بدر هذا الموقف بقوله ([61]): ".. ولم يطلبوه إلا طلبًا لمضرتي"، فقد كان هو من أسند إليه الملك المظفر المحطة على الحصن والتضييق على أهله حتى يستسلموا، فأرادوا بهذا الشرط نكايته والانتقام منه، وحين ورد الأمر من الملك المظفر للأمير بدر الدين بتسليم حصن ردمان لأهل كوكبان، أجابه بالقول ([62]): "ليس مني خلاف، ولو طلب مولانا الأرواح لم يكن هناك توقف، والحصن هو نعمة من مولانا السلطان".
وكمندوبين للملك المظفر يثق بهم ويعلم صدقهم، أرسل الملك المظفر، الأمير علي بن حاتم إلى كافة الأمراء الحمزيين يدعوهم "للفرحة" ([63])، والنزول للأبواب السلطانية، وطلب منه أن يكون هو الرفاقة لمن أراد منهم النزول ([64])، وفي مهمة أخرى تختلف في جوهرها عن مهمة الأمير علي بن حاتم، تم انتداب الأمير سالم بن حاتم لقتال من ظل من الأشراف مخالفًا للملك المظفر([65]).
إننا حين نتحدث عن خصوصية العلاقة بين الأمراء الحاتميين والدولة الرسولية في عهد الملك المظفر، فإنما نتحدث عن علاقة قَدَّمَ فيها الأمراء الحاتميون الغالي والنفيس في خدمة هذه الدولة، وهي علاقة لن تتكرر في خصوصيتها مع أي ملك رسولي أخر، وإذا كانت همدان كافة قد انحازت إلى صف الدولة الرسولية، فإن الأمراء الحاتميين هم من وقع عليهم العبء الأكبر، كونهم من تصدره وضربوا من أجله أروع الأمثلة.
لم يقتصر دور الأمراء الحاتميين على ما سبق الإشارة إليه، بل إنهم كانوا يقومون مقام الملك المظفر في بعض الأحوال، ومن ذلك ما رواه الأمير بدر الدين حين قال([66]): "وفي خلالها (انقطاع الطرق) تعسر وصول الخزائن، فتقدم الأمير السيف بن حاتم بخزانة جيدة إلى (حصن) الزاهر ([67])، وأوصلها صعدة".
[1] للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، انظر: فرحان، عباس علوي، بنو حاتم الهمدانيون (492 ــ 626هـ)، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن، عدن، 1426هـ/2005م، ص41 وما بعدها.
[2] وهذا ما أكده ابن الحسين حين قال: "وفيها (657هـ) تنافس بنو حاتم بن أحمد على الرياسة، وتنازعوا واختلفوا... حتى آل الأمر إلى أن قبض عليهم المظفر، واستولى على حصنهم ذي مرمر". غاية الأماني، 1/447 ـ 448.
[3] ابن حاتم، السمط، ص265.
[4] المصدر نفسه، ص343.
[5] ابن حاتم، السمط، ص354.
[6] الخزرجي، العقود اللؤلوية، 1/147.
[7] السمط، ص356.
[8] المصدر نفسه، ص357.
[9] ابن الحسين، غاية الأماني، 1/448.
[10] سَيَّان: قرية عامرة جنوب صنعاء من بلد ذي جُرة (بلاد الروس حاليًا). تنسب إلى سيان بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي، وإليها يُنسب بنو السياني. المقحفي، معجم البلدان، ص341.
[11] فِدَّة: حصن وسط وادي ضهر، على بعد (سبعة كليو مترات) غربي صنعاء. الحجري، مجموع بلدان اليمن، 4/634. المقحفي، معجم البلدان، ص498.
[12] الظُفُر: حصن في منتهى حقل قتاب (قاع الحقل) ويقع بالشرق من يحصب العلو. المقحفي، معجم البلدان، ص423.
[13] بنو شهاب: قبيلة وبلد من حمير قرب صنعاء تسمى اليوم بلاد البستان، وتنسب إلى شهاب بن العاقل بن ربيعة بن وهب بن ظالم... بن كندة، وتضم عزلتي شهاب الأسفل، وشهاب الأعلى، ومن قراهم: بيت بوس، وحدّة، وحَمِل، وأرتل. انظر: ابن دعثم، السيرة المنصورية، 2/151، (حاشية 4). ابن الديبع، قرة العيون، ص129، (حاشية 4). الحجري، مجموع بلدان اليمن، 1/119.
[14] حَضُور: جبل شامخ غربي صنعاء بمسافة (18 كيلو مترًا) ، ينسب إلى حضور بن عدي بن مالك بن زيد بن سُدد بن زرعة بن حمير بن سبأ الأصغر، وهو أعلى جبل في اليمن، ويدعى أيضًا جبل النبي شعيب لوجود قبر النبي شعيب عليه السلام ومسجده فيه. المقحفي، معجم البلدان، ص191 ـ 192.
[15] ابن حاتم، السمط، ص338.
[16] المصدر نفسه، ص341 ـ 342.
[17] المصدر نفسه، ص341.
[18] بَيتُ رَدَم: قرية وحصن في مخلاف بني شهاب أسفل بني مطر، جنوب جبل حضور إلى الغـرب من صنعاء. ابن الديبع، قرة العيون، ص308، (حاشية 6)؛ الأكوع، إسماعيل بن علي، البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ص49.
[19] عِزَّان: اسم مشترك بين عدد من الأماكن في اليمن منها: بلدة عزان في عـرش رداع بالغـرب الجنوبي منها بمسافـة (18 كيلو مترًا) ، وعزان حصن في جبل بُرع وعزان حصن خرب أعلى جبل ريمان المطل على مدينة إب من الزاوية الشرقية الشمالية ، وجبل عزان في حاشد. المقحفي ، معجم البلدان ، ص452. والمقصود من النص عزان المصانع في البلاد الحميرية بيريم، كما يفهم من النص. ابن حاتم، السمط، ص209.
[20] المصنعة: أسم مشترك بين عدد من المواضع في اليمن، لكن المقصود من النص، حصن في البلاد الحميرية بيريم. ابن حاتم، السمط، ص499؛ المقحفي، معجم البلدان، ص629 ـ 630.
[21] ابن حاتم، السمط، ص364. ابن الحسين، غاية الأماني، 1/452 ـ 453.
[22] هو الأمير علم الدين سنجر، من مماليك الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل الأيوبي، سُمي بالشعبي تمييزًا له عن باقي المماليك، لأنه لم يعرف شيئًا من فسقهم وفجورهم، كان أميرًا شجاعًا، متدينًا، وناسكًا متعبدًا، توفي في سنة 682هـ، أثر انهدام قصره في صنعاء، وهو بداخله. الخزرجي، العقود اللؤلؤية، 1/197.
[23] ابن حاتم، السمط، ص530.
[24] ابن حاتم، السمط، ص376.
[25] المصدر نفسه، ص377.
[26] المصدر نفسه، ص395.
[27] المصدر نفسه، ص381.
[28] حَجّة: مدينة عامرة بالسكان تقع في الشمال الغربي من صنعاء وهي منطقة جبلية وجزء منها من تهامة. الويسي، اليمن الكبرى، ص117 ـ 118.
[29] ابن الحسين، غاية الأماني، 1/455. وللمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، انظر: الميسري، الزيدية في اليمن، ص160، 168 ـ 169.
[30] السمط، ص423 ـ 424.
[31] ابن حاتم، السمط، ص411.
[32] المصدر نفسه، ص404 ـ 405.
[33] المصدر نفسه، ص415.
[34] المصدر نفسه، ص415.
[35] ابن حاتم، السمط، ص542.
[36] ابن حاتم، السمط، ص393، 404، 558، 561.
[37] كانت ثلا منذ قيام دولة بني رسول في سنة 626 هـ، من أشد المناوئين لهم، وأبرز المتحالفين مع الدولة الزيديـة، وظلت عصية عليهم، وفية للزيديين حتى سقوط الدولة الرسولية في سنة 858هـ. انظر: الخزرجـي، العقود اللؤلؤية، 1/73. ابن الحسين، أنباء الزمن في تاريخ اليمـن، مخطوط مصور، دار الإمام زيد بن علي، صنعاء، برقم (3) (تاريخ)، ق158. جار الله، عبد الرحمن حسن، ثُلا إحدى حواضر اليمن في العصر الإسلامي تاريخها وآثارها، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 1425هـ/2004م، ص46 ـ 47.
[38] ظَفَارِ: اسم مشترك بين عدد من الحصون اليمنية، والمقصود هنا، حصن من بلاد همدان من أعمـال ذيبيـن، كان يعرف سابقـًا بأكمة الإمام الناصر أبي الفتـح الديلمي (437 ـ 444هـ) ثم أعاد الإمام المنصـور بالله عبد الله بن حمـزة بناءه في سنة 600هـ، ثم ارتبط اسمه لاحقًا بالأمير صـارم الدين داود بن عبد الله بـن حمـزة. انظر: الحجري، مجموع بلدان اليمن، 3/564. الأكـوع، هجـر العلم، 3/1283.
[39] وهذا ما قصده الأمير بدر الدين محمد بن حاتم، حين قال: "... وأيقنوا أنهم بعد فوات ثلا، صائرون إلى البلاء... وهماـ أي ظفار وثلا ـ زوقاء حصونهم ومعاقلهم، وبهما يحاربون، ويقاومون الغز... ". انظر: السمط، ص406.
[40] ابن حاتم، السمط، ص405.
[41] ابن الحسين، غاية الأماني، 1/456.
[42] ابن حاتم، السمط، ص467.
[43] هو إبراهيم بن أحمد تاج الدين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى... بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، كان إمامًا شهيرًا، ذا علم غزير، دعا بعد موت عمه الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد. انظر: ابن القاسم، إبراهيم، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث)، ويسمى: " بلوغ المراد إلى معرفة الإسناد "، تح: عبد السلام بن عباس الوجيه، ط 1، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، عمّان، 1421هـ/2001م، 1/61 ـ 62. المؤيدي، مجد الدين بن محمد بن منصور، التحف شرح الزلف، ط3، مكتبة مركز بدر، صنعاء، 1417هـ/ 1997م، ص262 ـ 263. ومن الجدير بالذكر، أنه حين حدثوا المهدي إبراهيم بن تاج الدين في أمر توليه الإمامة، اشترط إجماع العلماء والفقهاء على ذلك، فبعث إليهم الأمير صارم الدين، فأجابه البعض وامتنـع البعض الآخر، وقالوا له لا يمكننا أن نبايعه دون المناظرة لتصح إمامته ونبايعه على بصيرة، فلما سمع الأمير صارم الدين قولهم، أخرج سيفه وأقسم لئن تأخر عن مبايعته أحد لأضربن عنقه، عندها بايعوه طائعين وكارهين، وكانت البيعة له في حصن ظفار في آخر ذي الحجة من سنة 670هـ. انظر: ابن حاتم، السمط، ص407. ابن الأنف، نزهة الأفكار، ق 84 أ.
[44] النواش: حصن في قفلة عذر من بلاد حاشد، والنواش: حصن في عزلة التويتي من مخلاف الشِّعر وأعمال النادرة. المقحفي، معجم البلدان، ص707.
[45] المنار: عزلة من بعدان جنوبي يريم، ومن قراها: الجبجب وذي حيفان وحيضان وبيت هريش ومدين وعَقد وثاولة. المقحفي، معجم البلدان، ص662.
[46] ابن حاتم، السمط، ص466.
[47] المصدر نفسه، ص422 ـ 423.
[48] المصدر نفسه، ص500.
[49] لم استدل على هذا الموقع في المعاجم، ولكنه ـ كما يُفهم من النص ـ ليس بعيدًا عن صنعاء.
[50] ابن حاتم، السمط، ص500.
[51] جَهْران: حقل واسع إلى الجنوب من مدينة صنعاء بمسافة (66 كيلو متر)، وينسب إلى جهران بن يحصب بن دهمان بن مالك، من ولد سبأ الأصغر، وهي اليوم ناحية من أعمال آنس تعرف بقاع جهران. المقحفي، معجم البلدان، ص 196.
[52] ابن حاتم، السمط، ص475.
[53] المصدر نفسه والصفحة.
[54] بنو الراعي: عزلة من ناحية بني مطر (ناحية البستان سابقًا). المقحفي، معجم البلدان، ص265.
[55] ابن حاتم، السمط، ص499.
[56] بيت حُنْبُص: بلدة بالقرب من صنعاء في ظاهر جبل عيبان، فوق حدة. المقحفي، معجم البلدان، ص95.
[57] عَيْبان: جبل يطل على صنعاء من ناحية الغرب. الحجري، مجموع بلدان اليمن، 3/619. المقحفي، معجم البلدان، ص 482.
[58] ابن حاتم، السمط، ص429.
[59] أَفْق: قرية عامـرة من مخلاف عنس وأعمال ذمـار. انظر: البكري، عبد الله بن عبد العزيز، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تح: مصطفى السقا، ط3، عالم الكتب، بيروت، 1983م، 1/178. المقحفي، معجم البلدان، ص46.
[60] رَدْمَانُ: اسم مشترك بين عدد من الأماكن والقبائل في اليمن، والمقصود من النص لا يبعد عن صنعاء كثيرًا. المقحفي، معجم البلدان، ص273.
[61] السمط، ص532.
[62] المصدر نفسه والصفحة.
[63] الفرحة أو الفرجة في بعض المصادر: عادة اجتماعية، يحتفل فيها الملوك الرسوليين، عند قدوم مولود جديد من أبنائهم أو أبناء أبنائهم أو عند ختانهم أو عند الشفاء من آثار الختان. فيدعون فيها الخاصة والعامة، ويقدمون فيها، ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات والحلاوات خلال أيام معدودة. ابن حاتم، السمط، ص534. للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، انظر: هُديل، طه حسين، الحياة الاجتماعية في اليمن في عصر الدولة الرسولية (626 ـ 858هـ) ط1، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، 2010م، ص231 232.
[64] ابن حاتم، السمط، ص534.
[65] ابن حاتم، السمط، ص543.
[66] المصدر نفسه، ص545.
[67] الزَاْهِـر: حصن وقريـة مشهـورة فـي بلاد الجـوف. المقحفـي، معجـم البلدان، ص295.