غزة والخليل في عيون الرحالة اليهود أواخر العصور الوسطى دراسة حالة الرابي ميشولام بن مناحم الفولتيري 886هـ /1481م (2)

غزة والخليل في عيون الرحالة اليهود أواخر العصور الوسطى

دراسة حالة الرابي ميشولام بن مناحم الفولتيري 886هـ /1481م

د. مصطفى وجيه مصطفى

أكاديمي – مصر

وشاهد ميشولام كهف المكفيلة الذي دُفِن فيه إبراهيم وأبناؤه عليهم السلام ووصفه بأنه في حقل وسط حبرون([1]). والمكفيلة معناها المزدوجة، وذلك بسبب بناء المسجد فوقها، والتي سماها عوبديا مقبرة الآباء([2])، وكلمة الآباء تشير عند اليهود والمسيحيين إلى الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب بشكل أساسي على اعتبار أنَّهم يأتون هم وسلالتهم على رأس شعب الله (بني إسرائيل) الذي خيرهم عن باقي شعوب الأرض، ووعدهم بأرض إسرائيل ليقودوا البشرية من خلالها([3]).

وذلك يشير إلى ارتباط اليهود منذ القدم بالحرم الإبراهيمي، وسبب تقديس حبرون عند اليهود، هو أنَّها العاصمة الأولى لليهود([4]) في عهد شاؤول، كما أنَّها الأرض التي شهدت إقامة عدد من كبار رموز اليهودية المبكرة في نواحيها، فالنبي إبراهيم عاش فيها جزءًا من حياته بعدما قدم من العراق، وكذلك عاش فيها إسحاق ويعقوب من بعده.

وقد ورد في سفر التكوين في العهد القديم، أنَّه في أثناء وجود إبراهيم في حبرون، ماتت زوجته سارة، فطلب من أهل المدينة مكانًا ليدفنها فيه، وبالفعل اشترى منهم مغارة المكفيلة مقابل مبلغ من المال([5]).

ومنذ ذلك الوقت، أضحت الخليل مدفنًا لأنبياء العهد القديم ولزوجاتهم، فقد دفن بها بعد ذلك كل من النبي إبراهيم والنبي إسحاق، كما أن يعقوب قُبيل موته في مصر، كان قد أوصى أبناءه بأن يحنطوا جسده وأن يحملوه معهم عند الخروج ليدفنوه بجوار آبائه، وهو الأمر الذي يقر سفر التكوين([6]) بحدوثه فعلًا عند دخول العبرانيين لفلسطين زمن يوشع([7])، أضف لذلك أن نبي الله داود حكم الخليل قديمًا نحو سبع سنوات([8])، علاوة على أن الخليل إحدى المدن المقدسة الأربع في فلسطين التي يجب ألا تنقطع فيها الصلاة مع القدس وطبرية وصفد([9]). والأهم من ذلك هو أن الخليل تقع فيما يدعونه بأرض الميعاد التي زعموا أن الله وعدهم بها في أيام إبراهيم، وما بعد ذلك أيضا. وإن كان أحبار اليهود انقسموا في ذلك الأمر إلى فرقتين: الأولى تقول إن النبوات تمت وانقضى زمنها، والفرقة الثانية تقول إن الله سيعطي البلاد لليهود بعد أن ينتصروا([10]). فإن اليهود يغضون الطرف عن آراء أحبارهم في هذا الشأن ويذهبون لفلسطين كلما استطاعوا.

بيد أنه يجب التنبيه على أن ترحال اليهود إلى الخليل - وميشولام أحد هؤلاء اليهود الذين ارتحلوا للخليل - لم يكن يشكل يومًا ما قسمًا من رحلة حجهم، وإنما كان الذهاب إليها من قبيل التبرك بالأنبياء الراقدين فيها والأماكن ذات الذكرى الطيبة لديهم.

وكيفما كان الأمر، فقد روى ميشولام أمرًا مهمًّا آخر عند "كهف المكفيلة"، في الخليل وهو أن المسلمين بنوا "... مسجدًا فوقه حسب عادتهم، وصنعوا سورا فوق الكهف وفي السور شباك صغير إذ يصلي اليهود ويلقون هنا بالنقود والعطور. وهنا أديت الصلاة..."([11]). أمَّا رواية عوبديا جارية عن الأمر نفسه فكانت على النحو التالي: "... في الخليل حيث مقبرة الآباء، يوجد مبنىً عتيق معظمه من كتل حجرية ضخمة، وفوق هذا البناء القديم مبنىً ثانٍ حديث يخص العرب..."([12]).

 وفِي تفسيره ذلك ذكر د. علي أحمد السيد([13]) في دراسته عن الحرم الإبراهيمي أن المادة الواردة عن الحرم الخليلي مقتضبة، ولعلها تتضح من خلال الكتابات المصدرية الأخرى؛ إذ يدعي الرحالة اليهودي الأندلسي بنيامين التطيلي نحو سنة 1173م/ 569هـ أن المبنى كان بمثابة معبد لليهود قبل أن يحوله الصليبيون مع أوائل القرن 12 الميلادي إلى كنيسة، ويبدو ادعاؤه من تناقضه مع ما ذكره هو نفسه من أن المسلمين كانوا قد أضافوا مدخلات معمارية مهمة تتمثل في المشاهد الستة، رمزا لدفن الأنبياء الثلاثة مع زوجاتهم أعلى المغارة حفاظًا على قدسية المقابر الحقيقية السفلية([14])، الأمر الذي يؤكد تحول المبنى إلى مسجد في ذلك الوقت. أمَّا الرحالة اليهودي بتاحيا الراتسبوني الذي زار القدس والخليل في أواخر السيطرة الصليبية على الأراضي المقدسة فقال عن الحرم الخليلي: "... إنه قصر عظيم شيد فوق مقابر أسلافنا، وأن إبراهام هو من حرص على بنائه بنفسه..."([15]).

وكان الحرم يتألف من الداخل من طابقين؛ الساحة التي تضم شواهد الأنبياء، وتعلوها قباب هرمية الشكل، وهي التي تضم المسجد الذي أشار إليه ميشولام وغيره، وتقع أسفلها المغارة التي تضم القبور الحقيقية([16]). ولعلنَا بذلك نكون بينا الشق الأول من رواية ميشولام فيما يخص المسجد والمغارة.

أما تفسير الشق الآخر من الرواية وهو قوله "... وفي السور-سور مقبرة الآباء-شباك صغير إذ يصلي اليهود ويلقون هنا بالنقود والعطور. وهنا أديت الصلاة..." فمن المفيد أن نضع بجواره نص عوبديا لأنَّه أكثر توضيحا. قال عوبديا: "... ويوجد بالخارج في أحد حوائط المغارة فتحة صغيرة يقال إنِّها استحدثت بعد دفن إبراهيم، وعندها يسمح لليهود بالصلاة بشرط عدم تَخطي أحدهم حوائط تلك المغارة، وشرعت في أداء صلاتي من خلال تلك الفتحة الصغيرة..."([17])، إذن صلاة اليهود كانت عند الفتحة الصغيرة المستحدثة، وليس عند المقابر الرئيسية للأنبياء كما يوحي ميشولام في روايته، وجدير بالذكر أن الفتحة المذكورة استحدثها الصليبيون وقت سيطرتهم على الأراضي الفلسطينية، وفي زيارته للخليل ذكر الفقيه المغربي ابن الحاج في –عصر الناصر محمد بن قلاوون- أن الصليبيين هم من حفروا فتحة في السور وعندما استرد المسلمون البلد أبقوا عليها ولم يغلقوها([18]). ويشير أحد المتخصصين إلى أن البحوث الأثرية كشفت عن وجود فتحة مستديرة في أرضية الساحة، محيطها من أحجار مرمرية كان الزوار يلقون من خلالها قطعا من الأوراق والقماش مكتوب عليها دعوات خاصة وابتهالات متشفعين بالأنبياء الراقدين بالمغارة([19]).

 وهكذا تبين المكان الذي خصه ميشولام بأداء صلاته عنده، وحُدد مكانه، كما تبين المكان الحقيقي للقبور والمشاهد سماط الخليل:

ووضح ما تناوله الرحالة اليهود بخصوص الحرم الإبراهيمي.

ثم عرج بالحديث عن سماط الخليل([20])، وقال إن المسلمين يعظمون قبر الخليل، ويقدمون عنده في كل يوم ثلاثة عشر ألفَ رغيفٍ من الخبز للفقراء تعظيمًا للمكان ولإبراهيم([21])، يقدمون الخبز في لحم العجول الطري، مثل هذا الذي قدمه إبراهيم إلى الملائكة، وتشريفا لإسحاق([22])، يقدمون لحم الغزال وغيره من الأطعمة الشهية حسب الرغبة، وفي تعظيم ليعقوب يقدم مع الخبز طعام حساء خضروات مثل هذا الذي قدمه إلى عيسى، وهذا يكون يوميًّا دون انقطاع.

ولعلَّ مِن المُناسب أن نتحدث عن ذلك الأمر بمزيدٍ من التفاصيل لأنَّه كان معلمًا من معالم بلد الخليل في كل العصور. تَحدَّث رحالاتنا عن معلم مشهور من معالم الخليل ألَّا وهو سماط خليل الرحمن، وربما تكون رحلة الحاج عبد الله الصباح([23]) هي الرحلة الوحيدة التي انفردت بوصف مفصل لسماط الخليل([24])، ويعد السلطان الظاهر بيبرس، المؤسس الحقيقي لدولة سلاطين المماليك، هو واضع اللبنة المملوكية في الاهتمام بأمر سماط الخليل ففي عام 662هـ/1263م؛ أمر بيبرس بترتيب سماط خليل الرحمن وأمر الرواتب للمقيمين والواردين "... وكان قد بطل ذلك من عدة أعوام كثيرة..."([25]) وحافظ على ذلك من جاء بعده من سلاطين المماليك وزادوا عليه الأوقاف والرواتب([26]) ولعلَّ من المفيد أيضًا أن نترك لأحد الرحالة المسلمين/المدجنين([27]) يشرح لنا ما صوّره بعينيه في هذا الأمر ثم نُفسر ما يحتاج إلى تفسير، قال الحاج المدَجَّن عبد الله الصباح "... وسماط خليل الرحمن مشهور، وعلى هذا السماط اثنا عشر ألف رَغيف تصرف كل يوم على الأغنياء والفقراء والداخل والخارج من أهل البلد وغيرهم ويفرقونها وقت الضحى الأعلى على أهل الرواتب والمراتب والفقهاء والعلماء والقراء وخدام الحرام الشريف، وأهلُ بلدة الخليل يأخذون الراتب من سماط الخليل الكبير والصغير والمرأة والبنت والذكر والأنثى، فكل أهل مدينة الخليل مرتبون في خبز الخليل يأخذونه وقت الضحى الأعلى، والواردون يأخذون في وقت العصر فبعد صلاة العصر يفرق السماط بالعدس والزبيب والسلق في الخضرة، ويأخذ الوارد رغيفين اثنين ساخنين وزلافة (طبق) عدس مطبوخ بالقديد والسلق ويصب عليها الزيت، وبعد صلاة الصبح أيضًا زلافة بدشيش([28]) القمح مطبوخ بالإدام، وأيضًا بعد صلاة الظهر من ذلك الدشيش المذكور وسماط الخليل، فيصب ثلاث مرات كل يوم كما ذكرنا، وأهل الراتب والمجاورون يأخذونه وقت الضحى الأعلى كل واحد على قدر راتبه وعليه رجل واحد يعرف الكل، وإن كانوا ألفًا يميزهم، مميزا بيننا بالاسم والعين ولا يشكل عليه منهم أحد ولا يقدر يعاود مرتين إلا ويعرفه، رجل محافظ على الأشياء كلها مأمون عليها يُعطي ولا يغلط بارك الله فيه من رجل..."([29]).

ومما ذكره المدجن يتضح أمور عديدة، منها: أن كمية الخبز التي كانت توزع يوميًّا إبان وجوده وصلت 12000 رغيف علاوة على الأطعمة المصاحبة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ذكره أن التوزيع والإطعام شمل كل أهل الخليل والواردين عليها، يتضح أن أهل الذمة كان لهم نصيب من ذلك السماط أيضا؛ كما يتبين التنظيم الذي كان متبعًا في توزيع الوجبات الغذائية، فأهل الخليل يتناولون وجباتهم في وقت معلوم والواردين في وقت معلوم آخر ثلاث مرات يوميًّا من ناحية أخرى.

والجدير بالذكر، أن العمري أورد معلومات عن الكميات التي كانت تستهلك في هذا السماط في أثناء زيارته للخليل في ذي الحجة سنة 745هـ/ 1344م تتشابه مع ما ورد عند ابن الصباح إذ قال: "... أخبرني بعض المباشرين أن بعض ليالي العشر من هذه السنة فرقوا زيادة على ثلاثة عشر ألف رغيف، وأن أغلب أيام العام ما بين السبعة آلاف والعشرة آلاف ويفرق مع الخبز طعام الزيت والسماق، وفي بكرة النهار يطبخ أيضا على قدر من الدشيش وفي بعض أيام الأسبوع يطبخ ما هو أفخر من ذلك..." أمَّا مؤرخ القدس المشهور مجير الدين الحنبلي (ت: 927هـ/ 1521م) فذكر أن السماط في أيامه كان يعمل فيه من الخبز 14000 رغيف وربما تصل 15000 رغيف يوميا([30]) وهو ضعف العدد الذي ذكره العمري. ومن هذه النصوص التي أوردتها المصادر -آنفة الذكر-، والتي تمثل العصر المملوكي كله في أوله، وفترته الوسيطة، وآخره، يتضح عظم ما كانت توليه الدولة المملوكية من رعاية لهذا السماط والعمل على تحسين تمويله المادي والعيني من ناحية، كما تبين أن الاهتمام المملوكي بهذا التحسين في التمويل المادي والعيني لضيافة الخليل ظل حتى أواخر أيام الدولة من ناحية ثانية، وذلك يتماشى مع الاهتمام بالواجهة الدينية التي كانت إحدى وجهي الفلسفة السياسية للدولة من ناحية ثالثة، ومِن ناحية رابعة، تتضح الزيادة المستمرة في أعداد الواردين والمجاورين في القدس آنذاك، وهو الأمر الذي يتوافق مع مكانة القدس والخليل في الوجدان.

بعد أن انتهى ميشولام من الحديث عن ضيافة أو سماط الخليل، تطرق إلى الحديث عن الوجود اليهودي في الخليل زمن رحلته وذكر أن بحبرون نحو عشرين أسرة يهودية، هؤلاء العشرون الأسرة ذكر عوبديا أنَّهم كانوا يعيشون في الخليل كلهم بعضهم مع بعض في دار واحدة، ولم يكن يقيم بينهم أي مسلم([31]). أمَّا مؤرخ القدس مجير الدين الحنبلي فذكر أن حارة اليهود في الخليل كانت من حارات المدينة المشهورة، وكانت تقع بجوار الحرم الإبراهيمي([32]). وكما هو معروف - وذكرناه - أن هناك مقابر إبراهيم وإسحق ويعقوب، وحرص اليهود على الوجود جميعًا في هذه الدار التي تجاور ذلك المكان، ليس فقط الهدف منه أن يكونوا بجوار أماكنهم المقدسة، إذ لا شك أن الوجود هناك راجع إلى الرغبة في أن يكونوا في استقبال بني جلدتهم وتقديم الخدمات لهم في أثناء زيارتهم لتلك الأماكن.

ومِن هؤلاء اليهود عَرف ميشولام أن المسجد مقابل قبور إبراهيم وسارة، إذ يوجد شمعدان مطعم بالأحجار الكريمة، ومقابل مقابر إسحاق ويعقوب، ورفقة[33] (ربيكا Rebecca) وليئه[34] Leah يوجد شمعدان من الفضة مطعّم بالجواهر الكريمة، وفوق قبورهم أغطية مطرزة بالحرير. وقد عرفوا هذا من نسوتهم، لأن معظمهن دخلن إلى المسجد، إذ لم يتعرف عليهن أحد لأنهن يضعن غطاءً أسود فوق وجوههن، ويعتقد حراس الكهف أنهن مسلمات، ومن كلام هؤلاء النسوة سمع أن الكهف يحصل على دخله من الأراضي القريبة من الكهف، ومن حدائق الكروم والزيتون والمساكن التي لا تَحصى، حيث قدمها المسلمون لموتاهم حتى تكفر عنهم ذنوبهم، ويخصص دخلها للناس وهو ما يقدر بأكثر من خمسمئة ألف دوكة من الذهب سنويَّا[35]. كانت تلك النقطة آخر ما ذكره ابن مناحم عن غزة والخليل؛ حيث خرج بعد ذلك هو ورفاقه من الخليل يوم الثلاثاء 28 من يوليو، وذهبوا في صحبة اثنين من المماليك لحمايتهم، وذلك بسبب عدم وجود قافلة مجهزة آنذاك للذهاب للقدس. ومِن هنا اضطروا أن يكونوا في صحبة هذين الرجلين، وفي اليوم نفسه وصلوا إلى المدينة المقدسة، في سلام[36].

الخاتمة

وبعد أن انتهت أخبار مدينتي غزة والخليل في يوميات الرابي ميشولام ابن مناحم التي تضمنت أبعادًا اجتماعية واقتصادية ودينية وسياسية أيضًا.. يمكننا أن نشير إلى أهم النتائج.

أولًا: يمكن استنتاج بعض الصفات الخاصة بذلك الرحالة مثل قوة الملاحظة، وسعة الاطلاع، وجودة العرض الجغرافي لكافة مظاهر الحياة التي وجدها بدولة سلاطين المماليك. ونلاحظ أن الرحلتين اللتين قضاهما في الشرق وكونه تاجرًا مشهورًا يجوب البلاد أكسبه ذلك خبرة كبيرة بطبيعة الأرض وسكانها، وعقائدهم، وصلاتهم السياسية، والاجتماعية سواء بالنسبة لليهود أو المسلمين، وانعكس ذلك بالضرورة على رحلته؛ إذ اتسمت بالثراء والتفاصيل المسهبة، ولذلك احتلت مكانتها الجديرة بها بين المؤلفات الجغرافية الأوربية التي وصلت إلينا من ذلك العصر.

أما بالنسبة للمادة الواردة عنده عن فلسطين؛ فيمكن عقد مقارنة بين الرحالة اليهودي ميشولام ابن مناحم وغيره من الرحالة اليهود الذين يمموا شطر الأماكن المقدسة في فلسطين، وفي هذا الشأن نجد الرحالة الآخرين مثل إسحاق ابن تشيلو وعوبديا جارية قد وصل كل منهما إلى مناصب دينية كبرى لدى اليهود، فابن تشيلو كان من كبار علماء الكابلاه اليهود، وعوبديا تولى منصب رئاسة يهود القدس؛ ولكن ميشولام على الرغم من أنه لم يصل إلى أي من هذه المناصب إلا أنه كان واسع المعرفة بالديانة اليهودية والمزارات وتاريخ اليهود وتمتلأ نفسه بما تمتلأ به نفوس اليهود بحلم العودة - المكذوب - وإقامة مملكة يسرائيل، وخضوع العالم كله لسيطرة اليهود.

كما أنه لم يقل عن أقرانه في الحديث عن مقدسات المسلمين على أنها تخص اليهود. وهو الأمر الذي وضع علماء الآثار الصهاينة في الداخل الفلسطيني المحتل في ورطة بعد خيبتهم في التوصل إلى أية أثر أو قطعة صغيرة من الفخار يمكن من خلالها الاستدلال على وجود يهودي في هذه المناطق.

كذلك يلاحظ، أن رحلة إسحاق ابن تشيلو ورحلة عوبديا جارية امتازت المادة الواردة عن فلسطين فيهما بوفرة المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خاصة لدى الرحالة الثاني، ناهيك عن الطابع الديني بطبيعة الحال، أما رحلة ذلك التاجر "الحاخامي" كانت الإشارات فيها قليلة لأية زاوية من الزوايا آنفة الذكر، باستثناء النواحي الدينية. وهو في هذا الصدد يتشابه مع أحد الرحالة المسلمين وهو السائح الهروي ت1215م الذ ألف كتابًا بعنوان "الإشارات إلى معرفة الزيارات" أورد فيه كافة المناطق التي ساح فيها وزارها، وكانت موضعا لزيارة المعاصرين.

تضمنت يوميات ابن مناحم مادة مهمة عن القبور والأضرحة اليهودية في غزة والخليل، ومن دراستها ومقارنة ما جاء من مادة عنده بما جاء عند غيره من رحالة اليهود يتبين أن اليهود في تلك الفترة كانت لديهم قناعة بزيارة قبور بعينها في فلسطين. ففي يومياته مادة عن الكرامات التي نسبها المعاصرون لكبار الشخصيات الدينية اليهودية التي توفيت وصارت أضرحتها موضعا للزيارة من جانب اليهود. ويجب أن يدرس ذلك الأمر في ضوء حركة التصوف اليهودية فيما يخص العقيدة الشعبية، في الارتباط بالأولياء والصديقين وهي وسيلة لربط اليهود بطقوسهم وتقاليدهم في فترات الشتات اليهودي من أجل إقامة مجتمع يهودي متماسك ومن أجل الاتصال اليهودي في شتى البقاع.

جاءت أوصافه للأماكن المقدسة في الخليل من خلال وصف بالغ الثراء لمدينة خليل الرحمن، ويتضح لنا من خلاله مدى إدراكه لكل موقع في تلك المدينة، وتعلقه الشديد بها، في ظل ما تراكم عنده من موروث يهودي لهذه الأماكن. ومع ذلك فمن الواضح أن ما قدمه في هذا المجال هو إلقاء مزيد من التفاصيل لما سبق أن تردد في التراث الخاص بالرحلة اليهودية إلى فلسطين منذ بنيامين التطيلي وحتى نهاية القرن 15م، وهكذا جاءت رحلة ذلك اليهودي الفولتيري لتثري ما قدمه غيره من الرحالة الأوربيين الذين زاروا فلسطين في العصر المملوكي.


المصادر والمراجع

أولًا- المصادر والمراجع الأجنبية

Bernard، Lewis، "Notes and Documents from the Turkish Archives" studies in classical and Ottoman islam، London، 1976،.

Fabri، Voyage en Egypte de Felix Fabri، (ed)masson.j، (paris)1975، III vols

H: SAVAGE. "pilgrimages and pilgrim shrines in Palestine and Syria after 1095، Pennsylvania،1977

Jacob Ben R Nathaniel Ha Cohen،،the Itinerary of Jacob Ben R Nathaniel Ha Cohen 12 century AD، in J.T. (ed)Adler (London)1930.

Johne of wursbwrg،،Description of the holy land 1160-1170 A.D (ed) by Wilson، in:p.p.t.s v 5،London،1890،

Lunez La Carerue، Macpelah، en Dictionnair de la Bible، tom vi، paris، 1905،.

Mandeville، The traveles of sir jgon Mandeville،new yourk،1895،

Meshullam Ben manahem (1930)،Itinerary of Rabbi meshullam ben menahem of 1481 (ed) Adler،in J T، (London).

Obadiah Jara Da Bertinoro، Itinerary of Obadiah 1487-1490AD، in J.T. (ed) Adler (London) 1930.

petachia of Retisbon، The Itinerary of Rabbi petachia،1174-1187A.D.، in:J. t.، ed. Adler، N.، London، 1930.

PoPper.W،. Egypt and Syria under circassian sultans 1382-1468 A.D. systematic notes to ibn tagri Bardi، s chronicale of Egypt، 2 vols، Berkeley university of California، press، 1955-1957، vol 1.

Thames Right "the travels of Bertrandon de Brocqulere" (in) early travels in Palestine، London، 1969.

Samuel Ben Samson، Itinerary of Rabbi Samuel Ben Samson،، 1210 A. D.، in: J.T ed. Adler، N.، London، 1930.


ثانيًا- المصادر العربية:

الكتاب المقدس، طبعة دار الكتاب المقدس (القاهرة)، 2002م.

الأدفوي: أبو الفضل جعفر بن ثعلب (ت: 748هـ)، الطالع السعيد الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة (القاهرة )، 1966م.

ابن إياس: أبو البركات محمد بن أحمد (ت: 930هـ)، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، ط3، دار الكتب والوثائق القومية؛ (القاهرة)، 2008م.

ــــــــــــــ : نزهة الأمم في العجائب والحكم، تحقيق محمد زينهم، مكتبة مدبولي (القاهرة)، 1995م.

البغدادي: مراصد الاطلاع بأسماء الأمكنة والبقاع، د. ت.

التطيلي، بنيامين: رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة عزرا حداد، ط1، المجمع الثقافي (أبو ظبي)، 2002م.

 ابن الحاج: أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري (ت: 737هـ)، المدخل إلى الشرع الشريف، دار الحديث (القاهرة)، 1981م.

ابن حوقل: أبو القاسم محمد ابن حوقل النصيبي (ت: 367هـ)، صورة الأرض، مكتبة الحياة، (بيروت)، 1979م.

ابن شاهين: غرس الدين خليل، (ت: 872هـ)، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، نشر بولس راويش، باريس، 1893م.

ابن ظهيرة (غير معروف بالتحديد)؛ الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة، تحقيق مصطفى السقا، ومحمد كامل المهندس، ط2، دار الكتب والوثائق، 2009م.

عبدالله الصباح: (النصف الثاني من ق الثامن الهجري)، رحلته المعروفة بـ: أنساب الأخبار وتذكرة الأخيار، نشر وتحقيق محمد بنشريفة، ط1، دار ابي رقراق (الرباط)، 2008م.

العبدري: محمد بن محمد بن علي بن أحمد، (ت. بعد سنة 700هـ)، رحلة العبدري، تحقيق، علي إبراهيم كردي، ط2، دار سعد الدين، (دمشق)، 2005م.

العليمي: مجير الدين عبدالرحمن بن محمد (ت: 928هـ)، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ط1، النجف (العراق)، 1966م.

العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأبصار: دولة المماليك الأولى، دراسة وتحقيق دوريتا كرافولسكي، بيروت-المركز الإسلامي للبحوث، 1986م.

ابن الفقيه: أبو بكر أحمد بن إبراهيم الهمذاني (ت340هـ/951م)، مختصر كتاب البلدان، ليدن 1302هـ.

ليون الأفريقي: الحسن بن محمد الوزان، وصف أفرقيا، ترجمة عبد الرحمن حميدة، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود، 1979م.

المقدسي: محمد بن أحمد بن البناء البشاري (ت. 380هـ)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط3، مكتبة مدبولي (القاهرة)، 1991م.

المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي (ت. 845هـ) السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة وسعيد عاشور، ط3، دار الكتب والوثائق، (القاهرة)، 2009م.

ـــــــــــــ : المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مكتبة الآداب، (القاهرة)، 1996م.

ابن مماتي (ت: 606هـ): قوانين الدواوين، تحقيق عزيز سوريال عطية، قصور الثقافة(القاهرة)، 2012م.

ناصر خسرو علوي: سفر نامة، ترجمة يحيى الخشاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (القاهرة)، 1993م.


المراجع العربية:

إسماعيل عبدالمنعم محمد، الأمراض الاجتماعية بين الطبقة الأرستقراطية المملوكية زمن المماليك البحرية، رسالة ماجستير بآداب عين شمس، 1988م،

حياة ناصر الحجي: أحوال العامة في حكم المماليك، ط2، مؤسسة الكويت (الكويت)، 1994م.

 سعيد عاشور: المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، دار النهضة العربية، (القاهرة)، 1992م.

على السيد علي، طريق القوافل القاهرة – دمشق عصر الحروب الصليبية، ندوة طرق التجارة في العالم العربي عبر العصور باتحاد المؤرخين العرب، القاهرة، 2007م.

علي أحمد السيد: اليهود في شرق المتوسط في القرن الخامس عشر الميلادي، دار عين (القاهرة)، 2009م.

 علي أحمد السيد: الخليل والحرم الإبراهيمي عصر الحروب الصليبية، دار الفكر (القاهرة)، 1998م.

 عمر الصالح البرغوثي، خليل طوطح: تاريخ فلسطين، القدس، 1953م.

 مصطفى وجيه مصطفى: الخليل وبيت المقدس في القرن 8هـ/ 14م في ضوء رحلة "أنساب الأخبار وتذكرة الأخيار" للمدَجّن عبد الله بن الصباح، بحث بمجلة تراثيات، (القاهرة) 2017م.

مصطفى وجيه مصطفى: مكة في عيني مدجن أندلسي، بحث بمجلة الأندلس، العدد 3 المجلد الأول 2016م.

منال عمارة: اليهود ونيابة القدس، هيئة الكتاب (القاهرة)، 2016م.

(الجزء الأول)


([1]) لمزيد من التفاصيل عن الأقوال الخاصة بدفن الأنبياء في كهف المكفيلة انظر: Lunez La Carerue، Macpelah، en Dictionnair de la Bible، tom vi، paris، 1905، pp. 524-527.

([2])Obadiah Jara Da Bertinoro،Itinerary of Obadiah 1487-1490AD، in J.T. (ed)Adler (London)1930،p. 233..

([3]) على أحمد السيد، اليهود، ص56.

([4]) وذلك يبين أن الخليل ليست أرضًا عادية عند اليهود، بل أرض الآباء المقدسة التي يجب الحفاظ عليها والموت في سبيلها، وهو ما يفسر محاولة إسرائيل فرض سيطرتهم على المدينة بكل وسيلة، ونزع الطابع الإسلامي الذي يميزها، وقد تجلى ذلك في أغسطس 1994م عندما نفذت إسرائيل–المزعومة-إجراءات لتقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، بحيث يصبح الجزء الأكبر لليهود، والجزء الأصغر للمسلمين.

([5]) العهد القديم: سفر التكوين، 23: 2. وانظر العهد الجديد: أعمال الرسل، 7: 15- 16.

([6]) سفر التكوين، 23: 2، 19، 25: 9، 35: 27- 29، 50: 14.

([7]) Jacob Ben R Nathaniel Ha Cohen،،the Itinerary of Jacob Ben R Nathaniel Ha Cohen 12 century AD، in J.T. (ed)Adler (London)1930، pp.92-93

([8]) صمويل الثاني: 2: 1- 5.

([9]) فالقدس عندهم هي عاصمة المملكة القديمة ومدينة الهيكل المقدس، كما أنها المدينة الأكثر تقديسًا في الديانة اليهودية، وقد ورد ذكرها في عشرات المواضع في العهد القديم، وقد ابتدأ تقديس المدينة في عهد الملك داود، عندما اتخذ منها عاصمة لحكمه بعد فتحها، واستمرت كذلك في زمن ابنه سليمان، كما تزايدت قدسيتها ومكانتها بعدما بُني بها الهيكل المقدس الذي يعرف باسم هيكل سليمان، والذي صار منذ ذلك الوقت رمزَ الدين اليهودي الأقدس. وبعد انقسام المملكة اليهودية أضحت القدس مركزًا لحكم دولة يهوذا حتى سقطت في يد البابليين في عام 587 ق.م، واقتيد أهلها أسرى إلى العراق، فيما عُرف بالسبي البابلي. وبعد رجوع اليهود من بابل، اتخذوا من القدس عاصمة لهم مرة أخرى، وحاولوا إقامة الهيكل المقدس فيها للمرة الثانية، إلا أن ثوراتهم المستمرة أدت لقيام الرومان بتخريب المدينة وإخراجهم منها في عام 70م، ليتشتت اليهود في عدد من المدن القريبة من القدس. والسبب في قداسة طبريا عند اليهود، هو أنه بعد فشل ثورة بركوبا ضد الرومان في الربع الأول من القرن الثاني الميلادي، أجلت القوات الرومانية اليهود عن مدينة القدس، فرحلت جماعات كبيرة منهم إلى مدينة طبريا، وسرعان ما انتقل المجلس الأعلى لليهود المعروف باسم "السنهدرين" إلى طبريا، فأضحت المدينة بمثابة عاصمة الأمة اليهودية الجديدة. إذ ظهر التلمود. والخليل: أرض الآباء المقدسة. أما صفد: فهي مركز الكابالا اليهودية وجدير بالذكر أن صفد نالت مكانة كبيرة بعد طرد اليهود من إسبانيا، إذ هرب عدد كبير منهم إلى المغرب ومصر وفلسطين. وكان الكثير من يهود إسبانيا يعتنقون مذهبًا روحيًا يُعرف بالكابالا، وهو مذهب يعتمد على مجموعة من التفسيرات والتأويلات الباطنية والصوفية اليهودية، هؤلاء استقر الكثير منهم في مدينة صفد تحديدًا، إذ كونوا مجتمعًا يهوديًا مغلقًا ومنعزلًا عما يحيط بهم من مؤثرات إسلامية أو مسيحية، ما خلق مناخًا مناسبًا لظهور عدد من العلماء والمفكرين الذين عملوا على تطوير مذهبهم. ويعد إسحاق لوريا المعروف بالأري أو الأسد، أحد هؤلاء الحاخامات. الذي قال عنه الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهودية والصهيونية، "إن لوريا الذي ولد في القدس، رحل إلى مصر فقضى بها بعض الوقت، ثم رجع إلى صفد في عام 1570م، واتخذ منها مركزًا لتعليم الكابالا، وبمرور الوقت بدأت المدينة تجذب إليها جميع المهتمين بذلك المذهب".

([10]) عمر الصالح البرغوثي، خليل طوطح: تاريخ فلسطين، القدس، 1953م، ص 4؛ علي أحمد السيد، الخليل، ص 261.

([11]) Meshullam،op.cit،p.185

([12]) Obadiah،op.cit،p.233                                              

([13]) علي أحمد السيد، الخليل، ص 283- 285؛ اليهود، ص 57.

([14]) التطيلي، بنيامين، رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة عزرا حداد، ط1، المجمع الثقافي (أبو ظبي)، 2002م، ص 105، 106.

([15])petachia of Retisbon،op.cit،pp.89-90

([16]) تفاصيل كثيرة عن مكونات الحرم الداخلية والخارجية عند: علي أحمد السيد، الخليل، ص283- 285.

([17]) Obadiah،op.cit،p.233

([18])ابن الحاج، أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري (ت. 737هـ)، المدخل إلى الشرع الشريف، دار الحديث (القاهرة)، 1981م، ج4، ص2.

([19]) علي أحمد السيد، اليهود، ص 58.

([20]) يعود أصل ذلك السماط أو الضيافة إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام؛ إذ كان إبراهيم إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يأكل معه، لذلك كان يكنى أبا الضيفان، وينقل مجير الدين الحنبلي أن إبراهيم زاده الله في المال والخدم فاتخذ بيتا لضيافته، وجعل له بابين يدخل الغريب من أحدهما ويخرج من الآخر. مجير الدين: الأنس الجليل، 1: 46-51.

([21]) أخطأت الدكتورة منال عمارة في كتابها: اليهود ونيابة القدس، هيئة الكتاب (القاهرة)، 2016م ص 251. حين قالت إن: "... معظم الحقول والبساتين في مدينة الخليل وقف على اليهود، ويتم تقديم الخبز وجميع المأكولات يوميًا للحجاج من ريع تلك الحقول والبساتين...".

([22]) p.186.

([23]) هو: عبدالله الصباح، صاحب رحلة "أنساب الأخبار وتذكرة الأخيار"، نشر وتحقيق محمد بن شريفة، (الرباط)، 2008م، خرج من بلاد الدجن إلى غرناطة عاصمة بني الأحمر في ذلك الوقت، وآخر حصن للمسلمين في أيبيريا آنذاك، ثم انتقل إلى سبتة وزار مراكش وفاس، وقصد تلمسان ووهران ثم الجزائر وتونس فطرابلس والإسكندرية ووصل إلى القاهرة التي نالت اهتماما كبيرًا في رحلته فوصف بعض مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية في مصر في العقد الأخير من القرن الثامن الهجري، ومنها قصد مكة وأدى الفريضة، وبعدها زار المدينة المنورة ثم توجه إلى الشام قاصدًا بيت المقدس، في خمسة عشر يومًا بلياليها، وقد مر بتبوك والعلا ومدائن صالح وعقبة الصوان ومعان والبلقاء وأريحا والطور ثم بيت المقدس، وربما ذهب أولًا إلى مدينة الخليل ثم بيت المقدس؛ لأن وصفه للخليل وما بها من مزارات وخيرات جاء قبل وصفة لبيت المقدس هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ذكر رحالتنا ما نصه"... سحت في جبال البيت المقدس أربعة أعوام ونعود إليه في كل رمضان نصوم فيه...". وهذا يعني أنه ربما ذهب للخليل عندما جاء للشام من المدينة وظل ينتقل في أجوارها حتى جاء رمضان فذهب للقدس كي يصوم رمضان فيها؛ لذلك جاء وصفه لمدينة خليل الرحمن قبل بيت المقدس. وهو في رحلته وضع رسمًا لما يشتمل عليه الحرم الإبراهيمي من قبور وتناول سماط الخليل بالتفصيل، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيت المقدس مارًا ببيت لحم، وقد تحدث عن بيت المقدس ومنعته، وأهم خصائصه ومميزاته وخيراته والأسواق والأوقاف ودورها، وتخلل وصفه للمزارات وصف للآخر المخالف في العقيدة، وبعد أن قضى بضع سنين في القدس وأجوارها؛ انتقل إلى دمشق التي منها استكمل رحلته إلى بلاد أخرى، انظر تفاصيل كثيرة عن ذلك عند: مصطفى وجيه مصطفى الخليل وبيت المقدس في القرن 8هـ/ 14م في ضوء رحلة "أنساب الأخبار وتذكرة الأخيار" للمدَجّن عبد الله بن الصباح، بحث بمجلة تراثيات، (القاهرة) 2017م.

([24]) كان المقدسي قد زار الخليل في النصف الثاني من ق 4هـ/10م وقال عن مشاهدته في الخليل: "ضيافة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون يقدمون الطعام لكل من حضر من الفقراء والأغنياء" أحسن التقاسيم، ص173. وهناك إشارات أخرى لغيره من الرحالة لا تزيد في محتواها عما ذكره المقدسي، أمَّا ابن الصباح فربما هو الوحيد الذي تناول السماط بالتفصيل من إعداد وترتيب واتفاق وكيفية التناول والتموين... وغير ذلك.

([25])المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت. 845هـ)، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة وسعيد عاشور، ط3، دار الكتب والوثائق، (القاهرة)، 2009م، ج1، ص 445، 505.

([26]) انظر بعض مظاهر اهتمام سلاطين المماليك بأمر سماط الخليل عند: العليمي: مجير الدين، عبدالرحمن بن محمد (ت 928هـ)، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ط1، النجف (العراق)، 1966م، 2: 79، 89، 90، 93، 161، 165، 166، 208-209.

([27]) والمدَجَّنون مصطلح يعني "الذلة والصغار وقد أطلق على المسلمين الذين بقوا في الأندلس تحت حكم النصارى، وذلك من لدن إخوانهم الذين هاجروا إلى ديار الإسلام، ومن المعروف أن عددًا من الفقهاء أفتوا بوجوب الهجرة من البلدان التي تغلّب عليها النصارى، وقد جمع هذه الفتاوى أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسى (ت: 914هـ) وسماها: أسنى المتاجر في بيان من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر؛ مصطفى وجيه مصطفى: مكة في عيني مدجن أندلسي، بحث بمجلة الأندلس، العدد 3، المجلد الأول، 2016م، ص 117- 125.

([28]) الدشيش: طعام مؤلف من القمح المسلوق يجرش ويدش ويطبخ ويوزع على الفقراء، وكان مكان الدشيشة أو الدشيش بجوار المسجد الجاولي من جهة القبلة وفيها مطبخ إعداد الدشيشة للفقراء والمجاورين. مجير الدين: الأنس الجليل، ج1، ص 62 – 63.

([29]) ابن الصباح، الرحلة، ص 182.

([30]) العمري: دولة المماليك، ص110؛ مجير الدين: الأنس الجليل، 1: 63 هذا، وأشار العمري إلى موظفي ضيافة الخليل بأنَّهم يعملون على خدمة السماط ليل نهار، إذ يغربلون القمح ويطحنونه ويعجنونه ويخبزونه، فضلًا عن إحضار مستلزمات إيقاد الأفران "ولم يزل على هذا مدى الشهور والأعوام والليالي والأيام لا ينقطع له مدد" العمري: دولة المماليك 110؛ ابن شاهين، غرس الدين خليل (ت: 872هـ)، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، نشر بولس راويش، باريس، 1893م، ص24. وقدر ميشولام الدخل السنوي للضيافة بخمسة آلاف دينار ذهبي يأتيها من تبرعات المسلمين meshullam، op.cit، p.186؛ كما أقر المستوطن اليهودي أيضا عوبديا جارية بأن المسلمين القائمين على السماط لا يفرقون في تقديم الوجبات بين مسلم وغير مسلم Obodiah، op.cit، p. 233.

([31]) Obadiah،op.cit،p.234

([32]) العليمي، الأنس الجليل، ج2، ص425.

[33] ) رفقة هي زوجة إسحاق وقد ذكرها ميشولام باسم ربيكا Rebecca؛ رغم أن التوراة استخدمت اسم "رفقة".

[34] ) على حد علمي فلا أعرف وجود لقبر لية أو ليئة زوج يعقوب في الخليل، فحسب سفر التكوين يوجد قبر أختها راحيل أم يوسف في بيت لحم... أما لية أو ليئة فجاءت مصر مع يعقوب واستقرت بها وهي التي يذكرها القرآن {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه} وعدت خالته لية أمًّا له لأن أمه راحيل ماتت بفلسطين وهي تلد بنيامين.

[35] ( Meshullam،op.cit،p.186

[36] ( Meshullam،op.cit،p.189

التعليقات (0)