النّكَـــــف - في تاريخ اليمن الاجتماعي
د. رياض الصفواني
النكَف: ظاهرة يُقصد بها التحشيد والتعبئة والنفير لقبيلة أو لبطن أو فخيذة منها ضد جماعة أو قبيلة أو قبائل أخرى، طلباً للثأر والانتقام لما لحق بفرد أو أكثر في القبيلة المنكّفة من ضرر مادي ونفسي على يد أفراد أو جماعة من قبيلة أخرى. ورغم مايبدو عليه أنه عُرف قبلي قديم وُلد وترعرع في أحضان القبائل اليمنية الشمالية - استناداً إلى وقائع من تاريخ العلاقات الاجتماعية القبلية المتأخر - ونشأ ونما تحت مظلتها جنباً إلى جنب مع إخوته من الأعراف والتقاليد الأخرى، فهو ينطوي في مضمونه على صورة من صور الدعوات الجاهلية المتخلفة، وأحد المظاهر الدالة على انحلال أو غياب مؤسسة الحكم أو فقدان سلطة القانون في المجتمع مع انحسار في الوازع الديني .
وعلاوة على ذلك، فهو مؤشر على عمق الأزمة المسكونة بها نفسية الداعي للنكف، وافتقاره إلى المنطق والتصرف السديد، تحت وطأة الاحساس بِذُل الضعف ومرارة الهزيمة.
وبضغط من هذه الظروف تستبد بتفكير الداعي للنكف نزعة الانتقام والسعي لرد الاعتبار لكبريائه المنكسر مهما كلفه الثمن، دون اكتراث في المآلات الخطرة الناتجة عنها.
والناظِر في تاريخ القبيلة اليمنية في بعض عصورها - عصر الإمامة القاسمية تحديداً - يلحظ حضوراً لدعوات النكف، التي كانت تطلقها بعض زعامات القبائل الشمالية ( بكيل وخولان) في مناطق ماكان يُعرف عند المؤرخين بـ اليمن الأسفل لقبائلها في الشمال على مسمع من سلطة الإمامة وبمعرفتها في الغالب، وذلك في خضم نزاعات تلك القبائل مع بعض أعيان وأهالي بعض تلك المناطق على المكانة والنفوذ والهيمنة . الأمر الذي كان يتسبب في احتقان الطرف المنكّف عليه ضد الطرف الأول، ويؤدي إلى تعميق الشرخ في جدار العلاقات بينهما، ويذكي في النفوس نار التعصب المناطقي والقبلي وتتسع دائرة الكراهية فيصعب معها رأب الصدع بين الطرفين، وتتبلور في ظلها مشكلة الثأر والانتقام وتنمو بمرور الوقت فتتحول إلى ثقافة يتوارثها الأبناء عن الآباء، وكأنها استحقاق لامناص من المطالبة به، في ظل الحضور الطاغي للعنف في المجتمع، وانحسار قيَم الإخاء والتسامح بين أفراده، وهشاشة بنية الوعي، وضعف أو تراخي سطوة الدولة على المجتمع.