الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللُبَان صوب البحر الأحمر
أ.د. عبدالله أبوالغيث
سابعاً: سقوط الحضارة اليمنية القديمة على يد الأحباش:
ذكرنا سابقا أن الأحباش كانوا قد تمكنوا من إيجاد موطئ قدم لهم في المناطق الغربية من اليمن، وأن وجودهم هناك قد استمر قرابة قرنٍ من الزمان، من النصف الثاني للقرن الثاني الميلادي عندما استدعاهم الملك السبئي علهان نهفان، واستمر حتى النصف الثاني من القرن الثالث عندما طردهم من اليمن الملك الحميري ياسر يهنعم. لكننا نجدهم وقد عادوا للتدخل في شؤون اليمن مستغلين ضعف الدولة الحميرية في مطلع القرن السادس الميلادي.
ويسود الاعتقاد بأن الملك الحميري معدي كرب يعفر (الذي كان آخر ملك حميري يحمل لقب التبابعة الطويل كما ذكرنا أعلاه) كان نصرانياً معترفاً بالحماية الحبشية على بلاده[1]، ويعتمدون في ذلك على ما ذكره شمعون الإرشامي بصدد الرسالة التي بعث بها الملك الحميّري ذي نواس (خليفة معدي كرب يعفر على العرش الحميري) إلى المنذر الثالث ملك الحيرة، وجاء فيها: "ولتعلم أن الملك الذي نصبه الكوشيون (الأكسوميون) ببلادنا قد مات، وجاء في وقت الشتاء، فلم يعد بمقدور الكوشيين العبور إلى بلادنا لتنصيب ملك نصراني كما جرت العادة"[2].
وتذكر المصادر العربية والسريانية أن الملك ذي نواس (يوسف أسأر يثأر في النقوش) قد استلم مقاليد السلطة في الدولة الحميّرية خليفة للملك معدي كرب يعفر (ذو شناتر في المصادر العربية)، وتخلى ذي نواس عن لقب التبابعة الطويل، ولقب نفسه بملك كل الشعوب، وقد اختلفت التفسيرات حول ذلك، وغالب الظن أنه فعل ذلك بسبب انحسار سلطته وعدم شمولها لكل المناطق الواردة في ذلك اللقب الطويل (سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم في الطود وتهامة). ونعرف من خلال النقوش المسندية التي تم العثور عليها حتى الآن بأن آخر نقش مسندي يعود إلى زمن الملك معدي كرب يعفر مؤرخ بعام 516م، بينما يؤرخ أقدم نقوش الملك ذي نواس بالعام 518م، ما يعني أن انتقال السلطة إليه ربما تم في العام 517م[3].
ونعرف من النقوش التي تركها لنا هذا الملك أنه قد اضطر لأن يخوض حرباً شرسة ضد النصارى في اليمن ومعهم حامية حبشية كانت تتواجد في العاصمة الحميرية ظفار من عهد سلفه الموالي للأحباش، وامتدت حملاته إلى المناطق الساحلية في محاولة لتحصين تلك المناطق ضد غزو حبشي كان يتوقعه. وتخبرنا المصادر العربية والسريانية بأن الملك الذي اعتنق الديانة اليهودية قد نكل بنصارى مدينة نجران وأحرقهم في الأخدود، وهو ما جعلهم يستنجدون بالإمبراطور البيزنطي، الذي تحجج لهم ببعد الشقة بين بلاده واليمن، ووعدهم بالكتابة إلى الملك الحبشي. وغالب الظن بأن بيزنطة لم تشأ التدخل في اليمن، ليس بسبب بعد الشقة، ولكن عملاً بوصية الإمبراطور الروماني أغسطس المشار إليها أعلاه، التي تركها بعد فشل حملته على اليمن، وطلب فيها من خلفائه عدم تجاوز الحدود التي وهبتها الطبيعة لدولتهم. وهو ما جعلها تعتمد على استراتيجية جديدة تدعم من خلالها الأحباش ليكونوا في مواجه العرب.
وبعيداً عن تكرار تفاصيل معروفة تخص الغزو الحبشي لليمن، فقد انتهى الأمر باكتساح الأحباش لليمن بعون مادي بيزنطي، حيث تمكن الأحباش من قتل آخر ملك حميري (ذي نواس) والقضاء على الدولة الحميّرية في عام 525م تقريباً، وسقوط الحضارة اليمنية القديمة بعد آلاف من السنين سادت خلالها، حيث نصب الأحباش حاكماً يمنياً موالياً لهم ليدير اليمن تحت سيطرتهم، في ظل بقاء جيش لهم في اليمن، وقد حمل ذلك الحاكم اليمني صنيعة الأحباش المسمى سميفع أشوع لقب تبابعة حميّر الطويل، وظل في موقعه ذاك إلى أن قرر القائد الحبشي أبرهة الثورة عليه وإزاحته من موقعه، حيث أعلن أبرهة نفسه والياً للملك الأكسومي في الحبشة، وتلقب أيضا بلقب التبابعة الطويل (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم في الطود وتهامة)، وتعامل مع اليمن باعتبارها مملكة خاصة به وبأولاده من بعده.
وبعد ثورات قام بها اليمنيون ضد الاحتلال الحبشي استقرت الأوضاع لأبرهة، وبدأ يعد العدة لحملات عسكرية تتوجه صوب شمال الجزيرة، حيث سجلت لنا النقوش إحدى تلك الحملات التي توجهت إلى منطقة نجد لمقارعة نفوذ المناذرة الموالين للفرس في عام 547م، وسجل لنا القرآن الكريم في سورة الفيل حملة أخرى توجهت صوب مكة في عام 571م، وقد حاول بعض الدارسين الخلط بين الحملتين واعتبارهما حملة واحدة، وقد أثبتنا من خلال بحث قيد النشر بأن كل حملة تمت على حدة[4]. وكان هدف البيزنطيين من خلال دعمهم لسيطرة الأحباش على اليمن ثم الحجاز بأن يحكموا قبضتهم على الطريق التجاري المار في البحر الأحمر وظهيره البري، مع السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بحيث يصبح هذا الطريق تحت سيطرتهم مقابل سيطرة خصومهم الفرس على طريق الحرير، ولذلك فقد كان من مصلحة الدولة البيزنطية استقلال أبرهة باليمن كونه كان يعتنق الديانة المسيحية على مذهبها وليس على مذهب الدولة الأكسومية، لأنه في صغره كان عبداً لتاجر بيزنطي في ميناء عدوليس الحبشي، وبالتالي سيجعله ذلك ينفذ مشاريعها في الجزيرة العربية الرامية لتحجيم نفوذ خصومها الفرس هناك[5].
لكن عجز أبرهة في حملته المتوجهة صوب نجد بحسم الأمر لصالحه وعقده لصلح مع الأمير اللخمي عمرو بن المنذر الثالث المشهور بعمرو بن هند، وكذلك النتيجة المأساوية له ولجيشه في حملة أصحاب الفيل الشهيرة[6] لابد أنها قد فرملت المشروع البيزنطي، وجعلت الأمور تسير في اتجاه مختلف لرغبات بيزنطة، وهو ما سيتضح لنا في الفقرات اللاحقة من هذا البحث.
ثامناً: نشوء طريق الإيلاف على أنقاض شبكة طريق اللبان:
الإيلاف أو إيلاف قريش هو تلك العِصَم (العهود) التي أخذها هاشم بن عبد مناف وإخوته (المطلب وعبد شمس ونوفل) من ملوك الروم (البيزنطيين) واليمن والحبشة والعراق، لتأليف رحلة الشتاء والصيف المذكورة في القرآن الكريم (سورة قريش)[7]. وقد كان نشوء الإيلاف في أوائل القرن السادس الميلادي على أنقاض الشبكة التجارية اليمنية القديمة (طريق اللبان)، حيث استغل المكّيون سقوط اليمن بيد الأحباش، وأصبحت مدينتهم هي مركز التجارة الأول في غرب الجزيرة العربية[8].
وقد استطاع الإيلاف أن يعيد تنشيط التجارة الدولية للجزيرة العربية مع محيطها، إلى جانب تنشيط تجارة عربية داخلية روجتها الأسواق العربية الموسمية التي قامت في طول الجزيرة العربية وعرضها، وكان على رأسها سوق عكاظ، حيث ارتبطت تلك الأسواق بدورة تجارية منتظمة على مدار العام[9].
وغالباً فذلك الرواج التجاري لتجارة الإيلاف كان هو السبب وراء الحملة الحبشية سالفة الذكر التي قادها أبرهة الحبشي من اليمن صوب مكة، فرغم قول المصادر العربية الإسلامية بأن سبب حملة أبرهة على مكة كان هو الانتقام من العرب الذين أهانوا كنيسة أبرهة التي أقامها في صنعاء (القلّيس)[10]، لكن يبدو أن ذلك السبب المتلفع بالدين كان هو السبب المعلن من قِبل أبرهة، لكنه كان يخفي من ورائه أسباباً أخرى (سياسة واقتصادية) كانت بمثابة المحرك الفعلي لانطلاق حملته هذه صوب مكة.
ويتفق أغلب الدارسين المحدثين على أن الهدف الحقيقي لحملة أبرهة على مكة كان هو السيطرة على تجارة الحجاز (خصوصاً إيلاف قريش)، ومن ثم التحكم بطرق التجارة التي كانت تربط الشام باليمن[11]. بل إن بعضهم يعد هذه الحملة بمثابة الهدف الحقيقي للاحتلال الحبشي لليمن[12].
وخلاصة القول إن الحوافز الدينية والاقتصادية قد تداخلت وتكاملت مع بعضها؛ فحصر النفوذ التجاري لمكة والسيطرة على مصدر ثروتها يتطلب تدمير الحرم المكي، ولذلك لابد من اجتذاب العرب إلى حرم جديد يحجون إليه ويردون أسواقه، ليصبح هو المركز التجاري الجديد في جزيرة العرب. ويبدو أن أبرهة قد رُوِّع للتوفيق التجاري المتعاظم الذي أصابته مكة، والمكاسب المالية التي كانت تجنيها من تجارتها، ولاشك أنه أدرك مقدار مساهمة الحرم المكي في بلوغ مكة هذا المبلغ من النجاح، فإذا كان لابد من حصر نفوذ مكة والاستيلاء على مصدر ثروتها، فلابد من تدمير حرمها وجعل العرب يحجّون إلى حرم آخر بدلاً عنه، وبالتالي اجتذابهم إلى مركز تجاري جديد[13].
لكن حملة أصحاب الفيل كما هو معروف انتهت بالفشل، وتمخضت عنها نتائج غير التي كان يريدها أبرهة وحلفائه البيزنطيين، حيث احتكر العرب (خصوصاً قريش) للطريق التجاري المار عبر الحجاز[14]، وكذلك ازدياد مكانة قريش بين العرب، وذلك أنه لما "رد الله الحبشة عن مكة... أعظمت العرب قريشاً، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم"[15]. وهكذا فبدلاً مما كان أبرهة يرغب فيه من إضعاف مكة، أصبحت هزيمته فيها من عوامل ازدياد شهرتها[16].
تاسعاً: امتداد النفوذ الفارسي إلى جنوب الجزيرة العربية:
بعد موت أبرهة متأثراً بجروحه التي تعرض لها في حملة أصحاب الفيل على مكة حكم بعده على التوالي ولديه يكسوم (من أم حبشية) ومسروق (من أم يمنية)، وقد اشتدوا على اليمنيين، وكان كلٌ منهما أشر من أخيه، فضاق اليمنيين بهما ذرعاً وتمنوا تحرير بلادهم منهم. وقد تزعم الثورة ضدهما الثائر اليمني المعروف سيف بن ذي يزن، الذي حاول الاستعانة بالبيزنطيين، لكنهم رفضوا تقديم العون له[17]، وكان ذلك متوقعاً كون البيزنطيين يدعمون أبرهة كما سبق القول، وسخروه لتنفيذ مشاريعهم الخاصة ضد الفرس وحلفائهم في الجزيرة العربية، وكان من الطبيعي أن يواصلوا دعمهم لأولاده الذين ورثوا الحكم من بعده.
وتحكي المصادر أن سيف بن ذي يزن قد استعان بالأمراء اللخمين للتوسط له لدى الفرس، من أجل تقديم العون له لتحرير بلده من الأحباش، ورغم قول تلك المصادر بأن كسرى الفرس (خسرو الأول) قد تمنع في بداية الأمر عن تقديم العون لسيف بن ذي يزن[18]، لكن في واقع الأمر فقد كان الفرس في انتظار مثل هذه الفرصة، ولم يكونوا ليفرطوا بها، فهي تمكنهم من التواجد في اليمن وتضييق الخناق على البيزنطيين وحلفائهم الأحباش في تجارتهم المارة عبر البحر الأحمر، وعدم الاكتفاء بتحكم الفرس فقط بالتجارة المارة عبر طريق الحرير.
ورغم قول معظم المصادر العربية بأن كسرى قد مد سيف بن ذي يزن بثمان مئة سجين فقط؛ وصل منهم إلى اليمن ست مئة سجين[19]، ورغم رفض بعض تلك المصادر لذلك العدد، وقولهم إن الجنود الفرس الذين وصلوا إلى اليمن بلغوا سبعة آلاف وخمس مئة[20]، ثم أضاف إليهم من في سجونه من المجرمين[21]، إلا أنه في كل الأحوال لا يمكن لذلك العدد أن يحرر اليمن من الأحباش، خصوصاً أن تللك المصادر تذكر بأن عدد جيش مسروق بن أبرهة كان يبلغ مئة ألف مقاتل، وبالتالي فالتحرير تم على يد أبناء اليمن، الذين رفع العون الفارسي من معنوياتهم وجعلهم ينضمون لذلك الجيش، فالطبري[22] يذكر لنا بأن سيف قد وعد وهرز قائد الجيش الفارسي بأن يقاتل العرب في صف الجيش الفارسي حتى الموت أو الظَّفَر.
وقد انتهت المعارك بانتصار الفرس ومن معهم من اليمنيين على الأحباش عام 575م، وبعد مقتلة كبيرة تمت في صفوف الأحباش ومقتل ملكهم مسروق بن أبرهة تم تنصيب سيف بن ذي يزن ملكاً على اليمن، في ظل اعترافه بالولاء للفرس ودفع الجزية لهم. لكن الملك سيف سرعان ما قتل على يد حراسه الأحباش من رماة الحراب الذين استبقاهم لديه[23]. وقد اختلفت الروايات عن الدافع لمقتل سيف بن ذي يزن بين من يرى أنهم فعلوا ذلك انتقاماً لقومهم، وبين قائل أنهم إنما فعلوه بتحريض من الفرس الذين كانوا يرغبون بالسيطرة المباشرة على اليمن، خصوصاً أن الفرس بعد مقتل الملك سيف لم يسعوا لتنصيب خليفة له، لكنهم جعلوا من اليمن ولاية فارسية يعينون عليها الولاة الفرس، وظل ذلك الوضع حتى ظهور الإسلام ودخول باذان الفارسي آخر والي فارسي في اليمن في الدين الجديد.
ومثل طرد الأحباش من اليمن ضربة قوية لمصالح بيزنطة، لأن أبرهة وولديه من بعده كانوا قد ضمنوا لها إبعاد النفوذ الفارسي عن تجارة البحر الأحمر. وبذلك فإن سيطرة الفرس على اليمن قد ترتب عليها مصاعب إضافية في البحر الأحمر والمحيط الهندي للبيزنطيين وحلفائهم الأحباش، وهو ما جعل بيزنطة أشد اضطراراً للاعتماد على قوافل التجارة المكية في استيراد ما تحتاجه من البضائع الشرقية[24].
وقد سيّر الفرس قوافل تجارية من عاصمتهم المدائن ومن مناطق أتباعهم في الإمارة اللخمية إلى اليمن. حيث أصبح الوالي الفارسي في اليمن يرسل القوافل من صنعاء إلى المدائن، ويستقبل القوافل التي تأتيه من هناك، ويرسل لكسرى بما يحتاجه من أسواق اليمن، وقد سيطر الفرس على أسواق التجارة الكبيرة في اليمن كسوق صنعاء وسوق عدن[25]. كما أخذ ملوك الحيرة يرسلون بلطائمهم (قوافلهم التجارية) إلى اليمن للبيع والشراء. وقد أثر كل ذلك في تجارة أهل مكة، حيث انتزع الفرس وملوك الحيرة من أيديهم قسطاً من أرباحهم[26].
ونختتم الحديث هنا بإشارة وردت لدى حمزة الأصفهاني نفهم منها أنه كان من مهام الولاة الفرس في اليمن مراقبة الأوضاع في المناطق المحيطة بها، بما في ذلك الجزيرة العربية كلها، حيث يشير أن باذان الوالي الفارسي في اليمن كان قد بعث رسالة إلى كسرى أبرويز يخبره فيه بظهور دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث جاء في رسالته "ظهر في جبال تهامة داعية خفي أمره، قليل شيعته، وقد وتِرته العرب، ونصبت له الحرب إلا اليسير ممن أجابه واتبعه"[27]. وبظهور الإسلام وتكّون دولته التي شملت كل الجزيرة العربية، بل وامتدت لتسقط الدولة الفارسية نفسها، وتنتزع من الدولة البيزنطية ولاياتها في آسيا وأفريقيا، انتفت الحاجة للإيلاف، وأصبحت القوافل التجارية تسير في أرض تتبع دولة واحدة[28]. وهيمنت تلك الدولة على طريق البحر الأحمر، وصار لها تجارتها مع الهند وعالم المحيط الهندي، بل وصارت بمثابة الشريك التجاري الرئيس لتلك البلدان، وعبرها يتم نقل البضائع الشرقية صوب أوروبا[29].
- خلاصة :
هكذا يتضح لنا بأن الطرق التجارية التي كانت تربط بين عالمي المحيط الهندي والبحر المتوسط (بشقيها البري والبحري) قد شهدت صراعاً دولياً متشعباً بغرض السيطرة عليها، امتد من أواخر القرن الرابع قبل الميلاد بظهور الاسكندر المقدوني في الشرق، وانتهى في مطلع القرن السابع الميلادي بظهور الإسلام وتكوين دولته الفتية التي امتدت من الصين شرقاً إلى فرنسا غرباً، مروراً بالبطالمة والرومان والبيزنطيين، وبمن عاصرهم من الفرس والأحباش والعرب.
فعلى مدار تلك المدة التي تبلغ تسعة قرون ونصف تضافرت عوامل عدة، وعملت على تحويل التجارة الدولية - أو معظمها بتعبير أدق - لطريق اللبان البري صوب البحر الأحمر، وقد استعاد الطريق البري جزء مهم من نشاطه على يد إيلاف قريش، وظل ذلك التنافس بين الطريقين البري والبحري بين مد وجزر، بناء على قوة هذا الطرف السياسي وضعف ذاك، وبناء على مصلحة الطرف المهيمن في الاتجاه الذي يجب أن تسلكه البضائع التي يتم الإتجار بها بين الشرق والغرب.
وقد أوضحنا في ثنايا البحث مراحل الصراع التي مرت بها منطقة البحر الأحمر وظهيرها البري، حيث هيمنت الدولة الإسلامية الناشئة في نهاية المطاف على طرق التجارة تلك، وبذلك تولت هي عملية التنسيق في نقل البضائع المتداولة بين الشرق والغرب، ودخلنا بذلك في مرحلة جديدة ليست من ضمن الفترة التي تخصص بحثنا هذا بدراستها.
[1] كوبيشانوف، يوري ميخايلوفتش. الشمال الشرقي الأفريقي في العصور الوسيطة المبكرة وعلاقته بالجزيرة العربية، ترجمة: صلاح الدين هاشم، عمّان، 1988م، ص31.
[2] يعقوب الثالث، اغناطيوس. الشهداء الحميّريون العرب في الوثائق السريانية، دمشق، 1966، ص43، 113.
[3] أبوالغيث، العلاقات السياسية، ج2، ص-3331.
[4] أبوالغيث، عبدالله. حملة أبرهة الحبشي على منطقة وسط الجزيرة العربية المذكورة في نقش مسندي وعلاقتها بحملته على مكة المذكورة في القرآن الكريم، مجلة الإصباح، بوردو- فرنسا، العدد الخامس، يوليو 2020م، ص76- 91.
[5] سحاب، إيلاف قريش، ص47-48، 138-142.
[6] انظر تفاصيل الحملتين في: أبوالغيث، حملة أبرهة على منطقة وسط الجزيرة العربية، ص76- 91.
[7] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر. أنساب الأشراف، تحقيق: محمد حميد الله، دار المعارف، القاهرة، 1959م، ص59.
[8] سحاب، إيلاف قريش، ص195، 212.
[9] عن تلك الأسواق وأماكنها ومواعيدها، انظر: أبوالغيث، عبدالله. بلاد العرب في التاريخ القديم، دار الكتاب الجامعي، صنعاء، صنعاء، 2007م، ص213-221.
[10] ابن هشام، أبومحمد عبدالملك. السيرة النبوية، مج1، ج1، تحقيق: محمد شحاتة إبراهيم، مكتبة فياض، القاهرة، 1990م، ص30-32.
[11] مثلاً: لوندين. أ. ج. اليمن إبان القرن السادس الميلادي، الحلقة الرابعة، مجلة الإكليل، العدد الأول، السنة الثامنة، 1990م، ص22.
[12] هبو، أحمد أرحيم، تاريخ العرب قبل الإسلام، منشورات جامعة حلب، حلب، 1990م، ص104.
[13] سحاب، إيلاف قريش، ص165.
[14] جليان، عطاء الله. مجتمع قريش السياسي والديني في عام الفيل، بيروت، 1987م، ص14.
[15] ابن هشام، السيرة النبوية، مج1، ج1، ص37.
[16] الشيبة، دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص33.
[17] الشيبة، دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص33.
[18] الطبري، محمد بن جرير. تاريخ الأمم والملوك، ج1، تحقيق: مصطفى السيد و طارق سالم، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت، ص444.
[19] الطبري، ج1، ص443.
[20] ابن قتيبة، أبو محمد عبدالله بن مسلم. المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، 1969م، 368، 664.
[21] المسعودي، أبوالحسن علي بن الحسين. مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الفكر، بيروت، 1973م، ص81.
[22] الطبري، ج1، ص444.
[23] الطبري، ج1، ص444، 448.
[24] سحاب، إيلاف قريش، ص147.
[25] الشجاع، عبدالرحمن عبدالواحد. اليمن في صدر الإسلام، دار الفكر، دمشق، 1987م، ص27، 28.
[26] علي، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج4، دار العلم للملايين، بيروت، 1976م، ص115.
[27] الأصفهاني، حمزة بن الحسن. تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961م، ص114ن 115.
[28] سحاب، إيلاف قريش، ص416، 417.
[29] لمزيد من التفاصيل عن أحداث هذه المرحلة، انظر: عثمان، شوقي عبدالقوي، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، كتاب عالم المعرفة رقم 151، 1990م.