ساحل اليمن الغربي في التاريخ القديم
بين نعمة الموقع الجغرافي ونقمته[1]
أ.د. عبدالله أبوالغيث
يهدف البحث لإظهار مدى أهمية العلاقة والتكامل بين التاريخ والجغرافيا، وأثر الجغرافيا في صناعة بعض الأحداث التاريخية؛ أو على الأقل زيادة فاعليتها وأهميتها.
وسنركز في البحث على الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم لليمن بشكل عام، وبوجه خاص (الساحل الغربي لليمن) موضوع البحث، لنرى متى مَثّل ذلك الموقع الاستراتيجي نعمة استفاد منها البلد في ازدهاره التجاري والحضاري والسياسي، ومتى تحول إلى نقمة جَرّت عليه التدخلات الخارجية التي تطورت في بعض الأحيان إلى غزو واحتلال.
وسيتم ذلك التناول من خلال متابعة الأحداث التي تعرضت لها اليمن وكانت ذات ارتباط كبير بساحلها الغربي، مع الربط بينها وبين الصراعات الإقليمية والدولية التي كانت تدور حول المنطقة، فالصلة كبيرة بين البعدين الداخلي والخارجي على مر العصور.
وسينقم البحث إلى ثلاثة مباحث، وسيتفرع من كل مبحث ثلاثة عناوين، هي:
- المبحث الأول: الساحل الغربي في إطار الجغرافية اليمنية وتاريخها القديم.
- المبحث الثاني: نعمة الموقع والازدهار التجاري.
- المبحث الثالث: نقمة الموقع وأخطار الاحتلال.
المبحث الأول: سيتناول الساحل الغربي في إطار الجغرافية اليمنية وتاريخها القديم. حيث سنسلط فيه الضوء على الموقع الجغرافي لساحل اليمن الغربي وأهميته، وكيف أثر ذلك على الأحداث التاريخية الداخلية والخارجية التي ارتبطت به. وسنقدم فيه لمحة عامة ومختصرة عن الدور الذي لعبته منطقة تهامة في تاريخ اليمن القديم، وذلك كفرشة نعتمد عليها عند تناول الأحداث الخارجية التي ارتبطت بالساحل الغربي، سواء ببعدها الإيجابي أو بعدها السلبي.
المبحث الثاني: سوف يخصَص لدراسة نعمة الموقع الجغرافي للساحل الغربي والازدهار التجاري الذي ارتبط به. وسيتم تناول ذلك حسب التسلسل التاريخي، ابتداءً بنشوء طرق التجارة الدولية في البحر الأحمر ودور السواحل اليمنية فيه. ثم سننتقل لتناول دور الساحل الغربي في النفوذ اليمني الذي ساد في منطقة شرق أفريقيا خلال العصور القديمة. وسنختتم هذا المبحث بالتطرق لتحول معظم سلع طرق التجارة الدولية من طريق البخور البري إلى طريق البحر الأحمر، وكيف زاد ذلك من أهمية الساحل الغربي ودوره.
المبحث الثالث: سيخصص لدراسة نقمة الموقع التي حلت بساحل اليمن الغربي وأخطار الاحتلال الخارجي التي أحدقت به، وامتداد تأثيراتها في أحيان كثيرة لتشمل الوطن اليمني برمته. حيث سيتم تناول أبرز تلك المخاطر، ابتداء بالبطالمة والرومان، مروراً بالأحباش، وانتهاء بالفُرس.
المبحث الأول: الساحل الغربي في إطار الجغرافية اليمنية وتاريخها القديم
أولا: بين الجغرافيا والتاريخ:
لا يمكن للمرء أن يقرأ التاريخ بدون خارطة الجغرافيا، فالتاريخ علاقة مشتركة بين الجغرافيا والديموغرافيا، ما يعني أن الأحداث التاريخية يتكامل في صناعتها الإنسان والمكان، أو بالأصح الحدث الذي يصنعه البشر والمساحة المكانية بخصائصها الجغرافية التي دار عليها ذلك الحدث، فالتاريخ هو حديث البشر، والجغرافيا هي حديث الحجر، أو بتعبير آخر يمكن تشبيه الجغرافيا بالمسرح الذي دارت وتدور عليه الأحداث التاريخية.
فالعلاقة بين الجغرافيا والتاريخ موضوع قديم جداً، شغل أذهان الباحثين منذ أن اهتموا بدراسة طبيعة المجتمع البشري على سطح الأرض[2]. فالتاريخ يهتم بالزمان، بينما تهتم الجغرافيا بالمكان، بحيث يدرس التاريخ جميع الظواهر المنتظمة وفق أنماطها الزمانية، بينما تدرس الجغرافيا جميع الظواهر المنتظمة وفق أنماطها المكانية[3]. إذ أن المؤرخ يقسم عالمه إلى أقاليم جغرافية، مثلما يعمد الجغرافي إلى تقسيم دراساته إلى مراحل تاريخية (زمنية)[4].
وقد اختلف الدارسون حول أيهما أكثر أهمية للآخر التاريخ أم الجغرافيا، حيث يرى بعضهم بأن الجغرافيا هي الأهم، فالتاريخ بدون الجغرافيا يبدو كجثة هامدة لا حياة لها، فلو سُحب المكان من تحت أقدام صناع التاريخ لكانوا كالمعلقين في الفضاء أو كالذين يمشون على غير أرض، وهذا أمر مستحيل، إلى جانب تدخل المكان في عملية توزيع السكان على سطح الأرض وتدخله في نوع الطعام الذي يتم إنتاجه. وكذلك الجغرافيا تبدو بدون التاريخ بأن لها حياة وحركة لكنها بدون نظام أو استقرار[5].
والجغرافيا التاريخية هي التي تجسد العلاقة بين التاريخ والجغرافيا بوضوح، فالجغرافيا التاريخية يتم تعريفها بأنها "جغرافية الماضي الذي تدرس التغييرات الطبيعية والبشرية خلال الزمن أو خلال فترة زمنية معينة"[6]. ونظراً لهذا التداخل بين الجغرافيا والتاريخ فقد عد البعض الجغرافيا التاريخية من أصعب أقسام الجغرافيا وأكثرها تعقيداً، لأنها تهدف لربط التفاعلات الجغرافية في الماضي وتحليلها، فالجغرافيا التاريخية تستلهم مادتها من الحوادث التاريخية ذات البعدين المكاني والزماني، فهي كالنخلة أرضها الجغرافيا وماؤها التاريخ. ولذلك فقد تعددت الآراء عن أيهما أكثر قدرة على تدريسها: المؤرخ أم الجغرافي، حيث ذهب البعض أنها ينبغي أن يعهد بها إلى أيدي المؤرخين بسبب ارتباطها بالوثائق التاريخية، بينما رأى البعض الآخر أنها تحتاج لدراية الجغرافي وإمكانياته[7].
ولقد شاعت مقولة أن "الجغرافيا تاريخ ساكن، فيما التاريخ جغرافيا متحركة" وأصبح يستدل بها كثير من المؤرخين للتدليل عن أهمية العلاقة التكاملية التي تربط بين التاريخ والجغرافيا. وذهب البعض لرفض تلك المقولة لأن الجغرافيا في نظره متحركة، إذ يلعب الموقع الجغرافي أهمية في مرحلة ما ثم تقل تلك الأهمية في مرحلة أخرى، مثل رأس الرجاء الصالح جنوب القارة الأفريقية الذي لعب دوراً مهماً بعد الكشوف الجغرافية واكتشاف كروية الأرض، إلا أنه فقد جزءاً من ذلك الدور بعد شق وافتتاح قناة السويس[8]، فالجغرافيا هي الأخرى تشارك في صنع الأدوار وتساهم في صنع الحضارات وخرابها، وليس التاريخ وحده[9]. ويمكن أن نضرب أمثلة بقناة السويس والسدود التي يقيمها الإنسان على الأنهار والوديان كأمثلة على الفعل الإنساني الذي تتداخل فيه الجغرافيا بالتاريخ[10]. وتعد السدود والحواجز المائية في حقيقة الأمر من نتاج حضارات الوديان الجافة؛ إن لم تكن في الواقع من اختراع أهل تلك الحضارة[11].
ويبدو الوطن العربي مختبراً نموذجياً لاختبارات الجغرافيا وما يرتبط بأهمية الموقع الجغرافي من نِعم ونِقم يجلبها على أهله[12]. ولفت جمال حمدان الأنظار في كتابه القيم (شخصية مصر) الانتباه إلى عبقرية المكان والتكامل بين الموقع الجغرافي والموضع الجغرافي وهو يتحدث عن الموقع الاستراتيجي لمصر وموضعها المهم وما ارتبط بهما من نعمة مكنت المصريين من بناء حضارة زاهرة كانت واحدة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية عبر تاريخها، وفي الوقت نقسه موجات الاحتلال المختلفة التي تعرضت لها مصر عبر تاريخها نتيجة لذلك الموقع المهم[13]. وينطبق الأمر ولو بشكل متفاوت على بلدان عديدة تتمتع بموقع جغرافي مهم يتكامل مع موضع جغرافي حيوي بما يصاحبه من نعمة للموقع ونقمة، مثل سوريا التاريخية (بلاد الشام) والعراق واليونان واليمن وغيرها من البلدان.
ويتم تعريف الموقع الجغرافي بأنه عبارة عن الإطار الجغرافي الذي يحدد علاقة مكان ما بغيره من الأمكنة والظواهر الطبيعية والبشرية (المكان من الخارج)، بينما يتم تعريف الموضع الجغرافي بأنه عبارة عن ملامح ومحتويات المكان ذات البعد الداخلي مثل التضاريس والمناخ وغيرها (المكان من الداخل)[14]. وبما أننا سنتحدث من خلال هذا البحث عن جزء من الوطن اليمني يمكن الإشارة إلى أن اليمن قد تمتعت بموقع جغرافي مهم كونها تطل على بحر العرب ومن خلفه عالم المحيط الهندي، والبحر الأحمر ومن خلفه عالم البحر المتوسط، وتتحكم بمضيق باب المندب الذي يربط بين البحرين العربي والأحمر. وارتبط ذلك الموقع لليمن بطبيعة جغرافية حيوية (الموضع الجغرافي)، وتكامل كل ذلك بتفاعل الإنسان اليمني النشط الذي يُشهَد له عبر التاريخ أنه من بين أنشط المجموعات السكانية، حيث عرّض ذلك اليمن للدورات التاريخية المصاحبة لنعمة الموقع الجغرافي ونقمته[15]. وهو ما سنفصل فيه من خلال ثنايا البحث.
وعلنا قد أدركنا في هذا الموضوع أهمية العلاقة بين الجغرافيا والتاريخ وتأثير كلٍ منهما على مجريات الآخر، وكذلك الأهمية التي يمثلها الموقع الاستراتيجي لأي مكان، مع ما يرتبط بتلك الأهمية من مزايا (نعمة الموقع) وعيوب (نقمة الموقع)، تنعكس على تاريخ ذلك المكان والنشاط الإنساني للمجموعة البشرية التي تسكن فيه.
ثانياً: الموقع الجغرافي لساحل اليمن الغربي وأهميته:
يعد انكسار البحر الأحمر جزء من الأخدود الأفريقي العظيم، الذي يمتد من بحيرة تنجانيقا في منطقة البحيرات الأفريقية ثم هضبة الحبشة، ومن ثم يتجه شمالاً إلى خليج العقبة والبحر الميت وغور الأردن وسهل البقاع[16]. ويعتبر الأخدود الأفريقي أهم ظاهرة جيولوجية في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام. ويعتقد الكثيرون أن الأخدود بدأ تكوينه في فترة أقدم بكثير مما يعتقده البعض بأنه تكون في العصر الكريتاسي والزمن الجغرافي الثالث. ويمتد طول البحر الأحمر حوالي 2000 كم، ابتداءً من مدينتي العقبة والسويس حتى مضيق باب المندب، ويتراوح متوسط عرضه بحوالي 250 كم، أما عمقه فيصل أحياناً إلى نحو 2000 متر في وسطه. وقد تكّون عن انكسار البحر الأحمر سلسلة المرتفعات الغربية في اليمن وسهل تهامة الذي انحصر بين تلك المرتفعات وسواحل البحر الأحمر[17].
وسهل تهامة عبارة عن غور كبير يجاور البحر الأحمر، ويعد أكثر أراضي اليمن انخفاضاً، ويرجع ذلك إلى هبوط قشرة الأرض على طول الانكسارات التي تعرضت لها المنطقة التي تكّون على إثرها أخدود البحر الأحمر. كما أن الأجزاء المطلة على البحر من سهل تهامة عرضة للتعرية البحرية، حيث تلعب الأمواج دوراً كبيراً في تشكيل المناطق الساحلية، ويظهر ذلك في تكوين عدد من الكهوف والفجوات في المناطق الصخرية التي يسهل نحتها، إلى جانب المواد الصخرية الدقيقة والحصوية والرملية والطينية التي ينقلها البحر من موضع ما ويجري ترسيبها في موضع آخر، ويتمثل ذلك بالرواسب الرملية التي تقوم الرياح بتوزيعها على طول الساحل في شكل كثبان رملية. أما خط الساحل نفسه فيتعرض لعمليات التعرية البحرية؛ خاصة الأمواج التي تقوم بدور كبير في نشوء الظاهرات الساحلية[18].
ويتراوح ارتفاع سهل تهامة المطل على سواحل البحر الأحمر بين بضعة أمتار قرب البحر إلى حوالي 250 متر قرب أقدام المرتفعات الغربية، ويزيد طول السهل على 400 كيلو متر مربع[19]، أما عرضه فيصل وسطياً إلى 40كم، وتصل مساحة سهل تهامة إلى قرابة 20،000 كم، ويتميز السهل بتجانس كبير في مظهره التضاريسي. ونظراً لانخفاض مستوى السهل وإحاطته بالسلاسل الجبلية يعتبر من أفقر أقاليم اليمن مطراً، إذ لا تزيد الأمطار عن 150 ملم عادةً، لذا فقد شغلته النباتات الصحراوية المتآلفة مع الجفاف، وتكُون النباتات قليلة ومتناثرة قرب ساحل البحر لكنها تزداد كثافة كلما اقتربنا من الجبال، بينما تعد مجاري الأودية غنية بالنباتات الطبيعية والإنسانية بسبب السيول التي تتدفق فيها في مواسم الأمطار قادمة من مناطق المرتفعات الجبلية[20].
ولا يمنع ذلك من وجود ظاهرة ملموسة في بعض سواحل إقليم تهامة على البحر الأحمر، حيث توجد المياه العذبة على مقربة من ساحل البحر وتكون قريبة جداً من السطح، ما يوفر مجالاً لزراعة أشجار النخيل هناك، وتتوفر تلك المياه بوجه خاص في المناطق الجنوبية لسهل تهامة؛ خصوصاً شواطئ الخوخة والمناطق المجاورة لها مثل المخاء والدريهمي[21]. ويؤدي تداخل الماء العذب مع ماء البحر إلى تقليل إمكانية وجود الشعب المرجانية بالقرب من الساحل[22].
ويعد سهل تهامة من أغنى أقاليم اليمن بالمياه الباطنية، نظراً لاتساعه وتلقيه كميات كبيرة من المياه عبر الأودية الكثيرة التي تنحدر إليه من الجبال العالية التي تتلقى كمية جيدة من الأمطار، حيث تراكمت المياه الجوفية لسهل تهامة منذ الزمنين الجغرافيين الثالث والرابع. ويشكل كل وادٍ من الأودية الكبيرة المنحدرة من الجبال المشرفة على السهل حوضاً مائياً باطنياً قائماً بذاته، وتنتشر كثير من الأودية التي تهبط من الجبال الغربية وتخترق سهل تهامة صوب البحر الحمر؛ أكبرها خمسة أودية هي: وادي مور، وادي سُردُد، وادي سهام، وادي رماع، وادي زبيد [23]. وقد أدت عمليات الإرساب الطيني والرملي في مجاري هذه الأودية إلى تكّون التربة الصالحة للزرعة، وتتمثل أهم المحاصيل الزراعية التي تزرع فيها بالذرة الرفيعة والذرة الشامية والدخن والقطن والتبغ والموز والمانجو والباباي وبعض أنواع الخضار[24].
ويقع سهل تهامة ضمن النطاق القائظ بحرارته المرتفعة، ويتراوح المتوسط السنوي لدرجات الحرارة بين 30 و 37 درجة. ويتراوح المدى الحراري بين 14 و 16 درجة، وهو مدى كبير بالنسبة لمنطقة مدارية وقريبة من البحر. ويتميز سهل تهامة المطل على ساحل اليمن الغربي بارتفاع الرطوبة النسبية على مدى العام، فهي لا تنخفض عن 60% في كل الأشهر بل وتزيد عن 70%، وهذا يعني بأن الجو غني ببخار الماء، وأن المنطقة قائظة خانقة بسبب ارتفاع الحرارة والرطوبة الجوية، ويعود سبب ارتفاع الرطوبة إلى تأثير البحر الأحمر الذي يتعرض لعمليات تبخر شديدة ومستمرة بسبب ارتفاع الحرارة إلى جانب نسبة الإشعاع المرتفعة في السهل[25].
وتكثر الثروة السمكية في البحر الأحمر، وذلك بسبب ارتفاع حرارته، فهي لا تتدنى في الطبقات السطحية عن 18 درجة شتاءً، بينما تزيد عن 35 درجة صيفاً، كما أن البحر الأحمر في أعماقه غني بالمرجانيات التي تمثل مكاناً ملائماً لتكاثر الأسماك التي تقتات على بعضها، إذ نرى هنا عالماً غنياً من الأسماك بعضه محلي وأكثره قادم من المحيط الهندي[26].
ويتميز الساحل الغربي لليمن بوجود النتوءات الصخرية والرؤوس البحرية، وكذلك قلة الشعب المرجانية بالقرب منه[27]، إلى جانب الجزر الكثيرة التي تتناثر قبالته وتنتهي في أقصى الطرف الجنوبي للساحل الغربي بجزيرة ميون (بريم) التي تتحكم بمضيق باب المندب، المتحكم بحركة المرور البحرية بين البحر الأحمر وخليج عدن ومن خلفه بحر العرب والمحيط الهندي، وكذلك يربط بين الساحلين العربي والأفريقي نظرا لقلة المسافة بينهما عند سواحل المضيق. وكل ذلك أعطى مزايا مهمة لساحل اليمن الغربي جعلته محط أنظار الدول القديمة؛ سواء التي قامت في اليمن أو التي أتت من خارجها.. وهو ما سيتضح لنا من خلال مواضيع البحث القادمة.
ثالثا: تهامة وارتباطها التاريخي بالدول اليمنية القديمة:
تدل الشواهد التاريخية والأثرية على ارتباط إقليم تهامة بالتاريخ اليمني القديم وحضارته الزاهرة، وأنها كانت جزءاً مهماً ضمن ذلك التاريخ وتلك الحضارة، حيث تشير تقارير البعثات الأثرية إلى وجود رسومات ومخربشات وقطع فخارية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، تنتشر في بعض مناطق تهامة، مثل: حيس وجبل راس وزبيد وباجل، كما عثر على كتابات مسندية ومواقع أثرية تعود إلى المرحلة التاريخية اليمنية القديمة. وتنسب تسميات كثير من المدن التهامية إلى شخصيات تاريخية عاشت في العصر السابق للإسلام، مثل حيس والزيدية وحرض. إلى جانب الدور التاريخي القديم الذي قامت به بعض القبائل التهامية مثل الأشاعر وعك ومدينتها المهجم[28]، وكذلك الدور التاريخي الرائد الذي شهدته مدن موزع والمخاء ومنطقة باب المندب، وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً في إطار هذا الموضوع.
وهناك نقش سبئي تم العثور عليه بمنطقة تهامة في موقع الواقر الأثري المطل على وادي سهام، ويعود تاريخه حسبما يرجح يوسف عبدالله إلى القرن السادس قبل الميلاد، ويتحدث عن إنهاء ضرائب قديمة على أودية تقع شمال تهامة اليمن هي: جازان وخلب ونشان[29] ومور كانت قد فُرضت عليها في مطلع القرن السابع قبل الميلاد تقريباً[30]. وهو ما يؤكد ارتباط منطقة شمال تهامة بالدولة السبئية في مارب خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، من وادي سهام جنوباً الذي يصب إلى الشمال من مدينة الحديدة في اتجاه مدينة الصليف، حتى وادي جازان شمالاً الواقع في منطقة جيزان (تقع حالياً جنوب غرب المملكة العربية السعودية).
أما مناطق جنوب تهامة اليمن، خصوصاً منها القريبة من مضيق باب المندب فنفهم من نقش النصر الذي دوّنه المكرب السبئي كرب إيل وتر (حكم أواخر القرن الثامن مطلع القرن السابع قبل الميلاد) أنها كانت تتبع دولة أوسان التي كانت تفرض سيطرتها على منطقة المعافر[31]، وكانت سواحل جنوب تهامة الممتدة من باب المندب جنوباً حتى منطقة الأشاعر شمالاً جزءاً من المعافر، وهو ما نعرفه من خلال نقش سنشير إليه لاحقاً ضمن هذا الموضوع. ومنذ هذا التاريخ الذي قضى فيه المُكَرِب السبئي على دولة أوسان أصبح الساحل الغربي لليمن بشكل عام خاضعاً للدولة السبئية.
واستمرت السيطرة السبئية على كل المناطق التهامية المطلة على ساحل اليمن الغربي إلى أن بدأ نفوذ الدولة القتبانية بالتمدد في منطقة جنوب غرب اليمن ابتداءً من القرن السادس قبل الميلاد عندما بدأ ما يسميه بعض المؤرخين عصر النفوذ القتباني في اليمن، بعد أن عد القتبانيون أنفسهم أصحاب الحق بالسيطرة على الأراضي التي كانت تتبع الدولة الأوسانية وسيطرت عليها سبأ، حيث تدل الشواهد بأن سيطرة الدولة القتبانية قد وصلت إلى مضيق باب المندب، واستمرت تلك السيطرة حتى القرن الأول قبل الميلاد تقريبا[32]، عندما تمكن الكيان الحميري الصاعد من انتزاع مناطق قتبان الساحلية وتحويل قتبان إلى دولة داخلية، وهو ما أضعف قتبان وأدى إلى انهيارها التدريجي[33]، وغالب الظن أن القتبانيين خلال مرحلة ازهارهم هذه قد تمكنوا من فرض سيطرتهم على بعض سواحل البحر الأحمر القريبة من باب المندب.
وقد تمكن الكيان الحميري (ذي ريدان) من فرض سيطرته على كل القسم الجنوبي من تهامة، عندما امتدت دولتهم في القرون الميلادية الثلاثة الأولى لتشمل الأراضي الممتدة من جنوب تهامة غرباً حتى يافع شرقاً، ومن نقيل يسلح شمالاً حتى عدن جنوباً، وبذلك انحصر النفوذ السبئي في تهامة على قسمها الشمالي كما كان سابقاً. ويبدو أن دولة حمير خلال هذه الفترة كانت تفرض سيطرتها على جنوب تهامة عبر أقيال المعافر، حيث يتضح لنا ذلك من مكونات اللقب الذي كان يحمله كليب يهأمن عامل (محرج) الملك الحميري شمر يهحمد (منتصف القرن الثالث الميلادي)، حيث تسمى فيه ب "محرج شمر يهحمد بذي معافر وأجناد الأشاعر وجماعات الكلاع وعسيفر (عصيفرة) وذي حبيل (الحبيل)"[34].
ولعل كليب المذكور في هذا النقش هو نفسه كليب حاكم المعافر الذي أشار إليه المؤلف المجهول لكتاب دليل البحر الإرتيري يصفته تابعاً للملك الحميري كرب إيل، الذي يُعتقد بأن المقصود به هو الملك كرب إيل أيفع خليفة الملك شمر يهحمد المذكور في النقش السابق[35]. حيث يشير كتاب الدليل أن قيل المعافر عبر تحكمه بميناء موزع (جنوب مدينة المخاء) كان يتحكم بمنطقة ربطة في سواحل شرق أفريقيا المطلة على المحيط الهندي (سواحل تنزانيا وكينيا الراهنتين)، ويحدثنا عن نشاط تجاري زاهر لميناء موزع مع العالم الخارجي جعل منه الميناء اليمني الأول خلال هذه المرحلة[36].
وفي النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي تمكن الحميريون من ضم دولة سبأ إلى دولتهم، وحكموا دولة سبأ وذي ريدان، وبذلك خضعت كل تهامة اليمن لسيطرتهم، خصوصاً بعد أن كانوا قد تمكنوا من طرد الأحباش من تهامة، وهو ما سنشير إليه في المبحث الثالث من هذا البحث. تجدر الإشارة أن منطقة سهرتنان (السهرة) التي ذكرت في النقوش المسندية، وتمتد من شمال تهامة اليمن الحالية حتى تهامة عسير كانت دائمة الثورات والتمردات ضد الدولة السبئية ومن بعدها الدولة الحميرية[37]. ولعل تسمية سهرتنان (السهرة) قد احتفظت بها منطقة الزُهرة التي أطلقت على إحدى مديريات محافظة الحديدة (تقع في القسم الشمالي من تهامة اليمن)، خصوصاً أن الإبدال بين حرفي الزاي والسين أمر شائع في لغة العرب[38].
وبعد أن تمكن الحميريون من القضاء على دولة حضرموت في العقد الأخير من القرن الثالث الميلادي في عهد ملكهم شمر يهرعش وأخضعوا كل بلاد جنوب الجزيرة العربية (اليمن القديم) لحكمهم[39] بدأوا يعملون على مد سلطتهم صوب شمال جزيرة العرب بجبالها وسهولها، ما جعلهم بعد قرن من الزمان يطورون في لقبهم الملكي على يد ملكهم أبي كرب أسعد (أسعد الكامل) ويضمون الطود (الجبال) وتهامة (السهول المطلة على البحر الأحمر) إلى ذلك اللقب، وكان المقصود بتهامة هنا كل سهول الجزيرة العربية المطلة على البحر الأحمر في اليمن والحجاز[40].
وشهدت منطقة تهامة اليمن، خصوصاً في قسمها الجنوبي القريب من مضيق باب المندب أحداثاً عسكرية حامية الوطيس بين آخر ملك حميري (يوسف أسأر يثأر/ ذي نواس) وبين الغزاة الأحباش، وهو ما سنشير إليه لاحقاً في الموضع المخصص لتناول تلك الحروب. وكانت مدينة المخاء قد ازدهرت خلال هذه الفترة لتصبح بمثابة الميناء الرئيس لليمن في هذه المنطقة وحلت بدلاً عن موزع القريبة منها، لعوامل لا ندرك تفاصيلها كاملة حتى الآن.
المبحث الثاني: نعمة الموقع والازدهار التجاري
أولاً: نشوء طرق التجارة في البحر الأحمر ودور السواحل اليمنية:
تعد الرحلات البحرية التي نفذها المصريون القدماء نحو بلاد البونت منذ الألف الثالث قبل الميلاد هي أقدم ما دونه لنا التاريخ المكتشف عن حركة الملاحة في البحر الأحمر[41]. وبغض النظر حول الاختلافات بخصوص موقع بلاد البونت والمقصود بها، فنحن نرجح بأن قدماء المصريين قد أطلقوها على كل البلاد التي تقع إلى الجنوب من بلادهم بشقيها الأفريقي والعربي الأسيوي، وتمتد إلى أقاصي الأرض في ذلك الاتجاه[42].
وكنا في بحث سابق قد أثبتنا بالاعتماد على أدلة عديدة بأن طريق البخور البري الذي تَحَكم به اليمنيون القدماء قد انتظم في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، ولأن البضائع التي كانوا يتاجرون بها على ذلك الطريق يأتي كثير منها من الهند، فتواصلهم البحري مع الهند يعود في الغالب إلى تلك المرحلة، وبالتالي لابد أنه قد كان لهم نشاطهم البحري على سواحلهم المطلة على البحر الأحمر خلال تلك الفترة وقبلها[43]، خصوصاً أن المصادر تتحدث بأن السفن اليمنية كانت بمثابة نقطة الوصل بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وقد استفاد اليمنيون من تحكم بلادهم بمضيق باب المندب ولم يكونوا يسمحون للسفن القادمة من المحيط أن تتجاوز ميناء عدن صوب البحر الأحمر، كما هو الحال مع السفن القادمة من البحر الأحمر التي لا يسمح لها بتجاوز عدن نحو المحيط[44].
وقد أدى اضطراب الأمور في مصر الفرعونية في القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى انتقال زمام التجارة التي كانت بأيدييهم في البحر الأحمر إلى الفينيقيين، عبر ميناء تل الخليفة (أيلة: الواقع على رأس خليج العقبة)، حيث تخصصوا بنقل البضائع الأفريقية في الغالب، بينما ظلت عملية التواصل مع الهند بيد الملاحين من عرب الجنوب. وبعد انحسار النفوذ الفينيقي بالبحر الأحمر ظلت التجارة الهندية والأفريقية في أيدي العرب[45].
ومنذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد بدأت مصر تستجمع قواها على يد فراعنة الأسرة الصاوية، في محاولة لإحياء نشاطها البحري في البحر الأحمر، وقد استعانت من أجل ذلك بخبرة البحارة والجنود المرتزقة من الإغريق لبناء أسطول من السفن الحديثة ذات الثلاثة طوابق من المجدفين، بدلاً من السفن الشراعية القديمة. كما أن الملك نخاو (610-595 ق.م) حاول أن يشق قناة تربط بين النيل وخليج السويس عبر وادي الطُمِيْلات والبحيرات المرة. لكن هذه اليقظة المتأخرة لفراعنة العصر الصاوي لم تعمر طويلاً، فقد سقط حكمهم على يد الفرس الأخمينيون. وبالرغم من ذلك فقد ساهم الصاويون في لفت أنظار البحارة الإغريق لمياه البحر الأحمر، حيث بدأ حلم المغامرة والاستكشاف يراود خيال كثير منهم لارتياد مياه ذلك البحر وإماطة اللثام عن أسراره[46].
وبعد أن تمكن الفرس الأخمينيون بقيادة ملكهم قمبيز بن قورش عام 525 قبل الميلاد من احتلال مصر عبر بلاد الشام التي كانت قد خضعت لسيطرتهم، حيث فرضوا بذلك سيطرتهم على السواحل الشرقية للبحر المتوسط، وبدأوا يتجهون لاستكشاف مجاهل البحر الأحمر من أجل ربطه بالخليج العربي (الفارسي) الذي يسيطرون عليه، وقد شرعوا في حركة كشوفات بحرية لمجاهل ذلك البحر وسبل ربطه بالخليج العربي بمساعدة البحارة الإغريق. وفي عهد ملكهم دارا بن قمبيز (521- 485 ق.م) بدأت السلطات الفارسية الحاكمة في مصر تنفيذ مشروع الفرعون نخاو المهجور، بحفر القناة التي تربط بين نهر النيل والبحر الأحمر، إذ عُثر على لوحة تذكارية منقوشة بكتابة هيروغليفية تقول أنه صار بإمكان السفن أن تبحر مباشرةً من النيل إلى بلاد فارس عن طريق بلاد سبأ[47].
وعلى إثْر طرد الإسكندر المقدوني للفرس الأخمينيين من مصر عام 331 قبل الميلاد وقيام دولة البطالمة في مصر‘ عمل ملوك البطالمة الأوائل على استكشاف الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، ووصلوا بالعمران إلى رأس غاردافوي (في سواحل الصومال الحالية). وبذل البطالمة اهتماماً بتطوير العديد من الطرق البرية التي تربط بين وادي النيل وسواحل البحر الأحمر من شمال الساحل المصري على ذلك البحر حتى جنوبه[48]، وبلغ من اهتمام البطالمة بالبحر الأحمر أن عينوا موظفاً خاصاً يحمل لقب "حاكم طيبة والمشرف على البحر الأحمر والمحيط الهندي"، وكُلِف هذا الموظف بمراعاة مصالح البطالمة في التجارة القادمة عبر هذين البحرين[49]. وسنأتي لاحقاً على ذكر منافستهم للنشاط التجاري اليمني في البحر الأحمر ومن بعدهم الرومان الذين خلفوهم على حكم مصر.
تجدر الإشارة في نهاية هذا الموضوع أن النشاط اليمني في البحر الأحمر لم يقتصر على النشاط البحري فقط، لكن أهل اليمن استغلوا سهول إقليم تهامة - منفذهم صوب سواحل ذلك البحر- وجعلوها مسلكاً لبعض طرقهم التجارية، كان أبرزها طريقان: ساحلي يمر بالمستوطنات التهامية المطلة على البحر مباشرةً، وطريق آخر يمر عبر المستوطنات التهامية الداخلية التي تتوسط القطاع الأوسط من ذلك الإقليم في شريط يمتد من الجنوب إلى الشمال[50]. مع العلم أن تلك الطرق كانت ثانوية في مرحلة ما قبل الميلاد، بينما ازدادت أهميتها خلال المرحلة الميلادية السابقة للإسلام، بسبب تحول النشاط التجاري من طريق البخور البري إلى الطريق البحري في البحر الأحمر، ما أدى إلى ازدهار الطرق البرية الجبلية والساحلية على حساب الطريق الصحراوي (المسلك الرئيسي لطريق البخور الشهير)[51]، وهي الطرق التي تحولت بعد الإسلام إلى طرق لحجاج أهل اليمن[52]. ويتوافق ذلك مع توزيع المستوطنات السكانية في إقليم تهامة التي تنقسم إلى ساحلية وداخلية[53]، بل ومع القطاعات التضاريسية والنطاقات المناخية التي تسود في الإقليم بساحله ووسطه ومناطق أقدام الجبال في أقصى شرقه[54].
ثانياً: النفوذ اليمني في شرق أفريقيا ودور الساحل الغربي:
استغلت الدول اليمنية القديمة موقعها الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي وعلى مضيق باب المندب الذي يربط بينهما، حيث مدت نفوذها السياسي المصاحب لنشاطها التجاري والاقتصادي في البلاد المطلة على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية. وتعود بدايات النفوذ اليمني في شرق القارة الأفريقية إلى النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، حسبما تدل على ذلك الشواهد الأثرية والتاريخية التي سنتطرق إليها.
وحسب تلك الشواهد فوجودهم على سواحل قارة أفريقيا المطلة على المحيط الهندي يسبق وجودهم على سواحلها المطلة على البحر الأحمر (الحبشة التاريخية)، حيث وردت إشارة في كتاب دليل البحر الإرتيري (القرن الثالث الميلادي) تسمى الساحل الأفريقي المطل على المحيط الهندي (في كينيا وتنزانيا حاليا) بالساحل الأوساني، نسبة لدولة أوسان اليمنية القديمة، التي تم القضاء عليها في مطلع القرن السابع قبل الميلاد على يد المكرب السبئي كرب إيل وتر، ما يعني أن الوجود الأوساني هناك يعود لفترة سابقة لسقوطها (على الأقل إلى القرن الثامن قبل الميلاد)، وهو ما يدل على ترسخ ذلك الوجود بدليل استمرار مسمى الساحل الأوساني لتلك المناطق إلى زمن تأليف كتاب الدليل المشار إليه، أي بعد قرابة ألف عام من سقوط الدولة الأوسانية[55].
وسبق القول في المبحث الأول بأن الدولة الحميرية بعد أن آلت إليها السيطرة على منطقة ربطة (الساحل الأوساني في شرق أفريقيا) كانت تتحكم بها عبر ميناء موزع المطل على ساحل البحر الأحمر التابع لقيل المعافر، رغم سيطرتها على جزء من ساحل اليمن الجنوبي المطل على خليج عدن، الذي تقع فيه مدينة عدن الساحلية التي كانت تتبعهم خلال هذه الفترة. ولا تحدثنا المصادر المتوفرة عما آل إليه النفوذ اليمني في ربطة، وغالب الظن أنه استمر حتى سقوط الدولة الحميرية على يد الأحباش في مطلع القرن السادس الميلادي، وذلك لعدم وجود قوى سياسية معتبرة هناك يمكن أن تنافس الدول اليمنية القديمة التي تعاقبت على وراثة النفوذ في ذلك الساحل، وكان آخرها الدولة الحميرية.
أما النفوذ اليمني في بلاد الحبشة التاريخية (منطقة القرن الأفريقي الحالية) فقد ارتبط بالدولة السبئية بشكل رئيس، وقد لا نجافي الحقيقة إذا ربطنا بداية الوجود السبئي في الحبشة بالسيطرة السبئية على منطقة المعافر في مطلع القرن السابع قبل الميلاد حسبما أشرنا أعلاه، التي تطل على مضيق باب المندب وتتحكم بالسواحل القريبة منه، وبالتالي تكون سواحل اليمن الغربية (خاصة قسمها الجنوبي) هي المنفذ الذي عبر منه السبئيون صوب الحبشة، مستغلين قرب المسافة بين شاطئيّ البحر الأحمر (العربي والأفريقي) في هذا المكان، وهو ما تؤكده النقوش المسندية السبئية التي عثر عليها في الحبشة، ويعود أقدم ما عثر عليه منها حتى الآن إلى القرن السادس قبل الميلاد[56]، حيث احتاجوا لمدة من الزمن منذ بدأت هجراتهم صوب الحبشة ليؤسسوا مكانة سياسية لهم هناك، خصوصاً أن النفوذ اليمني في منطقة شرق أفريقيا لم يرتبط بحملات عسكرية وفق ما نملك من مصادر، لكنه ارتبط بعوامل سياسية واقتصادية بدرجة أساسية.
وكانت أبرز القبائل التي هاجرت من اليمن إلى الحبشة هي: قبيلة حبشت/حبشة، التي أعطت اسمها للأرض، وقبيلة الجعز/الأجاعز، التي أعطت اسمها للغة السامية الأم التي سادت في بلاد الحبشة وتطورت من اللغة السبئية وكتابتها المسندية[57]، وقبيلة الأكسوم التي أعطت اسمها لمدينة أكسوم التي أصبحت عاصمة لدولة أكسوم التي فرضت سيطرتها فيما بعد على بلاد الحبشة[58]، إلى جانب أسماء يمنية كثيرة صارت لمسميات قبائل وأماكن في الحبشة مثل سبأ وريدان ومارب وهوازن. ونقل المهاجرون اليمنيون معهم إلى الحبشة ثقافتهم المتطورة، حيث يبدو من خلال ما ذكرته المصادر الكلاسيكية أن ثقافة السكان الأصليين كانت بدائية، وكانوا عبارة عن صيادين وجامعي ثمار، فاستعانوا بثقافة المهاجرين اليمنيين في مجالات اللغة واستخدام المحراث واستئناس بعض الحيوانات، واستعمال الحديد واستخدام الحجر في البناء[59].
وتركز الوجود السبئي في المناطق الداخلية الواقعة شمال الحبشة وسواحلها المطلة على البحر الأحمر بدرجة أساسية، وكانت مدينة يحا هناك هي مركزهم الحضاري قبل ظهور دولة أكسوم. وتتمثل دلائل الوجود اليمني (السبئي بشكل خاص) في الحبشة بالعديد من النقوش السبئية، ومعها قطع أثرية مثل شواهد القبور والمباخر والأختام والقطع البرونزية، إلى جانب المعبودات والمعابد، حيث عثر على المعبودات السبئية الرئيسية في الحبشة (إل مقه، ذات حميم، ذات بعدان، عثتر، هوبس)، وكذلك عثر على معابد؛ منها معبد بيضاوي في مدينة يحا يشبه معبد أوام الشهير؛ وربما يحمل اسمه. وتدل النقوش المسندية المدونة باللهجة السبئية التي عثر عليها في شمال الحبشية على وجود كيانات سياسية في الحبشة خلال الألف الأول قبل الميلاد كانت ذات ارتباط موالي للدولة السبئية[60].
ولأن النفوذ اليمني في شرق القارة الأفريقية ارتبط بدرجة أساسية بالنشاط التجاري، لجلب بضائع يحتاجونها للمتاجرة بها على طريق البخور التجاري الدولي، إلى جانب مدهم بما يحتاجونه من بضائع يتم استقدامها من بلاد أخرى، فقد تمثلت أهم البضائع التي كان يتم جلبها من أفريقيا بالقرفة والسمسم والمُر والعاج والذبل وقرن الخرتيت والرقيق[61]، إلى جانب صدف السلحفاة وجلود جاموس النهر والذهب الخام واللبان الذكر والزنجبيل. أما وارادات الحبشة فكان أهمها: الأقمشة والملابس والعباءات المسبوغة بالألوان والنحاس والحديد والفؤوس والقواديم والسيوف وأكواب الشراب والنبيذ وزيت الزيتون وبعض الحلي الذهبية والفضية[62].
وقد انتهى النفوذ السبئي من الحبشة في حدود بداية العصور الميلادية، مترافقاً مع قيام الدولة الأكسومية في الحبشة، ويُعتقد أن ذلك تم بتحريض ومساعدة من قبل الرومان في مصر، خصوصاً بعد أن فشلت حملتهم العسكرية التي أرسلوها إلى اليمن عام 24 قبل الميلاد، حيث أوكلوا الدولة الأكسومية منذ ذلك التاريخ لمنافسة عرب اليمن والعمل على تحجيم نفوذهم[63]، وهو ما سنفصله من خلال مواضيع المبحث الثالث. أما النفوذ اليمني في مناطق شرق أفريقيا المطلة على المحيط الهندي فقد سبق القول أنه كان في أوج نشاطه خلال القرن الثالث الميلادي كما نعرف من كتاب دليل البحر الإرتيري، وسبق أن رجحنا أنه ربما استمر إلى زمن سقوط الدولة الحميرية في مطلع القرن السادس الميلادي.
ثالثاً: تحول طريق التجارة صوب البحر الأحمر وازدياد أهمية الساحل الغربي:
سبق الحديث بأن الشواهد تدل على أن نشوء طريق البخور التجاري البري الدولي يعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، حيث استطاع عرب اليمن التحكم بتجارة هذا الطريق الذي يربط عبر غرب الجزير العربية بين عالم المحيط الهندي وعالم البحر الأبيض المتوسط[64]. وقد حرصت الدول اليمنية القديمة (سبأ، أوسان، قتبان، حضرموت، معين) أن تكون عواصمها على درب ذلك الطريق، وذلك بسبب الضرائب والعائدات الاقتصادية التي تجنيها جراء ذلك، إلى جانب ما منحه الطريق للمناطق التي يمر فيها من فرصة للنماء والازدهار ما جعلها محطة جذب لمن حولها من السكان. وقد ولد الطريق علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية بين عرب الجنوب وعرب الشمال الذين كان الطريق يمر في أراضيهم، حيث كانوا يعملون كأدلاء وخفراء للقوافل التجارية التي تسير على ذلك الطريق، إلى جانب الفوائد التي تعود عليهم جراء الخدمات التي يقدمونها لتلك القوافل في المحطات التي كانت تنتشر على طول ذلك الطريق[65].
وقد ظل عرب الجنوب يتحكمون في ذلك الطريق طوال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، حيث اكتشف الإغريق حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي عام 45 قبل الميلاد وتمكنوا من الإبحار مباشرةً إلى الهند، وكان ذلك بعد محاولات عديده منذ عهد الإسكندر المقدوني، وهو ما سنتناوله في المبحث القادم، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى الصورة البراقة التي رواها الكُتاب الإغريق عن حجم الثراء الذي تتمتع به بلاد العرب الجنوبية، فأرتميدوروس (القرن الثاني قبل الميلاد) يقول بأن تحكم السبئيين بالتجارة القادمة إلى عالم البحر المتوسط قد جعلهم من أكثر قبائل العرب ثراءً، ويقدم لنا صورة مبالغ فيها عن حجم ثراء العرب الجنوبيين لم نجدها في واقع حياتهم من خلال ما تركوا لنا من آثار ونقوش، فهم حسب قوله يمتلكون كميات كبيرة من مصنوعات الذهب والفضة: كالأَسِرّة والموائد والآنية والكؤوس، وكذلك منازلهم الفخمة التي ترصع أبوابها وجدرانها وسقوفها بالذهب والفضة والعاج والأحجار الكريمة[66].
أدى تحول كثير من بضائع طريق البخور إلى الطريق البحري لتحول أكثر ما بقى من تجارة الطريق البري الصحراوي صوب الطرق التي تسلك مناطق المرتفعات والسواحل حسبما ذكرنا سابقاً، خصوصاً بعد استخدام العرب الشماليين للخيول وازدياد هجماتهم على الحواضر اليمنية القديمة بسبب قلة عائداتهم من طريق البخور، وقد انعكست تلك التحولات على الدول اليمنية القديمة آنذاك، حيث ازدهرت الدول الساحلية، بينما تأثرت سلباً الدول الداخلية بسبب قلة عائداتها، وكانت حميَر هي أكثر المستفيدين من الوضع الجديد كونها كانت تطل على سواحل اليمن الجنوبية الغربية وتحكمت بموانئها مثل موزع وعدن وغيرها من الموانئ الواقعة في تلك المنطقة[67].
وقد أدت تلك التطورات المشار إليها إلى ازدياد أهمية الساحل الغربي لليمن، خصوصاً قسمها الجنوبي القريب من مضيق باب المندب، وأصبح ميناء موزع الواقع في تلك المنطقة من أهم الموانئ التي تطل على البحر الأحمر، بل إنه في القرن الثالث الميلادي زمن تأليف كتاب دليل البحر الإرتيري قد أصبح ميناء موزع أشهر موانئ ذلك البحر على الإطلاق، وصار يتحكم في منطقة ربطة الواقعة على سواحل قارة أفريقيا المطلة على المحيط الهندي، وأصبحت موزع كما ورد في الدليل مكاناً مزدحماً بأصحاب السفن من العرب الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب، وتتوفر فيها جميع أصناف السلع، وهي سوق نشطة تغص بالتجارات، وتتم فيها المفاوضات، لأنهم يتاجرون مع السواحل البعيدة في أفريقيا والهند ويبعثون بسفنهم الخاصة بهم إلى هناك[68].
ثم يورد لنا كتاب الدليل لمحة عن طبيعة السلع والبضائع المتداولة في موزع، ويذكر أنها تتألف من "الأقمشة الأرجوانية؛ الناعم منها والخشن، والثياب العادية والمطرزة والمذهبة، والزعفران ونبات السعادي الحلو (ربما قصد به نبات البردي)، وقماش القطن وعباءات وأغطية أكثرها مصنوع على الطريقة المحلية، وحزامات مخططة، ومراهم عطرية، والنبيذ، وقليلاً من القمح لأن البلاد تزرع كميات متوسطة منه، وكميات كبيرة من النبيذ. وتهدى للملك (الحميري) وحاكم موزع الخيول والبغال القوية، والأواني المصنوعة من الذهب والفضة المصقولة، والأقمشة الثمينة، والأواني النحاسية. أما منتجات البلاد التي يتم تصديرها من هذا الميناء فأهمها: المُر الجيد والمرمر[69].
تجدر الإشارة بأنه ليس فقط كتاب دليل البحر الإرتيري هو من اهتم بوصف الموانئ المطلة على البحر الأحمر؛ بما فيها ميناء موزع، لكن سبقه العديد من الكُتاب الإغريق خلال مرحلة ما قبل الميلاد، حيث كتبوا عن البلاد المطلة على سواحل البحر الأحمر وتحدثوا عن أحوالها ودولها وطبيعة سكانها، مثل هيرودوت (485-425 ق.م) الذي يحسب له بأنه أول كاتب إغريقي يذكر لنا تجارة العرب الدولية وأهم سلعها الرائجة في العالم القديم، وثيوفراستوس (372-287 ق.م) الذي صحح لنا العديد من معلومات هيرودوت المغلوطة عن اليمن القديم، وأرتوسثنيس/ أرسطين عند العرب (275-194 ق.م) الذي كان أول من حدثنا عن مسالك طريق البخور، وتيودور الصقلي (توفي في عام 40 ق.م) وعبره وصلت لنا كتابات أجثارخيدس المفقودة، إلى جانب أرتميدوروس (اشتهر في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد) وسبق الحديث عما ذكره عن بلاد العرب الجنوبية، ثم استرابون الذي دون لنا أخبار الحملة الرومانية على اليمن 25-24 ق.م[70].
وقد ازدادت أهمية الدولة الحميرية خلال القرنين الثالث والرابع للميلاد، خصوصاً بعد تحكمها بسواحل اليمن على البحر الأحمر، وهو ما رفع من مكانتها لدى الدول الأخرى، وحرصت أكبر دولتين في عصرها: الفارسية الساسانية والرومانية البيزنطية على كسب ودها، حيث نفهم من أحد نقوش شمر يهرعش (الذي تمكن من توحيد اليمن كله تحت سيطرته في أواخر القرن الثالث الميلادي) أنه كانت له سفارات دبلوماسية إلى بلاد الفرس[71]، وكانت دولته تتمتع بعلاقات حسنة مع الفرس[72]. أما البيزنطيون فقد أرسلوا المبشر ثيوفيلوس إلى حمير عام 370م ليوجد لهم موطئ قدم على الضفة العربية للبحر الأحمر بعد أن كانت بيزنطة قد ضمنت لنفسها علاقات حسنة مع الضفة الأفريقية الواقعة تحت سيطرة ملوك أكسوم الذين اعتنقوا الديانة المسيحية خلال هذه الفترة[73].
وقد أدت تلك التطورات إلى تفجير الصراع بين الدولتين الأكسومية والحميرية، لأن الأكسوميين نظروا للحميريين كمنافسين لهم على تجارة البحر الأحمر، وربما ذلك هو الذي كان قد جعلهم يتحالفون في وقت سابق خلال النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي مع السبئيين ضد حمير، حيث تدخلوا في شؤون اليمن وتقلبت تحالفاتهم فيها، إلى أن أجلاهم الحميريون من تهامة اليمن والمناطق المجاورة لها التي كانوا قد فرضوا سيطرتهم عليها، وكان خروج الأحباش من اليمن إلى حين، حيث عادوا إليها في مطلع القرن السادس الميلادي، وفرضوا سيطرتهم على كل البلاد إثر إسقاطهم للدولة الحميرية بشكل نهائي، وهو ما سنتناوله بتفصيل أكبر في المبحث التالي، كون أحداثه ترتبط بمضمون ذلك المبحث الذي يتحدث عن نقمة الموقع الجغرافي لساحل اليمن الغربي.
المبحث الثالث: نقمة الموقع وأخطار الاحتلال[74]
أولا: البطالمة والرومان:
يتضح لنا مما سبق أنه لم تكن هناك في بداية الأمر منافسة تُذكر لتجارة العرب الجنوبيين، سواء على طريق البخور البري أو في مياه البحر الأحمر، حيث تكاملت أدوارهم مع القوى الإقليمية الأخرى التي ارتبطت مصالحها باستمرار هذه التجارة على تلك الطرق البرية والبحرية. ولذلك فإن الأطماع الحقيقية بالاستحواذ على تلك الطرق وتجارتها الرائجة لم تتفعل بشكل ملحوظ إلا بعد ظهور الاسكندر المقدوني في الشرق الأدنى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وفرض سيطرته عليه ووصوله إلى الهند، ولم يتبقَ خارج سيطرته إلا الجزيرة العربية. ولذلك فقد بدأ يعد العدة للسيطرة عليها والاستحواذ على خيراتها وتجارتها، وأرسل البعثات الاستكشافية لسواحلها، ولكن الموت باغته في عام 323 قبل الميلاد وهو على وشك إرسال جيشه لغزو الجزيرة العربية، لكن موته أوقف ذلك بسبب الصراعات التي نشأت بين قادته على تقاسم الإمبراطورية التي تركها[75].
وبعد تقاسم قادة الاسكندر المقدوني للإمبراطورية التي أسسها كانت دولة البطالمة في مصر وما جاورها هي من تبنت مشروعه في البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث اتجه البطالمة الأوائل إلى تشجيع تجارتهم في البحر الأحمر، وعملوا من أجل فرض سيطرتهم عليه، وواصلوا استكشاف سواحله العربية، مع تجديد الموانئ على سواحله الأفريقية وإنشاء موانئ جديدة عليها، إلى جانب زيادة عدد السفن التجارية فيه، وتجهيز أسطول حربي لحماية الملاحة من القراصنة وتشجيع السفن التجارية لارتياد سواحل البحر الواقعة تحت نفوذهم[76].
وقُدِّر للبطالمة بعد قرابة قرنين من الزمان على تأسيس دولتهم أن يصلوا بسفنهم إلى الهند مباشرةً، وكان ذلك في عام 117 قبل الميلاد على يد البحار الإغريقي يدكسوس الكيزيكي. لكن التواصل بين دولة البطالمة في مصر وبين الهند ظل محدوداً، وذلك لأن سفنهم كانت مضطرة للعبور قبالة سواحل بلاد العرب، حيث كان ذلك الوصول يضر بتجارة عرب الجنوب، ما جعل سفن البطالمة عرضة للهجمات من قِبَلهم. وقد دفع ذلك بالبطالمة لأن يبحثوا عن أسرار حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي ليتمكنوا من العبور مباشرة في عرض المحيط بعيداً عن السواحل العربية، وهو ما تسنى لهم عام 45 قبل الميلاد على يد البحار الإغريقي هِبالوس[77].
ولم تستمر دولة البطالمة كثيراً بعد ذلك التاريخ، حيث سقطت على يد القائد الروماني أوكتافيوس عام 31 قبل الميلاد وأصبحت مصر ولاية رومانية، وتَوّج أوكتافيوس نفسه منذ ذلك التاريخ إمبراطوراً على الإمبراطورية الرومانية - التي صارت تضم كل البلدان المطلة على البحر المتوسط من جميع جوانبه- باسم الإمبراطور أغسطس. وقد أصبح البحر الأحمر في عهد الرومان أكثر أمناً لسفنهم مقارنة بما كان عليه الحال في عهد أسلافهم البطالمة، وزاد عدد سفنهم المبحرة فيه إلى ستة أضعاف[78]. ويعتبر بعض الباحثين أنه كان من ضمن أهداف الحملة الرومانية - التي أرسلها الإمبراطور أغسطس عام 24 قبل الميلاد صوب جنوب جزيرة العرب وتمكنت من الوصول إلى العاصمة السبئية مارب وحصارها- تصفية البحر الأحمر من القراصنة الذين كانوا يتحصنون بالسواحل العربية، وهو ما كان يجبر السفن بالسير على شكل قوافل مصحوبة بالحماية العسكرية[79].
ورغم قول استرابون (الذي كان مرافقاً لتلك الحملة وأرخ لها) بأن الحملة الرومانية على جنوب جزيرة العرب (اليمن القديم) لم تواجه أي مقاومة، وأن فشلها سببه عوامل طبيعية تمثلت بالجوع والأمراض وارتفاع الحرارة وقلة المياه، لكننا أثبتا في بحث سابق عدم صحة قوله ذاك، وتأكد لدينا من خلال مناقشة علمية رصينة قمنا بها لما كتبه استرابون أن الغزاة الرومان واجهتهم مقاومة شديدة أجبرتهم على الانسحاب والعودة من حيث أتوا، وعادوا وهم يجرون أذيال الهزيمة بعد أن فقدوا معظم جيشهم[80]. وغالباً فهزيمة الرومان في اليمن هي التي دفعت الإمبراطور الروماني أغسطس لأن يستوعب دروسها، ويترك وصية لخلفائه من بعده يطلب منهم فيها الاكتفاء بما وصلت إليه حدود إمبراطوريتهم، والكف عن التوسع أكثر[81]، حيث فضّل الرومان ومن بعدهم البيزنطيين الاعتماد على دولة أكسوم الحبشية لتنفيذ أطماعهم في جزيرة العرب، وهو ما سيتضح لنا من خلال الموضوع التالي من هذا المبحث.
ويذكر استرابون أن سبب الحملة التي وجهها أغسطس إلى جنوب بلاد العرب تمثل بما سمعه عن ثرائهم منذ زمن بعيد، وأنهم يقايضون بعطرهم وحجارتهم الكريمة الفضة والذهب، وأنهم لا يحتاجون إلى استيراد أشياء من خارج بلادهم (حسب قوله)!، وهكذا يقول استرابون بأن أغسطس كان يهدف إما لاسترضاء العرب أو إخضاعهم لسيطرته[82]. ويدلنا ذلك على أهمية البضائع التي ظلت تحتكرها اليمن رغم تحول الطريق من البر إلى البحر، خصوصاً البضائع غالية الثمن ذات المنشأ العربي مثل اللبان والمُر والصمغ العربي، وإلا لما تجشم الرومان عناء إرسال حملة عسكرية إلى بلاد بعيدة عنهم، وعبر طرق صحراوية وعرة[83]. وإذا أضفنا لذلك الموقع المتوسط لبلاد العرب بين الهند وشرق أفريقيا من جهة وبين المنطقتين وعالم البحر المتوسط من جهة أخرى، مع إطلالها على سواحل البحر الأحمر، ستتضح لنا أهداف تلك الحملة بشكلٍ جلي[84].
وعلى الرغم من فشل الحملة الرومانية على اليمن وعدم تمكن الرومان من تحقيق أهدافهم منها، إلا أنه نتج عنها تأثيرات سلبية على المناطق الداخلية من اليمن، حيث تأثرت حواضر الدول اليمنية الواقعة على الأودية في المناطق الشرقية، وذلك بسبب تحول كثير من التجارة بين المحيط الهندي والبحر المتوسط صوب طريق البحر الأحمر، وتحول دروب ما تبقى من تجارة برية غرباً صوب القيعان الجبلية الخصبة والسواحل المطلة على البحر الأحمر، خصوصاً بعد أن اشتدت هجمات الأعراب على تلك الحواضر بعد أن قل دخلهم نتيجة لتحول الطرق التجارية صوب البحر، وهو ما أدى إلى بروز الحميَريين حسبما أشرنا في المبحث السابق.
ونختم هذا الموضوع بحديث البعض عن حملة رومانية تمكنت من تدمير مدينة عدن، اعتماداً على إشارة وردت في كتاب دليل البحر الإرتيري (مؤلفه مجهول) خلال فترة قريبة من الزمن الذي عاش فيه مؤلف ذلك الدليل[85]. وقد دارت الخلافات بين المؤرخين بخصوصها، بين من عدها امتداداً للحملة الرومانية سالفة الذكر التي وصلت إلى مارب، بينما عدها البعض حملة أخرى تمت خلال القرن الأول الميلادي؛ على خلاف بينهم بخصوص الإمبراطور الروماني الذي أرسلها وفقا للتقديرات السابقة التي كانت تعيد زمن تأليف الدليل إلى الفترة الممتدة بين القرنين لأول قبل الميلاد والأول الميلادي[86]. لكن التقديرات الحديثة تعيد زمن تأليف الدليل إلى القرن الثالث الميلادي، اعتماداً على ذكره لملوك وأحداث في جنوب جزيرة العرب (اليمن القديم) خلال ذلك القرن[87]. وهو ما يجعل أخبار تلك الحملة غامضة وغير واضحة المعالم، وإن كانت تؤكد لنا (في حال ثبوتها) أهمية السواحل الغربية لليمن ورغبة الرومان في السيطرة عليها وصولاً إلى ميناء عدن.
ثانياً: الأحباش:
تحدثنا في المبحث السابق عن الوجود التجاري والسياسي اليمني في منطقة شرق أفريقيا، بما فيها بلاد الحبشة بمفهومها الواسع، وقد بدأ ذلك الوجود بالاندحار من الحبشة مع بداية العصور الميلادية، عندما دعم الرومان في مصر قيام دولة أكسوم الحبشية وشجعوا عملية التوسع التي قامت بها هناك على أنقاض المستوطنات السبئية التي سادت خلال الألف الأول قبل الميلاد. حيث نلاحظ أنه منذ ذلك التاريخ ظهرت في الحبشة مملكة مستقلة وقوية تتخذ من أكسوم عاصمة لها وتحمل نفس اسمها[88].
وفي نقشٍ تركه لنا في مدينة عدوليس الساحلية ملك أكسومي مجهول، ويعود زمنه إلى حوالي النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، يتحدث فيه الملك عن حملات شنها في بلاد الحبشة وما جاورها من منطقة شرق أفريقيا. وما يهمنا من هذا النقش هنا هو حديثه عن حملة شنها قادته على تهامة الحجاز والمناطق المجاورة لها، حيث كان أول ملك أكسومي يعبر البحر إلى الضفة الأخرى حسب نص النقش[89]. وغالباً كان ذلك بتحريضٍ من الرومان، خصوصاً بعد فشل حملتهم العسكرية المشار إليها التي أرسلوها إلى اليمن ووصلت حتى مارب، فقد فضلوا الاعتماد على دولة أكسوم لتنفيذ خططهم في بلاد العرب. فالملاحظ أن المنطقة التي سيطرت عليها دولة أكسوم في حملتها تلك قد تركزت بدرجة أساسية على تهامة الحجاز، وهي المناطق التي تقابل سواحل مصر (الولاية الرومانية)، حيث يبدو بأن مصالح الدولتين الرومانية والأكسومية قد التقت ضد منافس مشترك متمثلاً بالدول العربية، وربما كانت السيطرة الحبشية على تلك السواحل تهدف لتأمين سواحل ولاية مصر الرومانية ضد أي هجمات يقوم بها القراصنة انطلاقاً من تلك السواحل[90].
ونجد أن دولة سبأ قد عملت على استغلال ذلك التوسع الحبشي في سواحل الحجاز لتستعين بهم في صراعها الداخلي ضد دولة حميَر الصاعدة، وانضمت دولة حضرموت إلى الحلف الذي نشأ بين سبأ وأكسوم. لكن دولة أكسوم الحبشية كانت تريد من تحالفها مع سبأ وحضرموت تحقيق أطماعها الخاصة بها في اليمن وليس تنفيذ خطط سبأ وحضرموت، حيث استغل الأحباش ذلك التحالف وتمكنوا من مد سيطرتهم على الساحل الغربي لليمن الممتد عبر تهامة من نجران شمالاً حتى المعافر جنوباً، وكان ذلك على حساب سبأ وحمير معاً، وهو ما جعل سبأ تتنبه لذلك بعد وفاة الملك المتحالف مع الأحباش (علهان نهفان) وتولى ابنه (شاعرم أوتر) السلطة في سبأ، حيث سعى للتحالف مع الحميريين ضد الأحباش، وهو ما جعل الأحباش يبادرون لنسج تحالف جديد لهم مع حمير ضد سبأ[91].
وقد تنبه الحميريون بدورهم لخطورة التحالف مع الأحباش القادمين من خارج اليمن، حيث نجد نقوشهم في عهد الملك ياسر يهنعم تتحدث عن حملات عسكرية شنها الملك الحميري ضد المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة الأحباش خلال النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وتكللت تلك الحملات بطردهم من اليمن، وكان ذلك آخر ذكر لهم في اليمن خلال هذه المرحلة، بعد أن امتد وجودهم في غرب اليمن قرابة قرن من الزمان، وتركز وجودهم بدرجة أساسية في سواحل اليمن الغربية (تهامة اليمن). وتمكنت حمير من فرض سيطرتها على كل الساحل الغربي لليمن بعد أن ضمت دولة سبأ إليها في عهد الحكم المشترك للملك ياسر يهنعم مع ابنه شمر يهرعش، ثم قضت على دولة حضرموت بعد انفراد شمر يهرعش بالعرش الحميري، بينما كانت بقية الدول اليمنية القديمة (أوسان، معين، قتبان) قد انتهت قبل ذلك، وهو ما مكن حمير من إخضاع كل منطقة جنوب الجزيرة العربية (اليمن القديم) لسيطرتها[92]. واستمر ذلك الوضع حتى مطلع القرن السادس الميلادي عندما عاد الأحباش من جديد وتمكنوا من القضاء على دولة حمير وإخضاع اليمن القديم لسيطرتهم المباشرة، مستغلين الضعف الذي مرت به حمير بسبب الصراع الداخلي.
ويسود الاعتقاد أن الملك الحميري معدي كرب يعفر في مطلع القرن السادس الميلادي كان نصرانياً ومعترفا بالحماية الحبشية على بلاده[93]. وتحكي المصادر العربية عن عزل الملك معدي كرب ذاك ومقتله على يد زرعه ذي نواس (يوسف أسأر يثأر في النقوش). ونعرف من النقوش التي تركها لنا هذا الملك أنه خاض حرباً شرسة ضد نصارى اليمن الموالين للأحباش، ومعهم حامية عسكرية حبشية كانت تتواجد في العاصمة الحميرية ظفار منذ عهد سلفه، وامتدت حملاته إلى مناطق الساحل الغربي في محاولة منه لتحصين تلك المناطق ضد غزو حبشي متوقع، خصوصاً منطقة مضيق باب المندب التي سيعبر الغزاة عبرها من الساحل الحبشي إلى الساحل اليمني، إلى جانب هجومه على بعض القبائل والمدن في مناطق الساحل الغربي (الأشاعر والركب وشمير والمخاء) وعلى مدينة نجران (شمال اليمن) بسبب علاقتهم بالأحباش[94].
وقد انتهى الأمر بهزيمة الملك الحميري ذي نواس في عام 525 ميلاي نتيجة للصراع الداخلي الذي كانت تعاني منه اليمن آنذاك، إلى جانب وقوف الدولة البيزنطية في صف الأحباش، رغبة منهم في سيطرة حلفائهم الأحباش على اليمن ومن ثم الحجاز، ليتمكنوا بذلك من إحكام سيطرتهم منفردين على طريق البحر الأحمر وظهيره البري في غرب الجزيرة العربية، وبالتالي يخففون من حجم المعاناة التي كانت تفرضها عليهم دولة الفرس الساسانيين جراء سيطرتها على طريق الحرير الذي يمتد من الصين إلى بيزنطة[95]. وباحتلال الأحباش لليمن صارت الدولة الأكسومية تُحْكِم سيطرتها على سواحل جنوب البحر الأحمر بضفتيه، وحليفتهم بيزنطة في مصر تسيطر على بقية الساحل الأفريقي للبحر الأحمر في جزئه الشمالي، وبذلك لم يتبقَ أمامهم إلا السيطرة على سواحل الحجاز ليكتمل مشروعهم الذي خططوا له.
ورغم أن الأحباش نصبوا صنيعة لهم ليحكم اليمن تحت سيطرتهم ووجودهم العسكري متمثلاً بالقيل اليمني سميفع أشوع الذي حمل اللقب الملكي، إلا أن قادة الجيش الحبشي في اليمن لم يرقْ لهم ذلك، حيث تزعم أبرهة الحبشي انقلاباً ضد سميفع أشوع وأعلن اليمن مملكة خاصة به وبأولاده من بعده، مع استمرار ارتباطه بدولة أكسوم في الحبشة، وهو ما أدى لثورة يمنية ضده، ولم تتوقف تلك الثورة إلا بعد انهدام سد مارب وتداعي كل القبائل اليمنية لإعادة بنائه، حيث استتبت الأمور لأبرهة في اليمن، ما جعله يستعد لتنفيذ الهدف البيزنطي بالتوجه بحملاته صوب شمال الجزيرة العربية، خصوصاً أن البيزنطيين كانوا هم من يقف خلف انقلابه على سميفع أشوع، وذلك بسبب ارتباط أبرهة بهم كونه كان يعتنق المسيحية على مذهب الدولة البيزنطية وليس على مذهب الدولة الأكسومية، لأنه في صغره كان عبداً لتاجر حبشي في الميناء الحبشي الشهير عدوليس[96].
وبالفعل فقد قاد أبرهة الحبشي حملتين عسكريتين صوب منطقة شمال الجزيرة العربية: واحدة ذكرتها نقوشه وتوجهت صوب نجد عام 547 ميلادي لمقارعة نفوذ المناذرة الموالين للفرس، والأخرى سجلها لنا القرآن الكريم في سورة الفيل وتوجهت إلى مكة في عام 571 ميلادي. وقد حاول بعض الدارسين الربط بين الحملتين واعتبارهما حملة واحدة، لكننا أثبتنا في بحث لنا بأن كل حملة تمت على حدة. لكن فشل أبرهة في حملته المتوجهة صوب نجد بحسم الأمر لصالحه، وعقده صلحاً مع عمرو بن المنذر الثالث الذي كان يقود جيوش والده في هذه الحرب، وكذلك النتيجة المأساوية له ولجيشه في حملة أصحاب الفيل على مكة، عملت على فرملة المشروع البيزنطي، وجعلت الأمور تسير في اتجاه مختلف لرغبات بيزنطة، خصوصاً بعد أن تم طرد الأحباش من اليمن عام 575 ميلادي بمساعد من الفرس[97]، وهو ما سنتناوله في الموضوع الأخير من هذا المبحث.
ثالثا: الفُرس:
بعد موت أبرهة متأثراً بجراحه التي تعرض لها في حملة أصحاب الفيل على مكة حكم بعده على التوالي ولديه يكسوم (من أم حبشية) ومسروق (من أم يمنية)، وقد اشتدوا على اليمنيين، وكان كل منهما أشر من أخيه، فضاق أهل اليمن بالأحباش ذرعاً وبدأوا يعدون العدة لتحرير بلادهم منهم. وقد تزعم ثورة اليمنيين ضد الأحباش سيف بن ذي يزن، الذي حاول الاستعانة بالبيزنطيين، لكنهم رفضوا تقديم العون له[98]، بسبب العلاقة التي كانت تربطهم بأبرهة، وكان من الطبيعي أن يواصلوا تقديم العون لأولاده الذين تعاقبوا على حكم اليمن من بعده.
وتذكر المصادر أن سيف بن ذي يزن طلب من الأمراء اللخميين التوسط له لدى الفرس من أجل تقديم العون له لتحرير بلده من الأحباش. وعلى الرغم من قول تلك المصادر أن كسرى الفرس (خسرو الأول) تَمَنّع في بداية الأمر عن تقديم العون لسيف بن ذي يزن، لكن واقع الأمر يقول بأن الفرس كانوا في انتظار مثل هذه الفرصة، ولم يكونوا ليفرطوا بها، فهي تمكنهم من التواجد في اليمن، بما يمثله ذلك من تضييق للخناق على البيزنطيين وحلفائهم الأحباش في تجارتهم المارة عبر البحر الأحمر، وعدم اكتفاء الفرس بتحكمهم فقط بطريق الحرير التجاري الدولي. حيث مدوا سيف بن ذي يزن ببعض قواتهم، وكانت تلك القوات بمثابة الدافع المعنوي لليمنيين وجعلهم ينضمون لتلك القوات لينجزوا مهمة تحرير بلادهم من الاحتلال الحبشي[99].
وبعد طرد الأحباش من اليمن تم تنصيب سيف بن ذي يزن ملكاً عليها، في ظل اعترافه بالولاء للفرس ودفع الجزية لهم. لكن الملك سيف تم قتله على يد حراسه الأحباش من رماة الحراب الذين استبقاهم لديه[100]. وقد اختلفت الروايات حول الأسباب التي دفعت حراسه الأحباش لقتله، بين من يرى أنهم فعلوا ذلك انتقاماً لقومهم، أو بتوجيه من دولتهم الأكسومية في الحبشة، وبين قائل إنهم فعلوه بتحريض من الفرس أنفسهم، لأنهم كانوا يرغبون بالسيطرة المباشرة على اليمن[101]، خصوصاً أن الفرس لم يعملوا بعد مقتل الملك سيف على تنصيب خليفة له، لكنهم حولوا اليمن لولاية فارسية يعينون عليها الولاة الفرس، وظل ذلك الوضع قائماً حتى ظهور الإسلام ودخول آخر والي فارسي باليمن (باذان) في الدين الجديد[102].
وقد مثّل طرد الأحبش من اليمن ضربة موجعة لمصالح الدولة البيزنطية المنافس اللدود للفرس الساسانيين، لأن أبرهة وولديه من بعده كانوا قد ضمنوا لها إبعاد النفوذ الفارسي عن تجارة البحر الأحمر والطرق البرية المطلة عليه في جزيرة العرب. وبذلك فإن سيطرة الفرس على اليمن قد ترتب عليها مصاعب إضافية في البحر الأحمر والمحيط الهندي للبيزنطيين وحلفائهم الأحباش، وهو ما جعل بيزنطة أشد اضطراراً للاعتماد على قوافل التجارة المكية في استيراد ما تحتاجه من بضائع شرقية[103]. بينما ازدهرت التجارة بين الحبشة وقريش في مكة، وكانت السفن الحبشية تُستخدم لنقل المنتجات الأفريقية إلى موانئ الحجاز وتعود محملة بسلع الشرق الأدنى[104].
وعمل الفرس على الاستفادة من تحكمهم بسواحل اليمن الغربية المطلة على البحر الأحمر للتضييق على بيزنطة وعلاقتها بأكسوم، حيث نعرف أن الفرس تقطعوا لسفن أرسلها الإمبراطور البيزنطي هرقل (575-641 م) إلى الحبشة، وكان عليها بعض كنوزه التي فر بها من بلاد الشام خوفاً من أن تقع في يد الفرس أثناء حصارهم لبيت المقدس 614 ميلادي، لكن الفرس علموا بخطته وتقطعوا لسفنه في البحر الأحمر وتمكنوا من السيطرة عليها قبل وصولها إلى سواحل الحبشة[105]. وبذلك يتضح لنا الأهمية التي مثلتها اليمن وسواحلها للفرس في صراعهم الشامل مع البيزنطيين وحلفائهم.
ونفهم من رسالة وجهها الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (527-565م) أن مملكة أكسوم في الحبشة كان لها آنذاك علاقة تجارية مع بلاد فارس لم تكن تتوافق مع مصلحة البيزنطيين[106]، الأمر الذي جعله يخاطب الملك الأكسومي ويطلب منه أن تكف أكسوم وتمتنع عن الإتجار مع خصومهم الفرس. وهو ما يعني أن مصلحة أكسوم الخاصة كانت تجعلها أحياناً تسلك في سياساتها الخارجية مسالك قد لا تتوافق مع ما يريده منها حليفها البيزنطي.
وقد سيّر الفرس إلى اليمن قوافل تجارية من عاصمتهم المدائن ومن مناطق الإمارة اللخمية التابعة لهم، وبالمقابل كان الوالي الفارسي في اليمن يرسل القوافل من صنعاء إلى المدائن، ويبعث لكسرى بما يحتاجه من أسواق اليمن، وقد سيطر الفرس على أسواق التجارة الكبيرة في اليمن كسوق صنعاء وسوق عدن[107]. كما أخذ ملوك الحيرة يرسلون بلطائمهم (قوافلهم التجارية) إلى اليمن الخاضعة لحلفائهم الفرس من أجل البيع والشراء. وقد أثر ذلك في تجارة أهل مكة حيث انتزع من أيديهم قسطاً من أرباحهم[108].
ويبدو أنه كان من مهام الولاة الفرس في اليمن مراقبة الأوضاع في المناطق المحيطة بها؛ بما في ذلك مناطق الجزيرة العربية الأخرى، حيث يشير حمزة الأصفهاني أن باذان الوالي الفارسي الأخير في اليمن كان قد بعث برسالة إلى كسرى أبرويز يخبره فيها بظهور دعوة النبي محمد r، حيث جاء في رسالته "ظهر في جبال تهامة داعية خفي أمره، قليل شيعته، وقد وتِرته العرب، ونصبت له الحرب إلا اليسير ممن أجابه واتبعه"[109]. ولعل تلك المراقبة قد ساهمت في تطورات الأوضاع التي شهدتها اليمن بعد ذلك، حيث نعرف من سياق الأحداث اللاحقة أن باذان نفسه قد التحق بتلك الدعوة وآمن بالدين الإسلامي، وبذلك تَدْخُل اليمن في مرحلة تاريخية جديدة لسنا بصدد دراستها في بحثنا هذا.
- خلاصة :
هكذا تتضح لنا الأهمية الكبرى للعلاقة بين التاريخ والجغرافيا، وكيف يخدم كل منهما الآخر ويزيد من أهميته، وهو ما يبدو جلياً في الأحداث التاريخية التي شهدها الساحل الغربي لليمن خلال التاريخ اليمني القديم، والتي تناولنا أهمها من خلال بحثنا هذا.
فالموقع الجغرافي الاستراتيجي الممتاز لذلك الساحل جعله يساهم بشكل ملحوظ في ازدهار الحضارة اليمنية القديمة ونشاطها التجاري الواسع، خصوصاً عندما كانت الدول اليمنية القديمة تمتلك مقومات القوة التي تردع بها أطماع القوى الخارجة بالسيطرة على ذلك الموقع الاستراتيجي والاستفادة من مزاياه.. وهو ما انعكس إيجاباً في إطار الاستفادة من نعمة ذلك الموقع.
لكن ذلك الموقع الاستراتيجي المهم سرعان ما يتحول إلى نقمة على اليمن واليمنيين عندما تضعف الدولة في اليمن، ويعم الخلاف والصراع والانقسام والتناحر الداخلي في ربوعه، وهو ما تستغله القوى الإقليمية والدولية الكبرى لفرض احتلالها أو على الأقل هيمنتها على اليمن وشعبه ومقدراته.
ولأن التاريخ هو مخزون خبرات الأجداد على مر العصور فلا شك أنه يمكننا الاستفادة من دروسه تلك في تصحيح الاختلالات التي تعم عصرنا الراهن، وتعيد للوطن اليمني ألقه وازدهاره ولحمته، في ظل الاستفادة من مقوماته الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والثقافية وغيرها - التي أوردنا بعضها في ثنايا بحثنا هذا- ليعود اليمن للتربع في موقعه الريادي الذي كان عليه عبر عصوره الغابرة.
[1] تمت المشاركة بهذا البحث في المؤتمر العلمي الأول لجامعة الحديد، المنعقد في شهر مارس 2021م، بعنوان: الأطماع الاستعمارية في السواحل الغربية اليمنية، وتم نشره ضمن الكتاب الذي تضمن الأبحاث المشاركة بالمؤتمر، 2022م.
[2] الجوهري ، يسري و غلاب، محمد السيد. الجغرافية التاريخية.. عصر ما قبل التاريخ وفجره، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 1968م، ص6.
[3] خير، صفوح. الجغرافية.. موضوعها ومناهجها وأهدافها، دار الفكر، دمشق، 2002م، ص34.
[4] الفيل، محمد رشيد. الجغرافية التاريخية للكويت، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1985م، ص95.
[5] عبده، طلعت أحمد محمد. الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1988م، ص16، 17.
[6] عبده. الجغرافيا التاريخية، ص15.
[7] هارتشورن، ريتشارد. طبيعة الجغرافية.. مسح نقدي للآراء المعاصرة في ضوء الماضي، ج1، ترجمة شاكر خصباك، مطابع الموصل، 1984م، ص286.
[8] عن الاعتراض على مقولة جمود الجغرافيا، انظر: هارتشورن. طبيعة الجغرافية، ج1، ص286.
[9] مدن، حسن. الجغرافيا نعمة أم نقمة؟، موقع الخليج 5 (على النت)، نشر بتاريخ 10 نوفمبر، 2019م
[10] مكي، يوسف. مقاربات حول علاقة الجغرافيا بالتاريخ، بوابة الهدف الإخبارية (موقع على النت)، نشر بتاريخ 18 يونيو 2019م.
[11] الشيبة، عبدالله حسن. أفول الحضارة اليمنية القديمة.. ملاحظات أولية، مجلة الإكليل، تصدر عن وزارة الثقافة اليمنية، العدد33، صنعاء، 2009م، ص16.
[12] مدن. الجغرافيا نعمة أم نقمة، موضوع منشور في النت.
[13] حمدان، جمال. شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان، 4 أجزاء، دار الهلال، القاهرة، 1981م.
[14] الشيبة، أفول الحضارة اليمنية، ص15، 16.
[15] أبوالغيث، عبدالله. مقابلة في صحيفة اليمن، تصدر في صنعاء، العدد 92، 30ديسمبر2020م، ص6.
[16] عبده. الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية، ص61.
[17] الحفيان، عوض إبراهيم عبدالرحمن. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية.. عوامل التباين والتآلف في البيئة اليمنية، سلسلة إصدارات جامعة صنعاء، صنعاء، 2004م. ص53-55.
[18] الحفيان. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية، ص71، 72.
[19] هذا هو طول الساحل اليمني على البحر الأحمر حالياً، أما تاريخياً فكان طول الساحل اليمني أكبر من ذلك، حيث كان يمتد شمالاً أبعد من امتداده الحالي.
[20] آغا، شاهر جمال. جغرافية اليمن الطبيعية (للشطر الشمالي)، مكتبة الأنوار، دمشق، 1983م، ص401.
[21] وزارة السياحة. موسوعة السياحة اليمنية، ج1، مراجعة غيلان حمود غيلان وآخرون، مجلس الترويج السياحي، صنعاء، 2010، ص152، 274، 283.
[22] الحفيان. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية، ص74.
[23] آغا. جغرافية اليمن الطبيعية، ص343-344،364-367.
[24] الحفيان. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية، ص316.
[25] آغا. جغرافية اليمن الطبيعية، ص237، 248، 268، 327.
[26] آغا. جغرافية اليمن الطبيعية، ص447.
[27] الحفيان. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية، ص72-74.
[28] وزارة السياحة. الموسوعة السياحية اليمنية، ج1، 247، 248، 275، 292، 373.
[29] جازان وخلب ومور وسهام أودية معروفة إلى اليوم، أما وادي نشان فلم يعد هناك وادٍ يحمل هذا الاسم في الوقت الحاضر، ويرجح ناشر النقش أنه يقع بين واديي خلب ومور.
[30] عبدالله، يوسف محمد. نقش الواقر.. نقش جديد من العصر السبئي القديم، مجلة المسند، العدد2، صنعاء، 2004م، ص2-6.
[31] لمطالعة مضمون نقش النصر، انظر: العمري، حسي عبدالله (وآخرون). في صفة بلاد اليمن عبر العصور.. من القرن السابع قبل الميلاد إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1990م، ص13.
[32] آفانزيتي، إليساندرا. النفوذ القتباني (ضمن كتاب: اليمن.. في بلاد ملكة سبأ)، دار الأهالي، دمشق، 1999م، ص98-101.
[33] أبوالغيث، عبدالله. الازدهار والتواصل الحضاري القديم في منطقة تعز (المعافر) بين الشواهد الأثرية والتحليلات التاريخية المقارنة (تعز عاصمة اليمن الثقافية على مر العصور)، ج1، مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، تعز، 2010م، ص56.
[34] الشرعبي، عبد الغني علي سعيد. مدينة السوا.. دراسة تاريخية وأثرية، وزارة الثقافة، صنعاء، 2004م، ص29.
[35] عبدالله، يوسف محمد. مدينة السوا في كتاب الطواف، مجلة ريدان، العدد5، ص104.
[36] انظر نص كتاب الدليل في: الشيبة، عبدالله حسن. ترجمات يمانية.. العربية السعيدة في المصادر الكلاسيكية، دار الكتاب الجامعي، صنعاء، 2008م، ص75.
[37] على سبيل المثال يحدثنا نقش عبدان الكبير عن حملتين عسكريتين شنهما ملكان حميريان صوب سهرتان في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، انظر: أبوالغيث، عبدالله. العلاقات السياسية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها من القرن الثالث حتى القرن السادس للميلاد، ج1، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص109-111.
[38] نقول ذلك رغم نسبة تأسيس مدينة الزهرة مركز المديرية التي تحمل اسمها إلى الشريف حمود بن محمد الخيراتي (موسوعة السياحة اليمنية، ج1، ص300)، لاعتقادنا أن تسمية الزهرة كانت قديمة وشائعة للمنطقة التي أسست فيها مدينة الزهرة، وأن المدينة حملت اسم المنطقة وليس العكس.
[39] نعمان، خلدون هزاع عبده. الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عهد الملك شمر يهرعش، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص219-124.
[40] حُميد، سامية محمد ناصر. اليمن في عصر ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في الطود وتهامة، رسالة ماجستير، قسم التاريخ-كلية الآداب- جامعة صنعاء، 2018م، 16-27.
[41] زيادة، نقولا. دليل البحر الإرثيري وتجارة الجزيرة العربية البحرية، (ضمن كتاب: الجزيرة العربية قبل الإسلام)، جامعة الملك سعود، الرياض، 1984م، ص259.
[42] أبوالغيث، عبدالله. النشاط التجاري اليمني القديم وصلاته بالهند، مجلة التاريخ العربي، تصدرها جمعية المؤرخين المغاربة، الدار البيضاء، العدد55،، 2011م، ص72.
[43] أبوالغيث. النشاط التجاري اليمني القديم، 59-61.
[44] النعيم، نوره عبدالله. الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي، دار الشواف، الرياض، 1984م، ص420.
[45] زيادة. دليل البحر الإرثيري، ص559، 560.
[46] الناصري، سيد أحمد علي. الصراع على البحر الأحمر في عهد البطالمة، (ضمن كتاب: الجزيرة العربية قبل الإسلام)، جامعة الملك سعود، الرياض، 1984م، ص404- 405.
[47] الناصري. الصراع على البحر الأحمر في عهد البطالمة، ص405.
[48] الناصري، الصراع على سواحل البحر الأحمر في عهد البطالمة، ص407-419.
[49] عبدالعليم، مصطفى كمال. تجارة الجزيرة العربية مع مصر في المواد العطرية في العصرين اليوناني والروماني، (ضمن كتاب: الجزيرة العربية قبل الإسلام)، جامعة الملك سعود، الرياض، 1984م، ص203.
[50] تم تجديد الطريقين في العصر الإسلامي، وكانت الطريق ألداخلية هي الأهم من الطريق الساحلية، وعرفت بالطريق الوسطى أو الجادة السلطانية، انظر: وزارة السياحة، الموسوعة السياحية اليمنية، ج1، ص248.
[51] عن تلك التحولات وأسبابها انظر، عبدالله، يوسف محمد. أوراق في تاريخ اليمن وآثاره، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1990م، ص334-336.
[52] عن محجات أهل اليمن، انظر: الهمداني، الحسن بن أحمد. صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد علي الأكوع، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1990م، ص301-306.
[53] الحفيان. الجغرافيا العامة للجمهورية اليمنية، ص269، 270.
[54] آغا. جغرافية اليمن الطبيعية، ص57-63، 326-328.
[55] أبوالغيث، عبدالله. الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللبان صوب البحر الأحمر، مقدم للنشر في موسوعة البحر الأحمر، 2020م، ستصدر عن مركز دراسات دول حوض البحر الأحمر، السودان.
[56] أبوالغيث. الازدهار والتواصل الحضاري القديم في منطقة تعز (المعافر)، ص55.
[57] الشيبة، عبدالله حسن. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، دار الكتاب الجامعي، صنعاء، 2006م‘ ص74.
[58] عبدالله، نقش الواقر، ص6.
[59] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص73، 78، 85.
[60] الشيبة، محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص75-84.
[61] زيادة. دليل البحر الأرثيري، ص276.
[62] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص117.
[63] أبوالغيث. النشاط التجاري اليمني القديم وصلاته بالهند، ص77.
[64] لمزيد من التفاصيل عن نشوء طريق البخور ومسالكه ومناطق تجارته، انظر: أبوالغيث. النشاط التجاري اليمني القديم وصلاته بالهند، ص59-71.
[65] أبوالغيث. العلاقات السياسية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، ج1، ص49.
[66] أبوالغيث، عبدالله. قراءة تاريخية لتدوينات الكُتّاب الإغريق عن جنوب جزيرة العرب.. استرابون أنموذجاً، مجلة شؤون العصر، تصدر عن المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، صنعاء، العدد47، 2013م، ص13.
[67] الشيبة، عبدالله حسن. دراسات في تاريخ اليمن القديم، مكتبة الوعي الثوري، تعز، 2000م،19، 23.
[68] انظر نص كتاب الدليل في: الشيبة. ترجمات يمانية، ص77.
[69] الشيبة. ترجمات يمانية، ص78.
[70] أبوالغيث. قراءة تاريخية لتدوينات الكتاب الإغريق عن جنوب جزيرة العرب، ص127-137.
[71] أبوالغيث. العلاقات بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، ج1، ص92، 93.
[72] شهيد، عرفان. حملة امرؤ القيس على نجران (ضمن كتاب: مصادر تاريخ الجزيرة العربية ج1)، جامعة الملك سعود، الرياض، 1399هـ، ص74، 75.
[73] عن زيارة المبشر ثيوفيلوس إلى الدولة الحميرية، انظر: الشيبة. دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص30.
[74] تتداخل المعلومات الواردة في هذا المبحث بشكل ملحوظ مع بحث سابق للباحث بعنوان (الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللُبَان صوب البحر الأحمر)، تمت المشاركة به في (موسوعة البحر الأحمر) 2020م، المقرر صدورها عن مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر، السودان.
[75] عن استعدادات الاسكندر لغزو جزيرة العرب، انظر: فرح، أبواليسر. الشرق الأدنى في العصرين الهلينستي والروماني، عين للدراسات الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2002، ص36-38.
[76] الشيبة. دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص18.
[77] الشيبة. دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص20.
[78] عن تطور الملاحة في البحر الأحمر خلال العصر الروماني، انظر: الناصري، سيد أحمد علي. الرومان والبحر الأحمر، مجلة الدارة، العدد2، السنة السادسة، تصدر عن دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، ص22.
[79] الذييب، سليمان بن عبدالرحمن. الحملة الرومانية الأولى على جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، الرياض، 1436هـ، ص41.
[80] أبوالغيث. قراءة تاريخية لتدوينات الكتاب الإغريق عن جنوب جزيرة العرب، ص136.
[81] عن وصية أغسطس، انظر: سحاب، فكتور. إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، المركز الثقافي العربي، بيروت-الدار البيضاء، 1992م، ص53-56.
[82] نقلاً عن: الشية. ترجمات يمانية، ص53، 54.
[83] أبوالغيث. العلاقات السياسية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، ج1، ص51.
[84] الذييب. الحملة الرومانية الأولى، ص45.
[85] نقلاً عن: الشيبة. ترجمات يمانية، ص79.
[86] عن تلك الاختلافات، انظر: الناصري. الرومان والبحر الأحمر، ص27-30.
[87] عن التقديرات الجديدة لزمن تأليف كتاب دليل البحر الإرتيري، انظر: عبدالله، يوسف محمد. مدينة السوا في كتاب الطواف حول البحر الإرتيري، مجلة ريدان، عدن، 1988، 101-113.
[88] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص88، 99.
[89] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص93-95.
[90] أبوالغيث. الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللبان، الموضوع الخامس.
[91] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، 111-113.
[92] أبوالغيث. الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللبان، الموضوع الخامس.
[93] كوبيشانوف، يوري ميخيلوفتش. الشمال الشرقي الأفريقي في العصور الوسيطة المبكرة وعلاقته بالجزيرة العربية، ترجمة: صلاح الدين هاشم، عمّان، 1988م، ص31.
[94] أبوالغيث. الازدهار والتواصل الحضاري القديم في منطقة تعز (المعافر)، ص58.
[95] أبوالغيث. الازدهار والتواصل الحضاري القديم، ص58.
[96] عن ارتباط أبرهة بالدولة البيزنطية، انظر: سحاب. إيلاف قريش، ص138-142.
[97] انظر تفاصيل الحملتين في: أبوالغيث، عبدالله. حملة أبرهة الحبشي على منطقة وسط الجزيرة العربية المذكورة في نقش مسندي وعلاقتها بحملته على مكة المذكورة في القرآن الكريم، مجلة الإصباح، تصدر عن مركز الإصباح للدراسات الاستراتيجية والحضارية، بوردو-فرنسا، العدد الخامس، يوليو 2020م، ص76-91.
[98] الشيبة. دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص33.
[99] انظر تفاصيل العون الفارسي لسيف بن ذي يزن في: الطبري، محمد بن جرير. تاريخ الأمم والملوك، ج1، تحقيق: مصطفى السيد وطارق سالم، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت، ص443، 444.
[100] الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج1، ص444، 448.
[101] عن دوافع الفرس للتخلص من سيف بن ذي يزن، انظر: بلعفير، سعيد سالمين عمر. أوضاع اليمن السياسية قبيل الإسلام 575-628م، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة المستنصرية، المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية، بغداد، 2003م، ص59، 60.
[102] أبوالغيث. الصراع الدولي وأثره على تحول تجارة طريق اللبان، الموضوع التاسع.
[103] سحاب. إيلاف قريش، ص147.
[104] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص199.
[105] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص200، 201.
[106] الشيبة. محاضرات في تاريخ الحبشة القديم، ص172.
[107] الشجاع، عبدالرحمن عبدالواحد. اليمن في صدر الإسلام، دار الفكر، دمشق، 1987م، ص27، 28.
[108] علي، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج4، دار العلم للملايين، 1976م، ص115.
[109] الأصفهاني، حمزة بن الحسن. تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961من ص114، 115.