التحقيب التاريخي (1)

سلسلة حلقات برنامج النقاش الرمضاني التاريخي

الحلقة الخامسة والعشرون:

   25 رمضان 1441ھـ / 18 مايو 2020م

التحقيب التاريخي

رئيس الجلسة:

د. محـمد الحـداد

مقدمة الحلقة:

التحقيب التاريخي

ان موضوع التحقيب التاريخي هو موضوع فلسفي إلى حد ما كونه يعتمد على آراء و مبررات تختلف من فريق إلى آخر و لا يسرد أحداثا بعينها و بالتالي فان هذا الموضوع يخضع لاختلافات وآراء كثيرة. سأحاول هنا طرح بعض النقاط التي تلخص ما تيسر لي في هذا الموضوع و التي يمكن ان تكون منطلقا لتفكير جماعي و نقاش نستفيد منه جميعنا:

أولا: ان الآراء قد تعددت في موضوع التحقيب التاريخي فكل فريق له مبرراته ومرجعياته التي تتناسب في كثير من الأحيان مع تاريخه و تعد جزءا من هويته. و اعتقد ان الاختلاف يكون في الأحداث والظواهر المعتمدة كأساس و ليس في عدد الفترات الذي يعد هامشياً في بعض الأحيان نحن كمؤرخين لا يضيرنا هذا الاختلاف الذي يدفعنا للبحث و إعطاء كل حدث من عمر البشرية حقه.

ثانياً: ان التحقيب ضروري لكنه في نهاية المطاف تقسيم افتراضي لمسار التاريخ و ان الهدف الحقيقي لأي تقسيم أو تحقيب تاريخي هو تسهيل الدراسة و ليس فصل الفترات و الأحداث التاريخية عن بعضها.

يمكن ان نشبه تاريخ البشرية بتاريخ و عمر الفرد الذي تميز حياته أحداث بعينها دون غيرها. و بالتالي فان حاجة الفرد إلى ربما تنظيم حياته و تسهيل سردها يجعله يضع أحداثا يستخدمها كعلامات في حياته كبلوغه أو كأول زواج له أو ارتزاقه بأول مولود و ما إلى ذلك. ان هذا المنطق ينطبق على تاريخ البشرية عموما حيث يحتاج المؤرخون إلى تسهيل المعرفة و السرد التاريخ و فهم الأحداث من خلال وضع و اعتماد أحداث كبرى في عمر البشرية كنقاط بارزة يمكن الوقوف عليها كونها أحدثت تغييرات جذرية أو كانت فاصلة في حياة المجتمعات وبالتالي يمكن النظر إليها كأساس وعلامات لهذا التحقيب ومن هنا تتعدد الأحداث و الظواهر التي يعتمدها كل فريق.

ثالثاً: يمكن ان نبدأ بأصحاب النظرة الكلاسيكية للتقسيم التاريخي و هم من يحقب بناء على الأحداث الكبرى و التي يرونها هم الأهم في تاريخ البشرية كسقوط روما في أيدي القوط الغربيين و فتح القسطنطينية و اكتشاف أمريكا و الحرب الأولى و ما إلى ذلك و هم الأغلب من المؤرخين حيث ينظر هؤلاء إلى التاريخ العالمي و يعتمدون أربع فترات في تحقيبهم تشمل التاريخ القديم و الوسيط ثم الحديث ثم المعاصر بناء على الأحداث المشار إليها.

في حين يرى آخرون في أحداث أخرى أهمية هي الأجدر بالوقوف عندها كاعتراف قسطنطين الأول المسيحية واعتناقها وبنائه للقسطنطينية وكذلك الكشوفات الجغرافية وخروج المسلمين من الأندلس .. الخ

كما ان هناك فريق ثالث يعتمد تحقيباً مرتبطا بالدِّين فالمرتبطون بالمسيحية يقولون ان التحقيب لا بد ان يبنى على فكرة ما قبل المسيحية و ما بعدها و يشبههم في المنطق من ينادي إلى تقسيم التاريخ إلى ما قبل الإسلام و ما بعده ..،،، حيث يرى هؤلاء ان الأحداث مهما بلغت من الأهمية فهي لن ترقى إلى أهمية ظهور هاتين الديانتين اللتين غيرتا مسار البشرية.

اما الفريق الثالث أو الرابع فيرى ان نظرية تقسيم التاريخ يجب ان تكون بحسب الشعوب و ليس الفترات فيتحدث عن التاريخ العربي و تاريخ الصين و تاريخ اليابان..

كما ان هناك فريقا آخر يحقب بناء على الظواهر الاجتماعية و تطورها كالعبودية و انتهائها أو ارتباط الفرد بوسائل الإنتاج حيث يرى هؤلاء ان لا ظاهرة تضاهي في أهميتها انتهاء العبودية وامتلاك الإنسان لوسائل الإنتاج وهؤلاء قريبون من الماركسية و الاشتراكية و هم على عكس النظرة الرأسمالية التي يرتبط مفكروها ومؤرخوها بالربح والاقتصاد كأساس لأي تقسيم تاريخي.

ومن البديهي أيضا ان نلقى اليوم و في ظل التقدم التكنولوجي من يقول ان التاريخ ليس سوى فترتين هما ما قبل الانترنت و الثورة التكنولوجية وما بعدها.

رابعاً: من البديهي ان نلاحظ ان هذه الآراء خاضعة للنقاش وان بعضها يرتبط بتاريخ أمة أو شعب أو ظاهرة و يغفل أخرى وحتى لا أطيل فالخلاصة ان التحقيب الكلاسيكي هو الأكثر شعبية بين المؤرخين وهو التحقيب الذي يقسم التاريخ إلى تاريخ قديم ثم وسيط ثم حديث ثم معاصر فأصحاب هذا التوجيه هم الأقرب - ربما - إلى الموضوعية والشمول في النظر إلى التاريخ العالمي عموماً.

خامساً: ان فكرة التحقيب قد سبقت ظهور المصطلحات التي تشير إلى فترات تاريخية معينة متفق عليها بين المؤرخين والمؤسسات التعليمية. و هي الأربع المشار إليها.

سادساً: بحسب ما أتيحت لي من معلومات و من خلال ترجمتي لبحث المؤرخ الفرنسي "الان يورو فان" فكرة التحقيب في أوروبا قد بدأت بشكل بسيط و تطورت خلال قرون حيث بدأت بوادر التقسيم التاريخي البسيطة منذ القرن الثالث عشر الميلادي مستمدة من رؤى تعود إلى القرن الثامن الميلادي و ذلك اعتمادا على التاريخ الديني علماً ان هذه البدايات لم تكن تحمل فكرة التحقيب بقدر ما كانت تحتوي على فكرة فهم الحاضر على أساس مقارنته بالماضي و اعتبار الحاضر فرصة للعودة إلى الماضي المثالي المرتبط بالقرب من الدين. حيث ظهرت جماعات دينية تقسم تاريخ العالم إلى عصور اعتمادا على التاريخ المسيحي على اعتبار ان المسيرة التاريخية تشبه مراحل الصعود و الهبوط بناء على القرب أو البعد من الكمال الروحي.

سابعاً: تبلورت فكرة التحقيب أكثر في القرن الخامس عشر الميلادي حيث ظهرت مصطلحات كالعصور الوسطى و التي ينسب إلى جيوفاني أندريا بوسي (١٤١٧-١٤٧٥م) كأول من استعمل هذا المصطلح عام ١٤٦٩م حيث شغل مناصب دينية كسكرتير للكنيسة في روما حيث اشتغل في تحرير النصوص الدينية مما أتاح له الفرصة للاطلاع و ربما التأمل و التفكير والاجتهاد و التعبير برؤى و أفكار جديدة. وفي نفس الوقت يرى آخرون ان "فلافيو دو فورلي" قد استعمل هذا المصطلح عام ١٤٥٠ والذي عمل أيضا سكرتيرا لكنيسة روما قبل أندريا بوسي.

ومن هنا يتضح لنا ان الكنيسة كانت هي المكان الوحيد الذي أتاح لمنتسبيه بعض الأنشطة الفكرية خصوصاً وان الكنيسة كانت هي صاحبة الثروة في هذه الفترة وبالتالي لم يكن الانشغال بالفكر التاريخي أو التحقيب يمثل شغلاً للعامة .. وعلى كل لم تكن الإشارات إلى فكرة العصور الوسطى سوى بداية متواضعة .. وبطبيعة الحال القول ان هذا المصطلح كان يشير إلى فترة سابقة لعهد "بوسي" و "فلافيو" لأن عصرهما يمثل فترة معاصرة، ومن الطبيعي ان نفهم ان ظهور فكرة وجود العصور الوسطى في أوروبا تعني بداية فكرة التحقيب في أوروبا أيضاً و للتاريخ الأوروبي.

ثامناً: جاء مصطلح عصر النهضة ليؤكد النظرة المتميزة للمفكرين لهذه الفترة عما سبقها من الفترات خصوصا وأنها تعني الميلاد الجديد. حيث ظهر هذا المصطلح خلال القرن السادس عشر في أوساط الفنانين و الرسامين و منهم "فساري" ١٥٥٠م حيث كان هذا المصطلح يعني الخروج من مرحلة العصور الوسطى و العودة إلى جمال العصور القديمة اليونانية و اللاتينية. بالتزامن مع ذلك ظهر تقسيم آخر مرتبط بالتاريخ البروتستانتي المتمرد على الكنيسة و الذي اعتبر فترة سلطة الكنيسة فترة مظلمة و بالتالي فقد نظر هؤلاء إلى زمنهم كزمن يختلف عما قبله وهو ما يحمل فكرة التمايز أو الانتقال من فترة إلى أخرى و نعني هنا مؤلف التاريخ الكنسي عام ١٥٥٩ و الذي يسرد الأحداث حتى القرن الثالث عشر الميلادي. ومن الأشياء الجديدة التي جاء بها هذا العمل هو تقسيم التاريخ المسيحي إلى قرون و هو تقسيم لم يكن معروفاً من قبل. حيث يعتمد تقسيم التاريخ الكنسي أو تاريخ المسيحية مثالثه: التاريخ الكنسي القديم و الذي يمتد إلى القرن السابع الميلادي ثم التاريخ المتوسط يمتد من القرن الثامن حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي ثم فترة معاصرة .

تاسعاً: ان التطور الحقيقي في موضوع التحقيب التاريخي في أوروبا يعود إلى القرنين السابع عشر وكذلك الثامن عشر الميلاديين حيث ظهرت بعض المؤلفات في نهاية القرن السابع عشر و التي تعتمد فترة العصور الوسطى كفترة متميزة عن تاريخ النهضة وكذلك عن التاريخ القديم أطلق عليها "هيستيوريا ميدي" وتعني التاريخ الوسيط و هي فترة تشبه إلى حدٍ كبير ما يعتمده مؤرخو اليوم.

عاشراً: خلال القرن التاسع عشر ظهرت بعض المؤسسات في فرنسا و ألمانيا لاحقا و التي ركزت نشاطها لدراسة الفترات التاريخية كتخصص و منها التاريخ الوسيط الذي كان تميزه و دراسته عاملا مهما في اعتماد التاريخ القديم و الحديث كفترات مختلفة و متميزة و بالتالي تأكيد نظرية تقسيم التاريخ إلى فترات و حقب مختلفة.

حادي عشر: على الرغم من ظهور مصطلح العصور الوسطى و مصلح عصر النهضة فانه كان من الضروري انتظار بدايات القرن العشرين ليتم الاتفاق بين المؤرخين و كذلك بين المؤسسات التعليمية الأوروبية و خصوصاً الفرنسية على التقسيم المتعارف والمتفق عليه : اَي تحقيب التاريخ إلى أربع فترات هي التاريخ القديم و التاريخ الوسيط و التاريخ الحدث و التاريخ المعاصر.

مع العلم ان هناك بعض المؤسسات التي ما زالت ترفض هذا التحقيب و فكرته جملةً و تفصيلاً و خصوصا في أمريكا ذلك البلد الذي لا يملك تاريخا و بالتالي يرى هؤلاء ان لزم الحديث عن التاريخ فيكفي ان نتحدث عن تاريخ قديم و معاصر.

اثنا عشر: ان الأدب التاريخي العربي لم يكن بمعزل عما يدور في الكتابات الغربية حول مختلف الموضوعات ومنها التقسيم التاريخي خصوصاً وان حركة الترجمة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر قد تناولت الكثير من الأعمال الغربية و بناء على مبدأ التأثير و التأثر فقد انتقلت بالتأكيد بعض الأفكار والمفردات.

خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت بعض الأعمال التاريخية العربية التي تحمل عناوين تحمل مضمون فكرة وجود عصور وسطى مما يعني وجود فكرة التحقيب التاريخي مثل كتاب: "تاريخ ما توسط من القرون" والذي لا يحضرني اسم مؤلفه لكني وحين تأتيني الفرصة سأوافيكم به، لكنني أتذكر ان هذا الكتاب يتحدث عن إمارات غرب أوروبا في العصور الوسطى.

حيث ان هذا الكتاب هو من ضمن مؤلفات أخرى يذكرها المؤرخ جورج حداد (مجلة أبحاث / العدد 1،٢/ ١٩٥٩). حيث يتناول في بحثه المؤلفات التي كتبها المؤرخون العرب في غير التاريخ العربي خلال المائة سنة الأخيرة.

ثالث عشر: اختم بالقول أنني قد تناولت موضوع التحقيب و ظهوره في أوروبا وتطوره حتى ظهوره في المؤسسات التعليمية واكتفيت بالإشارة إلى ظهوره في الأدب التاريخي العربي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في بعض الأعمال المترجمة ، لكن هذا لا يعني ان فكرة التحقيب لم تكن موجودة في الأدب التاريخي العربي بل يمكن ان نجد تحقيباً من نوع آخر ابتداء من بداية التدوين في التاريخ الإسلامي خلال القرن الثالث و الرابع الهجريين/ العاشر الميلادي وهو ذلك التحقيب المبني على النظر إلى تاريخ البشرية على أساس ما قبل الإسلام وما بعده .. ولكني على يقين من ان المؤرخين في هذا المنتدى يَرون الكثير من الأمور التي لم أرها والتي أرجو طرحها لنستفيد جميعاً.

لهذا فان السؤال الذي سأختم به هذه العجالة يدور حول ما الذي يراه المؤرخون في موضوع التحقيب ابتداءً من بداية التدوين التاريخي العربي في القرن الثالث والرابع الهجريين وحتى ظهور التقسيم المتعارف عليه بين المؤسسات التعليمية؟

ا. م. د. محمد الحداد

أ. د. عبدالحكيم عبدالحق

استأذن الدكتور محمد الحداد في مداخلة: عبارة عن محاولة لتصور تحقيب للتاريخ الإسلامي، أظن موضوع الحلقة يستوعبه وبالتأكيد سيثريه.

تحقيب التاريخ:

مما لا شك فيه أن التقسيم الحالي لمراحل التاريخ العالمي، والإسلامي على وجه الخصوص، يعاني عواراً بيناً في كثير من جوانبه، ويحتاج إلى إعادة النظر في بنيته من قبل المؤرخين والباحثين .. ونسعى هذه الندوة إلى تقديم رؤية موضوعية لتحقيب التاريخ الإسلامي، بعيداً عن التقسيم الأوروبي القائم، الذي زَجَّ بالتاريخ الإسلامي - اعتسافاً - في حقبة التاريخ الوسيط، المعروف في الذهنية العالمية بعصور الظلام من ناحية، ومن ناحية أخرى افتكاك التاريخ الإسلامي من قوالب الأسر الحاكمة التي وضِع فيها وارتبط بها؛ منذ ما بعد عصر الخلفاء الراشدين إلى الآن.

فمن المسلم به أن مفاصل التاريخ ومنعطفاته، التي تعد نهايات المراحل وبدايات مراحل أخرى جديدة، مختلفة عنها، ترتبط بالتحولات التاريخية الضخمة المؤثرة في حياة المجتمعات والدول؛ التي تعد نهايات لمراحل بمواصفات معينة وبدايات لمراحل أخرى بسمات مختلفة.

وإذا ما اتفقنا على هذا المنهج في تقسيم العصور التاريخية، وأن كل أمة وشعب له من الأحداث المؤثرة في تاريخه ما يمكن، بل وينبغي، أن تعتمد بوصفها مراحل لتقسيم تاريخ هذا الشعب أو الأمة، واتفقنا أيضاً على أن التقسيم الحالي للتاريخ العالمي يعتمد أحداثاً مهمة؛ مثل معرفة الإنسان للكتابة بداية للتاريخ القديم، وسقوط روما نهاية لهذه الحقبة، وبناء القسطنطينية بداية للتاريخ الوسيط ،وسقوطها نهاية له، والنهضة الأوروبية والثورة الفرنسية بداية للتاريخ الحديث، والحرب العالمية الأولى نهاية له، وما بعد الحرب العالمية الأولى بداية للتاريخ المعاصر، لكن هذه الأحداث رغم أهميتها إلاّ أنها مؤثرة بشكل كبير في تاريخ القارة الأوروبية، وعليه، من العبث أن نجعل منها مفاصل لتاريخ بقية شعوب العالم خارج القارة الأوروبية.

وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق أن تاريخ الحضارة الإسلامية، التي اشتملت على خير أمة أخرجت للناس، بشهادة الله سبحانه وتعالى، وبشهادة المنصفين من المستشرقين، واحتضنت الحضارة الإنسانية لقرون من الزمن، فازدهرت فيها العلوم، ومثلت فيها منظومة القيم الأخلاقية، يوضع ضمن أكثر حقب التاريخ ظلاماً وقتامة وانحطاطاً، حقبة العصور الوسطى، مما يمس هذه الحضارة بالظلم الفادح، ثم تأت الطامة الكبرى بأن يوضع نهاية للتاريخ الإسلامي بعصر النهضة الأوروبية، وكأن الشعوب الإسلامية الممتدة على جغرافية العالم الإسلامي وما زالت تعيش وتؤثر وتتأثر، ولا زالت نعيش بالإسلام وتلتزم إلى حدً ما، ما تزال دول وشعوب إسلامية.

التقسيم العالمي للتاريخ:

متى يبدأ التاريخ العالمي؟ معرفة الإنسان للكتابة في الألف الخامس قبل الميلاد. هل معرفة الإنسان للكتابة في الآلف الخامس بداية التاريخ البشري؟ ألم يكن ثمة حياة بشرية قبله؟ ثم ألم تصلنا أي معلومات عن حياة الإنسان قبل هذا التاريخ؟ ألم يكن الإنسان قد عرف الكتابة قبل الألف الخامس؟ ألم يقدم لنا القرآن الكريم سرداً تاريخياً لبدء الخلق وحركة الإنسان الأول على الأرض؟ ألم يكن للإنسان الأول لغة؟ ألم يكن يعرف أسماء الأشياء؟ لماذا يستبعد القرآن الكريم بوصفة مصدراً تاريخياً أكدت كثير من الأحداث صدقيته وموثوقيته؟ ثم من الذي قسم التاريخ العالمي .. معايير التقسيم العالمي .. مآخذ على التقسيم العالمي .. موقع التاريخ الإسلامي في التقسيم العالمي .. التقسيم المقترح للتاريخ العالمي .. التحقيب القائم للتاريخ الإسلامي .. من الذي وضع التقسيم الحالي للتاريخ الإسلامي.

حدود التاريخ الإسلامي:

  • وفق التحقيب القائم
  • وفق التحقيب المقترح.
  • معايير التحقيب الحالي للتاريخ الإسلامي.
  • التحقيب المقترح للتاريخ الإسلامي:
  • التقسيم الرأسي: (التقسيم الحالي على أساس زمني قديم وسيط حديث ومعاصر).
  • التقسيم الأفقي: (التاريخ الاجتماعي- السياسي- الاقتصادي- الدبلوماسي- العلمي). جامعة البحرين.
  • مرحلة النبوة اشتملت على التأسيسات الأساسية للمجتمع ولذلك خصت بمرحلة مستقلة.. مرحلة التكوين الفكري للأمة.

وبتجاوز التقسيم الأوروبي للتاريخ، والولوج إلى تقسيم العصور الإسلامية، نستطيع رصد بعض الملاحظات، لعل أهمها:

1- تناول أحداث التاريخ الإسلامي من زاوية سياسية، إذ تم التركيز على الخط السياسي للأحداث، وأهملت المسارات الحضارية بجوانبها العلمية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، فاعتمدت قوة الخليفة معيارا لقوة الدولة وازدهار العصر.

وبالرغم من اعتماد هذه المدارس التاريخية الخط السياسي للأحداث معياراً لتقسيم العصور، فإنها لم تطبق هذا المنهج بموضوعية ومنهجية، فوضعت خلافة المتوكل على الله العباسي بداية العصر العباسي الثاني الذي وسم بالضعف والتراجع والانحطاط، وصور على أنه كان خليفة ضعيفاً، فكانت خلافته بداية لمرحلة ضعف الخلافة.

وإذا ما تجاوزنا كل ما قدمته المراجع الحديثة عن المتوكل على الله العباسي ،وعدنا صوب المصادر التاريخية المعاصرة للحقبة العباسية، سنكتشف أن المتوكل لم يكن خليفة ضعيفاً ،وأن ثمة مجموعة من القرائن تبرهن على قوته، لعل أهمها:

  • إنهاء فتنة القول بخلق القرآن التي كادت تعصف بالدولة والمجتمع الإسلامي في عهود أسلافه من لدن المأمون حتى الواثق.
  • استعادة هيبة الخلافة إزاء القادة الترك الذين تمكنوا في عهد المعتصم واستفحل خطرهم على الخلافة في عهد الواثق، فجردهم من المناصب الحساسة في الدولة واستعاد ما نهبوه من أموال الدولة.
  • أعاد التوازن المختل في مشاركة أهل الذمة في مناصب الدولة الحساسة، فقد وصل عدد من أهل الذمة إلى مراكز حساسة هددت أمن الدولة وكشفوا أسرارها للبيزنطيين.
  • أنهى كثير من البدع والخرافات التي ألصقت بالدين؛ من التبرك بالقبور والأشجار وغيرها.
  • أعاد الجهاد من جديد وبنى الحصون وشحنها بالجنود والعتاد، وأعاد بناء الأسطول الإسلامي، واستعاد بعض المدن التي خرجت من سيطرة الدولة العباسية في عهد الواثق.

 كل ما سبق لا يدل على أن المتوكل على الله العباسي كان خليفة ضعيفاً، حتى يجعل من عصره بداية لعصر الضعف في الدولة العباسية.

2- أن العصر العباسي الثاني بهذه النظرة السياسية للأحداث وصم بالضعف، وقد يكون هذا صحيح في المجال السياسي، إلا أنه من النواحي الحضارية كان الرحم الذي تخلقت فيه الحضارة الإسلامية، فلم يظهر كبار العلماء في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية إلى في رحابه، ولم تتألق العلوم الإسلامية إلا في فضاءاته، ولم يتعمق مجرى الحضارة الإسلامية إلا في ظله.

3- أن تقسيم التاريخ الإسلامي بصيغته الحالية يعتمد، بعد عصري النبوة والخلافة الراشدة، الأسر الحاكمة أساساً له، فيظهر خلال ما يقرب من مئة سنة تحت اسم الأمويين، ثم ينطوي ما يزيد عن ستة قرون تحت اسم بني العباس، إلى جانب الأمويين في الأندلس والفاطميين في مصر، ثم الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، إلى جانب عشرات الأسر التي مثلت الدول المستقلة هنا وهناك في المشرق والمغرب.

4- التقسيم الحالي يجعل من سقوط المماليك على يد العثمانيين نهاية للتاريخ الإسلامي، حتى أنه لا يجوز في عرف المؤرخين أن نطلق على ما بعد عصر المماليك تاريخاً إسلامياً، وكأن التاريخ الإسلامي قد انتهى، وأصبح الإسلام والمجتمعات والدول الإسلامية منذ العصر العثماني إلى اليوم خارج التاريخ .. وهذا ظلمٌ بينٌ لتاريخنا ولأمتنا ولمجتمعاتنا ودولنا الإسلامية القائمة إلى اليوم.

5- أن الرسالات السماوية قبل رسالة سيدنا محمد كانت باسم الإسلام، وهذا ما يؤكده السياق القرآني، فيما المناهج الحديثة تستبعد القرآن الكريم بوصفه مصدراً تاريخياً، في الوقت الذي اشتمل على قصة بداية خلق الإنسان ونزوله الأرض، والحضارات القديمة، وكثير من أحداث التاريخ القديم، استبعدته بحجة أن منهج البحث التاريخي يشترط إخضاعه للنقد والشك، وبالتالي استثني الإسلام من التاريخ القديم، واستبعد القرآن بوصفه مصدراً له، واقتصرت مصادره إلى جانب الآثار والنقوش على الأساطير الخرافات والأخبار، التي قدمت معلومات أقل ما يقال عنها أنها ظنية.

وإذا كانت هذه حالة التاريخ الإسلامي في موقعه بين عصور التاريخ، وزاوية تناوله، وتقسيمات عصوره، ونسبة هذه العصور إلى الأسر الحاكمة، فما هو التقسيم المرجو للتاريخ الإسلامي؟

ولذلك فإن التصور الذي جال في ذهني لإعادة تحقيب التاريخ الإسلامي، ينقسم إلى قسمين:

  • التاريخ الإسلامي إلى قديم ووسيط وحديث ومعاصر.
  • إعادة تقسيم التاريخ الإسلامي بناءً على الأحداث والقضايا المهمة بدلاً من الأسر الحاكمة.

أولاً: تقسيم التاريخ الإسلامي إلى قديم ووسيط وحديث ومعاصر، بحيث يكون:

1- التاريخ الإسلامي القديم:

- يبدأ من نزول سيدنا آدم عليه السلام إلى الأرض، ويشمل تاريخ الرسالات السماوية، حتى بعثة سيدنا محمد، ويتم ضمنها تناول الحضارات القديمة، وفق النظرة القرآنية وما بقي من آثار ونقوش تدل عليها، لأن جميع المرسلين أتوا برسائل وشرائع متعددة ضمن عقيدة واحدة ومعبود واحد ومصير واحد وإطار واحد هو الإسلام.

2- التاريخ الإسلامي الوسيط:

 - تبدأ هذه الحقبة ببعثة سيدنا محمد، لأن الأمة انبعثت من جديد برسالته، وصححت كثير من المفاهيم والانحرافات، وتغير وجه الأرض والإنسانية بها بوصفها خاتمة الرسالات السماوية .. ويمكن تقسيم هذه الحقبة إلى :

أ‌. مرحـلة النـبوة:

هذه المرحلة شهدت وضع مقومات المجتمع والدولة الإسلامية، فبني المجتمع بناء عقائدياً تربوياً في العهد المكي، ثم بنيت الدولة وظهرت التشريعات في العهد المدني، فكان القرآن الكريم وحياة النبي صلى الله عليه ويلم بمثابة الإطار النظري العملي لحياة الأمة بعد ذلك.

ب. مرحلة واحدية الخلافة الإسلامية:

 تبدأ هذه المرحلة من خلافة أبي بكر الصديق، وتستمر لما يقرب من ثلاثة قرون .. إلى أن أعلن الفاطميون في مصر والأمويون في الأندلس أنفسهم خلائف إسلامية موازاة مع الخلافة العباسية في بغداد، فكسروا بذلك وأحدية الخلافة، التي ظلت محترمة طوال العصور السابقة، فظل الأمويون في الأندلس يتسمون بالأمراء ودولتهم بالإمارة حتى سنة 350هـ.

ج. مرحلة تعدد الخلائف الإسلامية:

وهي المرحلة التي وصلت فيها الأمة إلى مفترق الطرق، فانقسمت البلاد الإسلامية إلى ثلاث خلائف، وظهرت تبعاً لها العديد من الدويلات المستقلة هنا وهناك، ودارت مواجهات بين هذه الخلائف الإسلامية... وتستمر هذه المرحلة إلى سقوط المماليك...وتميزت هذه المرحلة بتغير معادلة الصراع بين المسلمين وبين القوى التقليدية، إذا تحولت هذه القوى من الدفاع إلى الهجوم، فتعرضت البلاد الإسلامية لهجمات كاسحة من قبل الصليبيين والمغول، وتفككت الجبهة الإسلامية إزاء هذه الهجمات.

3- التاريخ الإسلامي الحديث: (عودة واحدية الخلافة)

تبدأ هذه المرحلة من ظهور الدولة العثمانية التي أزاحت الدولة البيزنطية، وتوسعت في أوروبا، وفي البلاد الإسلامية، معلنة عودة واحدية الخلافة الإسلامية.. ووقفت لفترة من الزمن في وجه مشروع احتلال البلاد الإسلامية وتغيير ملامحه. وشهدت هذه المرحلة التوسع في شرق ووسط أوروبا، ومحاولة انقاذ الوجود الإسلامي في الأندلس، ومنازلة البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر.

4- التاريخ الإسلامي المعاصر:

 بدأت هذه المرحلة بنهاية الحرب العالمية الأولى التي ترتب عليها انتهاء الخلافة العثمانية وتفتيت البلاد الإسلامية، ووقوع كثير منها تحت الاحتلال الأجنبي، وإلغاء الخلافة الإسلامية عملياً ثم رسمياً 1924م.

وبعد.. فإن هذه الرؤية لإعادة تحقيب التاريخ الإسلامي ليست سوى تصور لا أدعي له الكمال، بل هو جهد بشري يحتمل الخطأ مثلما يحتمل الصواب، فهو نسبي تبعاً لنسبية معلومات وقدرات صاحبه، وضعتها بين يدي علماء أجلاء لتنال ما تحتاجه من الإثراء والزيادة والنقصان، حتى تخرج بصورة علمية تلبي تطلعات تقديم تصور ناضج لتحقيب التاريخ الإسلامي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ا .د. عبد الحكيم سيف الدين

أ. د. عبدالحكيـم عبدالحـق

التصور يعني في الأساس تحقيب التاريخ الإسلامي .. بعيداً عن التحقيب الغربي والإسلامي القائم على الأسر الحاكمة

أ. د. عارف المخلافي

شكراً جزيلاً للدكتور محمد الحداد على هذا العرض الممتاز والشامل لتأريخ تحقيب التاريخ، وكنت قد ألقيت محاضرة عامة بجامعة أم القرى بتاريخ 8-3-2016م، وكمساهمة في موضوع اليوم اسمح لي أن أشارك برابط هذه المحاضرة:

 https://www.youtube.com/watch?v=1GxAk8Ks1hc

أ. د. عبدالله أبو الغيـث

حياك الله دكتور محمد على هذا العرض المطول والمفيد .. ولي بعض الملاحظات بخصوص التحقيب التاريخي الأشهر في العالم، وهو ما أشرت إليه أنت في عرضك في الفقرة الرابعة بالتحقيب الكلاسيكي، فالتحقيب العالمي الأشهر وضع على أساس عصور التاريخ الأوروبي، وهو رغم ما قيل عنه من نقد يتوافق مع عصور التاريخ الأوروبي، لكن ليس بالضرورة أن يتوافق مع تاريخ بقية مناطق العالم الأخرى، مثلاً:

أولاً: لدينا في جزيرة العرب لا يمكن للتاريخ القديم أن ينتهي في القرن الرابع بظهور بيزنطة وحلولها بدلا عن روما، لكنه يمتد حتى ظهور الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي.

ثانياً: الأوربيون يطلقون على العصور الوسطى تسمية العصور المظلمة وهي كانت لهم كذلك، لكن لدينا العرب يقابلها عصور مشرقة خصوصا في عصر النبوة والخلافتين الأموية والعباسية في عصرها الأول عندما كان العرب والمسلمين يتصدرون العالم سياسيا وعلميا وحضاريا خلال هذه المرحلة، فهل يجوز منهجيا أن نسميها بالوسطى.

ثالثاً: إذا أطلقنا نحن العرب والمسلمون على المرحلة الوسيطة تسمية المرحلة الإسلامية كما يفعل ذلك الكثير منا، فهل يعني بعد ذلك عندما ندخل في المرحلة الحديثة أننا لم نعد نعيش عصر إسلامي؟ مع أن الواقع غير ذلك، وبالتالي هل مثلا نسمي هذه المرحلة بمرحلة الخلافة الإسلامية أو أي تسمية أخرى تكون أكثر تعبيراً عنها.

رابعاً: هل بالفعل الحداثة دخلت لدينا مع العثمانيين لنعتبر دخولهم للوطن العربي بداية لتاريخنا الحديث؟ أم أن الأوضاع بقت على ما كانت عليه سابقا، وذلك على عكس أوربا التي ولد سقوط القسطنطينية لديها تحدي وبادرت للقضاء على سلطة الكنيسة وعصر الإقطاع، ومن ثم الدخول في عصر النهضة.

خامساً: مرحلة التاريخ المعاصر تبدأ وفقا للتقسيم الأشهر بالثورة الفرنسية، فإلى متى ستستمر هذه المرحلة؟ وماذا يمكن أن نطلق على المرحلة التي تليها، وما هو الفاصل الزمني الذي سنجعله نقطة بداية لها.

أ. د. عارف المخـلافي

إضافة شيقة بروف عبد الحكيم، تحدد مساراً خاصاً لتاريخنا في العصر الإسلامي وفقاً للتسلسل الذي جاء في القرآن الكريم عليه السلام. ولكن قد يصطدم الأمر بالقول إن آدم عليه السلام أبو البشرية كلها وليس حكراً على خصوصيتنا، ومع ذلك كوحدة فكرية وعقدية وحضارية، تبقى خصوصية تقسيم التاريخ الإسلامي بما في ذلك عصور الأنبياء عليهم السلام، نقطة تستحق التوقف عندها والاهتمام بفكرتها.

أ. د. عبدالحكيـم عبدالحـق

استمع الآن إلى محاضرتك وأجد أننا نلتقي في كثير من النقاط.

التاريخ الإسلامي القديم أساساً هو تاريخ عالمي لأن كل الرسالات السماوية أتت بالإسلام .. ولذلك ليس في احتكار.

 د. محـمد الحـداد

شكرا بروفيسور على هذه المداخلة القيمة و الثرية و التي تناولت نقاطا في غاية الأهمية و كما قلت فإن اي تحقيب يرتبط بالهوية و يعد جزءا منها فليس من الضروري ان تبدأ فترة تاريخية لامة ما مع فترة لامة أخرى. لكن النظرة إلى التاريخ العالمي ربما يجبر المؤرخين على مقاربة أحداث تكون أكثر أهمية لدى أمه عن غيرها.

لكن و على الرغم من ان سقوط روما لم يكن يعني لغير الامم الأوروبية و البرابرة شيئا إلا أن النظريات الأوروبية قد طغت في بعض الجوانب المتعلقة بالتحقيق الكلاسيكي و ذلك لعوامل عدة، ولكن في المقابل فان مؤرخي الإسلام يعطون صورة مفادها ان التاريخ بشكل عام هو تاريخ الإسلام "التاريخ تاريخنا" و الذي يفصل بين مرحلتين من عمر البشرية و بالتالي فان اي تحقيب لا بد ان يرتبط بالإسلام الذي غير مسار البشرية. و مما لا شك فيه فان ظهور الإسلام أكثر أهمية في التاريخ العالمي من سقوط روما، وبالتالي فان ارتباط اي تحقيب بظهور، هو شيء ممكن و منطقي.

أ. د. عبدالله أبو الغيـث

 شكراً دكتور عبدالحكيم على هذه الرؤية التي بنيت وفقا لعصور التاريخ الإسلامي، ولي بعض الملاحظات:

أولاً: إطلاق تسمية العصر الإسلامي القديم على الفترة السابقة للإسلام أعتقد أنه سيدخلنا في إشكاليات كثيرة، فكما ذكرنا في حلقة نقاش سابقة بأن الصبغة الوثنية تطغى على ذلك العصر، بينما تاريخ الأنبياء مغيب، وحتى في حال إبراز تاريخ الأنبياء فتسميتهم كمسلمين لن يكون مفهوما كما ظهر خلال النقاش المشار إليه، إلى جانب أن التاريخ القديم لم يكن كله تاريخ أنبياء.

ثانياً: لاحظت أنك قسمت المرحلة التي نسميها عالميا بالوسيطة وعربيا بالإسلامية إلى ثلاثة مراحل، النبوة، الخلافة الواحدة، وتعدد الخلائف، وذلك سيجعلنا أمام استفسار مهم: ما هي التسمية الجامعة التي يمكن أن نطلقها على هذه المرحلة؟

ثالثاً: ما أسميته أنت بالتاريخ الإسلامي الحديث والتاريخ الإسلامي المعاصر هو بالفعل ما ندرسه في الجامعات بتلك التسميات ولكن بدون تسمية إسلامي المقترحة.

د .احـمد المصـري

سأقوم بطرح مشاركات سبق وأن طرحناها في المنتدى، وإعادة الطرح يأتي من باب إدراجها في وحدة الموضوع.

ـ المشاركة الأولى:

كنا في مجموعة قسم التاريخ جامعة ذمار قد طرحنا موضوع التأطير التاريخي (التحقيب التاريخي قديم، وسيط ، حديث) للنقاش. و أعاد الزميل د. أمين الجبر طرح الموضوع مرة أخرى في المجموعة لأهميته.

ما جعلني أعيد طرح الموضوع مرة أخرى هو وجود ضبابية و عدم وضوح في عملية التأطير التاريخي لعصور التاريخ في أقسام التاريخ في الجامعات اليمنية وربما في أماكن أخرى .. فما فهمته من أن قسم التاريخ في جامعة صنعاء يقسم الدراسات التاريخية إلى أربع شُعب (قديم، إسلامي، وسيط, و حديث)، وأن العصر الوسيط يقصد به فترة الحملات الصليبية و تاريخ أوروبا الوسيط و العصرين الأيوبي و المملوكي. الأسئلة التي تدور في بالي الآن:

ـ هل تنتهي فترة عصر/ مرحلة التاريخ الإسلامي بنهاية الدولة الفاطمية بالنسبة لقسم التاريخ جامعة صنعاء؟ وماذا عن هذا التقسيم في أقسام التاريخ في بقية الجامعات.

ـ ماذا عن الدراسات التي تمت في قسم التاريخ جامعة صنعاء قبل ١٠ سنوات و تناولت مرحلة الدولة الطاهرين أو الدولة الزيدية من القرن الثامن إلى الثالث عشر الميلاديين على سبيل المثال؟ هل تعتبر وسيط ام إسلامي؟

ـ هل تسميتنا لمرحلة التاريخ من بداية تشكيل الدولة الإسلامية و حتى عصر الدولة الفاطمية بأنها مرحلة التاريخ الإسلامي تسمية صحيحة؟ كون الاسم ذو طابع ديني .

ـ ما مُبرر نزع صفة الإسلامي عن الفترتين الأيوبية و المملوكية ولو من باب التقسيم لماذا لا تعتبر امتداداً لما قبلها وفترة الحروب الصليبية هي جزء من تاريخ الصراع في تلك الفترة.

المشاركة الثانية:

وبخصوص تاريخ أوروبا فيدرس في إطاره دراسة التاريخ الأوروبي، وربما أن الصحيح هو تسمية هذه المرحلة بتاريخ العصور الوسطى أو التاريخ الوسيط شاملاً كل المرحلة من ظهور الإسلام وحتى سقوط القسطنطينية؟ كونه تعبير أدق من وجهة نظري.

د . فيـصل حميـد

الغرض من التقسيم التاريخي هو لتسهيل الدراسة وليس ملزماً، وكل بلد يقسم حسب رؤيته لحوادث التاريخ من زاويته. المصريين بحكم ارتباطهم بالجامعات الغربية وتأثرهم بها يقسمون التاريخ إلى أربع مراحل قديم وإسلامي ووسيط وحديث. ويشمل الوسيط مرحلة الحروب الصليبية وما بعدها حتى بداية الحديث ويدرس فيه أربع مقررات: الحروب الصليبية، الأيوبيين والمماليك، تاريخ الدولة البيزنطية، أوروبا في العصور الوسطى.

ونظراً لدور الكادر المصري في تأسيس أقسام التاريخ في عدد من الجامعات العربية خصوصاً في الخليج واليمن فقد نقل هذا التقسيم إليها .. بينما في العراق وسوريا وتأثراً بمسألة القومية واعتزازهم بها فيسمون مرحلة القديم والإسلامي بتاريخ العرب والإسلام.

بالنسبة لنا في اليمن كان لدينا تاريخ وسيط كما تفضل الدكتور أبو الغيث. وتوقف بسبب الكادر التدريسي لكن فكرته مازالت قائمة وهو يتضمن المواد نفسها التي تختص بتاريخ مصر الوسيط ولا يشمل اليمن، التي تدخل الفترة الموازية للتاريخ الوسيط في مصر ضمن الإسلامي. وهذا التقسيم من وجهة نظري - اقصد التاريخ الوسيط - غير موفق، وهو كذلك من وجهة نظر كثير من الأساتذة المصريين الذين يقرون بهذا الخطأ وانه ناتج عن تأثرهم بالتقسيم الأوربي ، ثم جرت العادة على ذلك.

أ. د. عبدالله أبو الغيـث

حبذا بروف عارف لو أفرغت هذه المحاضرة في مقالة.word أو حولتها لبحث ليتسنى للباحثين الاعتماد عليها بشكل أوسع.

أ. د. عبدالحكيـم عبدالحـق

شكراً كثيراً دكتور محمد على هذه الإفاضة، وأجدنا نلتقي أيضاً في كثير من النقاط، فيما يتعلق بالتاريخ القديم أظن الزملاء في القديم أقدر على تقديم تصور تفصيلي فيه.

وربما المرحلة الأولى تكون بمرحلة النبوة والخلافة الراشدة، وإن كانت زمنياً محدودة .. لكن السمات العامة للمرحلة مميزة لها.

ا . بكيـل الكليـبي

هل هناك فكره لتحقيب التأريخ اليمني ام لازلنا منتظرين لهم؟

أ. د. عبدالله أبو الغيـث

 نعم دكتور أحمد وما ذكرته أنت والدكتور فيصل يعبر عن الإشكاليات التي تصاحب مشاكل التحقيب لدينا في أقسام التاريخ بالجامعات العربية .. وأعتقد أنه سيصعب علينا الوصول إلى تقسيم موحد يلتف من حوله الجميع، وستظل الإشكالية قائمة ومتجددة، وتخضع لنفس الإشكاليات المرتبطة بالتحقيب الأشهر للعصور المستند على التاريخ الأوروبي.

أ. د. عبدالحكيـم عبدالحـق

شكراً دكتور أحمد. أنا لأول مرة أعرف أن جامعة صنعاء تضع نهاية الدولة الفاطمية نهاية للتاريخ الإسلامي، وأنا خريجها، بل لقد درست مقرر الأيوبيين والمماليك ضمن العصر الإسلامي، والحروب الصليبية كذلك.

التحقيب التاريخي (2)

التعليقات (0)