ابن الطقطقي .. المؤرخ وعالم الاجتماع
آمنة شاهدي
من هو ابن الطقطقي ؟
هو محمد بن علي بن محمد ابن طباطبا العلوي، أبو جعفر، المعروف بابن الطقطقي، مؤرخ، وبحَّاث، وناقد ومحلل اجتماعي موصلي، من مواليد عام 660 وتوفِّي سنة 709 هجرية.
كان أبوه أحد قادة الجند في الكوفة وبغداد، ونقيب العلويين في الحِلَّةِ والنجف وكربلاء، تلقَّى علوم الفقه و اللغة، وكان شغوفاً بالتاريخ والنقد والأدب، وتولى نقابة العلويين بعد اغتيال والده سنة 672هـ.
ابن الطقطقي وعلم السوسيولوجيا:
سعى ابن الطقطقي في مؤلفه “الفخري في الآداب السلطانية” دراسة تواریخ الأمم بمنهج علمي يقوم على معرفة شبكة الأحداث والأسباب الكامنة وراء ظهور كل دولة واختفائها، وذلك من خلال رؤية نقدية تنقب عن الدوافع المحركة للتاريخ، ومعتمداً في ذلك على أسلوب التحليل التاريخي.
مخافة الله:
وقد توصل الرجل إلى أن رأس الحكمة مخافة الله، وهي حكمة عربية إسلامية، فالحاكم متى خاف الله آمنه العباد، وكسب ودهم ومالت إليه قلوبهم، أما إذا فسدت نیته ضد رعيته وقل التفاته إليهم، أو الشفقة عليهم فقد تغيرت تجاهه نیات المواطنين وضعفت دوافعهم، وعجز الحاكم عن التمكن من مملكته، واضطرب العيش، وقامت الفتن والحروب.
الدولة محور التاريخ:
لقد جعل ابن الطقطقي الدولة محور حركة التاريخ، مثلما جعل الملك وحاشيته وأجهزته، أساس حركة هذه الدولة، ورتب على طبيعة علاقتها بالشعب نتائج النهوض أو الإنحلال بوصفه الصانع الحقيقي للتاريخ والأحداث.
وقياسا على ذلك؛ رأى أن أخطر ما يواجه الدولة والمجتمع والحضارة هو استبداد الملك، وابتعاده عن الحكماء من ناسه، ممن تناسى أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يستغن عن المشورة وتبادل الرأي مع أصحابه على ما له من مكانة خاصة، فكان مثلا للجمهور وقدوة للصحابة حتى ملك قلوب أتباعه فأطاعوه إلى حد الاستشهاد.
وخلاصة القول في الفكر السوسيولوجي لمفكرنا، إن طاعة الرعية أساس الفعل التاريخي، ولا طاعة إلا مع المحبة والرغبة والحرية.
الخصائص المستحبة بالملوك:
تناول ابن الطقطقي في كتابه “الفخري في الآداب السلطانية”، تلك الصفات والشمائل التي ينبغي للملك أو السلطان أن يتحلى بها، ولكن طرحه جاء مغلفاً بالمثالية التي قد لا يصلح تبينها بشكل مطلق في أنظمة الحكم الحديثة، ذلك لأنها لم تطبَّق في الماضي أيضا.
وفيما يلي أبرز تلك السمات التي على الملك التحلي بها:
- الخوف من الله تعالى: وهذه الخصلة التي اعتبرها أصل كل بركة، فإن الملك متى خاف الله؛ أمنه عباده، وقد ساق مثالاً للإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، والذي استدعى بصوته بعض عبيده فلم يلبِّ النداء رغم تكراره، ثم سأله الإمام علي عن أسباب عدم الاستجابة، فقال العبد: أمنتُ عقوبتك، فقال رضي الله عنه: الحمد لله الذي خلقني ممن يأمنه خلقه.
- العفو عن الذنوب: وحُسن الصفح عن الهفوات، ويقول ابن الطقطقي هنا: ”وهذه أكبر خصال الخير وبها تستمال القلوب، وتُصلَح النيات”، ذاكراً الخليفة العباسي المأمون الذي كان حليماً حسَن الصفح في رده على هجاء دعبل الخزاعي له.
- الحقد مُفسد النيات: الملك متى كان حقوداً فسَدت نيته لرعيته، فمَقتَهم وقلَّلَ الالتفاتُ إليهم والشفقةَ عليهم، ومتى شعروا بذلك؛ تغيرت نياتهم له، وفَسُدت بواطنهم، خصوصاً وأن الناس مُركَّبون على الخطأ، مجبولون على تشّمير الطِّباع، فمن غير المعقول أن يفني الملك حياته معانياً من الغيظ والحِقد عليهم ما ينغِّص عليه لذَّته، ويُشغله عن كثير من مهام مملكته.
- الكرم يستميل القلوب: فقد قال الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: “الجُودُ حارسُ الأعراض”.
- الهيبة تحفظ نظام الملك: فقد كان عضد الدولة البويهي إذا جلس على سريره؛ أُحضِرت الأُسود والفِيلة والنمُّور في السَّلاسِل وجُعِلت في حواشي مَجلسه تهويلاً بذلك على الناسِّ وترويعاً لهم.
- المشورة: تحدث ابن الطقطقي عن أن الله تعالى أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالاستشارة مع أنه أيَّده ووفَّقه، ومن مزايا ذلك: استمالة لقلوب أصحابه، وليستقر الرأي الصحيح، ولما فيه من تحقيق للنفع والمصلحة، وليكون قدوة للناس في انتهاجهم ذات الطريقة من بعده.
- الاطلاع على الغوامض: أهمية اطلاع الملك على دقائق أمور الرعية، ومجازاة المُحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
- السياسة والوفاء بالعهد: ومنها السياسة وهي رأسُ مال الملك، وعليها المراهنة في حقن الدماء، وحفظ الأموال، ومنع الشرور، وقمع الدُّعار والمُفسدين، والمنع من التظالم المؤدي إلى الفتنة والاضطراب.
حقوق الملك عند ابن الطقطقي:
- الطَّاعة: وهي الأصل الذي ينتظم به صلاحُ أمور الجمهور ويتمكَّن به الملك من الإنصاف للضعيف على القوي، والقسمة بالحق.
- النَّصيحة: ذاكراً حديثا منسوبا للرسول عليه الصلاة والسلام، قوله ”الدِّين النصيحة”، قيل: لمَن يا رسول الله؟ قال: “لله ولرسوله ولجماعة المسلمين”.
- تعظيم الرَّعية للملك: ينبغي على الرعية تعظيم الملك وتفخيمه لشأنه في الباطن والظَّاهر، وتعويد النفس ذلك ورياضتها به، بحيث تصيرُ مَلَكَة مستقرة، وتربية الأولاد على ذلك وتأديبهم به ليتربَّى هذا المعنى معهم.
- ترك اغتياب الملك في ظهر الغيب: وقد استند ابن الطقطقي لحديث الرسول الكريم الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: ”لا تسُبّوا الولاة، فإنَّهُم إن أحسنوا كان لهُم الأجر، وعليكُم الشُّكرُ، وإن أساءوا؛ فعليهم الوزر وعليكم الصَّبر، وإنَّما هم نِقمة ينتقِمُ الله بها ممن يشاء، فلا تستقبلوا نِقمة الله بالحميَّة والغضَب، واستقبلوها بالاستكانة والتَضَرُّع”.
ابن الطقطقي وحقوق الرعية:
حمايةُ البيضة وشد الثُّغور وتحصين الأطراف وأمن السوابل، وقمع الدّعار، فهذه حقوقٌ تَلزَم السلطان تجري مجرى الفروض الواجبة، وبهذه الأمور تجب طاعته على رعيته.
الرِّفق بالرَّعية والصَّبر على صادرات هفواتهم، مستنداً بذلك لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ”ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا كان الحُرْق في شيء إلَّا شانه”.
على الملك أن يعرف نعمة الله عليه بأن اصطفاه لهذه المرتبة العليا دون سائر الخلق، وبأن يجعله يفزع منه كل أحدٍ ولم يجعله يفزع من أحد، لذا يجب أن يكون له دعوات يناجي بها ربه، ليحمده على فضله.
مواصفات الملك الفاضل:
أورد ابن الطقطقي في كتابه “الفخري في الآداب السلطانية”، بعضاً من الأمور التي تليقُ بالملكِ الفاضل.
حيث يقول: “ومما يليقُ بالملك الفاضل ويُكمل فَضله؛ أن يكونَ عاليَ الهِمَّة، رحيبَ الصّدر، مُحِبَّاً للرياسةِ، مُعِدَّاً لها أسبابها، طامح البصر إليها، مُعمِلاً فكره في توسيعِ مملكتهِ وعلوِّ درجتهِ، غيرَ مخلِد إلى التنعُّم، ولا جانحٍ إلى التَّرَف، ولا منهمِك في اللذات”.
وينقل ابن الطقطقي أقوالاً مأثورة عن حكماء الفُرس: “هممُ النَّاس صغار، وهممُ الملوكِ كبارٌ، وألبابُ المُلوكِ مشغولةٌ بكُلِّ شيءٍ عظيمٍ، وألبابُ السُوقةِ (العامَّة) مشغولةٌ بأيْسَر الأشياء، وليَعلَم الملكُ أنّ الرياسةَ عرُوسٌ مهورها الأنفُس”.
المصدر: موقع تاريخ com