أراضي الوقف في التاريخ اليمني

 منتدى المؤرخ الحصيف

سلسلة حلقات برنامج النقاش الرمضاني التاريخي

الحلقة السادسة

   12 - 13رمضان 1444هـ/ 02 - 03 أبريل 2023م

"أراضي الوقف في التاريخ اليمني".

 

منتدى المؤرخ الحصيف.

رئيس الجلسة:

د. أمين الجبر

 

القسم الأول

التقديم للحلقة

 

موضوع الحلقة:

" أراضي الوقف في التاريخ اليمني "

تقديم رئيس الجلسة

الدكتور د. أمين الجبر.

بسم الله الرحمن الرحيم

عليكم السلام والرحمة، وتغمركم المحبة والوئام زملائي وأساتذتي الأعزاء، وكل لحظة من لحظات رمضان المبارك وأنتم في روحانية وتجلي إيماني عميق.

إليكم الحلقة الخامس من البرنامج الرمضاني الخاصة بالأوقاف في اليمن والمعنونة بـ: - "أراضي الوقف في التاريخ اليمني".

راجيًا من الله أن تنال استحسانكم وتثرى من قبلكم حتى يتحقق الهدف المرجو والمتمثل بالخروج برؤية مقاربة عن حالة الأوقاف في اليمن، ملتمسًا العذر سلفًا من أي تقصير أو لا إجادة، فالكمال الله وحده.

- مقدمة الجلسة:

- الأوقاف في اليمن.

تعتبر الأوقاف بكافة أنواعها من الموضوعات التاريخية / الإسلامية الهامة، ليس بكونها مثلّت، ولا زالت، إحدى ركائز وعصب الاقتصاد الإسلامي عبر التاريخ وحسب، إنّما لما لعبته، وما زالت، من دور محوري في تكوين بُنية المجتمع الإسلامي منذ فجر الإسلام في كافة الصعد ومختلف المجالات.

 فقد أولتها الدولة الإسلامية، في كل مراحلها التاريخية، عناية كبيرة حتى غدّت، مع مرور الزمن بمثابة لازمة إسلامية في منظومة عقائدية / قيمية شرعنتها من ثم الشريعة الإسلامية وقوننتها وفق مصالح وأجندة إسلامية تحقق التكافل بين قطاعات المجتمع الإسلامي، وأصبحت بالتراكم مؤسسة قائمة بذاتها لها نظامها وآلياتها الخاصة.

فالأوقاف في اليمن، بوصفها نموذجًا للأوقاف الإسلامية العامة، مرت بمراحل من التطور التاريخي كانت في غالب أمرها تصب في مصلحة الدولة القائمة وتعد مصدرًا أساسيًا من مصادر ثرائها وتنميتها. الأمر الذي جعل كل نماذج الدولة التي سادت اليمن عبر التاريخ الإسلامي والحديث والمعاصر تولي الأوقاف أهمية كبيرة وتسعى إلى تنمية الأوقاف وتوسعت الأراضي الوقفية والممتلكات الخاصة بالوقف.

وجعلت من أولوياتها - أيضًا - البحث في كيفيات تنمية الوقف ومؤسساته، وركزت نشاطها حول: دور وأهمية الاوقاف في بناء الدولة اليمنية عبر مراحل التاريخ المختلفة، طبعا من بعد الإسلام؟، وتحديد طبيعة الوقف ومؤسساته، مصادره ومصاريفه، أنواعه ومجالاته. وغير ذلك من المهام المختلفة التي تصب في المحصلة النهائية في مصلحة الدولة القائمة.

ومن المعروف دينيًا وتاريخيًا أنَّ الوقف في التشريع الإسلامي يحظى بمكانة دينية واجتماعية في وعي وثقافة المجتمع اليمني، كما يشكّل في حد ذاته نظامًا مهمًا، ورافدًا من روافد الخزينة العامة في كل مراحله ومختلف أنواعه، الأمر الذي جعل كل من يمتلك السلطة أن يحرص على تحصيل الوقف والاهتمام بمؤسساته وتنميته. لِذا ما أحوجنا إلى معرفة: -

        دور الاوقاف في تكوين الدولة اليمنية عبر مراحلها المختلفة من بعد ظهور الإسلام ووجود الأوقاف وحتى الراهن.

        التعرف على أهمية الأوقاف في اقتصاد الدولة ورفد خزينتها بالمال العام.

        توضيح الدور التكافلي والبعد الأخلاقي / الديني الذي تلعبه الأوقاف في حياة المجتمع اليمني.

        إجلاء حقيقة الأوقاف وعلاقتها بأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد لا يتأتى ذلك إِلاَّ من خلال التطرق إلى:

      الخلفية التاريخية للأوقاف في اليمن.

      مؤسسات الأوقاف وممتلكاتها في اليمن.

      أهمية الأوقاف ومجالاتها.

      دور الأوقاف في التنمية الاجتماعية.

إِنَّ الغريب في الأمر، فيما يتعلق بالأوقاف في اليمن، أنَّ كل دولة تسطو على أوقاف الدولة السابقة لها وتصادر ممتلكاتها، والتي تتبدى بمثابة ممتلكات خاصة بالحاكم وحاشيته، وهكذا دواليك حتى أصبحت ممتلكات الوقف رهن الدولة المنتصرة وتبع الحروب والصراعات، وأصبح الوقف يمر بحالة من التضخم والسطو من قبل المتنفذين على مر التاريخ، بل إِنَّ هناك من يعتبر الوقف حِكرًا على فئةٍ معينة من فئات المجتمع اليمني. وأنها المخول دينيًا وعرفيًا بإدارة واستغلال الأوقاف دون سواها.

كما أنَّ الأوقاف في اليمن أنواع عديدة منها الوقف العام، وهو الوقف الذي تشرف عليه الدولة مباشرة وليس للواقف حق التصرف فيه، والوقف الحر: وهو المقيد والمشروط بحيث يخول الواقف التحكم فيه، والوقف (الدَّرِيس): وهو الخاص بدراسة القرآن الكريم، ووقف الوصايا ... إلخ. وهناك أوقاف عديدة ومتنوعة خاصة بالمساجد والمدارس وبعض المباني العامة.

والملاحظ أنَّ معظم الأوقاف في اليمن كان يتم وقفها كنوع من الاحتيالِ على توريث النساء واحتكارها بين الأولاد الذكور على الرغم من إنَّ ثّمة وقفيات خاصة بالنساء وأن المرأة في بعض مناطق اليمن قد ورثن من أراضي الوقف.

ولم يقتصر الوقف على الأراضي الزراعية فهناك أوقاف للعقار وللمنشآت العامة حيث يخصص ريعها أو جزء منه لمصلحة عامة كالإنفاق على التعليم أو إيواء الغريب أو الصدقات الجارية بكافة أنواعها ... إلخ.

وهناك أوقاف اندثرت وانتهى الغرض من وقفيتها مثل بعض الكتاتيب أو المساجد والجوامع المندثرة أو الغيول أو ما يسمى في بعض المناطق بـ (الجلب) وهو المكان أو الغرفة المبنية في ضاحية أو على سفح وادي بغية احتماء الراعي والماشية من الأغنام والأبقار من الأمطار أو المسافرين، ويسمى في بعض المناطق بمسميات عديدة ومختلفة، والتي جميعها قد انتهت وتحول الوقف الخاص بها لأغراض أخرى في إطار الوقف.

ناهيك عن العقارات والأراضي العديدة التي تمَّ تأجيرها بما يشبه البيع المشروط بنسبة نقدية معينة، والتي تدر ربحًا كبيرًا وفائدة مضاعفة.

على أية حال فإنَّ الأوقاف في اليمن أصبحت مؤسسة متضخمة تمتلك من رأس المال المادي والنقدي ما يوازي ميزانية دولة، فلو تمَّ استغلالها في الإتجاه الصحيح وتمَّ الحد من تفشي الفساد فيها، لكفّت وغطت الشيء الكثير في ميزانية الدولة، وتمّ رفد الاقتصاد الوطني بما يساهم في تحسين دخل الفرد ودعم الاقتصاد والتنمية المستدامة.

القسم الثاني

(الأسئلة والمداخلات)

أولاً: الأسئلة والإجابة عنها

د. شرف الدين رصاص:

سلمت أناملك أستاذي الحبيب على هذا العرض الجميل والرائع، فقد أجدت فيه وأوجزت، وبينت نقاطه وأظهرت، وحددت مسمياته في اليمن فأوضحت، ولامست في حديثك آلام المتضررين من السلاطين على الوقف أياً كانوا، وإن اختلفت مسمياتهم (رجال دولة أو متنفذين أو أعلى أو أدنى)، وجميل أنك لم تغفل حق المرأة أو دورها في الباب. وأسأل الله أن يمتع بعلمك، ويزيدك في العلم بسطةً، وفي الجسم صحة وعافية. وتعليقي - هنا - يتمثل في السؤال التالي: -

س/1: ما أوجه الشبه في استغلال وإنفاق ريع مال الوقف المنحصر على طلاب العلم والعلماء بين اليمن وغيرها من بلدان العالم الإسلامي؟ وكيف تصرفت الدول المتعاقبة على حكم اليمن في حيال تحقيق ذلك؟

برأي الأساتذة والأخوة الأعضاء وبحسب اطلاعهم سؤالي هو: -

س/2: هل من دراسات علمية تناولت جانب الوقف أيًا كان نوعه وباب مصرفه؟

وأود - هنا - أن أذكر، أنَّ في اليمن مال وقف على الحرمين الشريفين، ومال وقف على أغلب مساجد اليمن، التي تكاد أغلبها أن تنهار بناياتها، وذلك حسب ما سمعته ويسمعه الكثير من الناس.

د. أمين الجبر:

شكرًا جزيلًا دكتور شرف على تفاعلك مع موضوع حلقة اليوم والتي تبدو أنّها يتيمة من المشاركات الفاعلة والنقاشات المثرية، لظروف لا نعلمها، ولعل أهمها من - وجهة نظري - انشغالات الزملاء.

فيما يتعلق بسؤالك المحوري أرى أنَّ ليس ثمّة فروق جوهرية في كافة البلدان الإسلامية إزاء الوقف اللهم إِلَّا بعض الخصوصيات، والمتمثلة في طبيعة ونوع الوقف نفسه. وإِلَّا فإنَّ كلها متشابهة كونها تحمل نفس الثقافة المتولدة من الإرث الديني الواحد وهو الإسلام. وأما تصرف الدول حيال الوقف في اليمن فكل دولة كانت تنطلق من مصالحها التي تحققها من وراء الوقف بحيث تسطو كل دولة على وقفيات الدولة السابقة لها وتزيد عليها.

أما فيما يخص الدراسات التي تناولت الوقف بحسب علمي المتواضع هناك العديد منها، والتي لا تسعفني الذاكرة الآن حصرها. ولكّن ما أستطيع الإفادة به هو أنني حاليًا أشرف على بعض الطلاب على رسالة ماجستير بعنوان: "الوقف في ذمار ودوره في التنمية الاجتماعية". وكذلك هناك دكتورة تُألف كتاب بعنوان: "أوقاف النساء في العهد الرسولي".

‏ا. نبيل الوجيه:                         

أتقدم بجزيل الشكر دكتور/ أمين على هذا العرض الرائع والمفيد جدًا في بابه.

مداخلة.

إنَّ الحديث عن الوقف يحتاج عدة حلقات، كونه موضوع كبير، وقد تفضلت بطرح نقاط معينه والتي يمكن الكتابة حولها، حتى أنني ما عرفت من أين أبدأ مداخلتي نظرًا لحجم هذا الموضوع وأهميته، لكن سأبدأ كما حددت لنا، وأبدأ بتقسيمات الوقف، بحسب ما ذكرت ينقسم بالنظر للموقوف عليه إلى قسمين: - 

1 -  الوقف الأهلي: وهو ما كان وقفًا على الذرية.

2 -  الوقف الخيري ويسمى (الوقف العام): وهو ما كان مسبلًا في أعمال الخير العامة، وهو بنظر ذي الولاية العامة، الممثل بالهيئة العامة للأوقاف وفروعها بالمدن اليمنية.

أما بالنسبة لأنواع الوقف، فينقسم حسب أنواع الأموال الموقوفة والتي تحدد بالآتي: - الأرض، المباني، المصادر المائية، الكتب، والزرع كالنخيل والعنب.

مجالات الوقف: وهنا أنقل - ما أنا مطلع عليه من تلك المجالات في مدينة "إب"، وهي أوقاف مشتركة بعموم اليمن، فإنّه لما كانت منطقة "إب" وسجايا أهلها وحبهم للخير عمومًا أمر شائع لا غبار عليه، دل على ذلك غزارة الأوقاف للمصالح العامة، إذ أنَّ معظم أراضيها أوقاف على المبَرَّرات الخيرية، أوقفها أهلها على الجوامع، والمساجد، والمدارس المسجدية، بجميع وظائفها، والخطباء والوعاظ والمدرسين في حلقات التدريس في الجامع الكبير والمدارس والتي يصل عددها داخل المدينة نحو من تِسْعَة عَشَرَ مدرسة مسجدية، وكذا إصلاح الطرقات، والجسور وهي: العقود الحجرية وما عليها من الطرق فوق السوائل تيسيرًا للمسافرين، وكذا تبليط الثنايا التي يطلق عليها النقل (جمع نقيل)، وما أكثرها في "إب" وضواحيها الجبلية، وللسدود التي أقيمت على طرق التجارة للوضوء والاستحمام، ولسقي الحيواناتً وسبل لسقاية الماء(السقايات) .ومن هذه المنشآت أحواض الدواب، التي أَنُشِّئْت كـ (منشآت) خيريه لشرب الدواب، وكذا نزول المسافرين من سماسر منتشرة بكل مرحله، و"صبول" أيضًا تستخدم "كُنَّات" المطر والشمس، ويأوي إليها المسافرون وحيواناتهم، وهناك نزلًا للقادمين الفقراء وتسمى سماسر السبيل داخل المدينة، كما كان هناك أوقافًا يطلق عليها وقف دواوين الإطعام، لإطعام الوافد الغريب والمسافر المنقطع، وكذا تمَّ تخصيص السلف الصالح أوقافًا للمقابر، وأوقافًا لغسل الموتى وتكفينهم، ولحفار القبور، ولأعوام الفناء، وتزويج الشباب، كل ذلك من الأوقاف، ولم يقتصر الأمر على هذا، بل هناك أوقاف خصص ريعها لـ "حَمَام مكة"، وهذا سبق حضاري كما تعلمون، والملفت للنظر غزارة أوقاف الدَّرسة التي تعنّى بالعلماء والمتعلمين، أوقف لها أهالي "إب"  كرائم أموالهم. هذا ما حضرني قوله، وقد حاولت الاختصار خشية الإثقال. ولا يفوتنا - هنا – أنَّ هناك أوقافًا خصصت لذوي العاهات، وأوقاف للحيوانات المريضة، ووقف الَحنَقَات.

د. أمين الجبر:

أشكرك من الأعماق أستاذ/ نبيل، على المداخلة القيمة والعميقة والتي أثرت الموضوع بشكلٍ كبير. وما ذكرته من تقسيمات وأنواع للوقف ومجالات ... الخ. صميمي وجوهري وهو موجود ربما في كل المحافظات، وإن اختلفت بعض المسميات أو المصطلحات الوقفية.

ا. نبيل الوجيه:

‏حفظك الله ورعاك دكتور/ أمين.

كما ذكرت بالضبط، فتلك التقسيمات مشتركة في عموم المدن اليمنية، وليست منحصرة في مدينة أو منطقة دون غيرها.

د. شرف الدين رصاص:

من الأوقاف أيضًا قيام كثير من العلماء بوقف كتبهم على بعض المساجد وإتاحتها للمتعلمين والدارسين، والمقصود بكتبهم (كل الكتب المخطوطة التي كانوا يحوزونها وكذلك المؤلفات التي قاموا بها)، وأما مكتبات المخطوطات أو دورها التي تنتشر في بعض المدن اليمنية ما هي إِلَّا مكونة من تلك الأوقاف.

لكّن ما أصاب هذا الجانب هو احتكار الجهات الرسمية لتلك المخطوطات والحد من تسهيل الاطلاع عليها على عكس رغبة الواقفين لها، فالواقفين لها لم يشترطوا دفع مبالغ مقابل الاطلاع والقراءة والنقولات والاستماع. بينما جاءت الجهات الرسمية فحددت الاطلاع بساعات معينة وبمبالغ مدفوعة وباشتراطات مكتوبة. سؤالي: -

س/1: هل للشرع والإفتاء رأي في الفروق بين رغبة الواقفين ورغبة السلطات؟ هذا من جهة. ومن جهة أخرى، قيام بعض المتسلطين والمتنفذين بالسطو على كثير من المخطوطات الموقوفة على كثير من المساجد في ربوع اليمن والإتجار بها سواءً ببيعها محلياً أو تهريبها للخارج وبيعها عالمياً؟

ا. نبيل الوجيه:

موضوع مهم تطرقت إليه دكتور/ شرف الدين، وهو "ريع" أوقاف الدَّرسة، وهذا الوقف غزير جدًا، واللازم أن يصرف "ريعه" على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية وعلى مدرسي المدارس الحكومية وعلى الطلبة في الجامعات والمدارس عملًا بشروط الواقفين، فإِنَّ شرط الواقف كنص الشارع، لا يمكن بأي حال من الأحوال تبديله أو تحويله بفتوى أو مشورة أو حيلة.

شرط الواقف لا ينقض له عهد مطلقًا، وكم زالت دول بسبب الأوقاف بإهمال شروط الواقفين، أو بالسطو عليها، أو بتغيير مصارفها، أو بالاستيلاء على فضلتها. على أنَّ هناك تقسيمات أخرى للوقف، وردّت في المصادر بخاصة مصادر عصر الدولة القاسمية.

 فقد أوردت الوثائق والمسودات ما يسمى بـ "الوقف الداخلي" و "الوقف الخارجي"، وهناك ما يطلق عليه "الوقف الكبير" و "الوقف الصغير"، وهذه التقسيمات تحتاج لبحث ودراسة مكثفة تعريفًا وتوضيحًا وشرحًا.

‏وأخيرًا هناك وقف الترب، وهو الوقف المخصوص للقراءة على ترب الأولياء وينقسم إلى: ترب مندرسة ترب مختلطة ترب قائمة.

وهو النوع من الوقف غزير جدًا، حيث أضيف إليه الأوقاف التي جهلت مصارفها (الموقوف عليه).

د. شرف الدين الرصاص‏:

خلاف ذلك يفترض أن تتاح المخطوطات الموقوفة لطلاب العلم (علماء وأساتذة وطلاب) أن تتاح للدارسين والباحثين على مختلف مشاربهم، لا أن تحتكر ولا تتاح إِلَّا بمعاملات ومذكرات وتوجيهات ودفع رسوم وشراء صورة الصفحة بمبلغ وقدره، بحجة تغطية نفقات العاملين، فالوقف على العاملين متاح من باب أخر وله مصدره المصرفي.

د. أمين الجبر:

هذا هو المفروض. وأذكر أيام تحضيري للماجستير كنت أذهب إلى الجامع الكبير وكان القاضي الطير - رحمة الله عليه - يعطيني ما أردت من مخطوط دون مقابل فقط أعطيه فرصة يوم على الأكثر ويحضر المخطوط المطلوب.

ا. نبيل الوجيه:

مداخلة.

 كانت مدينة "إب" حافلة بالعلماء والمتعلمين، جيلًا بعد جيل، وكلهم من خريجي (هجرة الحزر وهجرة المعاين وهجرة جرافة)، كما كانت تقام حلقات العلم في الجامع الكبير، وكذلك جامع مدينة "جبله" ومدينتها الزاخرة بالعلماء، وكان يرتاد مدارسها الوافدون من جميع أنحاء اليمن، بل ومن جنوب اليمن الضالع ونحوها، على إِنَّ القاضي أحمد السياغي - نائب الإمام أحمد، أقام المدرسة العلمية في الجامع  الكبير بـ "إب"، وعيّن لها المدرسين الأكفاء وطلبتها الدَّارسين فيها، جعل لكل طالب مقررًا يتقاضاه من دائرة الأوقاف "ريالين فرانصه" و "قدح طعام شهريًا"، وبقيت حتى قيام النظام الجمهوري.

والعجيب، أنّه صار الآن يصرف من هذا الوقف لجماعة يقرءون سور (ياسين وتبارك والمعوذات)، وبناءً لما أوقفه الموقفون وحددوه للدَّرسة، اللازم تقرير حاصلات وموارد هذا الوقف لـ (مدرسي وطلاب وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم) أسوة بما كان عليه الحال في عصر الدول الخالية، وعلى رأسها الدولة الأقرب منا عهدًا (عصر الإمامين يحيى / أحمد حميد الدين).

د. أمين الجبر:

إضافة نوعية للموضوع بحسبان الهجر العلمية تابعة للوقف، وكذلك قراءة القرآن الكريم في صحون الجوامع بالطريقة التي ذكرت. هل هي نفسها وقف (الدَّرِيس) أستاذ/ نبيل.

ا. نبيل الوجيه:

نعم دكتور/ أمين.

وقف "الدَّرسة" هو الوقف الذي يعنى بالعلماء والمتعلمين، فهو وقف مخصص للصرف على التعليم في المدارس المسجدية، أوقف له أهل الخير كرائم أموالهم، ويأتي في "إب" من حيث الحجم أو مقداره بالدرجة الثانية بعد الوقف الكبير، يليه وقف الترب ووقف السبل ويسمى "السبلات".

د. أمين الجبر:

لكن عندنا وقف "الدَّرِيس" هو مقابل قراءة بعض السور القرآنية على نية طالبها. مثلاً: أن يوقف الشخص قراءة الفاتحة إلى روحه بعد مماته أو قراءة مصحف مقابل ما تركه من مال لهذا الغرض وفي ذلك نوع من الحلية على النساء.

ا. نبيل الوجيه:

نعم دكتور/ أمين، فهمت معنى سؤالك.

هذا الوقف الذي تَعْنِيه موجود وبكثرة، ويسمى وقف القراءة إلى أرواح الواقفين، منه ما هو "ذري"، ومنه ما هو بنظر ذي "الولاية العامة"، على إِنَّ الوقف الذري هو وقف قراءة بنظر الذرية، إِلَّا من رشد منهم، بعض الواقفين يجعل النظر والولاية للذكور دون الإناث، والبعض يجعله بنظر أولاده ذكورًا وإناثًا، بطنًا بعد بطن حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا الوقف يفيد التراتبية، ليس لأهل الطبقة الثانية حق فيه، حتى تنقرض الطبقة الأولى، وبعض الواقفين من هذا النوع، يشترط قراءة جزء من كتاب الله العزيز، وبعضهم نصف جزء، والبعض الأخر، يشترط قراءة ما تيسر، على إنَّ من الواقفين من يوقف أرضًا أو عقارًا قراءة عليه أو على أحد أقاربه، ويجعل النظر في ذلك لذي الولاية العامة، الممثل بدائرة الوقف، التي تعين مجموعة من القراء يقرؤون سورة ياسين وتبارك وغيرها، بين صلاتي المغرب والعشاء، ويهدون ثواب ذلك إلى أرواح الموقفين، وهناك من الواقفين من يجعل النظر فيما وقفه على من يجيد القراءة والترتيل، فيجعل النظر إليه، قبضًا وحرثًا وصرفًا وتأجيرًا.

وينسحب هذا على ما يعرف بالقراءة فوق الكرسي، حيث يجلس القارئ على ذلك الكرسي مرتلًا آيات القرآن الكريم قبل صلاة الجمعة، ويستمع له الحاضرون أو في أي وقتٍ اختاره الموقف، كما تشير إلى ذلك الوقفيات والوصايا التي بين (يدي).

د. شرف الدين الرصاص‏:

قد سمعت - ذات مرة القول - بأن هناك أراض زراعية موقوفة على (حَمَام الحرمين). لا أدري بصحة ذلك، لكن مثّل هذا موجود في أوقاف الحكام المماليك ورجالاتهم.

ا. نبيل الوجيه‏:

نعم دكتور.

مؤكد هناك وقف مخصص لـ (حَمَام مكة)، فعلى سبيل المثال: أوقف الأمير أحمد الحمزاوي "حول" بمحطة "إب"، سُميّت "بحول الحَمَام"، لأنّها موقوفه على حَمَام مكة، وفي مديريات "إب" مواقع زراعية عديدة موقوفة لها.

د. شرف الدين الرصاص‏:

هل فعلًا يصرف ريعها في الإنفاق على حَمَام مكة؟!

ا. نبيل الوجيه‏:

استفسار هام جدًا دكتور.

يفترض أنَّ حاصل أوقاف (حَمَام مكة) يصل للقائمين وعلى أوقاف مدينة مكة، عملًا بنصوص وشروط الواقفين، ولا يبرر ذلك غنى الدولة السعودية.

د. شرف الدين الرصاص‏:

صحيح. وهذا هو الأمر المنطقي.

ا. نبيل الوجيه:

نعم. لأنَّ شرط الواقف كنص الشارع لا يبدل اسمه ولا يحوّل رسمه ولا ينقض عهده.

د. شرف الدين الرصاص‏:

لكّن طالما وأنَّ ريع الوقف على طلاب العلم لم يصلهم، وريع الوقف على العلماء لم ينالوه، وهم يستطيعون المطالبة بحقوقهم، فهل سيصل لـ (الحَمَام) حقه! في ظل من يتولى حقوق الآدميين ولم يبلغهم حقوقهم!!!

ا. نبيل الوجيه:

كارثة الكوارث تتمثل بعدم العمل بشروط الواقفين المحددة والمشروطة بوقفياتهم ووصاياهم.

فمثلًا، نجد أنَّ أخصب وأغنى المواقع في "إب" موقوفة على "الدَّرسة"، فالدويلات السابقة كانت تصرف ريع هذا الوقف على "الدَّرسة" الذين يدرسون بالجوامع والمدارس المسجدية.

د. شرف الدين الرصاص‏:

في اعتقادي أنَّ مسألة الوقف على "الدَّرسة" أو على طلاب العلم جسدته الدولة الحديثة (الجمهورية) في ضمان مجانية التعليم واعتماد التغذية المدرسية للطلاب، لكن ما لبثوا على ذلك إِلَّا أيامًا أو شهورًا حتى تمّ تقليصه، فحذفت التغذية المدرسية، ثمّ اعتمدت الرسوم الدراسية الرمزية، ثمّ زيدت الرسوم شيئًا فشيئًا حتى أصبح الطلاب يدرسون على نفقاتهم الخاصة.

في الوقت ذاته تمتع أولى الأمر والنهي بأموال الوقف دون مراعاة لحجج الواقفين أو رغباتهم، وقد يجد المتقصي لهذا الشأن أشخاصًا من ورثة الواقفين على طلاب العلم والعلماء هم في الأساس طلابًا يدرسون على نفقاتهم الخاصة، أو مدرسون ينتظرون ما سيصرف لهم من رواتب إن وجدت.

 د. أمين الجبر:

معلومة جديدة - بالنسبة لي - كنت أظن أنَّ التعليم مجاني على نفقة الدولة من ميزانيتها الخاصة وليس على حساب الأوقاف.

ا. نبيل الوجيه:

 كما ذكرت دكتور. حيث أنني أحد هؤلاء الطلاب، فقد أوقف "جدي أربعمائة قصبة بـ "الضهرة العليا" - أخصب مزارع إب، وأيضًا أوقف منزلًا داخل المدينة على الدَّرِسة.

وبرأي نترك للأساتذة عنوان بحث هام جدًا وبحاجة لدراسة عميقة وهو: "ضرائب الوقف".

د. شرف الدين الرصاص:

هذه - كما يُقال حِيلة فقيه - حيث أجاد المتحذلقون دنيويًا مثَّل هذه المواضيع، ولا يوجد أي وجه حق لسحب مبالغ من أموال الوقف كـ ضرائب أو خلافها.

وللعلم فالضرائب بكافة أنواعها ومسمياتها ما هي إِلَّا ضرب من المكوس والجبايات التي ما أنزل الله بها من سلطان، حيث كانت تلجأ لها الدولة في فترات ضعفها، فتسحب أموال الفقراء والمساكين لتنمو أموال المترفين والمتسلطين ولا يزال الأمر كذلك في كل بلاد المسلمين والله المستعان على ما يصنع بضعفاء المسلمين الكادحين والباحثين على أرزاقهم كل يوم بيومه.

ا. نبيل الوجيه:

نعم دكتور.

وهذه الضرائب كما يطلق عليها مؤرخي الدولة القاسمية الضرائب أم المصائب، فقد مثلّت لهم إرباكًا كبيرًا، ما يزال قائم إلى يومنا الحاضر.

د. شرف الدين الرصاص:

لم تحدث أي إرباك.

فالقصة وما فيها وبكل بساطة أنّها فتحت شهية ضعفاء النفوس وقليلين الدين من رجال الدولة والقائمين على الأمر فاستعذبوها واستمروا في تحصيلها وفي المقابل فإِنَّ البسطاء استسهلوها واستمروا في دفعها. لأّنهم أرادوا العيش بهدوء وبدون أية مشاكل.

د. أمين الجبر:

حتى وإن انتهى عين الوقف المخصص؟ وليس هناك بدائل؟

د. شرف الدين الرصاص:

هو تخمين مني أستاذي الحبيب. لكّن الحقيقة لا يعلمها إِلَّا الله والراسخون في دهاليز الدولة وسياستها.

ا. نبيل الوجيه:

نعم دكتور/ شرف.

ويا ليت حتى على أسوأ الاحتمالات أن تقوم هيئة الوقف بصرف عائدات الأوقاف الصحية ويتم صرفها على مرضى السرطان الفشل الكلوي.

د. أمين الجبر:

مقترح وجيه يتناسب مع ظروف الواقع.

ا. عبد العليم الحكمي:

الأخوة الأعزاء وأساتذتنا الكرام.

 كم أنا سعيد وأنا أتابع وأقرأ نقاشًا علميًا رائعًا في قضية من أهم القضايا المجتمعية والاقتصادية موضوع وقضية الوقف الإسلامي والوقف في اليمن علي وجه الخصوص.

فكل ما تكتبه أناملكم الطاهرة وألسنتكم الصادقة هو بداية موفقه لنقاش يجب أنَّ يستمر ويدلي في هذا الموضوع من كل صاحب رأي وفكرة واختصاص لعله يجد أذانًا صاغيه وقلوب واعية من أهل القرار والمسئولية في إعادة الاعتبار للوقف في اليمن كـ "ركيزة" اقتصادية واجتماعية وعلمية هامة تعالج كثيرًا من المشاكل التي يعيشها المجتمع وتعيد للأوقاف السابقة دورها، وتشجع كل الأغنياء والأثرياء والمؤسسات المالية في حبس ووقف جزء من أموالهم لرعاية وإصلاح المجتمع، وتدفع تأسيًا ومتابعة لما قام به الآباء والأجداد في الجود بأفضل أموالهم وحسبها ووقفها في مختلف المصالح المجتمعية للإنسان والحيوان وتشجيع العلوم المختلفة وضمان ديمومتها واستمرارها وبرعاية كريمة وحرص تام من الدولة في تنفيذ وصية الواقفين وتشجيع المجتمع لمزيد من العطاء.

الشكر الجزيل للأخ الدكتور/ شرف الدين الرصاص، والأستاذ القدير/ نبيل الوجيه، ولكل من شارك وسيشارك ويثرى هذا الموضوع الهام جدًا. وكوني أحد الباحثين - ما زلت في طور الكتابة في رسالة الدكتوراه المعنونة بـ: " الأوقاف في عصر الدولة الرسولية"، فقد كانت فائدتي عظيمة هذه الليلة بما قرأت وتابعت. وبإذن الله سيكون لنا مساهمات قادمة.

د. شرف الدين الرصاص:

رائع أخي عبد العليم أنّك تكتب في موضوع الوقف، والحقيقة أنني وجهت سؤالاً لأستاذنا الدكتور/ أمين الجبر عمّا إذا كانت هناك دراسات علمية تناولت أي جانب من جوانب الوقف. حيث لم أقف على أي بحث أو دراسة في هذا الجانب غير بحث منشور للدكتور/ طه هديل، والذي أتمنى أن يشاركنا هذا النقاش. وبالتوفيق لكم.

د. أمين الجبر:

وفقك الله أستاذ/ عبد العليم. واتفق مع طرحك الرائع في ما ذكرته.

فالوقف بشكلٍ عام يحتاج إلى دراسات معمقة. حيث أنني أقوم بالإشراف على رسالة ماجستير في جامعة ذمار بعنوان: "الوقف في ذمار ودوره في التنمية".

د. رياض الصفواني:

مداخلة.

عنوان المقال: الوقف في العهد القاسمي ١٦٣٥ - ١٨٧٢م.

إعداد: د. رياض الصفواني.

 - الوقف لغة: الحبس والمنع. وفي الشرع: حبس مال مخصوص على وجه مخصوص، ابتغاء رضا الله وتقرباً إليه.

وهو نوعان: خيري عام وأهلي خاص.

ويستدل العلماء على مشروعية الوقف من قوله تعالى: ۞ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ۞ آل عمران، ٩٢.

ومن الملاحظ أنَّ ثمّة شروط ينبغي أن تتوفر لمن يتولى نظارة الوقف العام كما نستنتج من المصادر ‏‏وهي: الأمانة، العدل، النزاهة، مخافة الله، المعرفة بالأمور الشرعية. والسؤال المهم هنا: هل توفرت بالفعل هذه الشروط في من تولى الوقف في العهد القاسمي؟ ويمكن أن يمتد السؤال إلى يومنا هذا؟

الحقيقة أنَّ الأمر نسبي بل يمكن القول وبشيء من المجازفة - وليس حكماً عاماً بالضرورة - إن معظم من تصدى لإدارة الوقف في الفترة القاسمية لم تكن تتوفر فيهم كل تلك الشروط، ومن توفرت فيه لم يستشعر لزومية التحلي بها وتطبيقها كما ينبغي، وذلك مرده بداهة إلى ضعف النفس البشرية أمام إغراء وإغواء المال لاسيما في ظل فساد مؤسسات المال العام وفساد أو ضعف آليات الضبط والرقابة على موارده ومصارفه كحالة يمكن أن تنسحب على مختلف العهود والنظم الحاكمة، وفي المقابل ثمّة من أدار الوقف بكفاءة وحرص كما سيأتي. والجدير بالذكر إنَّ أجرة ناظر الوقف كانت تقتطع من غلات الوقف بما يعادل العشر أو نصف العشر كما كان حاصلاً في ظل حكم الإمام المنصور علي بن العباس (١٧٧٥ - ١٨٠٩م).

وبالوقوف على عينة من الوقائع المتصلة بنظام الوقف القاسمي يلاحظ أنَّ وظيفة الوقف كانت تقترن بوظيفة القضاء، وذلك لما بين الوظيفتين من صلة وثيقة من الناحية الشرعية والعملية، فكان يناط ببعض القضاة إدارة الوقف في حدود المناطق التابعة لهم كما كان عليه الحال في عهد الإمام المهدي عباس بن الحسين (١٧٤٨ - ١٧٧٥م) الذي أسند إلى القاضي أحمد بن محمد قاطن إدارة القضاء والوقف في مدينة "ثِلاَ" إلى الغرب من صنعاء.

وفي سياق الجواب على السؤال - الآنف الذكر - وما يدور في فلكه أو تنبثق عنه من مسائل تتعلق بالحالة التي كان عليها الوقف القاسمي، فإِنَّ العديد من الوقائع تظهِر أن الوقف قد تعرض لشيء من الإهمال ولحقه ما لحق غيره من النظم المالية من فساد وسوء إدارة، وأبرز مظاهر ذلك الفساد هو تحول بعض مصارفه إلى غير ما حدده الواقف، ما يعد مخالفة شرعية واضحة، كما نبَّه إلى ذلك العلماء في حينه، ومن تلك المخالفات تعرض بعض الطرق والمسالك العامة في صنعاء للتضييق، بسبب ضم أجزاء منها إلى أملاك الوقف وإدخالها ضمن مفاسحه مما لا يحق للوقف استملاكه. كما لا يحوز وفق بعض العلماء (يحيى بن الحسين، أحمد بن سعد الدين المسوري أنموذجًا) زيادة الأجرة على أراضي وعقارات الوقف على النحو الذي يلحق الضرر بأجير الوقف.

وقد لاحظ بعض العلماء آنذاك تدهور أحوال العديد من المساجد بسبب تجرؤ بعض القائمين عليها على أكل ريعها، ما دفع العلامة ابن الأمير إلى صياغة أبيات شعرية بشأنها (لا يسع المقام لعرضها) خاطب بها الإمام المتوكل القاسم بن الحسين (١٧١٧- ١٧٢٧م) مقارنًا بين حال الوقف في عهده وحاله الجيد قبل ذلك في عهد الإمام المهدي "صاحب المواهب" برغم فساد بعض جوانب سياسته العامة. ثمّ وجه في عام ١٧٣٣م رسالة إلى الإمام المنصور الحسين بن القاسم حثه فيها على ضرورة إيلاء الوقف أهمية خاصة ومتابعة القائمين عليه وتولية الأكفاء إدارتها. وعندما بلغه أنَّ ثمّة من زيَّن للإمام المهدي عباس شراء بعض أموال الوقف في صنعاء واخراجها من مال الوقف إلى أملاكه أو استبدالها ببعض أملاكه الأقل جدوى، اعترض على تلك السياسة، بل وصفها بــ "الطامة الكبرى" ووجه إليه رسالة مذيلة بتواقيع العديد من العلماء تبلغه بحرمة بيع الوقف أو استملاكه أو مناقلته، وأمام ضغط العلماء تراجع المهدي عن ما كان قد أقدم عليه.

وفي العهود التالية تورد المصادر على سبيل المثال: أنَّ الإمام المتوكل أحمد بن المنصور علي (١٨٠٩- ١٨١٥م) قد أصدر قراراً قضى بانتفاع جميع موظفي الدولة من أموال وعائدات الوقف، مع تحديد مقادير حصول كل موظف من تلك العائدات، وذلك في إطار الاصلاحات التي تبناها المتوكل يومئذ لمحاولة انقاذ البلاد من التدهور والفساد الذي تسبب فيه نظام حكم أبيه المنصور علي.

وفي سياق الإشارة إلى إصلاح حال الوقف خلال تلك العهود فقد أوردت بعض المصادر نماذج من العلماء والقضاة استطاعت أن تدير الوقف في دولة آل القاسم بكفاءة وحرص كما سبق التنويه، في مقدمتها القاضي عبد الله بن محي الدين العراسي الذي تذكر المصادر أنَّ كثيرًا من الأوقاف في مناطق عدة من البلاد وضعت تحت اشرافه في فترة حكم المهدي الإمام عباس بن الحسين فأحسن إدارة مواردها ومصارفها وفق مسودات أملاكها وهو مالم يكن سائداً من ذي قبل.

المصدر: رياض الصفواني موقف العلماء من سياسة أئمة الدولة القاسمية، صـ١٢٥ - صـ ١٤٨.

۞ المادة منقولة بتصرف واختصار.

د. أمين الجبر:

مقالة ضافية. أجلّت إبهام تاريخي عن الوقف في الفترة المذكورة. سلمت دكتور رياض فكما عهدناك من العمق وقوة الطرح.

من الملاحظ أنَّ كل الشروط شخصية مكتسبة، وليست وراثية، وهو الأمر الذي بإمكان أي أحد يتولى مسؤوليات الوقف إذا ما توفرت فيه تلك الشروط.

د. رياض الصفواني:

نعم. كانت شروط شخصية ولم تصدر من جهة رسمية آنذاك إن جاز التعبير، وهي شروط تتفق - بالمناسبة - مع شروط من يتولى القضاء، وهذا ما جعل بعض القضاة يتولى عمالة الوقف، وإن لم نجد في ما توافرنا عليه من مصادر تلك الفترة عن تبني السلطة لتلك الشروط مكتوبة بالنسبة لمنصب القضاء، على الرغم من حثِ العلماء عليها وتوصيتهم للأئِمة بأهمية توفرها في من يصدر بهم قرار تعيين في نظارة الوقف، ولعلها شبيهة بآلية المفاضلة الوظيفية في زمننا.

لكن مع ذلك لا يبدو الأمر مستغرباً إذا ما علِمنا أنَّ معظم من تولى الإمامة على سبيل المثال لم تنطبق عليهم شروطها الأربعة عشر المكتوبة والمعروفة وهي أصل معتبر في الفكر الهادوي فما بالنا بما دونها.

د. خالد ناجي الفقيه:

مداخلة.

شُيِّدَت مدينة "إب" فوق هضبة صخرية - لا أعلم متى بالتحديد - لكّنها بنيت بما لا يقل عن ألفي عام، تزاحمت البيوت كما في صنعاء وشبام حضرموت وغيرهما من المدن اليمنية القديمة ببيوتها المتلاصقة، وهذا دليل على التسامح والاقتناع بمساحة البيت بدون بساتين إِلَّا ما ندر. وهذا أيضًا ما اكسب المدينة علاقات جورة حميمية ومحبة وتعاون منقطع النظير.

كنتُ وأنا طفل في بيتنا القديم اسمع العلب الفارغة تدق من وقتٍ لأخر والجيران يعلمون أنَّ هناك طلبًا معينًا من الجيران، حيث تصعد المرأة أو إحدى بناتها أو أبنائها الصغار لمعرفة حاجة الجارة أو سبب طرق العلبة على أحجار السور المحيط بالسقف - سطح المنزل - وقد يكون الطلب لقليل من اللبن أو خبر لقاء أو أعراس أو ولادة أو طلب فطيرة، لأنَّ أبناء "إب" في الغالب كانوا يحتفظون بمحاصيلهم من الذرة داخل مدافن أقاموها في أسفل البيوت ويغطون عليها بإحكام ويأكلون منها ويبيعون منها إذا دعت الحاجة على مدار العام حتى المحصول القادم وهكذا.

كان سكان "إب" بأغلبيتهم يمتلكون أرضًا في وادي "الظَّهار" أو ما يجاوره إلى "وادي السحول"، ويقوم كل أفراد الأسرة كاملةً برعايتها طيلة العام مع زراعة الدُجر (اللوبيا) إلى جانب أعواد الذرة، وكل عائلة تمتلك من الأبقار واحدة أو اثنتين أو ثلاثة، وكان لكل بيت غرفة مظلمة تسمي بيت البقرة، ويأكلون مما تجود به الأرض والأبقار من (لبن وحليب وسمن) إلى جانب (الذرة والكِشْت والدجر) وربما الذرة الشامية والفاصوليا.

ازدحمت مدينة "إب" طيلة القرون والأعوام وبدءوا بالخروج تدريجيًا خارج أسوار المدينة، لم يذهبوا إلى الأراضي الزراعية، فأراضيهم للبناء بل توسعوا أيضًا فوق التباب والآكام الصخرية كالجبانة العلياء والواسطة والمشنة، وفوقها منطقة المشهد وذهبوا إلى "المنظر" حيث مستشفى ناصر وبنوا حوله وتحته، وكلها أراضي خشنة غير صالحة للزراعة عدى الأعشاب أمثال: منزل الشيخ عبدالعزيز الحبيشي ومحمد على قعطبة والقاضي محمد الغشم والغيل ودرهم الحدا وعلي إسماعيل حسين وعبدالكريم الصلاحي وبيت حجر، ومن أسفل من الجهة الشرقية بنى الأستاذ/ عبدالحفيظ بهران والأستاذ/ يحي عبدالكريم الصباحي وشقيقه الأستاذ/ علي، ووالد زميلي محمد أحمد نعمان سلام، ومنزل القاضي/ أحمد السادة. وغيرهم وتوجهوا إلى منطقة "جرافة" و "حرف الشرف" المطل على وادي السحول القاضي المفتي/ أحمد محمد الحداد  وولده القاضي/ محمد والقاضي/ أبوبكر العنسي والشيخ/ محمد قاسم العنسي وقبلهم بعد المقبرة الواقعة على طريق العدين القاضي والعلامة/ يحي بن أحمد العنسي وبيت القدسي والغرباني والقاضي/ صالح النزيلي وأبناءه، ووالد العزيز عبدالقدوس الكبسي - رحمهما الله، حتى نحن عندما انتقلنا إلى "الجَبَّانه" بالمنزل الذي بناه أخي السفير/ أحمد الحداد - الذي هو الآن بيت أولاد على الصنعاني - الذي تم شرائه، فقد بني فوق منطقة صخرية حتى أننا عندما جئنا في حفر "مجاري" اصطدمنا بمنطقة صخرية ، وظل وادي "الظَّهار" والوديان الأخرى خالية من البناء ولم يعتدِ عليها بالبناء أحد.

حيث كان مظهر وادي "الظهار" عبارة عن حزام أخضر يلف "إب"  يجلي نظر المشاهد ويدخل عليه المسرة والسعادة ناهيك عن جبل "بعدان" الأخضر كما خلقه الله وعدد من الشلالات تتدفق منه في منظر يبهج القلب وظل بستان حول حمام مليء بأشجار الرمان أمام منزل القاضي/ عبدالله الشويطر وأولاده دون المساس أو العبث به، حتى أنَّ الدكتور الشاعر/ عبدالكريم الشويطر تغزل به وبرمانة في إحدى قصائده - على ما أذكر، وكان خلف منزلنا الذي بنيناه تحت "المشنة" تقع تحته بساتين الرمان أو ارفاد الرفد - أصغر من الحول - كانت تلك البساتين تتدرج إلى إن تصل إلى فوق طريق (صنعاء/ إب / تعز) وكان الحاج سعيد القراضي وأولاده يقومون برعايتها دون أن يمسها أي عابث أو يحتجزها للبناء .

وبمجيء الرئيس الراحل/ علي عبد الله صالح إلى الحكم لم يكترث بأي شيء وأي أعراف فرضها الأهالي طيلة قرون بعدم البناء في الأراضي الزراعية، ولم يسن قوانين، فوادي "الظَّهار" كان رئة "إب" التي تتنفس من خلاله وتأكل من خيراته هي والوافدين من المناطق الشمالية الذين كانوا يأتون للعمل وقت الحصاد ويؤجروا بالحنطة مقابل أعمالهم كانت ظروفهم بالغة السوء وخاصة قبل الثورة وبضعة سنين بعدها. وللتنبيه أنَّ في فترة المحافظ/ عبد القادر هلال - عندما كان محافظًا لمحافظة إب - حجز "صَّلَبة" السيدة أروى بنت أحمد الصليحي ومنع عصابات الأراضي من الإعتداء عليها، وبنى فيها "جامعة إب"، وهذا يحسب له كعمل إيجابي عظيم ووحيد.

فإنَّ "صَّلَبة" السيدة أروى الموقوفة والواقعة في قلب "الظَّهار" لم يمسها أحد بأذى، وظلت لعقود وربما قرون مرعى لأبقار أبناء "إب"، كانت الراعية تمر على منازلنا في موعد محدد يسمونها "خرجت قراش" وتداولها الناس كموعد للقاء والذهاب للشراء تسأله متى آتي إليك؟ فيقول لك: خرجة قراش (وهو تقريبًا بين الثامنة والنصف إلى التاسعة، تمر على المنازل وتخرج الأبقار إلى الصلبة لرعيها حتى أطراف النهار وتعود بها وكل بقرة تعرف منزلها).

حتى بدأت الكتل الإسمنتية تزحف على الأراضي الزراعية دون رادع أو قانون يُحرم البناء فيها، وجلب المغتربون معهم الأموال واستغلوا بؤس وبساطة حياة معظم العائلات الأبية وأغرتهم الأموال الباهظة التي كانت تدفع مقابل الأرض وارتفعت لتصل إلى أرقام فلكية وانتهت معها كل الأراضي الزراعية والحزام الأخضر ورئة "إب" للأكسجين والهواء النقي ونهبت جميع أراضي الأوقاف إما بالإيجار أو بالاغتصاب من قبل النافذين، واليوم ومع النزوح لا تدري أين تضع قدمك وغياب الحلول بالجسور وبأنفاق زحمة السيارات لا تطاق وتوافد أبناء الأرياف بسياراتهم لشراء مقاضيهم جعل من شوارع المدينة شبه مغلقة.

ا. د. محمد الحداد.

۞ منقول.

كلمة الختام

د. شرف الدين الرصاص.

‏الشكر الجزيل لأستاذنا الدكتور/ أمين الجبر على إدارته للحلقة السادسة والتي كانت عن الوقف وما يتعلق به، والشكر موصول لكل الأساتذة الأخوة الأعضاء الذين شاركوا النقاش في هذه الحلقة. والجميل أيضاً أنّها اختمت بإعلان عن "مجلة علمية" ترحب بمن يرغب في النشر عن "الوقف". فنوجه الشكر للدكتور/ أحمد الغماري على مشاركته هذا الإعلان.

د. أمين الجبر )مدير الجلسة(.

وختامًا ... نشكر جميع المشاركين في مداخلاتهم واستفساراتهم القيمة. لكم مني جزيل الشكر وأطيب التحايا.

مع عظيم تقديري للجميع

المرفقات
العنوان تحميل
أراضي الوقف في التاريخ اليمني تحميل
التعليقات (0)