المسجد العمري الكبير.. الأول في غزة
مدينة غزة قبل العام 1933 م - مكتبة الكونغرس
توطئة:
تعتبر المساجد القديمة دليلاً على فتوحات المسلمين للبلاد والأمصار وذلك منذ عهد خلافة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحتى أيام استعادتها من براثن الصليبيين من قبل الناصر صلاح الدين الأيوبي.
وعلى كل حالٍ؛ فإن كل مدينة تفخر بأول مسجدٍ بُني بها، وهو الذي يرمز إلى تاريخها العريق، ويحكي قصصاً قديمة ما قبل ذلك بكثير، ومن هذه المساجد الأوائل المسجد العمري في فلسطين وهو الأول تحديداً في قطاع غزة، فما قصة هذا المسجد ومتى تم بناؤه؟! سنتعرف على كل ذلك معاً فتابعوا…
تاريخ بناء المسجد العمري الكبير في قطاع غزة:-
يعتبر المسجد العمري أقدم مسجدٍ في غزة وأكبرها كذلك، وهو الأقدم في فلسطين بعد مسجد القدس الشريف، وتاريخه يعود لزمنٍ قديم عندما كان معبداً وثنياً في العصر الروماني، وبعد أن تلاشت الوثنية وتم الاعتراف بالدين المسيحي كدين رسمي للبلاد تم تحويله إلى كنيسة في العصر البيزنطي، حتى جاء الدين الإسلامي وتم فتح البلاد على يد الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان تحويل الكنيسة إلى مسجد بطلبٍ من أهل مدينة غزة بعد أن دخل أغلبهم في دين الإسلام، فتم الأمر وسُمي بالجامع العمري الكبير نسبةً إلى الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المسجد حافظ على بهائه رغم مرور العهود
ولم ينتهِ التاريخ هنا، فقد مر المسجد بعدة مراحل أخرى، فعندما سيطر الصليبيون على البلاد عام 1149م؛ حولوا المسجد العمري الكبير إلى كنيسةٍ ضخمة بعد تدميره، وسُميت بكنيسة القديس يوحنا، حتى معركة حطين بقيادة القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م حين انتصر المسلمون على الصليبيين وطهروا البلاد منهم بشكلٍ كامل في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي في العهد المملوكي. ليعود المسجد العمري مع ذكر الله فيه، وقد نال الاهتمام الكبير من جديد، فعندما زار السلطان المملوكي الظاهر بيبرس غزة؛ أنشأ مكتبة الجامع التي ضمت في ذلك الوقت أكثر من عشرين ألف مجلد في شتى العلوم ومختلف أنواعها، فكانت كنزاً عظيماً جداً.
ولكن المسجد تعرض لأضرار كبيرة عندما أصيب بقذائف أطلقتها طائراتٌ بريطانية خلال الحرب العالمية الأولى بين 1914 و1918م، وكان ذلك بحجة وجود ذخائر مخزنة في المسجد تعود للقوات العثمانية، ففُقد كنز المسجد المكتبة التي أنشأها السلطان بيبرس وهدمت أجزاء كبيرة من المسجد، حتى تم ترميمه ما بين عامي 1926-1927م من قبل المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين.
موقع المسجد العمري الكبير وتصميم البناء:
يتوسط المسجد العمري الكبير مدينة غزة في البلدة القديمة وتحديداً في حي الدرج، ويقع في الناحية الشرقية من أكبر وأهم شوارع غزة شارع عمر المختار، حيث يحتل مساحة 4,100 مترٍ مربع، بمساحة بناءٍ تصل إلى 1800 مترٍ مربع، ويمكن أن يتسع لأكثر من ثلاثة آلافِ مصلٍ حالياً، يحيط بصحن المسجد أقواسٌ دائرية، وقد تم تشييد أغلب الهيكل العام من (الكركر) وهو الحجر الرملي البحري.
يحيط صحن المسجد أقواس على شكلٍ دائري، ويظهر الشكل الجمالي والتزيين في أروقة المسجد الأربعة الواسعة التي فصلت بينها أعمدةٌ كورنثية الطراز في وسط المسجد تعلوها التيجان وتربطها العقود مما أعطاها مظهراً رائعاً.
وقد حصل بناء الجامع على التوسعة من قبل المماليك والعثمانيين من جهة الجنوب وجنوب شرق البلاد مع إضافة مبنى رخامي والمحراب وكذلك الأروق في الجهة الغربية، ونُقش اسم السلطان المملوكي قلاوون على باب المسجد، مع وجود نقوشٍ أخرى للسلطانين حسام الدين لاجين وبرقوق.
أما أشهر معالم المسجد العمري والتي تُعتبر نموذجاً من الطراز المعماري المملوكي فهي المئذنة، حيث تميزت بشكل بنائها المماثل لمعظم المساجد في بلاد الشام، فكان شكلها المربعي في نصفها السفلي مميزاً، لترتفع بشكلٍ مثمن في نصفها العلوي المكون من أربعة مستويات، وقد شُيدت من الحجر من القاعدة حتى الأعلى إلا قمة المئذنة فقد بُنيت من الخشب والبلاط.
يضم الطابق السفلي قاعة استقبالاتٍ وثالث أكبر مكتبة إسلامية في فلسطين تحتوي على الكثير من المخطوطات في مختلف العلوم، كما أنه يحتوي على القاعة الأثرية التي جُهزت لتكون متحفاً إسلامياً حيث يتعدى عمرها الألفي عام، وأما الطابق الأول ففيه القاعة الرئيسية للصلاة وكذلك مصلى النساء، وتقع مدرسة تعليم القرآن الكريم في الطابق العلوي.
المسجد العمري الكبير في الوقت الحالي:
للمسجد مكانة روحانية خاصة لأهالي غزة وله دورٌ كبير في نشر الدعوة الإسلامية حيث تخرج منه الكثير من طلاب العلم في السابق، وما زال المسجد عامراً بذكر الله تُقام فيه الصلوات الخمس، وفي شهر رمضان تقام الموائد والاحتفالات الدينية، كما أنه يضم الكثير من الأنشطة المختلفة كدورات السباحة للمبتدئين وتنظيم رحلات ترفيهية لحفظة القرآن الكريم، وغيرها من النشاطات المختلفة.[1]
[1] المصدر/ taree5com.