الجوهرة المفقودة (أبو سراجين)

الجوهرة المفقودة (أبو سراجين)

حسين عبد الله بامطرف

جرت قافيته إلى ألسنة عاشقيه، وسرت شهرته إلى مسامع محبيه.. سطع نجمه في سماء شعر الشبواني وشعر الدان الحضرمي الأصيل، وكان يتربع على عرش الشعر الحميني في هذا المجال كخليفة للشاعرين المعروفين سعيد قشمر وعمر بن شيخ باوزير، اللذين رحلا عن هذا الكون بعد أن ملآ أجواءه الفنية بالشعر الحميني في غيل باوزير.

كان شاعرنا قد قال الشعر منذ الصغر، وقد كان موهوبا حقا، ودخل حلبة الصراع مع كبار منافسيه ونجح. وقد جعلت هذه الانتصارات الفنية منه شاعرا فحلا، وقد كان منافسوه يحسبون له ألف حساب عند مجاراته ومباراته.

كان ولم يزل معطاءً حقا، يقول شعره الارتجالي بغزارة وبتعمق فني في حلقات الدان أو الشبواني أثناء الاحتفال بمراسيم الزواج أو في بعض المناسبات الوطنية. وقد شاهدته أكثر من مرة والأبيات تتساقط من بين شفتيه كما يتساقط الثمر من الأغصان، فيلتقطها الشاعر المباري أو المنافس ويحاول الرد عليها بجودة وفن ولكن ليس بطريقة شاعرنا.

شاعرنا الذي نحن بصدده هو الشاعر الشعبي الكبير (أبو سراجين)، كما يلقبه أهل منطقته غيل باوزير. اسمه الكامل محمد أحمد بن هاوي باوزير، من مواليد عام 1900م، تعلم القراءة والكتابة في أحد الكتاتيب الموجودة آنذاك.

الشاعر أبو سراجين لم يقتصر شعره على الدان والشبواني والغناء فحسب، بل تجاوز ذلك ليصل إلى لون جديد من ألوان الشعر ألا وهو (الشعر التراثي) – إن صح التعبير. كان سباقا لهذا اللون الجديد، حيث إنه ألف ديوانين: الأول (المنظومة الشعرية باللغة الدارجة الشعبية) على نحو من 730 بيتًا، والثاني (السفينة والدرك وأنواع السمك) على نحو من 330 بيتا، إضافة إلى بحوث نورد أسماءها كالتالي:  

  • بحوث عن الزراعة وتقسيم الماء بدون ساعة.
  • الطب من زمن في جنوب اليمن.
  • قاموس الكلمات العامية.
  • تاريخ الوقائع وما سمعته المسامع.
  • أمثال شعبية.
  • الألفاظ المتشابهة.
  • مذكرة عن حياته.
  • نبذة عن تاريخ الغيل.

هذه الدواوين والبحوث بذل شاعرنا فيها جهوداً يستحق عليها الثناء، إذ إنه قضى معظم أوقاته في الحصول على المعلومات وسلك درباً شائكا للوصول إلى غايته ولم يهدأ له بال حتى نال ما تمنى، وها هي جهوده قد صبّت في مؤلفاته المشار إليها، إلا أنها لم تر النور بالرغم من اجتهاد الشاعر (ابوسراجين) من خلال اتصالاته بجهات الاختصاص في المحافظة ووعد بعض المهتمين بطباعة هذه الدواوين وتلك البحوث إلا أن ذلك لم يتم ولا ندري عن الأسباب. والذي يتشرف بالحضور إلى منزل الشاعر ويرى هذه الجهود من مؤلفات المذكور يرى أن جوهرة مفقودة هناك.

الجدير بالذكر أن ديواني (المنظومة الشعرية باللغة الدارجة والشعبية) و(السفينة والدرك وأنواع السمك)، الأول منهما يتضمن العادات والتقاليد وما صنعه الأجداد من أوان ومعدات منزلية وما إلى ذلك مما يستخدمونه في حياتهم اليومية في ظل شحة الإمكانية آنذاك، والأخير يتضمن أنواع السفن الشراعية وتركيباتها والاتجاهات التي تسلكها في البحر حتى وصولها البلد المقصود اهتداءً بالنجوم.

أما البحث الخاص بالزراعة وتقسيم الماء بدون ساعة، فهذا يعطي صورة واضحة عن الكيفية التي يتعامل بها أجدادنا بالسقي أثناء الليل بدون ساعة في أماكن الزراعة وكذا في النهار على بزوغ شمس النهار. وكذلك بقية البحوث مضمونها واضح من خلال اختيار العنوان المناسب لها من قبل هذا الشاعر العملاق مد الله في عمره. ما يثير العجب أن هذا الشاعر ما زال معطاءً رغم كبر سنه وله أمل في أن يرى دواوينه وأبحاثه مطبوعة بين يديه.

أملي أن يحظى هذا الشاعر العملاق بما يستحقه من التقدير والاهتمام، وأرجو أن لا ينضب عطاؤه في هذا المضمار، فحقًا إنه (أبوسراجين).

فهل من مجيب يلبي النداء، ويبحث عن هذه الجوهرة المفقودة؟


العدد (1)، يناير- مارس 1996م


المصدر: مجلة الفكر الصادرة عن جمعية المؤرخ سعيد عوض باوزير الثقافية

العدد الممتاز 43 - يناير 2021

https://wefaq.net/c/horizons/1486

 

 

التعليقات (0)