الدولة اليعفرية في اليمن

الدولة اليعفرية في اليمن

الدولة اليعفريَّة أو دولة بني يعفر في اليمن، إحدى الدول المستقلَّة ببلاد اليمن (225-393هـ= 839-1002م)، نسبةً إلى مؤسِّسها الأمير يعفر بن عبد الرحيم الحوالي، مركز حكمها مدينة شِبَام كَوْكَبان، من أشهر أمرائها أسعد بن إبراهيم بن أبي يعفر، آخر أمرائهم أسعد بن عبد الله بن قحطان الذي لبس التَّاج المعلَّق بالسَّلاسل في الإسلام.

يعفر بن عبدالرحيم الحوالي:

تُنسب دولة بني يَعْفُر (وتنطق يُعفِر) إلى الأمير يعفر بن عبد الرحيم بن كريب بن ثابت الحِوَالِي، نسبةً إلى "ذي الحوال الحميري" من أقيال اليمن، والأسرة الحواليَّة في اليمن تُعدُّ من بقايا التبابعة، بدأ يعفر حياته أميرًا للعباسيِّين على بلده، فاشتهر بالجود والكرم، ومالت إليه قلوب أهل اليمن، ممَّا أطمعه بالاستقلال بحكم اليمن عن العباسيِّين، فحارب عمَّالهم في مدينة صنعاء؛ مثل: (منصور بن عبدالرحمن التنوخي)، و(هرثمة بن البشير)، وقد ابتدأ أمر تلك الدولة اليعفرية في سنة (225هـ=839م) من مدينة شِبَام كَوْكَبان من بلاد المَحْوِيت (شمال اليمن وتقع مدينة المحويت شمال غرب العاصمة صنعاء).

وتكرَّرت الوقائع بين ولاة صنعاء ويعفر؛ حتى استطاع الاستيلاء على مدينة صنعاء، لكنَّه اتَّخد من مدينة (شبام كوكبان أو شِبَامكَوْكَبان – تقع غرب صنعاء) عاصمة لملكه، واستقلَّ يعفر الحوالي بحكم اليمن عن العباسيِّين، إلَّا من بعض الأمور الشكليَّة؛ مثل: إظهار الطاعة الاسمية للأمير (محمد بن عبدالله بن زياد)، أمير العباسيِّين على مدينة زبيد، ومصانعته بالهدايا، وبعض الخراج، فاكتفى منه (محمد بن عبدالله بن زياد) بذلك.

محمد بن يعفر:

واستقرَّت الأمور ليعفر الحوالي، وامتدَّ نفوذ إمارته إلى الشمال بعد أن انضمَّ إليها عددٌ كبيرٌ من القبائل، إلَّا أنَّ ابنه الأمير محمد بن يعفر اتَّصل بالعباسيِّين حتى قويت شوكته، فأرغم أباه على التنازل بالحكم له، فأجابه أبوه يعفر إلى ذلك، فانتمى الأمير محمد بن يعفر إلى العباسيِّين، وخطب لهم وللأمير إبراهيم بن محمد بن زياد ملك مدينة زبيد، فجاءته الولاية على صنعاء، وضمَّ إليها أكثر مخاليف اليمن، وقوي أمره.

إبراهيم بن محمد بن يعفر:

وحج محمد بن يعفر سنة (262هـ=876م) فاستخلف على الإمارة ابنه إبراهيم، واعتكف يعفر في شبام إلى أن لاحت له فرصة، فحرَّض حفيده إبراهيم على قتل أبيه محمد وعمٍّ له اسمه أحمد، وكان الأمير أحمد هذا كريمًا، تولَّى الإمارة قبل أخيه (محمد بن يعفر)، ثم تبرَّأ منها وخلعها إليه، ولمـَّا عاد محمد بن يعفر من الحج امتنع ابنه إبراهيم عن الانقياد له ورفض تسليم البلاد إليه، وفعل به ما فعل أبوه بجدِّه (يَعْفُر) من قبل، حين خرج عليه، وزاد إبراهيم على ذلك -كما تقول المصادر- أنَّه قتل أباه وأمَّه وعمَّه وجدَّته لأبيه، بأمرٍ من جدِّه يعفر، الذي كان لايزال على قيد الحياة، وقيل -والله أعلم-: إنَّ ما حمله على ذلك هو إدمانه للشَّراب.

وكان اغتيال إبراهيم لأبيه وعمِّه في صومعة مسجد شبام، بعد المغرب، سنة (269هـ=882م) -على الرواية المشهورة- وقيل: سنة (270هـ=883م) أو التي بعدها. وقد نصَّب إبراهيم نفسه خلفًا لأبيه، وذلك عام (270هـ=883م)، وأراد يعفر أن يجمع الناس حول حفيده إبراهيم، فانتقضت عليهما الأمور، وكثر المخالفون من أمراء الأطراف.

وفاة يعفر الحوالي:

ومات يعفر في خلال هذه الأحداث سنة (272هـ=885م)، وكان يعفر الحوالي كريمًا، من أكرم رجال حِمْيَر في الإسلام، ومن ذلك إكرامه لقبيلة كندة الحضرمية، التي قصدته لمساعدتها في دفع دية بعض قتلاها، فأكرم وفدها، ودفع الدِّيات جميعًا.

عزل إبراهيم بن محمد بن يعفر:

وبعد أن جلس إبراهيم على إمارة بني يعفر قدم عليه الدُّعَام بن إبراهيم، سيد قبيلة هَمْدان، وكان صديقًا لأبيه، وحين أغلظ له القول في قتله لأبيه -وكان إبراهيم سكران منتشيًا- لطمه، فغضب (الدُّعَام)، وحين أفاق إبراهيم وأخبره جلساؤه بما كان منه في أمر الدُّعَام، استدعاه وقرَّبه، وحاول استرضاءه فلم تهدأ ثائرة الدُّعَام وخرج من عنده غاضبًا، فلمَّا صار في بلده هَمْدان أظهر الخلاف عليه، واجتمعت له قبائل بَكِيل وقبائل حاشد، فكانت بينهما وقائع؛ منها: يوم (خَيْوَان) -بلد بين (حاشد) و(بَكِيل)-، ويوم (ورور) -جبل لـ (بَكِيل)-، ويوم (خَمِر) -بلدٌ لـ (حاشد)- انتصر فيها الدُّعَام وعظمت صولته حتى سلب الملك قسرًا من يد إبراهيم بن محمد، وفي ذلك قال أحد شعرائه:

سَلَبْنَا مِنْ حَوَالِ الْمُلْكَ قَسْرًا *** بِلَطْمَةِ شَيْخِ كَهْلَان الدُّعَامِ

أسعد بن إبراهيم:

عندما اعتزل إبراهيم الإمارة تولَّاها ابنه يعفر بن إبراهيم بن محمد بن يعفر، وجاءه العهد من المعتمد العبَّاسي، وقُتل في شبام سنة (279هـ=892م)، ونهب أهل صنعاء داره، وقام بالأمر بعده يعفر بن عبد القاهر بن أحمد بن يعفر، ثم إبراهيم بن محمد بن يعفر، فأسعد بن إبراهيم.

ويُعتبر الأمير أسعد بن إبراهيم بن محمد بن يعفر الحوالي (282-332هـ) من أشهر أمراء دولة بني يعفر، تولَّى الإمارة بعد عزل والده إبراهيم، زامن دولة الإمام يحيى بن الحسين مؤسِّس الدولة الشيعيَّة في اليمن، وعلي بن الفضل زعيم القرامطة أيَّام استيلائهم على اليمن، ففي أعقاب دخول الإمام الهادي إلى الحقِّ يحيى بن الحسين إلى اليمن سنة (284هـ=897م) جرت معارك عنيفة بين أتباعه وآل يعفر وحلفائهم (آل الضحَّاك وآل طريف)، ومن أشهر تلك المعارك معركة أثافت (285هـ=898م)، والمعارك التي دارت حول سور صنعاء سنة (288هـ=901م)، وانتهت بدخول آل يعفر إلى صنعاء التي أصبحت عاصمةً لهم، واستمرَّت المواجهات بين آل يعفر والزيدية سنين طويلة بلغت ذروتها في معركة بيت بوس (ضاحية جنوب صنعاء) سنة (290هـ=902م) التي أُسِرَ فيها محمد المرتضى بن الإمام الهادي، وبقي في أسره نحو عام.

وفي عهد أسعد بن أبي يعفر (282-332هـ) دارت معارك طاحنة بينه وبين علي بن الفضل القرمطي بنواحي صنعاء وشبام، استمرت حتى نهاية القرن الثالث الهجري، قُتِل فيها عددٌ كبيرٌ من أنصار القرمطي، من بينهم ولده عبد الله الذي أُرسل رأسه مع رءوس أنصاره إلى الخليفة العباسي في بغداد، وانتزع مدينة صنعاء من القرامطة، لكنَّهم استعادوها منه، فوقعت بينهم وبينه حربٌ عظيمةٌ في مدينة ذَمَار، وقَّع بعدها الصُّلح مع أميرهم علي بن الفضل الذي ولَّاه على مدينة صنعاء، فخطب له أسعد وهو مضطغن عليه، ولبس البياض -شعار القرامطة آنذاك- وقطع ذكر بني العباس، وعاشت صنعاء فترةً من الطُّمأنينة والهدوء.

ولمـَّا كان أسعد بن يعفر يُضمر البغض لعليِّ بن الفضل، فقد اتَّفق مع طبيبٍ جاء من بغداد على قتله، فاحتال الطَّبيب على عليِّ بن الفضل، فقتله بالسمِّ وهرب، فتبعه أشياعه، فقاتلهم حتى قُتِل، وعلم القَرَامِطَة بالأمر، فنهضوا للثَّأر من الأمير أسعد، فقاتلهم وظفر بهم، ودانت له بلاد اليمن كلُّها، من سنة (304هـ=916م) حتى موته، عدا مدينة صَعْدَة؛ حيث تُوفِّي سنة (332هـ=944م).

أبو يعفر بن أسعد:

أبو يعفر بن أسعد بن إبراهيم اليعفري من أمراء الدولة اليعفرية، تولَّى الإمارة بعد موت أبيه عام (332هـ=944م)، ثم تُوفِّي بعد سبعة أشهر من ذلك.

ابن قحطان اليعفري:

وهو الأمير عبد الله بن قحطان بن أسعد بن إبراهيم بن أبي يعفر محمد بن يعفر بن عبد الرحيم الحوالي، كان أحد الدهاة الشجعان، ولي إمرة اليمن استقلالًا في العهد العباسي، عقب وفاة جدِّه سنة (333هـ=945م)، وقويت إمارته بعد أن كانت ضعيفةً في عهد أسلافه، فقطع خطبة بني العباس وخطب لخلفاء الفاطميين أصحاب مصر، وطالت مدَّته، وتُوفِّي بزبيد سنة (387هـ=997م).

أسعد بن عبد الله بن قحطان:

هو الأمير أسعد بن عبد الله بن قحطان بن عبد الله بن أسعد بن إبراهيم بن محمد بن يعفر بن عبد الرحيم اليعفري، آخر أمراء الدولة اليعفرية في اليمن، تولَّى الحكم بعد وفاة والده سنة (387هـ=997م)، وكاتبه الإمام الزَّيديُّ القاسم بن الحسين بموالاته فوافق، وخَطَب له في (كُحْلان يَرِيم)، ويقال: إنَّ الأمير أسعد أمدَّ الإمام بمالٍ جزيلٍ وخِلعٍ وخيل، وخُطب له مع الإمام على منابر مساجد مدينة صنعاء، قال بعض المؤرِّخين عن الأمير أسعد: "وهو الذي لبس التَّاج المعلَّق بالسَّلاسل في الإِسلام".

وانتهت الدولة اليعفريَّة في أيَّامه بدخوله في طاعة الإمام الزيدي القاسم بن علي العياني سنة (393هـ=1002م).


المراجع:

- الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر، مايو، 2002م.

- عبد الولي الشمري: موسوعة الأعلام اليمنية.

- تاريخ اليمن في العصر الوسيط، الموسوعة العربية العالمية.

التعليقات (0)