أبرز الأحداث التاريخية (لليمن الحديث والمعاصر)
نظام الرهائن في فترة حكم المملكة المتوكلية اليمانية
الكاتب/ منتدى المؤرخ الحصيف.
المقدمة:
عاشت اليمن قبل الحكم التركي حالة من الفوضى والتنافس بين الأئمة على الإمامة في شماله، إلى أن تولى الإمام يحيي حميد الدين السلطة في عام 1918م، واليمن تشهد حالة من السوءِ في جميع مناحي الحياة، مما أتاح هذا الوضع ببسط الإمام نفوذه وإعلان دولته، حتى جابت انتفاضات ضّد الوضع المتدهور، وتمكّن الإمام من القضاء عليها معتمدًا نظامًا في اخضاع مناطق الانتفاضات المسمى بـ "نظام الرهائن".
- أبرز الأحداث الداخلية في عهد الإمام يحيي حميد الدين من الفترة 1918 – 1948م. (نظام الرهائن).
د. أمين الجبر:
ليس ثمة ظاهرة سياسية اجتماعية، حظيت باستهجان ونقد معظم الكتاب والمؤرخين، مثَّل نظام الرهائن (Hostage system) في اليمن المعاصر (1918- 1962)، ولم تلق هذه الظاهرة قبولاً سوى من بعض من أرّخ من جانب رسمي للسلطة القائمة آنذاك.
ومع أن الدلائل تؤكد أن "الرهائن" هي ظاهرة قديمة ليس في اليمن فحسب، ولكن في دولٍ وحضارات أخرى قديمة، فإن ظاهرة أخذ "الرهائن" في اليمن المعاصر تحول إلى نظام قائم بذاته، حيث تميز بوسائله المتعددة ومقاصده وغاياته التي تتلخص في تثبيت النظام السياسي وفرض الولاء والطاعة للحاكم.
ومع نهاية عهد العثمانيين في اليمن عام 1918م، أظهر الإمام يحيى حميد الدين طموحًا في زيادة المساحة التي تقع تحت نفوذه منذ صلح دعان 1911م، وشجعه على ذلك إنه بعد خروج الأتراك لم تكن هناك قوة حقيقية تستطيع منافسته، ومع ذلك وجد الإمام نفسه بحاجة إلى إعمال القوة لبسط سيطرته ونفوذه على سائر البلاد، فكان أن استخدم نظام "الرهائن" على نطاقٍ واسع.
ويبدو أنَّ دافعه إلى ذلك ليس فقط فرض السيطرة السياسية، ولكن أيضًا فرض الزعامة الروحية من خلال حمل اليمنيين على الانضواء تحت راية المذهب الزيدي - وإن لم يفرضه قسرًا ومن ثمّ الولاء لآل البيت الذين ينتمي إليهم الإمام، وقد مثّل نظام "الرهائن" واحدًا من أبرز مظاهر العنف السياسي للنظام الإمامي الملكي.
والجدير بالملاحظة أن نظام "الرهائن" في عهد الدولة العثمانية كان جزءاً من المهام التي أشرف على تطبيقها بعض الولاة الأتراك كما تذكر المصادر التاريخية، في حين أن الأئمة العلويين توسعوا في ممارسة هذا النظام لا سيما في عهد المطهر بن شرف الدين (ت980ه -1573م)، خلافاً لما كان عليه في العهد العثماني.
وهذا التوسع في تطبيق نظام "الرهائن" سرعان ما أصبح منهجًا أشد وضوحًا منذ تسلم الإمام يحيى مقاليد السلطة والحكم في صنعاء عام 1918م وحتى (ت1367ه -1948م)، وإن كان قد مارسه قبل هذا التاريخ عندما كان يمارس نفوذه باعتباره إمامًا وزعيمًا روحيًا للطائفة الزيدية.
إِنَّ التلازم بين نظام "الرهائن" وخضوع أهل اليمن لسلطة الأئمة الحكام، قد شكّل مع مرور الأيام عبئًا ثقيلًا على كاهل الناس، وبدأ قطاع واسع منهم يعبرون عن ضيقهم من السياسة المركزية المفرطة التي يتبعها الإمام حتى تطور الأمر إلى إعلان بعض القبائل الخروج على السلطة الإمامية.
ولعل المقاومة القبلية المسلحة التي شهدها الريف اليمني منذ عقد العشرينيات في حاشد والزرانيق والمقاطرة والضالع وريمة ومراد والبيضاء، وخولان …الخ، دليل قاطع على رفض سياسات الإمام التي يمثل نظام "الرهائن" أسوأ مظاهرها على الإطلاق.
ومنذ أوائل الأربعينيات اتخذ التعبير عن رفض نظام "الرهائن" من قبل بعض شيوخ القبائل منحاً جديدًا تمثّل في الخروج على سلطة الإمام من خلال الانضمام إلى صفوف المعارضة التي بدأت تتشكل - آنذاك - من مجموعة من المثقفين الذين نزحوا إلى مدينة عدن.
وحول طبيعة هذا النظام وتطبيقاته في العهد الملكي، ومدى إسهاماته في ترسيخ نفوذ سلطة الدولة المركزية على حساب مؤسسة القبيلة ونفوذها، فإن هذا النظام قد ساهم بدوره في زعزعة الأمن والاستقرار بسبب رفضه، ومقاومته من القوى القبلية كما أنَّ حركة المعارضة اليمنية عملت كل ما بوسعها على التشهير بهذا النظام من خلال صحفها وأدبياتها.
وتشير بعض الكتابات التي ألفها الرحالة العرب والأجانب الذين أتيحت لهم فرصة لزيارة اليمن في فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدها، إلى ما تكوّن لدى هؤلاء الرحالة من انطباعات متباينة تجاه السياسة المركزية المفرطة للنظام الإمامي الملكي، لكّن أهم ما تضمنته تلّك الكتابات من مواقف لا تخلو من الانتقادات إلى نظام "الرهائن" وفي مقدمتهم أمين الريحاني صاحب كتاب (ملوك العرب)، وسلفادور أبونتي في كتابه المترجم إلي العربية بعنوان (هذه هي اليمن السعيدة) و "هانز هولفريتز" في كتابه المترجم إلي العربية بعنوان (اليمن من الباب الخلفي)، ومنهم من برّر، ودافع عن النخبة الحاكمة وعلى رأسهم نزيه مؤيد العظم في كتابه (رحلة في بلاد العربية السعيدة) ومحمد حسن عضو البعثة العسكرية العراقية في كتابه (قلب اليمن) وغيرهم.
ومن جهةٍ أخرى، فإن الدراسات العلمية، خصوصاً تلك الأطروحات الأكاديمية التي تعرضت لنظام "الرهائن" في اليمن الحديث، لم تعطِ الموضوع حقه، فعلى سبيل المثال لا الحصر قدمت كل من دراسة فضل أبو غانم (البنية القبلية في اليمن بين الاستمرار والتغّير)، ودراسة سيد سالم (تكوين اليمن الحديث)، عرضاً عاماً لهذه الظاهرة التاريخية، وأهملت دراسة البيئة السياسية، التي تولّد عنها ذلك النظام، وكان تركيزًا على البعد التاريخي دونما التعمق في أثاره السياسية والاجتماعية والنفسية على ضحاياه، الذين لبث بعضهم سنوات خلف الأسوار ينتظرون الخلاص والعودة إلى أهلهم وذويهم.
لقد طبق هذا النظام على شريحة من السكان، وخاصة أبناء زعماء القبائل اليمنية، الذين اعتقلتهم السلطات الإمامية، لضمان ولاء ذويهم، وحرصت على إعادة تنشئتهم العقائدية السياسية على أسس ثقافية تدين بالولاء لشخص الإمام، ليتم إلحاقهم في مرحلة الشباب بالجهاز الإداري والجيشين الدفاعي والبراني.
المصدر: الندوات الخاصة بتاريخ اليمن الحديث والمعاصر"1920 – 1970م"، منتدى المؤرخ الحصيف، للعام 2019 – 2020م.