أبرز الأحداث التاريخية (لليمن الحديث والمعاصر)
من الفترة 1941 - 1945م
النهضة الثقافية في عدن 1941 - 1945 وتأثيرها على حركة الأحرار.
المقدمة:
تبنت صحيفة "فتاة الجزيرة" بقيادة لقمان وقدمت الدعم للمعارضة اليمنية منذ هروب الأحرار من الشمال عام 1944م، وفتح لهم أبواب الصحيفة للكتابة فيها، حتى تم الاتفاق على تأسيس "حزب الأحرار" كأول تنظيم سياسي يمني ينادي بالنهضة اليمنية والإصلاح.
- الأحداث التاريخية من عام 1941 – 1945م "النهضة الثقافية وتأثيرها على حركة الأحرار.
د. إسماعيل قحطان:
من يعتقد إنَّ النهضة الثقافية التي حدثت في عدن منذ مطلع العشرينيات حتى بلغت أوجها في الستينيات إنها بسبب البريطانيين أو بفضل منهم أو عن طريقهم وتمويلهم فهو مخطئ. فالنهضة في عدن نشأت من نشاط بعض الأُسر العدنية التي كانت أُسر ميسورة ماليًا وكانت تقوم بأرسال أبنائها إلى الخارج للدراسة فظهر منذ العشرينيات جيل من الشباب العدني المستنير. هذه الأُسر حملت على عاتقها هذه النهضة وسعت إلى تمويلها ورعايتها بمجهودها التام، ومن هذه الأُسر أسرة حسن علي (هكذا يكتب الأسم) أسرة لقمان، أسرة جرجرة، أسرة غانم، أسرة الأصنج، أسرة بازرعة إلى جانب أسر أخرى عديدة فعملت على إنشاء المدارس الحديثة لأبناء عدن وتعليمهم التعليم بطرقه الحديثة وكان محمد علي لقمان مدير أول مدرسة لأبناء عدن.
كما أنَّ أول مطبعة أهلية في عدن كانت بتمويل من هذه الأُسر فكانت أول دار نشر "فتاة الجزيرة" لآل لقمان، كما قامت هذه الأُسر بإنشاء الأندية والجمعيات الثقافية في عدن والتي كانت منارات تشع منها الثقافة والأدب والمنافسات الأدبية في مختلف الفنون.
إذًا فقد تولّت هذه الأُسر جوانب الثقافة المختلفة من تعليم وصحافة ونشر وأندية وجمعيات ثقافية وغيرها، وكانت هذه الأُسر هي التي تحتضن المثقفين اليمنيين الهاربين من ظلم الإمامة وتوفر لهم كل متطلبات الحياة في عدن.
إذًا عند الحديث عن حركة المعارضة اليمنية الشمالية المنظمة لابد أن نتحدث عن عدن التي احتضنت المعارضين لنظام الإمامة وأوتهم وقوّت شوكتهم، وعند الحديث عن حركة المعارضة اليمنية الشمالية في عدن لابد أن نتكلم عن "محمد علي لقمان" الذي كان راس تلك النهضة العدنية وقد وفر للأحرار المسكن والمطبعة والصحيفة والتمويل المالي والكفالة للإقامة في عدن.
وعند الحديث عن الحركة الدستورية في شمال اليمن والإمامة الدستورية لابد أن نتحدث عن "محمد علي لقمان" الذي كان أول من بدأ بطرح هذه الفكرة منذ 1930م، ونشر العديد من المقالات عن أهمية الدستور للحاكم وللشعب ومدى تأثر الشباب اليمني المثقف بأفكاره، وألف كتاب سماه قصة الدستور اللحجي.
وعند الحديث عن البعثات اليمنية المغادرة إلى الخارج أو الحديث عن سفر المثقفين اليمنيين إلى الخارج لابد أن نتكلم عن "محمد علي لقمان" الذي كان يستقبلهم ويشرف على إيوائهم في أماكن تتناسب معهم عند قدومهم من الشمال حتى يغادروا عدن إلى وجهاتهم أو عند عودتهم من الخارج حتى مغادرتهم نحو الشمال. فكانت غالبية البعثات الطلابية تذهب من الشمال إلى عدن فكان لقمان من يتلقاها ويرتب لها كل الإجراءات كما حدث مع البعثة التي سافر فيها "السلال" إلى العراق أو عند عودتهم من العراق 1938م، وكذلك عند سفر "أحمد محمد نعمان" إلى القاهرة للدراسة ومثله الزبيري وآخرون كثر.
كان "محمد علي لقمان" المحامي يمثل راس الشعلة الثقافية في عدن وله أعمال ثقافية عديدة منها -:
▪ في 1923 ترأس نادي الأدب العربي الذي أسسه الأمير أحمد فضل القمندان.
▪ وفي 1929م ساهم في تأسيس بعض نوادي الإصلاح العربية والإسلامية في عدن.
▪ وفي 1932م أصدر كتابه القيم (بماذا تقدم الغربيون).
▪ وفي 1939م أنشئ مخيم "أبي الطيب" الذي كان يجمع أدباء اليمن من أقصاه إلى أقصاه، وكان الأحرار الهاربين من الحكم المتوكلي من بين هؤلاء الأدباء المساهمين فيه.
▪ وفي يناير 1940 أصدر محمد علي لقمان المحامي أول عدد من صحيفته "فتاة الجزيرة" هذه الصحيفة التي أصبحت منبرًا ثقافيًا وفكريًا لكافة المثقفين اليمنيين الشماليين والجنوبيين على قدم المساواة دون تمييز. لم يتحدث لقمان في يومٍ ما إِنَّ أبناء الشمال ليسوا من أبناء عدن فلا يحق لهم الكتابة في هذه الصحيفة بل إنه فتحها لكل من أراد النشر.
كانت المواضيع التي تطرق لها لقمان في كتاباته تتحدث عن الحرية – الدستور – القوانين – الدولة الحديثة – التعليم – تعليم البنات (ندوة لقمان 300)، وعن دار الجزيرة للطباعة والنشر صدرت صحيفة "صوت اليمن" التابعة لحركة الأحرار الشمالية قبل أن يمتلكوا مطبعتهم الخاصة.
في مطلع الأربعينيات استقبل لقمان الشيخ "مطيع دماج" هاربًا من الشمال وفتح له أبواب صحيفة "فتاة الجزيرة" يكتب فيها ما يشاء، وفي 4 يونيو 1944م استقبل لقمان كلا من أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري، ثمّ بعدهم بفترة وجيزة استقبل الموشكي والشامي وأبو راس. في يوليو 1944م احتضنت مدينة "التواهي" في مستعمرة عدن اجتماعًا سريًا جمع محمد لقمان بمجموعة الأحرار الهاربين من حكم الإمام يحيى إلى عدن وهم أحمد نعمان، محمد الزبيري، والشيخ القوسي، والشيخ مطيع دماج، وزيد الموشكي، وأحمد الشامي، ومحمد حسن أبو راس، وعقيل عثمان، وعبد الله ناجي الأغبري. وتَّم في هذا الاجتماع الاتفاق على تأسيس "حزب الأحرار."
ونحن في هذا الاستعراض لا يمكن أن ننسى أنَّ أول تنظيم سياسي يمني ينادي بالنهضة اليمنية والإصلاح ظهر للعلن كان "الكتيبة الأولى" والتي تأسست في مصر في 28 سبتمبر 1940م. لكن ما ميز هذه الكتيبة أو التنظيم أنها كانت من أبناء اليمن شماله وجنوبه من الطلبة الدارسين في مصر (محمد الزبيري – أحمد نعمان – محمد الجفري – أحمد الجفري – محمد صالح المسمري وآخرون).
إذًا فقد كانت مدينة عدن حاضنة للأحرار ومحمد علي لقمان ضامنًا لهم وكان يقول للأحرار " اعتمدوا عليّ في جميع حاجاتكم ". كما أنَّ توجه الطبقة المثقفة كان توجهًا وحدويًا خاصةً من أبناء عدن والجنوب الذين لم يبخلوا بشيءٍ على أبناء الشمال الهاربين من ظلم الحاكم المستبد (الحاكم بأمر الله والمدعي للقداسة).
المصدر: منتدى المؤرخ الحصيف، الندوات الخاصة بتاريخ اليمن الحديث والمعاصر"1920 – 1970م"، للعام 2019 – 2020م.