صهريج المنارة.. شاهد على براعة هندسة الدولة الموحدية

صهريج المنارة.. شاهد على براعة هندسة الدولة الموحدية

يعد صهريج المنارة الضخم والحدائق المحيطة به من أهم الأثار الشاهدة على الدولة الموحدية التي حكمت المغرب الأقصى في الفترة الممتدة ما بين عاميّ 1125 و 1269م.

وقد تم بناء هذا الصهريج بأمر من السلطان الموحدي عبد المومن بن علي الكُومي (1094 – 1163م).

عبد المومن بن علي الكُومي:

صهريج المنارة – ولد عبد المومن بن علي الكومي في منطقة تهنين (نواحي منطقة تلمسان الجزائرية حاليًا ) والواقعة في الشمال الغربي للمغرب الأوسط.

وقد التقى الكومي بزعيم الموحدين المهدي بن تومرت (1077م – 1130م) فأعجب عبد المومن به وبغزارة علمه وقدرته على حشد الأتباع والمؤيدين، فلزمه ودرس على يديه.

وبعد وفاة ابن تومرت؛ تولى عبد المومن زعامة الموحدين وحكم الدولة، وقد امتدت فترته حكمه ثلاثين سنة بدءا من سنة 1133م وحتى وافته المنية بمدينة سلا 1163م.

وتعد فترة حكم عبد المومن بن علي الكومي من أزهى فترات الدولة الموحدية خاصة والمغرب الأقصى عامة، حيث استطاع بسط سيطرته على كامل تراب المغرب الأقصى إضافة إلى الأندلس.

كما قام بوضع الأسس الإدارية للدولة وإصلاح الجيش وفرض إجبارية التعليم، والاهتمام بالعلم والعمران.

ولعل من أهم الشواهد الدالة على ذلك؛ هي تشييده لصهريج لمنارة والحدائق المحيطة به.

وتتميز مدينة مراكش بمناخها القاسي الذي يتسم بانخفاض درجة الحرارة في فصل الشتاء وبارتفاعها في فصل الصيف مع قلة التساقط المطري وعدم انتظامه، هذا فضلا عن هبوب رياح الشركي (الشرقي) التي تزيد من حدة الجفاف.

هذا الأمر؛ دفع بالسلطان عبد المومن بن علي إلى التفكير في تشييد صهريج يضمن توفير حاجيات المدينة من المياه من جهة، وغرس حدائق خضراء  في هذا الفضاء شبه القاحل من أجل التخفيف من قساوة المناخ، من جهة ثانية.

وقد تم تشييد صهريج المنارة سنة 1157م من طرف الحاج يعيش المالقي الذي كان من علماء القرن 6هـ/ 12م، والذي عرف عنه تميزه ومعرفته الكبيرة بأصول الهندسة.

 أما بالنسبة للصهريج؛ فأبعاده تفوق 150 مترًا في العرض و 200 مترًا في الطول.

وأما عمقه؛ فهو ما بين مترين و ثلاثة أمتار.

وكان هذا الصهريج الضخم يقوم بتأدية مجموعة من الخدمات، من بينها تلبية حاجات العاصمة مراكش من الموارد المائية، إضافة إلى توفير مياه السقي للحدائق المحيطة به، والتي امتدت على مساحة تتجاوز 100 هكتارا ضم عددا كبيرا من أشجار الزيتون.

هذا وقد ساهم هذا الصهريج في تزايد مساحة البساتين المغروسة والمناطق الخضراء التي كان الخلفاء الموحدون يتنافسون في إنشائها.

وكان يطلق على البساتين خلال هذه الفترة اسم “البحائر” نظرًا لكثرتها وعظمتها، وقد كانت بمثابة متنفس كبير للسلاطين وعائلاتهم ولسكان المدينة عمومًا.

وأما فيما يخض مياه الصهريج؛ فكانت تجلب من الأودية المنسابة من جبل درن قرب مدينة مراكش (سلسلة جبال الأطلس الكبير) بواسطة تقنية المجاري الجوفية أو ما يسمى الخطارات.

وإضافة إلى وظيفة توفير الحاجيات الضرورية من المياه؛ فقد كان الصهريج يوفر خدمة أخرى خاصة للجيش.

فقد كان يتم استثماره من أجل تدريب جنود الجيش الموحدي على السباحة بهدف المشاركة في الحروب والجهاد والتصدي للقوى المسيحية في الأندلس، وكذلك من أجل حماية السواحل المغربية من أي تهديد خارجي.

ترميم وتطوير المكان في القرن 19 م:

صهريج المنارة – لم يقتصر الاهتمام بحدائق المنارة على العصر الموحدي فقط، بل زاد الاهتمام بها في القرن 19م خاصة في عصر السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الرحمان (1810 م – 1873 م).

فقد أصدر السلطان أوامره بإعادة غرس الأشجار التي دمرتها بعض الحروب، وبإعادة ترميم وتنظيف الصهريج من الوحل الذي يملأه، كما قام بإنشاء مركز للمراقبة وحظيرة لتحسين نسل الجياد وتكثير نوعها.

عناية بأدق تفاصيل المعمار وجمالياته

كما قام السلطان محمد بن عبد الرحمان بتشييد المقصورة الموجود داخل الحدائق والمعروفة بالمنارة سنة 1870م، والتي كانت مقر إقامة سلطاني مؤقت وبمثابة مقصورة لمحظيات السلطان.

وتتكون هذه المقصورة من طابق سفلي يصلح للاستعمال المنزلي كان يقيم فيه الخدم، وطابق آخر علوي بمثابة شرفة كبيرة تطل على الصهريج خاصة بنساء السلطان.

ويتميز بناؤها بوجود جدران سميكة بزوايا متماثلة، تعلوها قبة هرمية تمت زخرفتها بقرميد أخضر اللون.

الخلاصة:

ختامًا؛ إذا كان الموحدون هم أول من بتأسيس نواة صهريج المنارة وحدائقها، فإن السعديين هم من قام بوضع الشكل الحالي لحدائق المنارة خلال القرن 17م زمن حكم السلطان السعدي زيدان (1500 – 1627 م).

ويعتبر السلطان المذكور هو من قام بإحاطة الحدائق بسور وببناء مقر سلطاني مؤقت، بينما عمل السلاطين العلويون على إعادة الترميم والتشجير في فترات لاحقة من القرن 19م .


المصدر: taree5com.

 

التعليقات (0)