المسجد العمري الكبير في بيروت.. شاهد على مختلف العصور

المسجد العمري الكبير في بيروت.. شاهد على مختلف العصور

توطئة:

يعتبر المسجد العمري الكبير من أكبر المساجد في لبنان، وشاهداً على الكثير من الأحداث التاريخ المختلفة، وقد تباينت الأبحاث في أصله، فبعضهم يقول إنه كان كنيسة في الأصل، بينما يرجح الرأي الآخر على أنه كان معبداً وثنياً ثم مسجداً أُسس في عهد الخلفية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتعرض للعديد من التحولات بعد ذلك كحصنٍ وكنيسة حتى عاد مسجداً، وعلى كل حال فهو مسجدٌ مميزٌ جداً وله أهمية كبيرة، لنتعرف عليه أكثر

مشهد بانورامي لمدينة بيروت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر – مكتبة الكونغرس

تاريخ بناء المسجد العمري الكبير في بيروت:

كان المسجد العمري في الأصل معبداً وثنياً لعبادة الشمس، ليتحول إلى كنيسةٍ في عهد البيزنطيين ومن ثم إلى مسجدٍ بعد الفتح الإسلامي لمدينة صيدا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسُمي المسجد باسمه تيمناً به، وبعد أن تحول المسجد إلى كنيسة في العهد الصليبي جاء السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى مدينة بيروت وحررها سنة 1187م، ليعيد الجامع العمري الكبير مسجداً كما السابق، ولكن الصليبيين قد احتلوه من جديد بعد عشرة أعوام وحوّلوه إلى كاتدرائية ليستعيده المسلمون في عهد المماليك من جديد على يد الأمير سنجر الشجاعي مولى الملك الأشرف خليل ابن السلطان محمد بن قلاوون في سنة 590هـ/ 1291م، وقد أجرى بعض التغييرات وأدخل بعض الإضافات إليه ليعيده مسجداً كما كان.

الرأي الآخر للباحثين؛ يقول بأنه كان كنيسةً صليبية تأسست بين الأعوام 1113 و1150م، حتى أتى السلطان صلاح الدين الأيوبي ليحولها إلى مسجد ومن ثم كما ذكرنا سابقاً، وما زالت آثار المسجد القديم موجودة أسفل المبنى الحالي للجامع من جهته الشمالية، وكانت قواعده مطمورة بالمياه في السابق حتى تم اكتشافها منذ خمسين عاماً.

تسمية المسجد:

أُطلق على المسجد اسم جامع فتوح الإسلام وجامع التوبة، وسُمي بجامع النبي يحيى أيضاً لقول البعض أن جزءً من جسد النبي يحيى عليه السلام موجودة داخل المسجد، وهناك قفصٌ حديدي عليه أقامه السلطان عبد الحميد سنة 1305م وهو موجودٌ حتى هذا اليوم.

مر المسجد بعدة مراحل تطوير خلال الزمان حتى يومنا هذا حيث تم تجديده عام 1363م من قبل حاكم بيروت زين الدين عبد الرحمن البعوني، وقد أدخل عليه بعضاً من الفن الإسلامي في البناء والهندسة، كما تم ترميمه في العهد العثماني على عدة مراحل أيضاً، وتم إنشاء المئذنة على يد موسى بن الزيني في عهد الأمير الناصر محمد بن الحنش، وأضيفت عدة غرفٍ له من قبل عبد الله بن الشيخ إبراهيم الخطيب، كما تم إنشاء الصحن الخارجي عام 1770م من قبل حاكم بيروت أحمد باشا الجزار مع إصلاح وتزيين ضريح النبي يحيى عليه السلام من قبل والي بيروت نصوحي بك في عام 1887م، وتم ترميم المسجد عام 1894م مع تثبيت لوحة رخامية مؤرخة لهذا الحدث.

موقع مسجد العمري الكبير وتصميم البناء:

يقع المسجد العمري الكبير في مدينة بيروت وسط حي بيروت التجاري في لبنان وهو من أكبر جوامعها، تبلغ مساحته 3500 متر مربع بشكلٍ إجمالي بينما تبلغ مساحة بنائه 1800 متراً مربعاً، ويتألف من حرم المسجد، والباحة الخارجية، والمدرسة العمرية.

للحرم ثلاثة أبوابٍ ضخمة وخشبية تصل إلى البهو وفي وسطه منبرٌ رخامي، ويقع المحراب على يمين المنبر بنقش اسم الجلالة (الله) فوقه، ويضم محراباً آخر في جهته اليسرى ووعليه نقش الآية الكريمة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ).

معمار ملفت:

ويتميز المسجد بقبابه الدائرية الثلاث والتي تحملها مثلثات كروية في الأركان، وهي من مظاهر العمارة العثمانية، ومئذنته من الحجارة الرملية وقد بُنيت عام 1508م في عهد الأمير الناصر محمد بن الحنش، وهي ذو مسقطٍ مربع في داخلها سلم دائري، وعلى جدارها الجنوبي فتحاتٌ ضيقة مستطيلة، وقد أُضيف مئذنة ثانية في وقتٍ لاحق مشابهة للأولى لكنها أعلى وأكبر، ويضم الصحن ميضأة حديثة وجديدة تم وضعها مكان حوض الماء والبركة القديمة التي كانت موجودة سابقاً، ويمكن رؤية نمط العمارة الرومانية في الأعمدة الغرانيتية التي تم إدخالها في ممر الباحة الخارجية، وقد تم العثور على هذه الأعمدة خلال عملية الترميم الأخيرة، ويمكن الدخول للجامع العمري الكبير من عدة مداخل فُتحت لتسهيل دخول الناس، حيث يطل الباب الرئيسي على سوق العطارين، والثاني على سوق الحدادين، بينما فُتح الباب الأخير ليطل على شارع ويغان، وهذا الشارع الذي يضم الترامواي الكهربائي.

كما يضم المسجد العمري الكبير أقدم قاعةٍ في بيروتٍ تحته، كانت تُستعمل لتخزين ماء الوضوء وهي مبنية من الحجر الرملي وتتألف من أعمدة من الغرانيت وأقواسٍ معقودة، وقد تمت محاولة فتحها سابقاً في عام 1956م إلا أن المحاولة باءت بالفشل حيث كان ذلك صعباً جداً بسبب وضعها السيء، حتى عام 1998م عندما فُتحت بنجاحٍ وتم تنظيفها لتتحول إلى مسجدٍ في ومكتبة وقاعاتٍ للمحاضرات بالإضافة إلى متحفٍ إسلامي، مع تجهيز مكانٍ للوضوء بها، وبما أنها كانت مغلقةً في السابق وهي قديمة جداً فقد تم العثور على العديد من الآثار التاريخية التي تم وضعها في المتحف الإسلامي.

المسحد العمري مطلع القرن العشرين – صفحة مساجد لبنان

المسجد العمري الكبير في عصرنا الحالي:

صدر مرسومٌ جمهوري عام 1936م يقضي بأن يكون الجامع من الأبنية الأثرية، وقد حصل على بعض الترميمات بين عامي 1949 و1952م من قبل مديرية الأوقاف الإسلامية والمديرية العامة للآثار، فتم بناء المدخل الرئيسي من الجهة الغربية على الطراز الغربي، وقام الفنان علي العريس بتزيينه بالنقوش بأشكال نباتية سوداء اللون.

وقد كان المسجد الرئيسي في مدينة بيروت وتُقام فيه أهم الاحتفالات الدينية لتي كان يشارك بها أكبر الشخصيات، حتى وقعت الحرب اللبنانية عام 1974م ليتعرض المسجد للأضرار خاصةً عندما تمت سرقته، وبعد انتهاء الحرب تمت إعادة ترميمه وتوسيعه بتقنياتٍ وطرق حديثة مع الحفاظ على طابعه الإسلامي وكان ذلك من قبل متبرعة من دولة الكويت السيدة سعاد حمد الحميضي، وأثناء هذه العملية تم اكتشاف الطابق السفلي، حتى افتتح الجامع عام 2004م.


(المصدر: taree5com).

التعليقات (0)