المعتمد بن عباد.. آخر ملوك الدولة العبادية
اسمه ونسبه:
المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن الظافر المؤيد بالله أبي القاسم محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوليد إسماعيل بن قريش بن عباد، أبو القاسم اللخمي، صاحب قرطبة وإشبيلية وما حولهما من جزيرة الأندلس، آخر ملوك الدولة العبادية، وُلِدَ في باجة بالأندلس سنة 431هـ.
المعتمد بن عباد.. منزلته ومكانته وسلطانه:
يعتبر أحد أفراد الدهر شجاعةً وحزماً وضبطاً للأمور، تولى إشبيلية بعد وفاة أبيه سنة 461هـ، وهو في الثلاثين من عمره، وأصبح ملكاً على قرطبة وكثيراً من المملكة الأندلسية، واتسع سلطانه الى أن بلغ مدينة مُرْسِيَّة -التي كانت تعرف بتُدْمير-.
أصبح محط الرحال، يقصده العلماء والشعراء والأمراء من كل مكان، وما اجتمع في باب أحد من ملوك عصره ما كان يجتمع في بابه من أعيان الأدب.
بقي في صفاء وازدهار إلى سنة 478هـ، وفيها استولى ملك الروم الأَذْفونش ألفونس السادس على طُلَيْطِلَةَ، وكان ملوك الطوائف وكبيرهم المعتمد بن عباد يؤدون للأَذْفونش ضريبة سنوية، فلما ملك طُلَيْطِلَةَ ردَّ ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يهدده ويدعوه إلى النزول له عما في يده من الحصون، فكتب المعتمد إلى يوسف بن تاشفين صاحب مَرَّاكُش يستنجده، وإلى ملوك الأندلس يستثير عزائمهم، فنشبت سنة 479هـ المعركة المعروفة بوقعة الزَّلاَّقَة، فانهزم الأَذْفونش ألفونس السادس بعد أن أُبِيْد أكثر عساكره.
وثبت المعتمد في ذلك اليوم ثباتاً عظيماً، وأصابه عدة جراحات في وجهه وبدنه وشهد له الجميع بالشجاعة، وعاد ابن تاشفين بعد ذلك إلى مَرَّاكُش، وقد أُعْجِبَ بما رأى في بلاد الأندلس من حضارة وعمران، وزارها بعد عام، فأحسن المعتمد استقباله، وعاد، وثارت فتنة في قرطبة سنة 483هـ قُتِلَ فيها ابن المعتمد، وفتنة ثانية في إشبيلية أطفأ المعتمد نارها، فخمدت.
ثم اتقدت، وظهر من ورائها جيش يقوده سير بن أبي بكر الأندلسي من قوَّاد جيش ابن تاشفين، وحُوصِر المعتمد في إشبيلية، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يُسْمَع بمثله، واستولى الفزع على أهل إشبيلية، وتفرَّقت جموع المعتمد، وقُتِلَ ولداه المأمون والراضي، وفُتَّ في عضده، فأدركته الخيل، فدخل القصر، مستسلماً للأسر سنة 484هـ، وحُمِلَ مقيداً مع أهله على سفينة، وأُدْخِل على ابن تاشفين في مَرَّاكُش، فأمر بإرساله ومن معه إلى أَغْمَاتَ، وهي بلدة صغيرة وراء مَرَّاكُش، وبقي في أَغْمَاتَ إلى أن مات.
المعتمد بن عباد – شعره:
كان المعتمد بن عباد فصيحاً شاعراً وكاتباً مترسلاً، بديع التوقيع، له ديوان شعر، قال ابن بسام الشنتريني: “كان متمسكاً من الأدب بسبب، وضارباً في العلم بسهم، وله شعر كما انشق الكمام عن الزهر، لو صدر مثله عمن جعل الشعر صناعة، واتَّخذه بضاعة، لكان رائعاً معجباً، ونادراً مستغرباً، فما ظنك برجلٍ لا يجد إلا راثياً، ولا يجيد إلا عابثاً، وهو مع ذلك يرمي فيصيب، ويهمي فيصوب”، ومن ذلك قوله:
وعزم المعتمد على إرسال حظاياه من قرطبة إلى إشبيلية، فخرج معهن يشيعهن، فسايرهن من أول الليل إلى الصبح، فودعهن ورجع وأنشد أبياتاً من جملتها:
وله أيضاً:
ما قيل فيه:
قال أبو الحسن علي بن القطاع السعدي عن المعتمد بن عباد: “أندى ملوك الأندلس راحةً، وأرحبهم ساحةً، وأعظمهم ثماداً، وأرفعهم عماداً؛ ولذلك كانت حضرته ملقى الرحال، وموسم الشعراء، وقبلة الآمال ومألف الفضلاء، حتى إنه لم يجتمع بباب أحد من ملوك عصره من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء ما كان يجتمع ببابه، وتشتمل عليه حاشيتا جنابه”.
وقال ابن الأبَّار: “كان المعتمد من الملوك الفضلاء، والشجعان العقلاء، والأجواد الأسخياء المأمونين، عفيف السيف والذيل، مخالفاً لأبيه في القهر والسفك، والأخذ بأدنى سعاية، رد جماعة ممن نفى أبوه، وسكن وما نفر، وأحسن السيرة، وملك فأسجح، إلا أنه كان مولعاً بالخمر، منغمساً في اللذات، عاكفاً على البطالة، مخلداً إلى الراحة، فكان ذلك سبب عطبه، وأصل هلاكه”.
وقال المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان: “خاض المعتمد مثل أبيه، سلسلة طويلة من الحروب والأحداث، وتقلب في غمار الخطوب والجدود، وكان عهده عهد الحسم في تاريخ دول الطوائف، وفي تاريخ الأندلس قاطبة؛ ولكنه لم يشتهر في ميدان الحرب والسياسة، قدر ما اشتهر في ميدان الأدب والشعر، والفروسية، والجود، ومهما كانت وجوه الضعف الشخصية التي كان ينطوي عليها، من عكوف على الشراب، وانغماس في مجالي اللهو والترف، ومهما كانت أخطاؤه السياسية الفادحة، التي ترتبت عليها محنة الأندلس، ثم محنته الخاصة: مهما كان من هذه الصفات القاتمة فإن شخصية المعتمد بن عباد، تبرز لنا من خلال هذه الغمار، ومن الناحية الأخرى، مشرقة وضاءة، تُتَوِّجها عبقريته الأدبية والشعرية، وتزينها صفاته الإنسانية الرقيقة وتطبعها محنته المؤلمة -بالرغم من كل أوزاره وأخطائه- بطابع الاستشهاد المؤثر”.
وفاته:
توفي المعتمد بن عباد في أغمات سنة 488هـ، وللشعراء في اعتقاله وزوال ملكه قصائد كثيرة.
المصادر:
- الأعلام (6/181).
- دولة الإسلام في الأندلس (2/59).
- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (3/41).
- سير أعلام النبلاء (19/58/رقم 35).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (5/161).
- وفيات الأعيان (5/21/رقم 686).
(taree5com.com)