ملتقى المؤرخين اليمنيين
حلقة النقاش المفتوح بعنوان:
"لِمّاذا تتـكّرر دورات العنـف فـي اليـمن".
26 صفر 1444هـ / 22 سبتمبر 2022م
ضيف الحلقة: د. محمود عـلي مـحسن السالمي.
مدير الحلقة: ا. أروى ثابت.
د. محمود السالمي:
نعم. اتفق معكِ أن القبيلة في اليمن تشكّل واحدًا من أهم عوامل العنف والصراع وضعف الدولة، لكن من صنع القبيلة وزاد من تأثيرها ظروف اليمن الطبيعية والسياسية، كل السلطات حتى التي أتت بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، عملت على زيادة نفوذ القبيلة وجعلتها موازية للدولة، ورأينا كيف كانت تحل المشاكل السياسية بالتحكيم القبلي، وكيف كانت تذبح الأثوار أمام دار الرئاسة ومجلس النواب - ما يعني باختصار - ساهمت سلطة الثورة في زيادة نفوذ القبيلة وعصبيتها وهذا زاد من فرص العنف.
ا. د. ناجي محمد سعيد:
يمكن القول - أنَّ الدولة كانت ديكور لسلطة القبيلة ومازالت حتى اليوم بالإضافة إلى ارتباط الأطراف الداخلية بأجندات إقليمية ساهموا ومازالت تدْعم الأطراف الداخلية من أن تحافظ على الولاء لها، وبذلك لن ترسخ مداميك الدولة إِلاَّ عند الخروج من عباءة الإقليم الذي مازال يسيطر على الدولة منذ ثورة سبتمبر 1962م.
د. محمود السالمي:
اتفق معك زميلي ا. د. ناجي محمد.
د. أريكا أحمد صالح:
إِنَّ غياب العدالة الاجتماعية بالإضافة إلى توزيع الثروات أدي إلى خلق ظاهرة العنف وتغذيتها.
د. سعيد القميري:
منذ الثاني والعشرين مايو ١٩٩٠م، وجميع أبناء اليمن تزداد حالتهم سوءًا فوق سوء، يفتقرون لأبسط الإمكانات التي كان من الأحرى بها أن تقيم دولة لأمة يمنية عاشقة وطامحة لوطن يكون في مصافي تلك الدول العريقة. ليس من العيب أن نبقى في وحدة تشوبها الكثير من الأخطاء، ولكن من العيب أن نستمر في تلك الوحدة المغدور بها التي أفسدت لنا أحلامنا، وصرنا بموجبها متخاصمين، ومتمسكين بأوهام لم ولن يحققها لنا واقعنا المزري الذي نعيشه الآن.
سؤالي: هل بالإمكان تصحيح تلك الوحدة ووضع لها أسس واستراتيجيات تضمن بقاءها، وتنهض بوطنها؟ أو أن خيّار الدولتين المتجاورتين هو الأنسب للقضاء على العنف المستمر في اليمن.
د. محمود السالمي:
الوحدة الوطنية لم تعاني من التعثر فقط بين الشمال والجنوب بل وداخل كل شطر، الجنوب كانت تنخره المناطقية والشمال القبلية والمذهبية.
نعم. هناك إمكانية لتصحيح وضع الوحدة بمفهومه العام لكن على يد قوى وعناصر وطنية وليس قبليه أو مناطقة أو مذهبية. عمومًا موضوعنا عن أسباب العنف في اليمن فنتمنى أن نرى أسباب جديده من الزملاء.
أ. أمل السبلاني:
● مداخلة.
إِنَّ تكرار دورات العنف والحروب التي تشهدها اليمن يدل على الاختلالات العميقة والمتجذرة في بنيته الاِجتماعية والاِقتصادية، التي امتدت على مدى عقود طويلة، وظهرت آثارها بشكٍل خاص بعد حرب الخليج، واعتبار دول مجلس التعاون الخليجي اليمن تهديدًا ديمغرافيًا لها، وقيام السعودية بطرد أكثر من مليون مهاجر، والذي سبب أزمة اِقتصادية حادة، وصراعات أهلية وإقليمية؛ نتيجة عودة المهاجرين بشكٍل مفاجئ، وغياب التخطيط، وضعف البنية التحتية، وتزايد مستوى الفقر، واِنخفاض مستوى العدالة، وعدم تلبية وإشباع الحاجات الأساسية للسكان.
وإلى جانب الاختلالات نرى أن هناك أيضًا عدة عوامل ساهمت في تكرار دورات العنف والحروب في اليمن، هي: -
- العنف السياسي الذي ظهر في عدة فترات وتحولات شهدتها اليمن - سواء في ظل النظام الملكي أو الجمهوري - والذي أفرّز عنفًا مضادًا، ظهر في أساليب المعارضة السياسية، والاحتجاجات، والاضطرابات، وصولاً إلى الثورة وما رافقها من عنف وقسوة، فـ "الدم يورث الدم"، وتكراره يفقد طاقته على الإثارة، وذلك كما أشار إليه شكسبير في مسرحيته مكبث [Macbeth[.
- ونذكر هنا عامل هام أشار إليه "صالح البيضاني" في كتابه باب الردى (قصة الحرب في اليمن)، وهو أن النظام الجمهوري الذي امتدّ من 1962 إلى 2014م، عجز عن محو الآثار العميقة التي خلفتها الإمامة، بسبب النزاعات المستمرة طيلة فترة الجمهورية، ومشاركة القادة الملكيين بعد ذلك في إدارة الدولة، فضلاً عن ذلك عدم وصول مظاهر الثورة والنظام الجمهوري إلى عمق مناطق النفوذ الزيدي في أقصى الشمال.
- فشل الوحدة، لعدم قيامها على أسس صحيحة، ولعشوائيتها، وفقدانها لاستراتيجية واضحة، فعجزت عن حل التناقضات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية الحادة في اليمن، ومثلّث حرب 1994م، والنزاعات المسلحة الأخرى التي مازال بعضها قائمًا حتى اليوم أحد مظاهر ذلك العجز، يرى "مايكل هدسن" في مقال له بعنوان "مأساة اليمن: مشاهد الانزلاق نحو حرب أهلية"، أن وحدة اليمن تمت في الشكل لا في الوظيفة والأداء، ودلل على ذلك في مقال آخر - الثنائية والحسابات العقلانية والحرب في اليمن - أن الانتخابات البرلمانية، والدستور، والمؤسسات التشريعية لم تؤدِ إلى فضّ النزاعات السياسية والاِجتماعية بالسبل السلمية.
- تحكيم اليمن للأطراف الخارجية في أمورها، ولو كان الطرف عدوًا.
المراجع:
[1]. البيضاني، صالح: باب الردى (قصة الحرب في اليمن)، ط1، دار نشر عناوين، القاهرة،2021.
[2]. حسن يوسف، يوسف: أيدولوجيات الحياة السياسية في الدول النامية. مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، 2016.
[3]. الحيدري، ابراهيم: سوسيولوجيا العنف والإرهاب، دار الساقي - بيروت، 2017.
د. محمود السالمي:
النظام الجمهورية تعايش مع النظام القبلي بل ودعم القبلي، وأصبح الشيخ عبد الله حسين شيخ مشائخ اليمن وشيخ الرؤساء وهو من كان يختارهم.
د. عبد الناصر البطاطي:
صحيح، أن العوامل الجغرافية والتركيب الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية بالإضافة الى الطموح في السيطرة أسباب في خلق وتأجيج الصراعات، لكن لا يمكن أن نغفل مسألة الجهل فالتعليم والمعرفة هي من روادع ومثبطات العنف.
سؤالي: هل هناك نظرة شاملة ومركزة حول مسألة النهوض العلمي بصورة جذرية؟ نريد أن نعرف وجهة نظر الأخ العزيز البروف/ محمود حول تصوره عن هذا المحور.
د. محمود السالمي:
ما في شك أنه كلّما زاد التخلف والجهل كلّما زاد العنف، وكلّما زاد التعليم والتقدم تراجع العنف، وهذا في العالم كله فأكثر البلدان التي تطحنها الصراعات والعنف هي البلدان المتخلفة، لكن يظل الوضع الجغرافي الداخلي له دوره في العنف حتى في حال التخلف.
د. أحمد المصري:
شكرًا جزيلاً دكتور/ محمود السالمي على هذا العرض الرائع.
سؤالي: هل يميل الإنسان اليمني بطبيعته للعنف؟ بمعنى أخر إلى أي مدى لعبت شخصية الإنسان اليمني دورًا في تعزيز ثقافة العنف أو تبني العنف في تسوية مشاكله؟
د. محمود السالمي:
الظروف الطبيعية الصعبة والفقر وغياب الحكم العادل جعله يميل للعنف والتنافس والتزاحم مع الآخرين.
د. أحمد المصري:
السلاح - مثلًا - يعتبر جزء من شخصية الإنسان اليمني على امتداد الساحة من صعدة حتى المهرة. الجنبية والبندقية والخنجر مُلازمة للشخصية اليمنية - أعني هنا - أنَّ السلاح ارتبط بشخصية اليمني حتى في زينته.
د. محمود السالمي:
بالطبع "لا"؛ وإنما بحسب ظروف المنطقة الجغرافية، سكان الحبال الوعرة والصحاري القاسية هم أكثر ميلًا للعنف.
د. عبد الناصر البطاطي:
صحيح. لكنها تظل مشكلة تؤرق كل الناس لأن شرها أكثر من خيرها.
د. أريكا أحمد صالح:
وهذا ما تحدث عنه "ابن خلدون" في تأثير التضاريس على طبيعة السكان، وإن المنطقة القاسية تخلق شعب ذو طبيعة قاسية.
د. محمود السالمي:
صحيح. لاسِيمّا في غياب الحكم العادل.
أ. عبد الوارث العلقمي:
شكرًا دكتور/ محمود على ما طرحته. أوافقك الرأي في غالبية ما تفضلت به من عوامل إن لم تكّ جميعها، ولكن يدور في خاطري قضية أو عامل العصبية وهو ما ذكرته النظرية الخلدونية في قيام الدول عظيمة الملك عريضة الاستيلاء. بأن لابد من أن توفر قاعدة العصبية القبلية المستندة على مرجعية دينية فكرية ... الخ
سؤالي: هل هذه النظرية تتعارض مع مفهوم الحكم الوطني الذي ننشده بعيدًا عن العصبيات القبلية والمذهبية والإيديولوجية ...الخ، وهو ما نعتبره أيضًا عاملاً من عوامل تكرار دورات العنف في اليمن؟
د. محمود السالمي:
لم أطلع بعمق حول ما كتبه "ابن خلدون"، لكن أظن أنّه يقصد عصبية أو عقيدة جامعة للناس، ولا يقصد عصبيات قبلية تفتتهم – مثلًا - شكلّت العصبية أو العقيدة الإسلامية عامل مهم في توحيد قبائل الجزيرة العربية، ومن ثمَّ قيام دولة الخلافة الكبرى. العصبيات الداخلية تفتت ولا تجمع.
د. ناجي الكثيري:
بدايةً تحية للدكتور/ محمود السالمي على ما تفضل به من معلومات مفيدة لإثراء جانب المعرفة التاريخية عن موضوع حلقة النقاش في ذكر اليمن بالعنوان الموسوم "لِمّاذا تتكّرر دورات العنف في اليمن".
ماذا عن حدود الجغرافيا الدالة على مسمى (اليمن) والتي شهدت تكرارًا لدورات العنف؟
دورات العنف جعلت من البلاد مقبرة لأهلها، أما الغزاة فكانت لهم مقابرهم وبعد أن حكموا رحلوا ولم يتبقى من أثر لهم إِلاَّ بقايا ملامح المصاهرة بالبشرة والأنف ومسافة القامة؛ لذلك يمثَّل ما حصل من تكرار لدورات العنف بين السلطات القبلية بالبلاد بمسمياتها التنفيذية والحزبية والجهوية، إنما هو تأصيل حقيقي لنزعة الإعتداء على الغير لنهب السلطة قسرًا أو قضم وضّم لأراضي الغير بإسم الوطن المسلوب، تمَّ تأصيل هذا في الثقافة القبلية العشائرية حتى تجذر الأمر وصار من الغايات المرجوة للحاكم المحلي الظالم وللحاكم بالإدارة القبلية المركزية الظالمة، وذهبت جموع القبائل المحكومة بالولاء بإتجاه ترسيخ هذه النزعة المقيتة، وتبين لاحقًا إِنّه لا خير في ملكية وإمامة عائلية سادت ولا خير في جمهورية خاوية للاستهلاك الأيديولوجي مضت.
تلّك الدورات للعنف والتي مازالت تنتعش في زوايا البلاد حتى حاضر اليوم، تعود إلى خلل أخلاقي بالسلوك القبلي السياسي طالما ظل الحكام القبليين بمعزل عن المدنية السياسية المعاصرة وعن النظام المؤسسي في إدارة الحكم الرشيد.
دورات العنف المتواترة والموروثة وإحياء مفاصلها بالتقادم تُعّد حصيلة سيئة الصيت لإزدواجية خصائص الأحداث نحو صلاح أمور العباد والبلاد بمسمى دولة (ليست فعليه) من جهة، وبتأثير مناطقية الإنتماء والحزبية المفجوعة البغيضة ووطأة المذهبية والمناكفات الإيديولوجية للحاكم وبطانته الأمعة من جهة أخرى.
د. محمود السالمي:
أتفق مع ما تفضلت في ذكره، لاسِيمّا بخصوص الروح القبلية وسلب السلطة، وهذه كلها ساهمت في عوامل العنف وقد حاولت ذكرها بتركيز حتى لا تكون الإطالة مملة.
إما بخصوص حدود اليمن ما أقصده حدود الجمهورية اليمنية، أما الحدود التاريخية فمن الصعب تتبعها لأنها كانت تشمر في بعض المراحل وتتوسع في مراحل أخرى، ولم تظهر دولة تسّمت باسم اليمن إِلَّا المملكة المتوكلية اليمنية.
د. أحمد المصري:
وجود النظام القبلي شمالًا وجنوباً وشرقًا وغربًا كمؤسسة حاكمة في ظل وجود دولة؛ تُعّد إحدى أهَّم مشاكل اليمن، وليست القبيلة كمكون اجتماعي.