التربية عن طريق أسلوب الثواب والعقاب
(الجزء الأول)
فَطَرَ الله الإنسان على حبِّ المثوبة، وما فيها من لذَّة ونعيم؛ فإنه يَرْغَب في ذلك ويعمل من أجل تحقيقه، كما فطره -أيضًا- على بُغض العقاب، وما يَتَرَتَّب عليه من أَلَم وشقاء، فإنه يرهبه وينفر منه.
ولهذا عُنِي القرآن الكريم والسنة النبوية بالترغيب والترهيب، كأسلوب مهمٍّ من أساليب التربية.
والترغيب: وعْد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو لذة أو متعة آجلة، مؤكدة، خيِّرة، خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعَمَل صالح، أو الامتناع عن لذَّة ضارة أو عمل سيئ؛ ابتغاءَ مرْضاة الله، وذلك رحمة من الله بعبادِه.
والترهيب: وعيد وتهديد بعقوبة تترتَّب على اقتراف إثْم أو ذنب، مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فريضة مما أمَرَ الله به، أو هو تهديد من الله يقصد به تخويف عباده، وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية؛ ليكونوا دائمًا على حذر منَ ارتكاب الهَفَوات والمعاصي[1].
ويمتاز أُسلوب الترغيب والترْهيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، عن غَيْره من أساليب الثواب والعقاب في المناهج التربويَّة الأخرى - بأنه يعتمد على الإقناع والبرهان، ويكون مصحوبًا بتصوير فنيٍّ رائع للثواب المرغَّب فيه، المتمَثِّل في الجنة، وكذلك للعقاب المنتظر، المتمثل في جهنم - أعاذنا الله منها –كما يعتمد الترغيب والترهيب في القرآن والسنة - أيضًا - على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية؛ كعاطفة الخوف من الله تعالى، والتذلُّل والخشوع له – سبحانه - والطَّمَع في رحمته، والأَمَل في ثوابه[2].
ومن أساليب الثواب والعقاب التي يُمكن أن تستنبط منَ السنة النبوية ما يلي:
أولاً: من أساليب الثواب:
1- القُبلة:
تُعَدُّ القُبلة للطفل الصغير أسلوبًا مهمًّا من أساليب الإثابة؛ وذلك لأنَّ للقُبلة دورًا فعَّالاً في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، كما أن لها دورًا كبيرًا في تسكين ثَوَرانه وغضبه، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط الوثيق في تشييد علاقة الحب بين الكبير والصغير، وهي دليلُ رحمة القلب والفؤاد بهذا الطفل الناشئ، وهي برهان على تواضُع الكبير للصغير، وهي النور الساطع الذي يبهر فؤاد الطفل، ويشرح نفسه، ويزيد من تفاعله مع مَنْ حوله، ثم هي أولاً وأخيرًا السُّنة الثابتة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَدِم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتُقَبِّلون صبيانكم؟ فقال: ((نعم))، قالوا: لكنا والله لا نُقَبِّل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَوَأَمْلِك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟!))[3].
2- إدخال السرور على الطفل بمُداعبته ومُمازحته:
إحساس الفرح والسرور يلعب في نفس الطفل شيئًا عجيبًا، ويؤثِّر في نفسه تأثيرًا قويًّا، فالأطفال - وهم براعم البراءة والصفاء - يحبُّون الفرح، بل هم أداة الفرح للكبار، ويحبون الابتسامة حين يشاهدونها على وُجُوه الكبار.
وبالتالي فإن تحريك هذا المؤثِّر في نفس الطفل سيورث الانطلاق والحيوية في نفسه، كما يجعله على أُهْبَة الاستعداد لتلقِّي أي أمْر، أو مُلاحَظة، أو إرْشاد.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يُدْخل الفَرَح والسرور على نُفُوس الأطْفال؛ لما للسرور من بَراعة في إسعاد الطفل، ولما للفَرَح من قوَّة في التأثير[4].
3- الإثابة بالمدْح والثناء:
مدْح المربِّي للصغير وثناؤه عليه مِن أكثر الأُمُور التي تدخِل السرور على قلْبه، وتشعره بأهمية هذا العمل الذي مُدِح من أجْله، وتدفعه إلى تَكراره والاستكثار منه؛ وفي السنة النبوية ما يدلُّ على أهمية المدح والثناء، كوسيلةٍ من وسائل الإثابة والتشجيع على طَلَب العلم؛ من ذلك ما رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَن أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ظننتُ ألاَّ يسألني أحدٌ عن هذا الحديث أول منك؛ لما علمتُ من حرصك على الحديث...))[5].
فبهذا المدْح والثناء الرَّقيق يستثير الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أبي هريرة الرغبة والحرص على طَلَب الحديث، ويدفعه دائمًا لأن يكون سبَّاقًا في السؤال عنه.
4- الإثابة بالمكافَأة المادية (الهدية):
الهديَّة تُدخل السرور على النفوس، وتزيد أواصر المحبة بين المُهْدِي والمُهْدَى إليه، وهو ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((تهادوا تحابُّوا))[6].
ومن ثَم؛ فإن منَ الوسائل التربوية المُفيدة تقديمَ الهدايا والمكافآت المادية للمجيدين والمتفوِّقين من الناشئة والمتعلِّمين؛ فإن ذلك يثير نشاط المتعلِّم، ويبعث فيه الحماس، ويفجر فيه ينابيع الطموح والتنافُس والعزيمة، ويحرك فيه الجد والاجتهاد، والإخلاص والاستقامة[7].
[1] "أصول التربية الإسلامية، وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع"؛ عبدالرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م ص (230، 231).
[2] المرجع السابق، ص (231 - 237).
[3] "منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين"؛ محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م، ص (310، 311)، والحديث أخرجه البخاري (10/440)، كتاب الأدب، باب: رحمة الولد وتقبيله (5997)، ومسلم (4/1808 -1809) كتاب الفضائل، باب: رحمته - صلى الله عليه وسلم (65/2318).
[4] "قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين"، عطا الله بن قسيم الحايك، دار هجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ، 2001م، ص (238، 239).
[5] أخرجه البخاري (1/233) كتاب العلم، باب: الحرص على الحديث (99، 6570)، وأحمد في "المسند" (2/373).
[6] أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "نصب الراية" (4/121)، والدولابي في "الكنى" (1/143)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (125)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (653)، كلهم من طريق المثنى أبي حاتم العطار عن عبيدالله بن العيزار عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابُّوا، وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدًا، وأقيلوا الكرام عثراتهم)).
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/149)، وقال: وفيه المثنى أبو حاتم ولم أجدْ من ترجمه، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام.
ومن هذا الوجْه ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص (165)، وعزاه للطبراني في "الأوسط"، والحربي في "الهدايا"، والعسكري في "الأمثال".
وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عمر، وعطاء مرسلاً.
[7] "قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين"، مرجع سابق ص (271).