أهم المدن التجارية في الدولة السنارية (1504-1821م) (1)

أهم المدن التجارية في الدولة السنارية

(1504-1821م)

(الجزء الأول)

           إعداد

 د. حاتم الصديق محمد أحمد

       أستاذ مشارك

 قسم التاريخ – كلية التربية

  جامعة الزعيم الأزهري

مستخلص:

تهدف هذه الدراسة إلى  توضيح وتسليط الضوء على أهم المدن التجارية في الدولة السنارية وإماطة اللثام عن هذه المدن للتعرف على التاريخ الاقتصادي للدولة السنارية، تتمثل أهمية الدراسة  في شرح ظهور المدن التجارية والسلع التي كانت رائجة في تلك الفترة ومدى إسهام هذه المدن التجارية في ربط الدولة السنارية بمحيطها المحلي والإقليمي.  تتمثل أهمية الورقة في أن دراسة النظام لاقتصادي للدولة  يوضح مدى قوتها أو ضعفها ،اتبعت الورقة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، ومن أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة أن المدن التجارية السنارية لعبت دوراً مهماً في ربط الدولة السنارية بالعالم الخارجي، كما أنها نجحت في الوقت نفسه في توفير مصدر دخل ثابت للدولة من خلال الضرائب التي كانت تفرض على التجار المقيمين والقوافل التجارية التي تصل اسواق هذه المدن. ومن أبرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة العمل على دراسة العوامل الإقتصادية وتوضيح دورها في نشأة المدينة السنارية.

Abstract

The study aimed to explain and give the master over the most commercial towns of sinnar state and un cover the veil about these towns. the importance of the study represented in explaining of the appearance of the commercial towns and the commodity which was existing at that were participated to connect sinner state with it is regional  and international surroundings. the importance of the paper represented in the studying of commercial system of the state explains the extension of it is strength or weakness the paper followed the historical analytical descriptive method the most important  results which were summarized on it was that the commercial towns of sinner were played the important role in the connection of sinner state with outside world and at the same time was succeeded in saving the steady income source for the state thought the tax which were imposing to the inhabitant traders and commercial caravans which were reaching the markets of these towns the main recommendation of the study the working for the study of  the economical factors and the explaining of their role in the emergence of sinners towns.                                                                                       

مقدمة:

لعبت التجارة دوراً مهماً وكبيراً في نشأة بعض المدن التجارية في السودان عموماً والدولة السناري على وجه الخصوص، ولأهمية التجارة ودورها الفاعل في الإقتصاد نجد أن ملوك سنار عملوا على الإهتمام بها ورعايتها بصورة واضحة كما احتكروا البعض منها مثل تجارة الذهب، ولانتعاش التجارة واستقرارها كان لا بد من توفر الأمن وتدفق السلع وتنظيم الأسواق لذلك نجد أن الدولة السنارية اهتمت بهذا الأمر الشيء الذي ساعد في ظهور مدن تجارية أصبحت بعد ذلك من أهم المدن السودانية.

التجارة في الدولة السنارية:

تطورت الأسواق في الدولة السنارية بصورة كبيرة وكانت هناك فترات منتظمة وأيام محددة للأسواق، وكان لكل سوق مشرف خاص يدفع له المشاركين في السوق قيمة عرفت باسم (القوار) وهي ضريبة فرضت على المتعاملين في السوق ([1]).تعتبر سنار مركز تجارة السلطنة بالإضافة للمراكز التجارية الأخرى التي ظهرت في الدولة السنارية مثل دنقلا، وبربر، وسواكن، واربجي، وشندي، والحلفايا وغيرها من المدن التجارية ([2]).

كل هذه المدن أصبحت، وبمرور الوقت، مراكز حضرية يفد إليها الناس من مختلف مناطق الدولة السنارية ومن خارجها بغرض الحصول على البضائع الجيدة وبأسعار مناسبة لكي تدر عليهم المزيد من الأرباح.

بمرور الوقت ازداد نفوذ التجار في الدولة السنارية، وذلك من خلال زيادة رأس المال من خلال الشراء بأثمان بخسة، انتشار الربا العيني والنقدي، وبعد تزايد النفوذ التجاري للتجار دخلوا في صراع مع سلاطين الفونج بغرض كسر احتكار السلطان للتجارة، وقد نجح التجار في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر الميلادي والسنوات الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي([3]).

العملة في الدولة السنارية:

أشار الرحالة بونسيه الذي زار سنار في الفترة من (1698-1699م)، وهو طبيب فرنسي، إلى أن العملة التي كانت متداولة في سنار متنوعة منها الفرنسية والتركية والإسبانية، والملاحظ أن تبادل هذه الأنواع من العملة يعني أن العملة في سنار مرت بمراحل تم تبادل هذه الأنواع فيها، وبالإضافة لهذه الأنواع من العملة فقد استخدمت أنواع آخري مثل (الريال، الحدايد، الأشرفي، المحبوب) وهو عبارة عن عملة ذهبية اشتهرت في العالم الإسلامي، وهو نقد تركي ضرب في عهد السلطان مصطفي الثاني (2694-1703م) ([4]).

وسائل المواصلات التجارية في الدولة السنارية:

شكلت الدواب (الجمال، الحمير، الخيل) وسيلة المواصلات الأساسية في تجارة الدولة السنارية داخل السودان وخارجه، وبالإضافة للدواب كانت هناك المواصلات النهرية والبحرية مثل المراكب والسفن الشراعية، كما أن صناعة المراكب كانت منتشرة على طول نهر النيل وروافده في مراكز إنتاج الأخشاب، كما امتلك بعض التجار في سنار سفناً تجارية تشق عباب البحر الأحمر، كما ورد في طبقات ود ضيف الله "... أن أحمد بن زياد النور زاد على أبيه في الحظ والهيبة والغني عنده سفينة قدر سفاين الحجاز من السنة للسنة يوديها للسافل ..." وكانت هناك عدد من الطرق التجارية لخارج الدولة السنارية مثل:([5]).

  • طريق سنار – الحلفايا، شندي، الدامر، بربر ومنها إلى سواكن أو مصر.
  • طريق الأبيض بمحاذاة النيل وعبر صحراء بيوضة ومنه إلى الدبة ودنقلا ثم مصر.

بمرور الزمن عرف التجار في سنار ومن خلال خبرتهم أن الطريق الواصل بين بربر وسواكن يعد من أقصر الطرق، والطريق الذى يشق صحراء بيوضة بمحاذاة النيل هو أيضا من اقصر الطرق إلى الدبة ودنقلا ثم مصر ([6]).

يتضح أن الخبرة لعبت دوراً مهماً في معرفة هذه الطرق بالنسبة لتجار القوافل وأدلاء الذين معهم مما ساعد في اختيارهم للطرق القصرية والتي لا تقع تحت سيطرة قطاع الطرق والمارقين على الدولة.

نمط حياة التجار داخل المدن التجارية:

شكلت طبقة التجار واحد من أهم الطبقات الإجتماعية في الدولة السنارية، يسكنون في منازل مستطيلة في المدن التجارية مثل (شندي، اربجي)، وكانت منازلهم من أحسن المنازل في المدينة تتميز بالأسقف الجميلة مع وجود جمام ملحق بها، وهناك بعض المنازل التي أضيفت لها بعض الطوابق. ومن حيث الملبس كان التجار يلبسون أفضل الثياب وأفخرها، ويقتنون أفضل السلع وأجودها مثل البنادق، والبن، والتنباك، والعطور واللحوم بمختلف أنواعها ([7]).

يشير نمط حياة التجار في الدولة السنارية إلى الترف وحياة الغنى التي كانت تعيشها هذه الطبقة مقارنة بالطبقات الأخرى في السلطنة  مما مكنها مستقبلا من أن توثر على الحياة السياسية في الدول.

أهم السلع التجارية في الدولة السنارية:

من السلع التي كانت رائجة  في اسواق الدولة السنارية المنسوجات القطنية، والملح، والمصنوعات الجلدية، والذهب، والسلال، لذلك وفد التجار من داخل السلطنة وخارجها من أجل التجارة ([8]).

أسباب تطور النشاط التجاري في الدولة السنارية:

ذكر تاج السر عثمان الحاج أن هناك عدداً من الأسباب أدت إلى انتعاش التجارة في الدولة السنارية ومن هذه الأسباب:

  • النظام اللامركزي الذي نشأ بعد قيام مملكة الفونج.
  • الشكل الجديد لملكية الأرض والذي يعتبر متطوراً على الشكل السابق في الممالك المسيحية.
  • اتساع دائرة التعامل بالنقد؛ لأن في فترة دولة الفونج زاد التعامل بالنقد وتم التوسع في اقتصاد السلعة مما ساهم في نمو وازدهار التجارة.
  • استباب الأمن وتوفير الحماية للقوافل التجارية.
  • ظهور طبقات وفئات جديدة تركزت في يدها فائض الإنتاج الزراعي والرعوي مثل السلاطين والملوك ومشايخ القبائل ([9]).

أهم المدن التجارية في الدولة السنارية:

  • مدينة دنقلا:

تقع مدينة دنقلا على الضفة الشرقية للنيل، ولم يقتصر اسم دنقلا على المدينة فقط بل استخدم للدلالة على منطق جغرافية واسعة. كانت مدينة دنقلا من أهم المدن التجارية منذ العصور الوسطى، وقد حافظت على هذا الوضع حت قيام مملكة الفونج والحكم التركي المصري، امتازت دنقلا بالمباني الضخمة، ودنقلا كلمة نوبية تعنى في اللغة العربية (المقيم في القلعة) أو قصر القلعة ([10]).

وفي العهد السناري كان ملوك دنقلا وقبل أن تقع مناطقهم في يد المماليك يقومون بدفع الكثير من الأموال لملوك سنار، كما كان ملوك الشايقية يقومون بنفس الأمر ولكنهم أي الشايقية امتنعوا عن دفع تلك الأموال لسنار بعد قويت شوكتهم وسعوا للإنفكاك من سيطرة الدولة السنارية ([11]).

كانت في مدينة دنقلا واحدة من نقاط الضرائب التي كانت تفرض على البضائع والسلع العابرة أو داخلة إلى دنقلا، ولقد طُلب من القافلة التي كان برفقتها الرحالة (كرمب) بواسطة دفع الضرائب المقررة على القوافل التجارية لكنهم رفضوا بحجة أنهم أطباء متوجهين إلى سنار، ورغم هذا المبرر القوي لم يتم إعفاؤهم من هذه الضرائب حيث تم دفعها خارج دنقلا وسمح لهم بعد ذلك دخول المدينة ([12]).

(الجزء الثاني)

(الجزء الثالث)

(الجزء الرابع)


[1])) جاي سبولدنق، عصر البطولة في سنار، (تعريب) أحمد المعتصم الشيخ ،كتاب الخرطوم، هيئة الخرطوم للصحافة والنشر، الخرطوم، ط2، 2014م، ص 111-113.

[2])) عمر عدلان المك حسن، سلطنة الفونج (السلطنة الزرقاء)، راجعه محمد أحمد الأحدب، شركة التربية للطباعة والنشر، سنجة، السودان، 2014م ص 39.

[3])) تاج السر عثمان الحاج، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي (1504- 1823م)، مركز محمد عمر بشير، للدارسات السودانية، أم درمان، 2005م، ص 42-43.

[4])) حاتم الصديق محمد أحمد ،ورقة قدمت في مؤتمر (الدولة السنارية وبناء الدولة الحديثة في السودان)، جامعة الزعيم الأزهري، 2017م، ص 28.

[5])) تاج السر عثمان الحاج، مرجع سابق 48.

[6])) تاج السر عثمان الحاج، مرجع سابق، ص 40-41.

[7])) المرجع نفسه، ص 48-49.

[8])) محمد الأمين سعيد، سياسة محمد على باشا في السودان، (1235-1264هـ) - (1820-1848م)، (ب ، د)، 2016م، ص 18.

[9])) تاج السر عثمان الحاج، مرجع سابق، ص 38-39.

[10])) عوض أحمد حسين شبة، دنقلا والدناقلة، (ب . د)، الخرطوم، ط3، 2014م ص 28-29.

[11])) جون لويس بوركهارت، رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان (1784-1817م)، كنوز للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012م، ص 188.

[12])) مكي شبيكة، السودان عبر القرون، دار الجيل، بيروت، 1991م، ص78.

التعليقات (0)