أهم المدن التجارية في الدولة السنارية
(1504-1821م)
(الجزء الثاني)
إعداد
د. حاتم الصديق محمد أحمد
أستاذ مشارك
قسم التاريخ – كلية التربية
جامعة الزعيم الأزهري
مدينة بربر:
كانت بربر من المدن التجارية المهمة في السودان، ويمكن القول إن موقعها الجغرافي قد ساعد في أن تحتل هذه المكانة التجارية، فقد كانت القوافل التجارية تأتيها من سواكن ومصر دارفور وسنار، ومن خلال التجارة وحركة القوافل والصادر والوارد اشتهرت بربر وأصبحت قوافلها التجارية تتجه ناحية سواكن وهي محملة بكل الأصناف، تدهور مركز بربر التجاري بعد ظهور مشيخة الشايقية ودخولها في حرب مباشرة مع العبدلاب، وظهر التوتر بين الطرفين مما اثر بصورة كبيرة على الحركة التجارية في هذه المدينة ([1]).
وجدت بربر شهرة كبيرة بسبب دورها التجاري، وقد طغت شهرتها التجارة على مدن كبيرة في السودان مثل الفاشر، وسنار، وغيرها من المدن وذلك لأهميتها التجارية والإقتصادية ([2]).
ذكر الرحالة بوركهارت أن بربر يسكنها قبيلة (الميرفاب) والعبابدة وبعض البشاريين والدناقلة، ويقول الميرفاب إن أصلهم ينحدر من الجزيرة العربية، أما بوركهارت فهو يعتقد أنهم من شرق السودان، وعليهم ملك يقلب بـ (المك)، وبعد أن سيطر الفونج على هذه المنطقة أصبحت الزعامة في بربر في أسرة (تمساح) وملك سنار هو من يعين المك في بربر من أسرة (تمساح) وهي الأسرة الحاكمة في بربر، كما كان ملك سنار يقوم بإرسال وفد من قبل السلطنة كل خمس أو أربع سنار إلى بربر لجمع الأموال من الذهب والجياد والخيول لصالح الملك في سنار([3]).
كان ملوك بربر يفرضون الضرائب على الغرباء ويتشددون في ذلك لكي يقوموا بتغطية الجزية التي تدفع لملك سنار، كما يتم فرض بعض الضرائب على أفراد القبيلة ويتم استثناء الأقوياء والأغنياء منهم، كما كان بعض الطامحين في الملوك من أبناء الأسرة الحاكمة يقومون بفرض لضرائب على القوافل العابرة لبربر وذلك لكي يتقرب بتلك الأموال لملوك سنار وليصبح بعد ذلك ملكاً على بربر ([4]).
أوضح بوركهارت أن بربر عندما شاهدها كانت مدينة منظمة بيوتها تشبه بيوت الصعيد المصري ([5]).
تجارة بربر:
معظم أهل بربر يحترفون الزراعة والتجارة، كما أصبحت المدينة حلقة الوصل بين المدن السنارية الداخلية مثل سنار، واربجي، والحلفايا، وشندي، ومدن دنقلا، ودارو ومصر، وقد انتعشت بربر بسبب مرور كل القوافل لوافدة من سنار ودارفور عبر لمصر، ومن العملات التي كانت مستخدمة في سوق بربر الريال الإسباني والدمور وكذلك الذرة حيث كانت تدفع للسلع الرخيصة ويقدر ثمنها بالذرة ([6]).
يفضل التجار القادمين من مصر سوق بربر رغم ارتفاع اسعار السلع فيه، وذلك بسبب قربها من مصر نسبياً وسهولة تكملة إجراءات البيع والشراء، وقد كانت القوافل تخرج منها بأعداد كبيرة متجهة ناحية دارو في مصر. وقد كان سكان الصعيد المصري يطلقون على القوافل التجارية القادمة من بربر وقوافل سنار وذلك يرجع لعدم معرفتهم بالسودان ومدنه الداخلية، ويسكن في بربر قبيلة العبابدة وهي واحدة من القبائل التي اشتهرت بمعرفتها للصحراء والطرق الداخلية، وقد كان أفراد قبيلة العبابدة يقومون بحراسة القوافل التجارية وادلاء في الوقت نفسه مقابل مبلغ من المال. ([7]).
القوافل التجارية القادمة إلى بربر:
كانت القوافل لتجارية تفد إلى بربر من خمس مناطق وهي:
- منطقة دراو بمصر وهي تعتبر من أهم القوافل التجارية.
- القوافل القادمة من مدينة دنقلا.
- القوافل القادمة من مدينة شندي.
- القوافل القادمة من التاكا في شرق السودان.
- القوافل التجارية القادمة من سواكن .([8]).
الضرائب في بربر:
فرض ملوك بربر الضرائب على القوافل التجارية، وقد عرفت هذه الضرائب بضرائب (العبور) أي عبور السلع التجارية وقد فرض (مك) بربر على كل تاجر قادم من مصر خمسة أثواب دمور، والشخص المسافر يقوم بدفع ثوب دمور للمك وثوب آخر لجامعي الضريبة من جماعة المك وثالث لزعماء البشاريين وذلك لأنهم يعتبرون سادة الصحراء وبذلك تدفع لهم ضريبة .([9]).
لم يكن (مك) بربر يفرض ضريبة محددة على القوافل القادمة من سنار وذلك لأنها قوافل خارجة من السلطنة ولكن لا يمانع في أخذ بعض العطايا الزهيدة من التجار.
- - مدينة شندي:
تقع مدينة شندي شمال الخرطوم، وهي من أهم المدن التجارية في العهد السناري، وقد كانت المدينة ملتقى لجميع طرق النيل التجارية فمنها يبدأ الطريق المودي إلى بلاد الشرق الأقصى، ومنها كذلك طريق القوافل التجارية المتجه غاية كردفان ودارفور ووداي و (تمبكتو) في نيجيريا، وكذلك ينطلق منها طريق القوافل إلى مصر عبر بربر، ويمكن الوصول إلى الحبشة والبحر الأحمر عبر شندي، وقد كان الحجاج يأتون من وسط أفريقيا وغربها إلى شندي بغرض الوصول إلى الحجاز ([10]).
اشتهرت مدينة شندي كمدينة تجارية في فترة الدولة السنارية، وتفد إليها القوافل التجارية من دارفور وكردفان وسواكن ومدن سنار الداخلية، وقد ذكر بوركهارت أن شندي تعتبر أول مدينة تجارية في أفريقيا جنوب مصر وشرق دارفور، وترتبط مع مدينة بربر بصلات تجارية قوية جداً ([11]).
كانت قوافل شندي التجارية تسير بانتظام نحو القاهرة ، والبضائع المعروضة بسوق شندي تعتبر من أجود وأرخص الأنواع مقارنة بسوق سنار ([12]).
[1])) محمد ابراهيم ابوسليم، بحوث في تاريخ السودان، (الأراضي – العلماء – الخلافة - بربر – على الميرغني)، دار الجيل، بيروت، 1992م، ص 18-19.
[2])) تاج السر عثمان الحاج، مرجع سابق، ص 81.
[3])) جون لويس بوركهارت، رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان (1784-1817م)، كنوز للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012م، ص 188.
[4])) جون لويس بوركهارت، مصدر سابق، ص 188-189.
[5])) المصدر نفسه، ص 189.
[6])) جون لويس بوركهارت، مصدر سابق، ص 200.
[7])) المصدر نفسه، ص 202.
[8])) نسيم مقار، الرحالة الأجانب في السودان، (1730-1851م)، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1995م، ص 51.
[9])) جون لويس بوركهارت، مصدر سابق، ص 202.
[10])) جعفر حامد بشير، مملكة الجعليين الكبرى، (السودان في القرية والمدينة)، دار عزة للطباعة والنشر، الخرطوم، 2004م، ص 125-126.
[11])) جون لويس بوركهارت، مصدر سابق، ص 201.
[12])) الان مور هيد، النيل الأزرق، (تعريب) ابراهيم عباس أبوريش، دار الثقافة، بيروت، مكتبة النهضة السودانية، الخرطوم، (ب، ت) ص 69.