التنظيمات القتالية في الدولة السنارية (1504-1821م) (4)

ورقة علمية بعنوان

التنظيمات القتالية في الدولة السنارية

(1504-1821م)

(الجزء الرابع)

هذه الاسباب مجتمعة جعلت الشيخ الامين ود عجيب ينتهز الفرصة للانقضاض على الشايقية، وذلك بغرض الحد من نفوذ الفور في المنطقة وكسر شوكة الشايقية، وسنحت الفرصة عندما لجأ أحد الخارجين عن الشيخ الامين شيخ قري الى ديار الشايقية فارسل شيخ قري في طلب الرجل بخطاب الى الشيخ عثمان زعيم الشايقية الذى رفض تسليمه أو قتله، عندها زحف الشيخ الامين برجاله نحو الشايقية وعسكر على الشاطئ امام بلدة دلقو وارسل الى الشيخ عثمان يطلب منه التسليم خلال خمسة ايام وكانت القوة التي مع الشيخ عثمان قليلة لذلك لجأ الى حيله يزيد بها اعداد جيشه وذلك بجمع الخيول وتلوين جلودها بلون في كل يوم يرسلها فيه للشرب من النيل أمام نظر قوات الشيخ الامين  الذى ظن أن الشيخ عثمان سوف يهاجمه بقوة كبيرة فارسل في اليوم السادس الى الشيخ عثمان يطلب منه الجلوس للتفاوض ولم يتم ذلك عندها هجم الشايقية على معسكر العبدلاب، واستطاعوا ان يحققوا نصرا حاسماً عليهم وبعد هذا الانتصار طلب الشيخ عثمان من الشيخ الامين زعيم العبدلاب أن يعطي الشايقية الاستقلال الكامل ([1]).

من نتائج الحرب مع قبيلة الشايقية بالنسبة للدولة السنارية تحول الطرق التجارية بعيداً عن ديار الشايقية كما كانت القوافل تزود بحراسة قوية لحمايتها من تعدي أفراد قبيلة الشايقية وقد اشار معظم الرحالة الاجانب لذلك امثال اوليا شلبي وبونسيه وكرمب ([2]).

ثورة قبيلة الشكرية ضد الدولة السنارية:

بعد وفاة الشيخ محمد ابوالكيلك خلفه ابن اخيه الشيخ بادي بن رجب فاجتمع الفونج عند الملك اسماعيل ملك الفونج الذى حكم لمدة سبع سنوات يريدون خلع الشيخ بادي والتخلص من سطوة الهمج فعلم الشيخ بادي بذلك فقام بعزل الملك اسماعيل وتم نفيه الى سواكن وولى بعده عدلان الثاني الذى حكم في الفترة من 1778-1798م كما استطاع الوزير بادي ود رجب أن يحقق العديد من النجاحات في من الوزارة وأن يعدل بين الرعية واستطاع كذلك القضاء على خصومه وفي عهده قامت  قبيلة الشكرية بالثورة ضد الدولة السنارية فجهز لهم جيشاً تحرك من سنار حتى وصل الى مركز القبيلة في رفاعة وخاض ضد الشكرية العديد من المعارك حقق فيها العديد من الانتصارات وقتل زعيمهم أبو على واجبرهم على طاعته لكنهم حققوا نوعا من الاستقلال في منطقة البطانة حتى سقوط الدولة السنارية ([3]).

بعد مقتل الزعيم أبو على في 1779م تولى أمر القبيلة من بعده ابنه عوض الكريم أبوسن ولقب بذلك لأن احدي اسنانه الأمامية كانت سوداء، عقب اختياره لزعامة القبيلة ورغم صغر سنه فقد بدأ في التحضير للانتقام من حكام سنار الهمج الذين قتلوا والده فحاربهم في معركة اساوي واوقع الهزيمة بالهمج وقد خلدت الكثير من القصائد تلك الواقعة وقائدها ودعلي الذي انتقم لأبيه، كما مثلت وفاة زعيم الفونج بادي بن رجب استراحة محارب بالنسبة للقبيلة حيث لم تدخل في صراع مع الفونج لقرابة عقد من الزمان او حتى موت الملك عدلان الثاني في العام 1789م خلف بادي رجب ابن عمه الاصغر ناصر محمد والذى قبل بوساطة شيخ العركيين يوسف أب شراء في أب حراز في العام 1790م وذلك لتوقيع صلح بينه وبين عوض الكريم ابو سن ولتعزيز هذا الصلح تزوج عوض الكريم ابو سن احدي كريمات الشيخ يوسف ابو شرا وتمت المصادقة على هذا الصلح من قبل سلطان الفونج بادي الخامس دكين وقد اعطت هذه الاتفاقية للشكرية ملكية الاراضي المطرية وهي غير تلك الاراضي التي كانت تحت سيطرة العبدلاب لذلك أصبحت حدود الشكرية بد ذلك تمتد من نهر عطبرة شرقا الى ابودليق شمالاً وحتى النيل الازرق ونهر الرهد غربا اما جنوباً حتى أرض العبدلاب ([4]).

الفونج وثورة التاكا:

بعد ثورة قبيلة الشكرية في منطقة البطانة اندلعت الثورة في جبال التاكا في شرق السودان وقد قامت قبيلة الحلنقة بقيادة هذه الثورة ضد الدولة السنارية  عندها قام الشيخ بادي ودعجيب بإرسال الشيخ عجيب ود عبدالله وعيساوي والشيخ قنديلاري الى منطقة التاكا للقضاء على هذه الثورة حيث قتل كل من الشيخ عجيب وعيساوي ورجع قنديلاري وفي طريقه الى سنار صادفه احد فرسان الشكرية فقتله في عام 1780م ([5] ).

حروبات السلطنة الخارجية:

الحرب السنارية الحبشية:

تأرجحت العلاقات السنارية الحبشية ما بين السلم والحرب فتارة نجدها علاقة سلمية تصل الى مستوى تبادل الهدايا بين ملوك سنار والاحباش وتارة تصل حد المعارك بين الدولتين ولأتخرج اسباب تلك المعارك عن محاولة كل منهما السيطرة على الطرق التجارية الداخلية والخارجية والاستحواذ على المنتجات الافريقية بغرض تصديرها للخارج بالإضافة الى محاولة الدولتين السيطرة على المناطق الحدودية حيث يتوفر الذهب والرقيق، كما أن من اسباب الصراع بين الدولتين اسباب شخصية تتعلق بأحد الحكام في الدولتين وقد تودي هذه العوامل الشخصية في اندلاع الحرب كما حدث في عام 1628م عندما غضب السلطان بادي من ملك الحبشة لأنه وفر الحماية لوالده المعزول السلطان عبد القادر وعندما طلب السلطان بادي من ملك الحبشة رفض مما جعل السلطان بادي يعتبر هذا الرفض اهانه له ولذلك حرض السلطان بادي العبدلاب للهجوم على الحبشة فما كان من النجاشي الا أن قام بإرسال ثلاث حملات ضد الدولة السنارية فكانت الاولى لغزو التاكا والثانية لنهر عطبرة والثالثة الى حوض النيل الازرق مستهدفاً بها سنار العاصمة ([6]).

في عهد النجاشي اياسو الثاني الذي حكم في الفترة من 1730-1762م اعد جيشاً ضخماً لغزو سنار لكنه فشل في ذلك، وترجع اسباب الحرب الثانية بين الفونج والحبشة الى الانتقام لمقتل دي رول وبعثته في العام 1705م وأن الاحوال الداخلية شهدت اضطرابات شديدة بعد موت النجاشي تعلا هيمانوت والنزاع حول العرش من قبل اقاربه وانقسم البيت الحاكم الى عدة اقسام ولذلك اتجه النجاشي اياسو الى شن الحرب ضد الحبشة بغرض صرف انظار السكان عن المشاكل الداخلية، تحركت القوات الحبشية ووصلت عبر نهر الدندر ووصلت حتى ابواب مدينة سنار، عندها فكر السلطان بادي في إخلاء المدينة قبل ان تصلها قوات الاحباش وفي ذلك الوقت تقدم القائد خميس جنقل بمقترح، وهو أن يقوم بقيادة اربعة الف فارس وينقض بهم من الخلف على الجيش الرئيس للأحباش ووصلت اخبار هذا المقترح للنجاشي من قبل أحد زعماء القبائل المقيمة شرق سنار، لكن لم يهتم النجاشي بذلك واستطاع خميس جنقل تنفيز خطته الى حققت نجاحاً باهراً وتحقق للفونج انتصاراً حاسماً في موقع يقال له (الزاكيات) بالقرب من الدندر في ابريل 1744م على جيش الاحباش الذي كان يفوده الراس ولد لول كما هرب النجاشي الى بلاده وغنم الجيش السناري الكثير من الاسلحة والمهمات وتاج الملك الحبشي، كما شهدت هذه المعركة اشتراك كل من الشيخ محمد ابوالكيلك والذي سبق ذكره، قاد الملك اياسو القسم الاول من الجيش الحبشي كما قام الراس ولد لول بقيادة القسم الثاني ووصلت خسائر الجيش الحبشي من القوات الى ثمانية عشر الف قتيل ([7]).

يتضح من المعارك التي خضتها دولة الفونج أنها قد خسرت خيرة قادتها وجنودها في هذه المعارك، والتي تمثلت في معارك كردفان والشايقية والنوبة والشكرية ثم حربها ضد الحبشة الأمر الذي أضعف المقدرات القتالية لجيش السلطة الذي الذي فتح المجال لبروز شخصية الشيخ محمد ابوالكيلك الرجل الابرز في تاريخ الفونج حسب شهادة الكثيرين ولضعف السلاطين وتدخل قوات لولو في عملية تولية العرش في السلطة وجد ابوالكيلك المجال مفتوح ليبح رجل الدولة السنارية الاول.

كما أن الصراعات الداخلية والمحاولات المتكررة للانفصال من سيطرة الفونج وكذلك سيطرة الوزراء الهمج بعد ذلك على مقاليد الأمور في الدولة أدت في نهاية الامر الى انهيار الدولة داخلياً وبعد ذلك سقوط بفعل غزو محمد على باشا للسودان في العام 1821م.

الخاتمة:

شكلت القوات العسكرية في الدولة السنارية بتقسيماتها المختلفة عنصراً فاعلاً في مراحل تكوينها المختلفة ففي المراحل الاولى من عمر السلطنة أي من ظهورها في منطقة الحدود الحبشية السودانية وحتى انتقالها الى سنار وتحالفها مع العبدلاب نجد أن القوات القبيلة هي التي وقع على كالها تثبيت دعائم المملكة ثم بعد ذلك وفي عهد السلطان بادي ابودقن ظهر الحاجه لقوات حديثة تدين بالولاء للسلطان دون غيره لذلك نجده عمل على استجلاب قوات الرقيق من مناطق مختلفة من جبال النوبة ومناطق الشلك بغرض تحقيق طموحاته الشخصية وتوسيع رقعة السلطنة وتأمين الطرق التجارية والحد من نفوذ قوات لولو وزعماء الفونج ، ونجد أن القوات الجديدة في السلطة نجحت في ذلك كما وجدت في نفس الوقت الرعاية من سلاطين الدولة السنارية من خلال توفير الاعداد الجيد والمسكن والملبس ولذلك ارتبطت هذه القوات بشخصية السلطان. الأمر الذى عرضها للكثير من محاولات الاقصاء والتهميش هي والسلاطين الذين تبنوها.

النتائج والتوصيات:

توصلت الدراسة الى العديد من النتائج منها:

- أن الدولة السنارية في تكوينها الاول اعتمدت اعتماد رئيس على القوات القبلية.

- مثلت قوات الرقيق الداعم الحقيقي للسلاطين في الدولة.

- المساهمة الواضحة لقوات الرقيق في الحروبات الداخلية.

- لأهمية قوات الرقيق في الدولة السنارية عمل السلاطين على اعدادها بالصورة المرضية.

- ظهور قوات الرقيق أو جد نوع من عدم الرضي وسط قوات لولو وزعماء الفونج.

التوصيات:

- محاولة دراسة القوات العسكرية في الدولة السنارية بصورة اوسع.

- الاهتمام بتاريخ التنظيمات القتالية في الممالك الاسلامية في السودان.

- تتبع مراحل تطور القوات السودانية منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.

(الجزء الأول)

(الجزء الثاني)

(الجزء الثالث)


قائمة المصادر والمراجع

- أحمد احمد سيد احمد، تاريخ مدينة الخرطوم تحت الحكم المصري، (1820- 1885م)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000م.

- الشاطر بصيلي عبد الجليل، من معالم تاريخ سودان وادي النيل من القرن العاشر الى القرن التاسع عشر الميلادي، مكتبة الشريف الاكاديمية، الخرطوم، 1995.

- نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، دار عزة للطباعة و النشر، الخرطوم، 2007م.

- محمد عبد القادر نصر، العسكرية في الممالك والسلطنات الاسلامية (750-1885)، شركة كرري للطباعة ، المطبعة العسكرية ، ام درمان ، 2009.

- مكي شبيكة ، السودان عبر القرون، ط2، دار الجيل بيروت، 1964م.

- نسيم مقار، الرحالة الاجانب في السودان ، 1730-1851م، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة ، 1995.

- محمد صالح محي الدين، مشيخة العبدلاب واثرها في حياة السودان السياسية (910-1236هـ) – (1504-1821م) ، الدراسات السودانية ، الخرطوم ، 1972م.

- صلاح محي الدين ، عجيب المانجلك من ملوك العبدلاب ، دار الطابع العربي، الخرطوم ، 1975م.

- جون أودال ، تاريخ الشكرية وآل ابوسن ،(ترجمة) بدر الدين حامد الهاشمي ، ج2.mountada.net.


[1])) الشاطر بصيلي عبد الجليل ، مرجع سابق ، ص 105-106.

[2])) نفسه ، 107.

[3])) نعوم شقير ، مصدر سابق ، 398-399.

[4])) جون أودال ، تاريخ الشكرية وآل ابوسن ،(ترجمة ) بدر الدين حامد الهاشمي ، ج2.albutana.mountada.net

[5])) نعوم شقير ، مصدر سابق ، ص 399.

[6])) محمود عبدالقادر نصر ، مرجع سابق ، ص 69-70.

*تمثلت خطة خميس جنقل في عبور الجيش السناري للنيل الازرق شمال سنار ويواجه الاحباش حيث نجح جنقل في محاصرة الجيش الحبشي في مثلث  النيل الازرق والدندر وحقق انتصارا مهما على الاحباش .انظر مكي شبيكة ، مرجع سابق، ص 83-84. 

([7]) محمود عبدالقادر ، مرجع سابق ، ص 71.

التعليقات (0)