الجيش في عهد السلطان على دينار
(1900-1916م)
(الجزء الرابع)
الحروبات الخارجية لقوات السلطان على دينار:
لم يهتم السلطان على دينار في بداية الأمر بالتوسع الفرنسي في المراحل الأولى في (وداي) ولكن بعد احتلال القوات الفرنسية لموقع (الباث) (albath) الذي يقع بالقرب من دار برقو كتب السلطان على دينار للحكومة البريطانية في الخرطوم في فبراير من العام (1906م) يخبرها بذلك واتبع ذلك الخطاب بخطاب أخر في العام (1908م) يؤكد فيه أن البرقو مازالوا في صراع ضد الفرنسيين، وبعد احتلال مدينة (ابشي) وتقدم القوات الفرنسية ناحية الشرق أغضب هذا التقدم السلطان على دينار ورغم ذلك تقدمت القوات الفرنسية واحتلت (دار تاما) في أغسطس من العام (1909م) واستملت فرنسيا ايضا خطاب استسلام من سلاطين دار سيلا ودار قمر ([1]).
إذا هذا التقدم الفرنسي تجاه حدود دارفور كتب السلطان على دينار إلى الحكومة البريطانية في الخرطوم وقد استلم هذا الخطاب سلاطين باشا حيث ذكر السلطان على دينار لسلاطين باشا (... نحن لا نخشى الى الله يجب أن يكون واضحاً اني لست مستعداً لكي اتخلى للفرنسيين عن حدود دارفور التي هي ملك لإباءينا طالما ظللت على قيد الحياة، ولن اتردد في محاربتهم اذا عبروا الحدود وتعرضوا لنا، اننا على استعداد بأن نحارب حتى آخر رجل ولن يحركنا أو يصدنا عن حدونا غير الموت...)([2]). حملت هذه الرسالة رأي السلطان على دينار تجاه الغزو الفرنسي وأكدت في الوقت نفسه استعداده للدفاع عن أرضه مهما كلف ذلك واعتقد أن الحكومة البريطانية فهمت فحوى الرسالة وأخذت تخطط للتخلص من السلطان على دينار خاصة وأن اللعبة الدولية وتقسيم المستعمرات قد تم الاتفاق عليها بين كل من فرنسا وبريطانيا ولكي لا يصبح السلطان على دينار مصدر غلق للطرفين كان لابد من التخلص منه.
ارسل السلطان (دود مرة) الذي كان مسيطراً على شمال وداي والذي كان يجد الدعم من الحركة السنوسية في ليبيا إلى السلطان على دينار يطلب منه اتحاد قواتهما مع بعضهما البعض وبعد هذا الاتحاد استطاعت قوات الطرفين السيطرة على دار تاما لكن لعدم فعالية اسلحتهم استطاعت القوات الفرنسية التصدي لهما في 7 ابريل من العام (1910م) واحتمى السلطان دود بالسلطان تاج الدين سلطان المساليت [3]
بعد ذلك تمكن المساليت من هزيمة القوات الفرنسية في (بئر الطويل) في 4 يناير من العام (1910م) وقد افرح هذا الانتصار السلطان على دينار وأخبر سلاطين باشا بذلك وفى الوقت نفسه طلب من الحكومة البريطانية في الخرطوم العمل على تحديد الحدود بين الطرفين وداي ودارفور ([4]) .
كما قام السلطان على دينار بإرسال خطاب إلى القائد آدم رجال وقواته يطلب منهم قتال القوات الفرنسية وان الله سوف يكتب لهم النصر أو الشهادة مما يوضح إصرار السلطان على دينار على القضاء على النفوذ الفرنسي اذا ما تخطى حدود (وداي) ([5]).
قامت قوات السلطان على دينار بالهجوم على دار قمر وهرب السلطان إدريس إلى دار تاما وبعد ذلك تمكنت فرقة من المساليت من الدخول الى دار تاما وهرب السلطان (حسن) وقام السلطان تاج الدين سلطان المساليت بتعيين شخص آخر من التاما ليصبح حاكما ً عليهم ثم استطاعت القوات الفرنسية بواسطة الكابتن (شيفل) بعد دخولها عاصمة التاما (نايرى) من اعادة السلطان (حسن) إلى السلطة، وبعد ذلك توغلت قوات السلطان على دينار بواسطة القائد آدم رجال إلى داخل وداي دون مقاومة ولوقوف المساليت إلى جانب جيش السلطان على دينار بعد ذلك أصبحت (دارتاما) و (دار قمر) خارج السيطرة الفرنسية ([6]).
عسكرت قوات السلطان على دينار البالغ عددها آلف وخمسمائة مقاتل في منطقة تسمى (الجريدة) حوالي 80 ميل من (أبشي) عندها طلب الكابت (شنفل) الذي كان يقوم بحراسة المنطقة الشرقية من الرائد جوليان السماح له بهاجمة هذه القوات وتحرك فعلاً بقواته واشتبك الطرفين وهزم جيش السلطان على دينار في العام (1910م) وخلفوا ما يقارب مائتي قتيل في أرض المعركة بعد معركة اظهروا فيها الشجاعة والاقدام ([7])
نهاية السلطان على دينار:
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام (1914م) انحاز السلطان على دينار الى دولة الخلافة الاسلامية ووقف إلى جانب المحور وذلك بعد أن توترت الوضع بينه وبين الحكومة البريطانية في الخرطوم وامتناعه عن دفع الجزية السنوية التي كان يدفعها للحكومة، بعد ذلك قررت الحكومة البريطانية التخلص من السلطان على دينار لأنه أصبح يمثل مصدر قلق لها ولذلك تم تجهيز حملة كبيرة ([8]).
كانت معركة برنجيه أشبه بمعركة كرري حيث تجمعت قوات السلطان على دينار والتي كان قوامها في أربعة آلف مقاتل مسلحون بالسيوف وبعض الاسلحة النارية القديمة مع حماس عالي وقد هجمت قوات السلطان على الجيش الغازي لكن سلاح الحكومة المتطور واستخدام الطائرات استطاع أن يحصدهم على بعد عشرات الأميال من مركز القائد البريطاني (هد لستون) وقتل حوالي اربعة مائة من اتباع السلطان وانهزم الباقون، دارت المعركة على بعد عشر أميال من مدينة الفاشر عاصمة السلطان في 22 مايو (1916م) وتعد ملحمة بطولية صمد فيها السلطان على دينار وجيشه، بعد هذه الهزيمة تحرك السلطان على دينار مع عدد من اتباعه نحو جبل مرة ولكن تخلى عنه جنوده وانتهز (هد لستون) هذه الفرصة وعمل على مهاجمته في جبل مرة وأصيب السلطان برصاصة طائشة أودت بحياته وبذلك انطوت أقوى معارك الصمود ضد الحكم الانجليزي المصري في العام (1916م) ([9]).
باستشهاد السلطان على دينار وضعت بريطانيا يدها على الاقاليم الذي كانت تطمح في السيطرة عليه منذ العام (1898م) لكن استحواذ السلطان عليه جعله تؤجل هذا الأمر حتى العام (1916م) مستقله الظروف الداخلية والصراع العالمي .
الخاتمة:
لعب الجيش في عهد السلطان على دينار العديد من الأدوار المهمة والتي تتمثل في استعادته للسلطة في دارفور ثم دعمه في تثبيت أركان حكمه وقمع الثورات الداخلية وإخضاع القبائل ثم مشاركته في الحرب ضد الاستعمار الفرنسي في حدود دارفور الغربية وأخيراً مشاركته في معركة برنجيه (1916م).
اعتمد السلطان على دينار على قواته التي تشكلت بمرور الوقت ووضح مدى اهتمامه بهذه القوات من خلال توفير الزي الموحد والتسليح الجيد ثم صيانة هذه الاسلحة في العاصمة الفاشر، رغم هذه العناية التي اولاها السلطان على دينار للعناصر المقاتلة لكن نجده قد وقع في عدد من الاخطاء والتي تتمثل في تصفيته لعدد من قادته المشهود لهم بالكفاءة امثال القائد (تيراب) و(آدم رجال) ثم تطور الأمر وتخلص من قادة المهدية الذين التحقوا بخدمته أمثال عربي دفع الله وكرم الله كركساوي وقد اثبتت الايام مدى حاجته لهؤلاء القادة في معارك السلطان المستقبلية.
الحروبات المتواصلة الت خاضها جيش السلطان على دينار ضد القبائل خلقت ضده حاله من الغضب وعدم الرضي الأمر الذي تم استثماره بصورة كبيرة من قبل الحكومة البريطانية في الخرطوم حيث عملت على تأليب هذه القبائل ضد السلطان على دينار في عمل استخباري كبير ومنظم.
بحلول العام (1916م) لم تكن الأوضاع الداخلية والخارجية تتجه في مصلحة السلطان على دينار مما جعله يخسر معركته المصيرية ضد الاستعمار الانجليزي.
النتائج:
توصلت الدراسة الى عدد من النتائج والتي تتمثل في:-
- لمعرفة السلطان على دينار بدور القوات المقاتلة نجده اعتمد عليها منذ البداية في استعادة عرشه المسلوب.
- عمل السلطان على دينار على تطوير قواته وفق ما هو متاح في ذلك الوقت.
- لحروبات المتواصلة انهكت جسد السلطنة واظهرت عيوبها بمرور الوقت.
- القضاء على معظم القادة من قبل السلطان على دينار جعل الكثيرون يتحاشون العمل مع السلطان على دينار.
- استخدمت الحكومة البريطانية العديد من الاساليب بغرض القضاء على السلطان على دينار بعد أن وصل الطرفين إلى طريق مسدود وتمثل ذلك في العمل الاستخباري وتأليب القبائل ثم الضغط عليه من جهة وداي وكردفان.
التوصيات:
من التوصيات التي خرجت بها الدراسة:
- دراسة التنظيم العسكري لجيش السلطان على دينار بصورة مفصلة .
- دراسة العوامل والاسباب التي أدت إلى سقوط واستشهاد السلطان على دينار رغم الامكانيات التي كانت متوفرة له في ذلك الوقت.
- عمل دراسة مقارنة بين جيش السلطان على دينار وجيوش المهدية وتوضح مدى استفادة الاخير من تلك التجربة.
المصادر والمراجع
اولاً:
المصادر:
1- حسن قنديل ، فتح دارفور سنة 1916م ، ونبذة من تاريخ سلطانها على دينار، الناشر ، مكتبة الشريف الاكاديمية ، الخرطوم ،(ب.ت).
2- يوسف مخائيل ، مذكرات يوسف مخائيل التركية والمهدية والحكم الثنائي في السودان ، (شاهد عيان) ، (تقديم وتحقيق ) أحمد ابراهيم أبوشوك ، الناشر مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي ، أم درمان ، 2004م ، ط2 2007م.
ثانياً:
المراجع:
- آلن ثيوبولد ، على دينار ، (ترجمة) فؤاد عكود ، الشركة العالمية للطباعة والنشر ، الخرطوم، 2005م.
- أحمد شرف الدين عمر، رموز من دارفور ، ج1، (ب.د) ، 2005م.
- أحمد سمى جدو ، دور الزيادية في المهدية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، جامعة الخرطوم، 2006م.
- عبدالرحمن ارباب مرسال ، ملامح من التقاليد العسكرية السودانية ، مطبعة الخيول ، الخرطوم ،2010م.
- على محمد على، القضاء في دولة المهدية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2002م.
- حسن أحمد ابراهيم ، تاريخ السودان الحديث ، (1821-1856م) ، دار الاشراف التربوي ،ط6، 1987م .
- يوسف تكنه ، دارفور صراع السلطة والموارد (1650-2002م) دراسة في السياسة والحكم والادارة ، مطبعة مدارك ،الخرطوم ، 2013م.
- عبدالله محمد أحمد ، جهاد في سبيل الله، المطبعة الحكومية ، الخرطوم ، (ب. ت).
- محمد رفعت رمضان ، وثائق تاريخ الأورطة المصرية السودانية في الكنغو ، مطبعة البستان العربي، القاهرة ، 1963م .
- حاتم الصديق محمد أحمد ، الجيش في المهدية ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت ، 2012م.
- البخاري عبدالله الجعلى ، دبلوماسية الحدود في أفريقيا ، حدود السودان الغربية مع تشاد وأفريقيا الوسطي وليبيا ، بحث التطورات الدبلوماسية والمراكز القانونية ، الشركة العالمية للطباعة والنشر، الخرطوم ، 2004م.
- عبدالرحمن عمر الماحي ، تشاد من الاستعمار حتى الاستقلال، (1894-1960م) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1982م.
- ضرار صالح ضرار ، تاريخ السودان الحديث ،ط4، الدار السودانية للكتب، الخرطوم ، 1964م.
[1])) البخاري عبدالله الجعلى ، دبلوماسية الحدود في أفريقيا ، حدود السودان الغربية مع تشاد وأفريقيا الوسطي وليبيا ، بحث التطورات الدبلوماسية والمراكز القانونية ، الشركة العالمية للطباعة والنشر، الخرطوم ، 2004م، ص 32.
[2])) البخاري عبدالله الجعلى ، مرجع سابق ، ص 33.
[3])) عبدالرحمن عمر الماحي ، تشاد من الاستعمار حتى الاستقلال، (1894-1960م) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1982م، ص 144-145.
[4])) آلن ثيوبولد ، مرجع سابق ، ص 73-73.
[5])) المرجع نفسه ، ص75.
[6])) آلن ثيوبولد ، مرجع سابق ، ص 67.
[7])) المرجع نفسه ، ص 68-69.
[8])) حسن قنديل ، مصدر سابق ، ص 9.
[9])) ضرار صالح ضرار ، تاريخ السودان الحديث ،ط4، الدار السودانية للكتب، الخرطوم ، 1964م ، ص256-257.