الدور الاستخباراتي للأمير عثمان دقنة في الدولة المهدية 1885 _ 1898م (1)

الدور الاستخباراتي للأمير عثمان دقنة

في الدولة المهدية

1885 _ 1898م

(الجزء الأول)

د. حاتم الصديق محمد أحمد

      أستاذ مشارك

قسم التاريخ - كلية التربية

 جامعة الزعيم الأزهري

مستخلص:

يعد العمل الأمني والاستخباراتي واحداً من أهم عوامل استمرارية الدولة، خاصة اذا كانت نشأتها تحفها العديد من المخاطر الداخلية والخارجية، وقد هدفت هذه الدراسة إلى التعريف بواحد من أميز أُمراء المهدية الثورة والدولة وحامي ثغرها في شرق السودان ألا وهو الأمير عثمان دقنة (أمير الشرق)، وتنبع  أهمية هذه الدراسية من أنها تتناول جانب مهم من جوانب حياة أو شخصية الأمير عثمان دقنة من خلال تسليط الضوء على دوره الاستخباراتي في الدولة المهدية (1885-1898م)، وما قام به من عمليات استخباراتية نوعية داخل سواكن، و كسلا، والحبشة وشرق السودان، اتبعت الدراسة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي بغية الوصول إلى نتائج، والتي من أهمها نجاح العمل الاستخباراتي الذي قام به الأمير عثمان دقنة في شرق السودان وداخل الحبشة، للاستفادة من المعلومات المتوفرة في وضع الخطط العسكرية والحربية، وذلك لربط الخليفة عبد الله في أم درمان من خلال المعلومات الاستخباراتية التي ظل يقدمها الأمير عثمان دقنة ليتمكن الخليفة عبد الله من معرفة بما يدور في شرق السودان.

مقدمة:

شهدت المنطقة الشرقية من السودان صراعاً عسكرياً واستخباراتياً محموماً بين القوات الانجليزية – المصرية المرابطة في سواكن والمتحكمة فيها والأمير عثمان دقنة (أمير الشرق)، وقد استمر الصراع والحرب بين الطرفين متخذاً أَشكالاً متعددة من الحرب المباشرة والسيطرة على المدن، ثم الحرب الاستخباراتية بين الفريقين، وقد نجح عثمان دقنة في تحقيق العديد من المكاسب بعد أن استطاع أن يلحق بالقوات الانجليزية – المصرية العديد من الهزائم في معارك التيب الأولى والثانية والسيطرة على طوكر وسنكات ومهاجمة سواكن نفسها، إلا أنه قد تعرض لبعض الهزائم في تلك الجهات، وبعد دخول الجيش الغازي بقيادة اللورد كتشنر إلى السودان للقضاء على الدولة المهدية، تحولت قوات الأمير عثمان دقنة من شرق السودان إلى شماله بغرض متابعة الحملة ودعم قوات محمود ودأحمد بغرض القضاء عليها، وقد نجح عثمان دقنة في تتبع هذه الحملة ورفع تقارير مفصلة عن تحركها حتى وصولها إلى أم درمان في العام (1898م).

دور الأمير عثمان دقنة الاستخباراتي في شرق السودان:

استخبارات عثمان دقنة تهتم بسواكن:

مثَل شرق السودان  نقطة انطلاق مهمة للثورة المهدية، وذلك بعد أن التحق  الأمير عثمان دقنة بالإمام المهدي في الأبيض، ولقبه بأمير الشرق وبعث به إلى شرق السودان ليعمل على نشر المهدية في تلك المناطق، ومن الأبيض توجه الأمير عثمان دقنة إلى قبائل البشاريين والأمرأَر، وعمل على دعوتهم للمهدية فاستجاب الكثير منهم وانضموا لحركة المقاومة في شرق السودان، وقد كان ذلك إيذاناً ببداية الثورة المهدية في الشرق، وبعد وفاة الامام المهدي انخرط الأمير عثمان دقنة في خدمة الخليفة عبد الله وأصبح من أهم أمراء الدولة المهدية (1).

شَكل اهتمام الخليفة عبد الله بشرق السودان نقطة مهمة في العلاقة بين الأمير عثمان دقنة (أمير الشرق) ومركز الدولة في أم درمان، ولذلك عمل الأمير عثمان دقنة على مد الخليفة عبد الله بالمعلومات عن سواكن وجبهات القتال الأخرى، وفي 23 جمادي الأول ( 1306هـ/1887-1888م)  كتب عثمان دقنة للخليفة عبد الله يخبره أن الوضع في سواكن مستقر وأن الإنجليز والمصريين المرابطين في سواكن قد عملوا على جلب قوات إضافية من (جهادية) ومصريين، وأن القوات الهندية التي وصلت للمدينة في وقت سابق مازالت مرابطة بسواكن، وأن بعض الإنجليز رجعوا إلى مصر، وقد أكد عثمان دقنة للخليفة عبد الله أن هذه المعلومات قد تحصل عليها عبر مجموعات لا يمكن الوثوق بها، وهي في الوقت نفسه تعمل على نقل أخباره للعدو في سواكن، وأنه مضطر للتعامل مهم بالرغم من خطورة هذا الأمر(2).

وبالإضافة للمجموعات التي استطاع الأمير عثمان دقنة من خلالها الحصول على الكثير من المعلومات عن مدينة سواكن، فقد كانت له عيونه الخاصة بغرض الحصول على أكبر قدر من المعلومات من داخل المدينة، وقد عمل أمير الشرق على زرع استخباراته داخل سواكن لأنه لم يتمكن من اختراق دفاعتها وتحصيناتها، لذلك وفي مثل هذه الحالات يصبح أسلوب المخابرات (زرع الجواسيس) هو الأَجدى والأنفع، وقد كتب للخليفة عبد الله يخبره أَن عيونه داخل المدينة قد أفادت بأن القوات الموجودة في سواكن قد خرجت في شهر جماد الأول (1310ه/1892مـ ) ناحية (هنبوك) الواقعة بالقرب من سواكن وهم يمتطون الجمال والخيول، لكن لم يتمكن من معرفة وجهتم الرئيسة، مع أن هناك إشاعة تقول بأن وجهتم بربر، ويري عثمان دقنة أن هذه الوجهة غير صحيحة بل وجهتهم غير معلومة، ومتى ما تأكدت له الوجهة الحقيقية سوف يخبر الخليفة بها (3).

أرسل عثمان دقنة للخليفة عبد الله يخبره أن القوة التي خرجت من سواكن قد وصلت فعلاً إلى (هنبوك) وهى تبعد عن هندوب مسافة ساعتين، وقد بلغه أَن الجمال التي تم الاستيلاء عليها من قبل القوات الانجليزية المصرية في سواكن قد تم ترحيل بعضها إلى مصر، والبعض الآخر منها مازال في سواكن، وقد تأكد له أن الغرض من وصول هذه القوات إلى منطقة (هنبوك) يتمثل في عمل نقطة لهم في تلك الجهات، كما أن  الأخبار التي وردت إليه من سواكن تفيد بسفر كتشنر  إلى مصر ولم يرجع حتى الآن (4).

ولشرح الأوضاع في الحاميات والنقاط التي تسيطر عليها القوات الانجليزية – المصرية في شرق السودان كتب الأمير عثمان دقنة للخليفة موضحاً ان الأوضاع في سواكن مستقرة، كما أن اللورد كتشنر لم يرجع حتى الآن من مصر، وقد أكد على أن القوات الموجودة في سواكن لم تقم  بأي عمل عسكري خارج المدينة حتى رجوعه من القاهرة، أما نقطة هندوب فبها مجموعة صغيرة من القوات الإنجليزية – المصرية ومعهم (درب كاتي) مع عشيرته كما اجتمعت معه مجموعة من القبائل في المنطقة الممتدة من هندوب حتى سواكن، وأما منطقة (هنبوك) فتوجد بها مجموعة محدودة من القوات، أما حامية طوكر ففيها ما يقارب الأربعمائة جندي بما فيهم  ثلاثون من الخيالة، وهناك نقطة أخرى تسمى (ترمين) بالقرب من طوكر بها عدد من قوات الباشبوزق من قبيلة الحلنقة، وقد تعرضت هذه النقطة لهجوم الأنصار بواسطة قوات محمد الزين حسن عندما هاجموا طوكر، والأخبار التي وصلت للأمير عثمان دقنة تفيد بأن القوات الانجليزية – المصرية  قد عملت على إنشاء طابية في طوكر(5).

رغم كل هذه التقارير المفصلة التي توضح تتبع عثمان دقنة للأوضاع بصورة واضحة، إلا أنه قد فوجئ بخطاب من الخليفة عبد الله يتهمه فيه بالتقصير وعدم إرسال جميع المعلومات عن القبائل المعارضة، والتي توجد معه في شرق السودان، إلا أن عثمان دقنة قد نفى هذا الاتهام وأوضح للخليفة بأنه قد ظل يعمل على رفع كل الأخبار وبالتفصيل عن الأوضاع في شرق السودان، ولا يمكنه كتمان شيء وقد كتب للخليفة عبدالله في عام (1310ه /1892م) يخبره بوصول خطابه الذي يأمره فيه برفع التقارير المفصلة عن جهته وما يحدث فيها (...انه وقد وصل الينا الكتاب الكريم والخطاب الفخيم رقم 7 جماد الاول وما تضمنه من الحث على رفع الاحوال للسيادة دون كتمان شيء وتفاصيل الأخبار كلها في قليل من الأيام بتوضيح الطايع والعاصي من العربان، وتبيين أمرهم وان نترك ما نحن عليه الان من عدم مواصلة الاخبار للسيادة وان نقوم بكامل المهمة في ملاحظة الجيش ...) فكان رد عثمان دقنة على هذه الاتهامات بأن طلب العفو من الخليفة عبد الله (6).

 المخابرات الإنجليزية - المصرية في شرق السودان:

كتب عثمان دقنة للخليفة عبد الله في عام (1312ه/1894م) موضحاً أن الهدندوة والأمرار المقيمين بالقرب من سواكن قد أصبحوا موالين للحكومة، وكذلك المجموعات المقيمة بالقرب من (طوكر)، كما أن هناك شخص يدعى (درب كاتي ود محمود على) وهو من الفاضلاب مقيم في محل يسمي (دس إبل) ، والذي يقع بين (أوشيد) و(هندوب) في شرق السودان وهو يتقاضى مرتب من الحكومة التركية – المصرية، وقد حضر قبل يومين اثنين من المصريين كانوا محبوسين في سواكن، وأخبرا عثمان دقنة بعدد القوات الموجودة في سواكن والبالغ عددها أورطتين سودانية ومصرية، ومجموعة من الخيالة وعدد من الأبالة عددهم ثمانون، وفي طوكر أورطه سودانية واحدة(7).

أرسل عثمان دقنة للخليفة عبد الله تقريراً  للخليفة عبد الله في عام (1312ه/1894م) مفاده أن قوات الحكومة في سواكن قد كلَفت شخص يدعى ود البدري بغرض دعوة الأهالي للالتحاق بمعسكر( أوكاك) سنكات، الذي يقع تحت سيطرة الحكومة وقد عملوا كذلك على انشاء نقطة في هذه المنطقة، وقد كلَف عثمان دقنة ابن عمه أبو الفتوح موسى دقنة بمراقبة سواكن وتتبع أخبارها أول بأول (8).

نجد أن عثمان دقنة قد سعى وبصورة واضحة على وضع الخليفة عبد الله في مسرح الأحداث من خلال نقل الصورة كاملة له عن الوضع في شرق السودان وسواكن بالتحديد، وقد نبهه الخليفة إلى المجموعات التي يستعين بها لمعرفة أخبار الأعداء المصريين والانجليز في سواكن وغيرها من مدن الشرق أن لا يثق في ولائها والتحوط اللازم لكي لا تنقل أخباره للعدو مثلما تقوم هي بمده بالمعلومات، ولعلاج هذا الأمر يجب تنويع مصادر المعلومات وتعددها لمعرفة الصالح والطالح منها.   

أوضح السير فرانسيس ريجنالند ونجت رئيس قلم  المخابرات في  تقريره عن الأوضاع في شرق السودان بتاريخ (1310ه/1892م)، بأنه قد تم الاتفاق على احتلال طوكر ونقطة (هندوب) وطماي، خاصة وأن  الحكومة المصرية بقيادة الخديوي عباس في القاهرة على علم بالنشاط التجاري الذي يتم في شرق السودان، وذلك من خلال سيطرة عثمان دقنة على الكثير من المناطق، ولذلك تقرر طرد عثمان دقنة من المناطق التي يسطر عليها، وقد كان التردد سيد الموقف إلا قد أن حدث أمر في صالح القوات الحكومية، والذي تمثل في مغادرة عثمان دقنة بقواته لمناطق قبيلة الحباب، وقد أفادت مخابرات ونجت أن الغرض يتمثل في جمع الضرائب من تلك الجهات عندها نجحت القوات الحكومية بقيادة الكابتن (ماكدونالد) في السيطرة على (هندوب) عام (1314ه /1896م) وقد أدى احتلال هندوب إلى ارتياح تام لدى كل سكان سواكن، لأنها كانت تمثل مصدر خطر دائم للمدينة الساحلية (7).

استفادت المخابرات الحكومية من الأشخاص الذين يحتمون بسواكن وغيرها من الحاميات والنقاط التي تسيطر عليها قوات الحكومة الانجليزية المصرية، وقد وصلت المعلومات لهذه القوات من الفارين من معسكر الأمير عثمان دقنة في (عفافيت) حيث أفادت بأن الأمير عثمان دقنة قد عاد بقواته من مناطق الحباب وعندما علم بسقوط (هندوب) و(طماي) غادر عفافيت مع قوة قوامها (380) مقاتل مسلحين بالأسلحة النارية، الغرض منها استعادة (هندوب) في أسرع وقت، عندها قررت القوات الحكومية ارسال تعزيزات إلى هندوب تحت قيادة المستر (ويلد)، وعلى الفور هاجمت قوات عثمان دقنة معسكراً للقبائل الموالية للحكومة بالقرب من سواكن (8).

إلا أنه قد تم القبض على أحد أفراد مخابرات الأمير عثمان دقنة بواسطة قوة بوليس العرب الراكبة، وبعد التحري معه أكد أنه تحرك من (عفافيت) بتعليمات من الأمير عثمان دقنة بغرض معرفة مكان وتحركات قوات العدو، كما أكد أن الأمير عثمان دقنة قد قام بإعدام أوهاج حسن واثنين من شيوخ القبائل الذين شك في ولائهم، وأنهم كانوا يخططون للفرار والانضمام للقوات الحكومية، عندها تقرر التحرك نحو عفافيت وأن تكون طوكر نقطة استراحة أولية، وأَخيراً تمكنت القوات الحكومية من السيطرة على (عفافيت) في العام (1314ه/1896م) بفضل التعاون الاستخباري الذي وجدته قواتها من قبل بعض أبناء القبائل المعارضين للأمير عثمان دقنة (9).

بعد الهجوم الذي شنته قوات عثمان دقنة على طوكر في يوم 7ذي الحجة (1314هـ/1896م)، استطاعت هذه القوات قتل سبعة من القوات التي كانت مرابطة بالقرب من المدينة، منهم إنجليزي واحد وثلاثة من المصريين، وثلاثة من البوليس، وقد كانت ردة الفعل من قبل القوات المرابطة في سواكن أن قاموا بإيقاف المرتبات عن زعماء القبائل الموالية لهم، كما سجنوا بعضم بحجة أنهم لم يعملوا على صد الهجوم عن طوكر، ومن الذين تم سجنهم (درب كاتي محمود على) وبعض زعماء القبائل لكنهم أطلقوا سراحهم بعد ذلك (10).

الاستفادة من الفارين من سواكن في جمع المعلومات:

من المصادر التي اعتمد عليها عثمان دقنة في جمع معلوماته عن سواكن وما حولها من المدن، وأحوال وحركة القوات الإنجليزية - المصرية المرابطة بسواكن مجموعات الأشخاص الذين ينجحون في الفرار من المدينة، ويلتحقون بعثمان دقنة أو بقواته المنتشرة حول المدينة، وعندما نجح شخص يدعى عبد الباقي حسن في الهروب من سواكن قابل الأمير عثمان دقنة وشرح له الوضع داخل المدينة، كما وجد لديه بعض المعلومات عن القوات الإنجليزية – المصرية في دنقلا، وذلك من خلال ما سمعه من العساكر المتواجدين داخل سواكن، كما طلب عبد الباقي حسن السفر إلى أم درمان لاطلاع الخليفة عبد الله على ما عنده من معلومات (11).

ولقد كانت مخابرات المهدية تحت قيادة الأمير عثمان دقنة تعمل على متابعة ما يدور في مدينة سواكن بصورة دقيقة، وقد أفادت مخابراته بحضور الضابط البريطاني كتشنر إلى سواكن  في رمضان (1311ه/ نوفمبر 1895م)، وذكر عثمان دقنة أن كتشنر كان قد ضُرب في فمه في هندوب، وبعد وصوله من مصر توجه عبر الوابور إلى طوكر ورجع بعد ثلاثة أيام إلى سواكن ثم تحرك من سواكن نحو أوكاك (سنكات)، عبر أركويت وبالقرب من أوكاك فضَل الرجوع مرة أخرى إلى سواكن عبر البحر الأحمر ومن ثم تحرك نحو عتيبياي ووصل حتى مرسى (درور)، ثم عاد إلى سواكن مرة أخرى، وهو ينوى التوجه إلى مصر حسب الإفادة التي تحصل عليها عثمان دقنة من مخابراته داخل المدينة (12)، كما نجحت استخبارات عثمان دقنة في أن ترصد وصول اللورد كتشنر إلى سواكن في يوم 12 رمضان ( 1314ه/1896م )، حيث قدم للمدينة من مصر عبر الباخرة، وذكر للخليفة أن حضور كتشنر لسواكن قد قوبل بالفرح الكبير من قبل أهالي سواكن، وهو يخطط للذهاب إلى طوكر عبر الوابور للاطلاع على الأوضاع بها، وأكد عثمان دقنة للخيفة عبد الله أنه سوف يجتهد في الحصول على المزيد من المعلومات (15)، كتب عثمان دقنة للخليفة عبد الله يخبره بذهاب اللورد كتشنر إلى مصر، بعد أن أمضى أثني عشر يوماً بين سواكن وطوكر، ظل خلالها الأمير عثمان دقنة يراقب تحركات كتشنر في المنطقة، ويقوم برفع تقاريرها للخليفة عبد الله في أم درمان(13).

التنسيق الاستخباري والتعاون الحربي بين عثمان دقنة ومحمد الزاكي عثمان عامل بربر:

تعد بربر واحدةً من المدن السودانية المهمة، التي لعبت في فترة المهدية دوراً مهماً في ( تشوين) وإمداد قوات الأمير عثمان دقنة في شرق السودان بالذرة والمهمات الحربية اللازمة للجيش في شرق السودان، لذلك اهتم  عثمان دقنة بإِطلاع عاملها محمد الزاكي عثمان على تطورات الأوضاع في شرق السودان بحيث ذكر له في إحدى خطاباته (... الذي نعلمكم به انه وبحمد الله تعالى قد وصلنا بالجيش الذي معنا بجبال أركويت ووجدنا بها كنسية النصارى وخربناها ودعونا عربناها للطاعة فلم نجد منهم القبول بل تجمعوا واتفقوا على العصاوة وامدوهم الترك بالأسلحة النارية والجبخانة والمأكول حسب طلبهم وانحاز لهم من العربان كل من يريد العصاوة مثل (درب كآتي) وبما معه من الفاضلاب وغيرهم من قبائل العمارار العاصية، وحين قد أيسنا من طاعتهم وصمموا على الحرابة مع قلة الجبخانة معنا وبعد مسافة البقعة الشريفة منا قد حررنا لكم هذا...) (14).

استخبارات عثمان دقنة ومراقبة القوات الإيطالية في كسلا:

في إطار التسابق الاستعماري الايطالي البريطاني نحو شرق القارة الافريقية سيطرت القوات الايطالية  في أول الأمر على ارتريا ثم تمكنت بعد ذلك من السيطرة على مدينة كسلا في يوليو 1894م، عندها عمل الأمير عثمان دقنة على استنفار قواته واستخباراته بغرض جمع أكبر قدر من المعلومات عن المدينة، وقد أفادت المعلومات أن القوات الإيطالية في المدينة سعت إلى معرفة إمكانية قبيلة البني عامر في الدفاع عن المدينة لمدة سنتين في حالة انسحاب القوات الإيطالية فكانت إجابة البني عامر أنهم لن يتمكنوا من الدفاع عن المدينة لوحدهم، إذا ترك لهم هذا الأمر، كما أكد  البني عامر للإيطاليين في حالة انسحاب القوات الإيطالية فانهم سوف يقومون بالتسليم  للأنصار، وقد ظل عثمان دقنة يبحث عن إجابة لهذا السؤال وهو لماذا ذكر الإيطاليون هذا الأمر للبني عامر، وتأكد له بعد ذلك أن الإيطاليين يرغبون في معرفة ولاء من معهم في المدينة (15).

ولمتابعة أخبار كسلا والوجود الإيطالي بها أوضح الأمير عثمان دقنة للخليفة عبد الله أن القوات الموجودة في كسلا والتابعة للإيطاليين والتي سيطرت على المدينة منذ (1312ه /17 يوليو 1894م) قد ظلت تعمل على تقوية استحكاماتها، وذلك بحفر خندق حول حصنهم، كما استخدموا زرائب الشوك للمزيد من التقوية وقائدهم المسمى (برافيكوا)  والذي  توجه قبل فترة إلى (سنهيت) ومعه ولد (هروده)، وهناك شخص يدعى إدريس محمد إدريس من الحلنقة قد توجه قبل فترة إلى (سنهيت) وطلب منهم ان يمدوه بعدد من الخيالة ليصبح مساعداً لهم، ويعمل على خدمتهم، وقد أرسلوا معه مجموعة من الخيول أعطاها لأهله من الحلنقة وشكَل بذلك دورية لحماية المدينة من هجمات الأنصار، كما أوضح الأمير عثمان دقنة للخليفة أن قوات العدو التي في كسلا تبلغ ثمانمائة من الأحباش والبني عامر، تحت قيادة ضباط إيطاليين، وقد عمل عثمان دقنة على إرسال المزيد من استخباراته بغرض كشف المزيد من المعلومات، للاستفادة منها في اختراق قوات العدو ومعرفة أماكن قواته ونقاط ضعفها(19).

(الجزء الثاني)


1- عثمان دقنة ، (تحقيق) محمد ابراهيم ابو سليم دار الجيل ، بيروت، 1991م ، ص، 60.

2-د. و. ق. خ/ مهدية 16/3/1 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبدالله، 3 جمادى الأول 1306ه، مارس 1888م،ص19.

3- د. و . ق. خ / مهدية 1/2/31 من عثمان دقنة إلى الخليفة عبدالله، 9 جماد أول 1310ه، يناير 1892م،ص 264.

4- د. و . ق. خ / مهدية 1/2/31 من عثمان دقنة إلى الخليفة عبد الله ، 27 جماد اول 1310ه، يناير 1892م، ص 265.

5- د. و . ق. خ / مهدية 1/2/31 من عثمان دقنة إلى الخليفة عبد الله ، 20 ذي الحجه 1310ه، مارس 1892م، ص 278.

6- د. و . ق. خ / مهدية 1/2/31 من عثمان دقنة إلى الخليفة عبد الله ، 27 جماد اول 1310ه، يناير 1892م، ص 266.

7- ، أ. ر ونجت، المهدية والسودان المصري ، (ترجمة) محمد المصطفى حسن ، دار عزة للنشر والتوزيع ، الخرطوم ، 2009م، ص 546-547.

8-  المصدر نفسه، ص 547-548.

9-  المصدر نفسه، ص 553-554.

10- د. و. ق. خ/ مهدية 16/3/1 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله، 15 رمضان 1312هـ، ابريل 1894م، ص341.

11- د. و. ق. خ/ مهدية 16/3/1 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله، 19 صفر 1312هـ، مايو 1894م، ص322.

12- د. و. ق. خ/ مهدية 16/3/1 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله، 3محرم  1312هـ، ابريل 1894م، ص377.

13-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 23 شوال  1313هـ، فبراير 1896م، ص362.

14-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 28 رمضان  1311هـ، نوفمبر 1895م، ص385.

15-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 14 رمضان  1314هـ، مارس 1898م، ص385.

16-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 27 رمضان  1314هـ، مارس 1898م، ص387.

17- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى محمد الزاكي عثمان ، 25 رجب  1314هـ، أكتوبر 1898م، ص380.

18-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 28 رمضان  1311هـ، نوفمبر 1897م، ص306.

19-  د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة ،  إلى الخليفة عبد الله ، 14 ربيع   1312هـ، مارس1896م، ص331.

التعليقات (0)