الدور الاستخباراتي للأمير عثمان دقنة
في الدولة المهدية
1885 _ 1898م
(الجزء الثاني)
كتب الأمير عثمان دقنة للخليفة عبد الله يخبره أن عدداً كبيراً من القوات الايطالية الموجودة في كسلا قد قتل في حربهم ضد أحمد فضيل، وقد قُتل معظم قادتهم في هذه المواجهة، وبعد هذه الهزائم قررت القوات الإيطالية الانسحاب من كسلا، وما يؤكد ذلك أنهم عملوا على ترحيل عائلاتهم من المدينة في اتجاه (سبدارت) - أحدى القرى التي تقع جنوب كسلا - وأقدموا على حرق كل الغلال وأمتعتهم، وحملوا ما يمكن حمله من ذخيرة ودفنوا المتبقي منها في باطن الأرض، وعند وصولهم المنطقة الواقعة بين (سبدرات) و(مكرام) لحقت بهم امرأة استطاعت الفرار من الأنصار وهي من قبيلة البني عامر كانت قد وقعت في الأسر، وقامت باطلاع القوات الإيطالية المنسحبة من كسلا بتوجه الأنصار ناحية نهر عطبرة، الأمر الذي أدى إلى عودة القوات الإيطالية مرة أخرى إلى كسلا. وقد ذكر عثمان دقنة للخليفة عبد الله أن القوات الإيطالية تلقت هزيمة كبيرة وقتل العديد من رجالهم في حربهم ضد الحبشة، وقد صدرت الأوامر للقوات الايطالية في الحبشة بالتوجه ناحية مصوع، وأخبروهم أن هناك تحرك حبشي كبير لمحاربتهم، وأما بخصوص كسلا فطُلب سحب العديد من القوات الإيطالية المرابطة بها مع ترك القليل منهم، وذلك بغرض دعم القوات الإيطالية في حربها ضد الحبشة(20).
للحصول على المزيد من المعلومات عن القوات الإيطالية الموجودة بمدينة كسلا، وعلى حسب رغبة الخليفة عبد الله الرامية للحصول على المعلومات المفصلة عن هذه الجهات قام الأمير عثمان دقنة بإرسال خمسين فارساً في 28 صفر (1313هـ /1896م ) من استخباراته بغرض جمع المعلومات عن كسلا، وذلك من خلال وصولهم إلى منطقة القاش وخور (هوشاييت) وخور(بركة)، كما أرسل مجموعة أخرى تحت قيادة محمد موسى دقنة إلى منطقة (أوديب) ومنطقة (تبلول) بغرض كشف أخبار تلك الجهات (21).
مارست القوات الإيطالية في كسلا والمناطق الحدودية الاضطهاد ضد القبائل المحلية مما دفع بعدد كبير من هذه القبائل مثل الحباب والبني عامر، إلى الاحتماء بالمناطق التي تقع تحت سيطرة القوات المصرية مثل سواكن وغيرها، كما طالب عدد من زعماء القبائل بإنشاء نقطة عسكرية مصرية في قرورة، وقد وصل رسول من شيخ قبيلة الحباب إلى السيد عثمان الميرغني في سواكن يخبره بتعرضهم للاضطهاد من قبل الايطاليين في كسلا(22).
إعدام جواسيس بواسطة الأمير عثمان دقنة:
في خطابه للخليفة عبد الله بتاريخ 27 رمضان (1314هـ/1896م) كتب الأمير عثمان دقنة ما يفيد أن أحد الأنصار الذين ذهبوا مع قوات المهدية لحرب قبيلة البني عامر قد وقع في يد القوات الإيطالية، وتم احضاره إلى كسلا، وبعد أن أمضى معهم شهر شعبان وجزء من رمضان طلبوا منه أن يعمل لديهم كجاسوس ضد الدولة المهدية وقوات عثمان دقنة، كما أرسلوا معه شخص آخر من قبيلة من الهدندوة المتعاونين مع الإيطاليين في كسلا، وعند وصولهم إلى ديم عثمان دقنة عمل هذا الشخص على إخفاء الرجل الذي ينتمي إلى قبيلة الهدندوة في أحد المنازل، وعمل على إخبار عثمان دقنة بالمهمة التي حضر من أجلها وأن معه شخصا آخر من قبيلة الهدندوة، فتم القبض على هذا الشخص واتضح بعد التحري معه بواسطة الأمير، أن هذا الشخص يعمل منذ وقت طويل لصالح القوات الإيطالية في كسلا، وقد أوضح الأمير عثمان دقنة للخليفة أن هناك جاسوس آخر يعمل لصالح القوات الإيطالية في كسلا تم القبض عليه وأودع السجن، والدافع الأساسي لهؤلاء الأشخاص للتخابر مع القوات الإيطالية في كسلا هو الطمع في الأموال الكثيرة التي وعدهم بها الأعداء إن تمكنوا من الرجوع إلى كسلا، وقد تقرر شنقهم وتم ذلك أمام جمع من الأنصار(23).
القبض على جواسيس بواسطة عثمان دقنة:
وعندما كان عثمان دقنة بالقرب من سواكن، وصل لمعسكره اثنان من الخيالة التابعين لقوات الحكومة في حامية طوكر، وأخبروا عثمان دقنة أن هناك عدداً من البوليس الموجود في سواكن يرغبون في الحضور إليه والعمل تحت خدمته، وبذلك أصدر الأمير عثمان دقنة خطاب الأمان لكل من يرغب في الانضمام إليه، ولكن قبل أيام قليلة قام اثنان من الذين انضموا لعثمان دقنة من القوات الحكومية بسرقة (بروجي) آلة نفخ يتم استخدامها لجمع القوات، وهربوا به إلى سواكن بغرض إيصاله للأتراك وذلك بغرض إظهار صداقتهم للأتراك في سواكن، ولكن تمكنت قوات الأنصار من اللحاق بهم وبعد التحقيق معهم اتضح أنهم استخبارات للقوات التركية في سواكن حضرت بغرض كشف أخبار قوات عثمان دقنة والعمل على سرقة المعسكر، وهو يرغب في أن يطلع الخليفة على هذا الأمر(24).
ولتكثيف العمل الاستخباراتي عمل الأمير عثمان دقنة على إقامة نقطة استطلاع في منطقة قوز رجب التي تقع على نهر عطبرة، ما بين القضارف وكسلا وقد ظهرت هذه النقطة على مسرح الأحداث عندما تحركت مجموعة من الأنصار من بربر إلى القضارف، وعند وصولوهم إلى قوز رجب وجدوا قوة من البوليس التابعة للقوات الإيطالية في كسلا ،فأطلقوا النار على أربعة من الأنصار وقتلوهم، عندها تدخلت قوة من الأنصار وهاجمت هذه المجموعة وتمكنت من قتل ستة منهم وفروا بعد عبورهم نهر عطبرة ناحية مدينة كسلا، كما قتل من الأنصار ثلاثة في الهجوم الثاني، عندها قرر عثمان دقنة اتخاذ قوز رجب نقطة استطلاع لتحركات القوات الإيطالية في مدينة كسلا وما حولها، تحت قيادة الشيخ محمد حمد، كما أكد عثمان دقنة للخليفة عبد الله بأنه سوف يلحق بهم موسى دقنة ابن عم أمير الشرق (25).
بعث الخليفة عبد الله برسالة في 12 القعدة (1312هـ/ 1894م)، للأمير عثمان دقنة بخصوص نقطة استطلاع قوز رجب، حيث طلب منه أن يعمل الأنصار الموجودون في تلك المناطق على كشف أخبار العدو (القوات الإيطالية في كسلا) وتتبع تحركاتهم، وقد أوضح عثمان دقنة للخليفة أن الأخبار الواردة من كسلا وسواكن عبر مخابراته تؤكد استقرار الأوضاع، وتحديداً القوات الموجودة في سواكن فهي في حالة هدوء تام، ولم يرد عنهم أي خبر بواسطة الاستخبارات التي أرسلها في هذا الخصوص (26).
كتب الخليفة عبد الله في 5 صفر ( 1313ه/ مارس 1897م) للأمير عثمان دقنة يطلب منه الاهتمام بجمع المعلومات وكشف أخبار الأعداء الموجودين في كسلا وسواكن، مع عدم إهمال الزراعة، فقام عثمان دقنة بشرح الموقف للخليفة بكل تفصيل حيث أكد له أن الأخبار المتحصل عليها من القوات الإيطالية في كسلا هي أخبار تم الحصول عليها من محيط المدينة وأنه حتى يوم 6 صفر( 1313ه/1896م)ـ لم تتمكن استخباراته من الدخول لعمق المدينة، واختراقها بغرض جمع المعلومات، لكنه مجتهد في إرسال أشخاص إلى داخل المدينة بغرض الحصول على المعلومات المؤكدة، أما الأخبار الواردة من سواكن فهي تؤكد أن رئيس الحامية بها ومعه مجموعة من معاونيه وبعض أفراد القبائل المتعاونة معهم قد خرجوا من المدينة ناحية أوكاك (سنكات)، وقد أوضحت مخابراته أن السبب من قضاء فصيل الصيف في سنكات مردة ارتفاع درجات الحرارة في سواكن، وهي عادة أهل سواكن قبل قيام المهدية (27).
وصول قوات هندية إلى سواكن:
أفاد الأمير عثمان دقنة الخليفة عبد الله في 28 صفر (1313هـ / 1895م) بوصول قوات هندية إلى سواكن وطوكر، وبعد فترة من الزمن ومن خلال تقارير استخباراته علم أن هذه القوات سوف يتم ارجاعها من سواكن، وذلك بسبب تفشي بعض الأمراض بينهم، كما أصابت الأمراض الخيول التي معهم ومات عدد منهم، ورغم اجتهاد عثمان دقنة في معرفة نوع المرض الذي أصاب القوات الهندية وسببه لكنه لم يتمكن من الحصول على إفادة (28).
وقد كان الهدف من إحضار هذه القوات من قبل الإدارة البريطانية مساعدتها في القضاء على الأمير عثمان دقنة، لأنه أصبح مهدداً لقوات الإدارة البريطانية في شرق السودان.
دور الأمير عثمان دقنة في تتبع أخبار حملة غزو السودان:
مخابرات عثمان دقنة وحملة الغزو:
بعد شهرين من بداية حملة الغزو الإنجليزي - المصري للسودان، والتي بدأت في 21 مارس (1313هـ/1896م) أرسل الخليفة عبد الله إلى الأمير عثمان دقنة يطلب من التوجه شمالاً والانضمام لقوات الأمير محمود ودأحمد (29).
كما صدر الأمر من الخليفة عبد الله للأمير عثمان دقنة في يوم 10 رمضان من العام (1315ه/1898م) بعد ان تقدمت حملة الغزو بقيادة كتشنر جنوباً ـ بالتحرك من الشرق ناحية شندي ليجتمع مع قوات محمود د أحمد بغرض التصدي لحملة الغزو بقيادة اللورد كتشنر، وقد أوضح عثمان دقنة للخليفة أن عدد القوات التي معه حتى تاريخه قد بلغت (1670) مقاتلاً وهي تضم قوات العباس العبيد ود بدر وعبد الله عوض الكريم أبوسن، أما عدد الخيول التي معه فقد بلغ عددها (250) جواد (30).
في إطار تتبع حملة الغزو كتب عثمان دقن للخليفة عبد الله في 4 ربيع ثاني (1315ه/1898م) يخبره أن القوات الغازية قد وصلت إلى مناطق أبوحمد ولكن لم يصله حتى الآن ما يفيد وصولهم إلى بربر وهو يسعى لجمع أكبر قدر من المعلومات عن تحرك قد هذه القوات من عدد من مصادره، وأوضح عثمان دقنة للخليفة أن قبيلة الحسانية والمجموعات القبيلة الأخرى التي ساندت حملة الغزو قد وصل عدد منهم إلى غرب النيل في مناطق التميراب والكتياب؛ وذلك بغرض أخذ عيوش (ذرة) من تلك المناطق، بغرض أرسالها لحملة الغزو(31).
فيما بعد أوضح عثمان دقنة للخليفة عبد الله في 13 جماد أول (1315ه/ 1898م) أنه ومن خلال متابعته لحملة الغزو وقوات الأعداء بواسطة مخابراته، وقد اتضح له بأنهم موجودون بجهة بربر ولديهم أربعة وابورات ولم تزد عن ذلك حتى تاريخه وواحد من هذه الوابورآت ظل يتحرك حتى الدامر ويرجع عند المساء إلى الداخلة، ويرسو في الجهة الغربية من النيل، وهناك أخبار تفيد بوصول السردار إلى منطقة أبوحمد وقوات الأنصار قد وصلت حتى الدامر واشتبكوا مع الوابور الذي يرابط بتلك الجهات، لكنهم لم يتمكنوا من تدميره (32).
تقارير الأمير عثمان دقنة عن حملة محمود ود أحمد:
نسبة لنقص الغلال (الذرة) اللازمة لإطعام قوات الأمير محمود ود أحمد والتي توجهت شمالاً لمواجهة حملة الغزو، كتب الأمير عثمان دقنة للخليفة يوضح له النقص الواضح في الغلال، وذلك بعد انضمامه لقوات لمحمود ود أحمد في المتمة في عام (1315ه/1898م) ويطلب منه سرعة الإمداد وذلك لحاجة الجيش للعيوش، كما أوضح للخليفة أن المسافة التي بينهم وجيش العدو لا تزيد عن ثلاثة أو أربعة ساعات، وقد اقترح على الخليفة عبد الله أن يتم إحضار الغلال من منطقة البطانة عبر أبودليق، كما أوضح عثمان دقنة للخليفة نقطة في غاية الخطورة والمتمثلة في أن العدو ملم بأخبار هذه القوات، وذلك من خلال قوات الجهادية التي فرت من جيش محمود، كما أنه لا يستبعد بأن لها دور في نقل الأخبار الخاصة بنقص الغلال ولكل ذلك يطلب السرعة في إرسال الغلال (33).
كذلك قدم عثمان دقنة مقترحات اضافية للخليفة عبد الله في مسألة مد قوات الأمير محمود ود أحمد بالغلال؛ الأمر الذي يدل على استشعاره بخطورة الموقف وحاجة الجيش للطعام؛ لأن عدم توفره سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة، واقترح على الخيفة إحضار الغلال من كسلا عبر قوات أحمد فضيل، كما ذكر الأمير عثمان دقنة للخليفة أن هناك حركة لقوات تتبع للعدو في المنطقة الغربية من النيل مثل مناطق الجوير، وهي مجموعة من القوات التي تمتطي الجمال والخيول؛ ولذلك يجب إرسال قوات من أم درمان، ويفضل الخيالة حتى يصلوا إلى منطقة بربر بالجهة الغربية، ويمكنهم تشتيت الأعداء في تلك الجهات (34).
كما كتب الأمير عثمان دقنة للخليفة عبد الله أن وابورات العدو قد قامت بضرب حلة (الدامر) بالمدافع، وهو لا يعلم السبب الحقيقي وراء هذا الإجراء، وأن هذه الأخبار قد أفاده بها بحر كرار العبادي، الذي حضر من جهة الدامر، وأكد الأمير عثمان دقنة للخليفة أنه قد ظل يعمل على ارسال الطلائع لجمع المزيد من المعلومات عن الأعداء، وارسالها لطرفه ما أمكن وذلك حتى يكون ملماً بتحركات العدو واستعداداته وعتدته وعتاده (35).
ذكر عثمان للخليفة أن الأخبار التي وصلت إليه من سواكن تفيد بوصول قوات عسكرية إلى سواكن وترغب في التوجه ناحية كسلا، وهو يتطلع للحصول على المزيد من المعلومات عن كسلا، ليتم رفعها بعد ذلك للخليفة أول بأول (36).
عثمان دقنة وتمرد عبد الله ود سعد:
كتب الخليفة عبد الله للأمير عثمان دقنة أنه قد تأكد له عصيان عبد الله ود سعد وقبيلة الجعليين وتمردهم على الدولة المهدية ،ولذلك انتدب الخليفة عبد الله الأمير محمود ودأحمد قائد القوات المتوجهة لمواجهة كتشنر من دارفور، بغرض القضاء على هذا التمرد، وقد توجهت قوات محمود ود أحمد ناحية المتمة، لمواجهة قوات الجعليين أولاً ثم مواجهة حملة الغزو في المرحلة الثانية (37)، وفي يوم 26محرم (1315هـ/1897م) وصلت الأخبار إلى الأمير عثمان دقنة بواسطة استخباراته أن عبد الله ود سعد بعد حضوره إلى المتمة أعلن معارضته للمهدية، وأنه قد اجتمع بعدد كبير من الجعليين حيث طرح عليهم رغبة الخليفة في إخلاء المتمة لقوات لمحمود ود أحمد بغرض مواجهة قوات كتشنر، وقد تم الاتفاق بين المجتمعين على مواجهة قوات الأمير محمود ود أحمد، ولكن عثمان دقنة لم يكن يصدق هذا الخبر حتى ورد إليه خطاب من الحاج حمد المجذوب، فتأكد له الخبر، ولذلك رغب في أن يطلع الخليفة عبد الله على هذه الأخبار، كما قام عثمان دقنة بإرفاق خطاب الحاج حمد المجذوب مع خطابه للخليفة لزيادة التأكيد، وقد ذكر عثمان دقنة للخليفة أنه ولأهمية المعلومة، فقد وجب رفعها بالسرعة المطلوبة للخليفة عبد الله في أم درمان (38).
بعد إعلان التمرد بواسطة الجعليين طلب الخليفة عبد الله من الأمير عثمان دقنة بالتوجه بمن معه من القوات من الشرق إلى الدامر، وعلى أن يضم لقواته المجاذيب والجعليين الذين لا يساندون عبد الله ود سعد، وقد أكد عثمان دقنة استجابته لقرار الخليفة القاضي بالتوجه ناحية الدامر للمساعدة في إيقاف خطر قوات الغزو المتدفقة من ناحية الشمال ناحية أم درمان، ومساندة قوات الأمير محمود ودأحمد (39).
بعد مقتل عبد الله ود سعد وقطع رأسه وارساله للخليفة في أم درمان، كتب الخليفة عبد الله للأمير عثمان دقنة يخبره بما حدث لعبد الله ود سعد وتمكن الأمير محمود ود أحمد من إلحاق الهزيمة بالجعليين فيما عُرفت في تاريخ السودان (بنكبة المتمة)، وقد طلب الخليفة عبد الله من الأمير عثمان دقنة الذي لم يشارك في نكبة المتمة بالتريث قليلاً قبل التحرك للدامر وأن يتواصل مع محمود ود أحمد للمزيد من التنسيق(40).
انضمت مجموعات من الجعليين لقوات عثمان دقنة بعد حادثة التمرد و(نكبة المتمة ) وقد عمل عثمان دقنة على حصر هذه المجموعات في كشوفات منفصلة وتم رفعها للخليفة في أم درمان، وقد بلغ عددهم (250) مجاهداً(41).
مقترح عثمان دقنة لمواجهة حملة الغزو في منطقة السبلوقة:
بعد توغل القوات الإنجليزية – المصرية داخل الأراضي السودانية طلب الخليفة عبدالله من الأمير عثمان دقنة الحضور إلى أم درمان، ثم صدرت إليه الأوامر بحماية منطقة السبلوقة، وقد اقترح عثمان دقنة على الخليفة عبد الله، ونسبة لمعارضة قبيلة الجعليين للمهدية وتعاونهم مع العدو، مواجهة الحملة في منطقة السبلوقة، وذلك لوجود عدد من الطوابي وقربها من أم درمان التي تمثل أكبر تجمع للقوات، وإن تمت الموافقة من قبل الخليفة يتم تراجع قوات محمود من المتمة إلى السبلوقة (42).
وقد أتى الرد من الخليفة عبدالله بتاريخ 9 ربيع ثاني أي بعد ثلاثة أيام من رسالة عثمان دقنة للخليفة، حيث رفض الخليفة عبد الله المقترح المقدم من عثمان دقنة، ووجه الخليفة ببقاء قوات الأمير محمود ودأحمد في جهة المتمة ومواجهة قوات العدو هناك، وقد كان مبرر الخليفة إذا ترك محمود ودأحمد المتمة فان قوات العدو سوف تستولى على المزيد من الأراضي وهو الأمر الذي يخشاه الخليفة (43).
بعد انضمام قوات الأمير عثمان دقنة لقوات الأمير محمود ود أحمد، أشترك معه في معركة النخيلة بالقرب من عطبرة، حيث منيت قوات المهدية بهزيمة ساحقة، وبعدها تراجع الأمير عثمان دقنة شرقاً نحو القضارف ثم اتجه بعد ذلك نحو أم درمان للمشاركة في الإعداد للمعركة الأخيرة، في معركة كرري في سبتمبر (1316ه/1898م) وهي أكبر هزيمة تتلقاها الدولة المهدية وبنهاية هذه المعركة انتهت الدولة المهدية واستطاعت القوات الانجليزية – المصرية دخول أم درمان عاصمة الدولة المهدية معلنه بذلك نهاية الدولة المهدية.
خاتمة
من خلال ما سبق اتضح أن الأمير عثمان دقنة قد نجح وبدرجة كبيرة في رفع تقارير استخباراتية متواصلة وشاملة وموضوعية للخليفة عبد الله في أم درمان، كما نلحظ أن الأمير عثمان دقنة انتهج المنهج التفصيلي في شرح المعلومات وتحليلها ونقلها للخليفة عبد الله وهو أمر مهم ومطلوب في مثل حالة الخليفة عبد الله والدولة المهدية؛ وذلك لأن الخليفة كان يحتاج لكل معلومة مهما صغرت؛ لأنه يعمل على مقارنتها مع كم هائل من المعلومات تتوافر لديه من مناطق وأشخاص آخرين منتشرين في طول البلاد وعرضها. شكل العمل الحربي والاستخباراتي سمة بارزة في مناطق شرق السودان، ومن خلال المعارك المتواصلة برزت القدرات العسكرية والادارية والمخابراتية للأمير عثمان دقنة، وقد ظهرت بالإضافة لعبقرتيه العسكرية قدرته الاستخباراتية في أكثر من جبهة ضد عدو يتربص بالدولة المهدية ويعمل على القضاء عليها بشتى الطرق، وفي ظل هذا الجو المشحون بالتربص والترقب والانقضاض نجحت استخبارات الامير عثمان دقنة في توفير أكبر قدر من المعلومات وقد ترجمت هذه المعلومات في شكل خطط حربية استفادت منها قوات المهدية في حروباتها في شرق السودان، واستطاعت من خلالها تحيقي انتصارات باهرة الأمر الذي جعل عثمان دقنة أكثر أمراء المهدية شهرة في الخارج.
20- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 3 محرم 1312هـ، فبراير1896م، ص377.
21- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 28صفر 1313هـ، نوفمبر1896م، ص378.
22- المصدر نفسه، 378.
23- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 27 رمضان 1314هـ، افبراير1898م، ص387.
24- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 1 الحجة 1310هـ، فبراير 1894م، ص378-279.
25- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 13 شوال 1312هـ، ابريل1896م، ص343.
26- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 12 القعدة 1312هـ، مايو1896م، ص344.
27- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 5 صفر 1313هـ، مارس1897م، ص348.
28- د. و. ق. خ / مهدية /1/31/3 من عثمان دقنة إلى الخليفة عبد الله، 28 صفر 1313هـ، فبراير 1897م، ص 378.
29- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله، 10 رمضان 1313هـ، مارس1897م، ص416.
30- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى محمد الخليفة عبد الله، 4 ربيع ثاني 1315هـ، مارس 1898م، ص398.
31- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 13جماد أول 131هـ، اكتوبر 1898م، ص420.
32- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 5القعدة 1315هـ، ابريل 1898م، ص420.
33- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 18اشوال 1315هـ، فبراير 1898م، ص419.
34- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 5 ربيع الثاني 1315هـ، اكتوبر 1898م، ص400.
35- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 14 ربيع الثاني 1315هـ، اكتوبر 1898م، ص402.
36- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 26 محرم 1315هـ، نوفمبر 1898م، ص393.
37- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 9صفر 1315هـ، ابريل 1898م، ص396.
38- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى الخليفة عبد الله 9صفر 1315هـ، ديسمبر 1898م، ص394.
39- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى محمد الخليفة عبد الله 9صفر1315هـ، ديسمبر 1898م، ص395.
40- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى محمد الخليفة عبد الله 4ربيع ثاني1315هـ، ديسمبر 1898م، ص399.
41- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى محمد الخليفة عبد الله 6 بريع ثاني1315هـ، مارس 1898م، ص403.
42- د. و. ق. خ/ مهدية 1/31/3 من عثمان دقنة، إلى محمد الخليفة عبد الله 27 بريع ثاني1315هـ، مارس 1898م،ص405.
43- محمد سليمان صالح ضرار، أمير الشرق (عثمان دقنة)، ط1، الدرار السودانية للكتب، الخرطوم، (ب.ت)، ص 122.