إدارة مدينة سواكن في العهد العثماني (1520-1866) (1)

إدارة مدينة سواكن في العهد العثماني

(1520-1866)

(الجزء الأول)

         إعداد

د. حاتم الصديق محمد أحمد

      استاذ مشارك

  جامعة الزعيم الأزهري

كلية التربية – قسم التاريخ 

المستخلص:

هدفت هذه الدراسة إلى تتبع تاريخ مدينة سواكن في العهد العثماني، وكيفية نجاح العثمانيين في السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية التاريخية المهمة، وما تَم إنجازه من قبل العثمانيين في مدينة سواكن خلال فترة حكمهم وإدارتهم، وشرح العلاقة التي ربطتها بمحيطها المحلي والاقليمي والدولي، كما عمدت الدراسة إلى شرح علاقة العثمانيين في سواكن بالفونج أولاً، ثم بمحمد على باشا ثانياً ثم بعد ذلك إبراز مشاهدات وانطباعات بعض الرحالة الذين زاروا المدينة في فترات مختلفة الأمر الذي ساعد في تتبع مراحل تطور مدينة سواكن، كما تنبع أهمية الدراسة من كونها تسعى بصورة كبيرة لمعرفة الوجود العثماني في سواكن وشرح طبيعة هذا الوجود وأثره على المدينة ومنطقة البحر الأحمر بصورة عامة في ظل صراع محموم للسيطرة على موانئ البحر الأحمر، اتبعت الدراسة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي للوصول إلى عدد من النتائج والتي منها أن مدينة سواكن كانت ومازالت قبلة انظار جميع القوي العالمية للسيطرة عليها وذلك لأهميتها التاريخية والجغرافية والاستراتيجية، كما أن مدينة سواكن مرت بفترات من التطور والازدهار وأخرى من الضعف والإهمال، ولكن رغم كل ذلك حافظت المدينة التاريخية على بريقها وجاذبيتها على مر العصور؛ لأنها تمثل حلقة الوصل بين الشرق والغرب وميناء لا غنى عنه في حركة الملاحة الإقليمية والدولية؛ كما تمثل سواكن محوراً مهماً واستراتيجياً في المحافظة على أمن البحر الأحمر واستقراره في عالم يشهد وبقوة صراع الموانئ والمدن الساحلية.

Abstract

This study aims at tracing the history of Suakin at the Ottoman era. Second, it aims at understanding the success of the Ottomans in controlling this important strategic historical city. Third, it tries to explore their achievements during their administration as well as the relation that relates with its local, regional and international levels. This study also scrutinizes the relations of the ottomans with the Funj in Suakin, Mohammad Ali Pasha as well as exploring the witnesses of explorers visited Suakin. The significance of this study emerges from the its endeavor to understanding the Ottoman existence in Suakin, its nature and its impact on the city on the one hand and the Red sea on the other amidst hot conflicts to control the  city. This study followed the descriptive –analytic approach. The study achieved several findings the most important of these were; Suakin was and still attracting the attention of international powers due to its historical, strategic and geographical importance. Suakin also undergoes different periods of prosperity and weakness respectively. However, this historical city has preserved its glamour through ages. The city represent a bridge of communication between the east and the west as well as being an indispensable port in the regional and the international navy. Last but not least, Suakin  an important and strategic part in the  security of the Red Sea and the state of order in a world severely conflict over controlof ports and coastal cities.                                                                  

المقدمة:

تعد مدينة سواكن من المدن السودانية المهمة صاحبة الماضي التليد والتاريخ العريق على مر العصور في البحر الأحمر، ولموقعها الجغرافي المميز كان لها دور كبير في خدمة الملاحة البحرية وحركة التجارة بين جانبي ساحل البحر الأحمر والمناطق البعيدة مثل الصين والهند والملايو شرقاً وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا غرباً، وقد ساعد موقع المدينة الجغرافي في أن تلعب دور الوسيط الناجح في تطوير حركة التجارة البحرية بين مناطق الشرق والغرب، كما أنها شكلت الرابط الحقيقي للعمق السوداني نحو الساحل وذلك عبر السلع والبضائع التي كانت تأتي من داخل العمق السوداني مثل مناطق دارفور وكردفان والشمالية وسنار إلى سواكن ليتم شحنها إلى الأسواق التجارية العالمية، كما أسهمت سواكن في تنشيط حركة التجارة الداخلية  وذلك من خلال تسهيل دخول السلع الخارجية عبر الميناء، لذلك وفد التجار من مختلف بقاع العالم القديم لسواكن بغرض التجارة وتطويرها، وإضافة للتجار وفد لسواكن مجموعات من الرحالة والمغامرين الذين كتبوا مشاهداتهم عن المدينة.

سواكن الموقع :

تقع سواكن على ساحل البحر الأحمر شرق السودان، بين مينائي باضع وعيذاب، وعلى مسافة 40 ميلاً جنوب ميناء بورتسودان، وتتكون سواكن من جزيرة صغيرة ملاصقة للساحل وبر تسكنه قبائل البجا التي تعد من أقدم العناصر السكانية في السودان، يربط جزيرة سواكن ممر مائي ضيف في شكل زراع يسمح بمرور السفن إليه من البحر ([1]).

تعد سواكن من أقدم المدن الموانئ السودانية، ويرجع تاريخها حسب بعض الروايات إلى عهد سيدنا سليمان بن داوود، أي القرن العاشر ق.م، وذكر أن أسم سواكن مشتق من لفظ ( سواجن) وأن سيدنا سليمان اتخذها سجناً للجن، ويقال أن ملك الفرس خسروا أرسل في طلب جواري من الحبشة، ومرت سفن الجوارٍ بسواكن ولما وصلت الجواري إلى فارس تبين أنهن حوامل وعند السؤال عن الفاعل قيل له (سواه جن)، وقيل أن لفظ سواكن في اللغة الهندية تعني المدينة البيضاء، وهي عبارة عن جزيرة دائرية الشكل يربطها بالساحل جسر بني في عهد ممتاز باشا ([2]).

عُرفت سواكن منذ القدم محطة لخدمة السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر، حيث يتم تزويد هذه السفن بالمياه وبعض المواد الغذائية، كما أنها كانت تعد من أفضل المراسي في البحر الأحمر للحماية من العواصف البحرية، ورد ذكر سواكن في العديد من المصادر والحقب التاريخية، فقد ورد ذكرها عند قدما المصريين، والاغريق، والرومان، والعرب، والأتراك العثمانيين ([3])، وصف المسعودي سواكن بأنها جزيرة صغيرة، من أهم الموانئ والمراكز التجارية العالمية، إذ تعتبر البوابة الأولى لعبور البضائع القادمة من الشرق نحو مصر وحوض البحر المتوسط والمدن الأوربية ([4]).

سواكن تشبه عيذاب في نشأتها وطبيعتها، والمكانة التي وصلت إليها، ثم خرابها بعد ذلك، فقد نمت سواكن وتطورت على حساب مدينة عيذاب، ثم ظهرت بورتسودان وتطورت على حساب سواكن ([5]).

استفادت سواكن من الخراب الذي لحق بميناء عيذاب، على يد المماليك في حوالى عام (1426م)، كما أن عيذاب هجروا إلى سواكن واستقروا فيها وعملوا بالتجارة والملاحة، كما أن خراب عيذاب أدى إلى ازدياد نشاط حركة السفن نحو سواكن من الهند والصين وغيرها من مناطق التجارة في ذلك الوقت، وقد كُتب تاريخ جديد لسواكن في مجال التجارة والملاحة في البحر الأحمر ([6]).

نجد أن تطور مدينة سواكن كان على حساب مدينة عيذاب، وبعد تطور سواكن وزيادة مكانتها داخليا وخارجياً أصبحت المدينة مجموعة خرائب، وذلك يرجع لنشأة وتطور مدينة بورتسودان، ومحاولة  الحكم الانجليزي - المصري من جعل بورتسودان ميناء بديل لسواكن وذلك من خلال تضيق الخناق على المدينة وتحويل حركة التجارة الخارجية إلى بورتسودان.

تميزت مدينة سواكن بعدد من المميزات منها والتي منها:

- ميناء سواكن من أقدام الموانئ التي عرفت في ساحل البحر الأحمر.

تربط سواكن بعدد من الطرق الداخلية بين الساحل والعمق السوداني والتي منها:

- طريق سواكن سنار وهو من الطرق المفضلة للحجاج القادمين من كردفان.

- طريق يربط سواكن بمروي.

- طريق يربط سواكن بأكسوم.

- طريق سواكن - شندي والذي يمر عبر التاكا والقاش.

- طريقي يربط سواكن بمدينة كسلا.

- طريق يربط سواكن بمدينة بربر.

- طريق يربط سواكن بمصر وهو طريق بري يمر عبر مناطق قبيلة البشاريين.

- طريق يربط سواكن بمدينة الدامر.

- طريق يربط سواكن بمدينة شندي يمر عبر مدينة عطبرة ([7]).

التركيبة السكانية :

يسكن مدينة سواكن خليط من الناس، البجة الهدندوة والأمرار والبشاريين والحضارمة أهل حضرموت، وخليط من المجموعات العربية والأتراك الذين تناسلوا من الحامية التركية التي وفدت للمدينة في عهد السلطان سليم الأول ([8])، يعتبر البجة السكان الأصليين في سواكن، وهم من أهم المجموعات السكانية في المدينة، وقد كانوا يقومون بفرض الضرائب على القادمين إلى المدينة ([9]).

أهمية سواكن:

سواكن من المدن السودانية المهمة عبر العصور، والدليل على ذلك أن كل الحضارات التي قامت في السودان أو خارج محيطه سعت إلى السيطرة على هذه المدينة الإستراتيجية المهمة وقد نجحت مجموعات وفشلت أخرى، فقد حاول الفراعنة في مصر السيطرة على الميناء، وكذلك الحضارة المروية، البطالمة، والفاطميين، والمماليك، والفونج، والعثمانيين، الأمر الذي يشير وبصورة واضحة إلى أهمية هذه المدينة في الماضي والحاضر والمستقبل.

الأهمية الأثرية لمدينة سواكن:

تعد سواكن أحد المعالم الأثرية في السودان عموماً وشرق السودان على وجه الخصوص، وقد أولت الحكومات المتعاقبة عناية كبيرة لهذه المدينة الاستراتيجية من خلال البعثات الأثرية وفرق ترميم المدينة، ولكن هناك بعض الصعوبات التي تواجه المدينة وتعيق عملية المحافظة عليها  ففي العام (1988م) طالبت مصلحة الأثار من محافظ مديرية البحر الأحمر الاهتمام بالمدينة من خلال.

- منع دخول العربات للمدينة لأنها تودي إلى تصدع المباني، والدخان المتصاعد من هذه العربات يخلف ثاني أوكسيد الكربون على المباني البيضاء.

- ضيق شوارع المدينة لا يسمح بمرور العربات لذلك يجب منعها من الدخول([10]).

(الجزء الثاني)

(الجزء الثالث)

(الجزء الرابع)


[1])) عبد الرحمن حسب الله الحاج، العلاقات بين بلاد العرب وشرق السودان، منذ ظهور الإسلام وحتى ظهور الفونج (911ه/1505م)، المطبعة العسكرية، أم درمان، 2005م، ص 74

[2])) محمد سليمان صالح ضرار، أمير الشرق (عثمان دقنة)، ط1، الدرار السودانية للكتب، الخرطوم، (ب.ت)، ص، 15-16.

[3])) نعيمة شديد محمد زين، أهمية الموانئ السودانية عبر البحر الأحمر خلال العصر الاسلامي، كتابات سودانية، كتاب غير دوري، مركز الدراسات السودانية، القاهرة العدد 46، 2009م،ص62.

[4])) المرجع نفسه، ص 62-63.

[5])) المرجع نفسه، ص 63.

[6])) صلاح الدين الشامي، الموانئ السودانية (دراسة تاريخية جغرافية)، إشراف الإدارة العامة للثقافة والتربية والتعليم الإقليم الجنوبي، مكتبة مصر، القاهرة، 1961م، ص 113.

[7])) حسن الشيخ الفاتح قريب الله، السودان دار الهجرتين الأولى والثانية للصحابة، سلسلة انتشار، الكتاب السوداني،(3)، الخرطوم، ( ب.ت)، ص 133-134.

[8])) جون لويس بوركهارت، رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان، (1784-1817)، دار كنوز للطباعة والنشر القاهرة، 2012م، ص 341.

[9])) نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، (تقديم) فدوى عبدالرحمن على طه، دار عزة للطباعة والنشر، الخرطوم، 2007م، ص382.

[10])) صلاح عمر الصادق، المواقع الأثرية بالسودان، مكتبة الشريف الاكاديمية، الخرطوم، 2006م، ص 36-37.

التعليقات (0)