الهنود في السودان
(الجزء الأول)
إعداد
د. حاتم الصديق محمد أحمد
أستاذ مشارك
قسم التاريخ – كلية التربية
جامعة الزعيم الأزهري
المستخلص:
يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على مجموعات الهنود في السودان؛ وذلك من خلال تتبع العلاقات الأفريقية الهندية والهندية السودانية عبر مر العصور، وقد شهد السودان هجرات بشرية وعلى فترات تاريخية متعددة من الهند إلى سواكن المحطة الأولى للتجار الهنود، ثم بعد ذلك تسربت هذه المجموعات إلى المدن السودانية الأخرى مثل كسلا، بورتسودان، ود مدني، أم درمان، الدامر، وغيرها من المدن السودانية، وسوف تعمل الورقة على تتبع الهجرات الهندية للسودان مع توضيح المدن التي استقرت فيها هذه المجموعات والحرف التي مارسها الهنود في السودان.
ولأن المجموعات الهندية تعتبر من أكثر المجموعات تأثيراً في الحياة الإقتصادية والإجتماعية السودانية حاولت الدراسة أن تشرح وبصورة فيها قدر من التفصيل الآثار التي تركتها هذه المجموعة على السودان والسودانيين. تنبع أهمية البحث من أنه يعد البحث الوحيد حسب اعتقادي الذي يوضح دور المجموعات الهندية في السودان ويمكن أن يكون دراسة مفتاحية للمزيد من البحوث والدراسات حول هذه المجموعة السكانية. اتبعت هذه الدراسة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي بغية الوصول إلى نتائج.
مقدمة:
شهد السودان ومنذ قديم الزمان هجرات متعاقبة لمجموعات سكانية من خارج وداخل القارة الأفريقية، فقد وفدت إلى السودان المجموعات العربية، والأفريقية وكذلك المجموعات الأوربية ومجموعات شرق أسيا حيث يعتبر الهنود أهم المجموعات التي وفدت من شرق آسيا إلى السودان، وتعد التجارة من أهم الاسباب التي دفعت مجموعات الهنود للاستقرار في السودان، والإختلاط بأهله على مر العصور، وأصبحت مجموعات الهنود الذين ولدوا واستقروا في السودان سودانيون بالميلاد، وهناك أربعة أجيال من الهنود في السودان عاشت وترعرعت في هذا البلاد وهي تكن لوطنها السودان كل الحب والتقدير والإنتماء.
العلاقات الهندية الأفريقية:
الناظر للعلاقات الأفريقية الهندية يجدها وعبر العصور أن التجارة تعد الرابط الرئيس لهذه العلاقات وعبر التجارة تم تبادل المجموعات السكانية بين القارة الأفريقية وشبه القارة الهندية وقد كان شرق أفريقيا وجنوبها نقطة ارتكاز للتجار الهنود وعبر البحر الأحمر وصلت البضائع الهندية إلى معظم مدن الساحل الشرقي الأفريقي، وقد لعبت هذه البضائع دوراً مهماً انتعاش النشاط والتبادل التجاري بين الهند وأفريقيا، وقد كانت السواحل والموانئ الأفريقية تمد التجار الهنود بعدد من السلع منها ريش النعام وسن الفيل والذهب وتستقبل الموانئ الأفريقية عددٍ من السلع الهندية أهما التوابل والعطور والملبوسات القطنية وغيرها من المنتجات الهندية.
هجرات الهنود إلى السودان:
يمتاز السودان بموقع استراتيجي حيث يقع في الجزء الشمالي الشرق من قارة أفريقيا ويطل على البحر الأحمر الذي يعتبر الممر المهم والإستراتيجي لحركة التجارة العالمية (1).
وتعد العلاقات السودانية الهندية علاقات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ ويمكن القول أن هذه العلاقات بدأت منذ الحضارة المروية في السودان والتي كانت لها صلاة قديمة مع الحضارة الهندية وهي صلات تجارية (2).
يمكن القول أن العلاقات السودانية الهندية قديمة وذلك منذ أن عرف التجار الهنود طرق التجارة عبر البحر الأحمر إلى ساحل شرق أفريقيا وذلك عبر تجارة التوابل والبخور والأقمشة.
كما أن البحر الأحمر لعب دوراً مهماً في ربط السودان بالعالم الخارجي من خلال حركة التجارة الخارجية كما سهل أيضاَ عملية ربط السودان بشرق آسيا ويصبح حلقة الوصل بين (الشرق والغرب)، وقد وصلت السلع الهندية إلى السودان عبر ميناء سواكن وعيذاب على البحر الأحمر ثم يتم نقلها بعد ذلك إلى باقي المدن السودانية الداخلية (3).
البضائع الهندية في مدينة شندي:
ذكر الرحالة (بوركها رت) أنه وعند زيارته لمدينة شندي شاهد العديد من أنواع القماش في سوق المدينة - التي تعتبر أكبر سوق لتجارة الرقيق في أفريقيا – وقد كان يتم إحضاره من الهند وقد كانت الثياب الهندية من أجود أنواع الثياب ولا يلبسها إلا الطبقة الأرستقراطية في شندي وسنار وكردفان، وبالإضافة للدبلان والشاش وهي من أنواع القماش القطني الهندي وجد العديد من أنواع العطور الهندية والحرائر حيث يعتبر تجار شندي التجار الوحيدون في توريد هذه المنتجات، وبالإضافة للعطور والأقمشة فقد كان التجار في شندي يستوردون الخرز والسوميت والكهرمان وكلها من الهند ويقومون ببيعها في دارفور ودار صالح وبرقو (4).
وبالإضافة إلى مدينة شندي كانت سنار عاصمة الفونج تعد من المدن المزدهرة إقتصاديا يجتهد التجار في إحضار السلع إليها من مصر والحجاز والهند، وقد وصلت من الهند إلى سنار سلع الصابون والبهارات والعطور والمنسوجات القطنية الفاخرة، وقد ركز التجار على البضائع الهندية لجودتها، ونتيجة لذلك ظهرت تجمعات تجارية في كل من بربر وشندي وفاز غلى لتعمل هذه المدن في حركة الصادر والوارد (5).
ميناء سواكن:
أزدهر ميناء سواكن ميناء تجاري بعد تخريب ميناء (عيذاب) في مثلث حلايب وانهياره في القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي، وتاريخ أنشأ شواكن اقدم من نشاطها التجاري الذي اشتهرت به، ويعد ميناء سواكن من أقدم الموانئ على البحر الأحمر حيث ساهم في حركة التجارة العالمية ونقل البضائع والسلع منذ القرن الخامس عشر ق.م حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد اتخذ (رعمسيس الثاني) الذى حكم مصر في الفترة من (1415-1329 ق.م) من سواكن قاعدة تجارية لأسطوله التجاري الذي كان يرتاد مواني البحر الأحمر المحيط الهندي، ويذكر ايضاً أن (بطليموس فيلا دلقوس) اتخذ من مدينة سواكن مخزناً لسن الفيل الذي كان يتاجر به في ذلك الوقت وقد ازدهرت سواكن كمركز تجاري كبير في عهد البطالمة (6).
بالإضافة لميناء سواكن ودوره التجاري كان هناك ميناء (عيذاب) الذى نشأ في القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي حيث كان يستقبل البضائع من اليمن والهند والصين وزنجبار. اما ميناء سواكن فقد اعتمد عليه السودانيون كثيراً وذلك بسبب لموقعه الوسط ومعرفة التجار له والاطمئنان له كمرسي وأضف لكل ذلك أن سواكن كانت ترتبط بداخل السودان بعدد من الطرق الواصلة بين سواكن والمدن السودانية الكبيرة مثل:
- طريق سواكن شندي.
- طريق سواكن سنار مباشرة.
- طريق سواكن الدامر.
- طريق سواكن شندي عبر نهر عطبرة.
- طريق سواكن سنار عبر التاكا إلى نهر عطبرة ثم الدندر ثم سنار.
- طريق سواكن شندي ثم سنار عبر النيل.
كل هذه الطرق وغيرها لعب دوراً مهماً في حركة التجارة الداخلية والخارجية (7). عبر هذه الطرق دخلت المجموعات الوافدة إلى السودان عربية وشامية وأوربية وهندية والملاحظ أن هذه الطرق تربط بين ميناء سواكن على ساحل البحر الأحمر الميناء التجاري الأول في السودان والمدن السودانية المهمة في العمق السوداني.
الهنود في سواكن:
تعد مدينة سواكن أول المدن السودانية التي يفد إليها الهنود، ويعتبر التاجر الهندي (لوشن أمرسون) أول تاجر هندي يستقر في مدينة سواكن وقد وصل إلى سواكن عبر مركب تجاري شراعي وذلك في العام (1866م) وفي العام (1877م) وفد إليه في سواكن عدد من الهنود من ميناء (مصوع) ثم تزايد عدد الهنود بعد ذلك في السودان حيث استقروا في عدد من المدن السودانية بعد سواكن والتي منها مدينة كسلا، وبورتسودان، والقضارف، وود مدني، ووأم درمان، والدامر، وبربر(8).
المجموعات الهندية التي وفدت إلى السودان واستقرت فيه وفدت من ولاية (كجرات) الهندية وهي ولاية تجارية والأمر الذي دفع الهنود للقدوم إلى السودان الإقتصاد الجيد للسودان في ذلك الوقت ثم التعامل التجاري الممتاز للسودانيين، والمجموعات التي قدمت إلى السودان من الهنود عملوا في بيع الأقمشة والعطور وطاب لهم المقام واصبحوا سودانيين بالميلاد (9).
الهنود في سواكن في العهد التركي:
ساهم افتتاح قناة السويس في العام (1869م) للملاحة البحرية الدولية في إنتعاش الموانئ البحرية على البحر الأحمر، ولذلك أصبحت سواكن من أكبر الموانئ البحرية على البحر الأحمر وفد إليها التجار الهنود، وقد سعى الخديوي اسماعيل إلى تطوير الميناء من خلال بناء المنازل الجديدة وبناء عدد من المصانع ومستشفى، وعبر الميناء إنتعشت عملية تبادل السلع السودانية في العهد التركي مثل الصمغ العربي وسن الفيل وشمع العسل والتوابل وظهرت البضائع الواردة من شرق آسيا والهند والصين مثل الورق والمنسوجات القطنية، كما زاد سكان في المدينة ووفد إليها التجار من مختلف مناطق العالم مثل الدولة العثمانية واليونان واليمن وأرمينيا والهند، كما عملت في سواكن شركة دولية وهي شركة الهند الشرقية الانجليزية و(الشركة الخديوية) وشركة (ملاحة رباتينو) الإيطالية، كما سعت الخديوية إلى ربط سواكن بمناطق الإنتاج في العمق السوداني عبر السكة حديد إلا أن الحرب الأثيوبية المصرية واندلاع الثورة المهدية في السودان أدت إلى وأد المشروع كما شلت حركة العمران والتطور في المدينة (10).
في فترة الحكم التركي كانت البضائع الهندية تصل إلى مدينة الخرطوم عبر سواكن وهي المنسوجات القطنية والعطور حيث كانت هذه البضائع تجد رواجاً في المدينة التي أصبحت عاصمة للحكم التركي وازدهرت في ذلك الوقت (11).