الهنود في السودان
(الجزء الثاني)
الهنود والدولة المهدية:
في فترة الخليفة عبدالله وفد إلى الدولة المهدية عشرة رجال منهم سبعة من الهنود وثلاثة من بخاري حيث عمل الخليفة عبدالله على اكرامهم ثم انشغل عنهم بعد ذلك رغم تشديده عليهم بحضور الصلوات الخمس في المسجد مثلهم مثل باقي الأنصار في أم درمان ولإهمال الخليفة لهم ولحاجتهم للمال امتهن البعض من التسول، وكان من بين الثلاثة من بخاري شخص رجل يدعى محمد الأمين أخبر الخليفة عبدالله بمعرفته بطرق الطباعة والنسخ ولذلك استفاد منه الخيفة عبدالله في مطبعة الحجر وجعل له راتب خمس ريالات. كما كان من ضمن الهنود رجل يدعى كمال الدين يذكر أنه بارع في الإحتيال ولمرقته بحاجة الخليفة عبدالله (لعجينة البارود) عرض على الخليفة الحصول على هذه المادة وصدقه الخليفة وعطاه الكثير من الأموال ولكن بعد فترة من الزمان تبين كذبه على الخليفة عبدالله فما كان منه إلا أن قام بجمع كل الهنود في أم درمان بما فيهم كمال الدين وطلب منهم الرجوع إلى بلادهم بعد أن زودهم بخطاب يتيح لهم الدعوة للمهدية في الهند، وفي اليوم المحدد لسفرهم عبر سواكن خرج الخليفة في وداعهم خارج أم درمان (12).
مما سبق نجد أن حركة وصول الهنود إلى السودان كان في شكل مجموعات صغيرة ترغب في الإستقرار في السودان أما المجموعات الكبيرة فقد كانت مجموعات التجار التي وصلت إلى سواكن وأصبحت تعمل في نقل السلع والبضائع بين السودان والهند والعكس. وقد زاد توافد الهنود إلى السودان بصورة كبيرة مع مجي الإحتلال البريطاني للسودان.
الهنود في مدينة كسلا:
تقع مدينة كسلا في شرق السودان وتعتبر المدينة الثانية التي هاجر إليها الهنود بعد سواكن، تقع مدينة كسلا على سفح جبل التاكا وهي على الحدود مع اريتريا، ولموقع المدينة الممتاز أصبحت قبلة للمجموعات المهاجرة من داخل وخارج السودان والهنود أحدى هذه المجموعات التي استقرت في المدينة (13).
جاء الهنود إلى كسلا على ظهور الجمال ويعود تاريخ الهنود في كسلا إلى العام (1918م) وقد قدموا للمدينة من سواكن بغرض التجارة حيث كانت التجارة مزدهرة في هذه المدينة وتحديداً تجارة الحدود كما أن استيراد البضائع من بريطانيا لا تواجه أي عوائق.
بدأت الهنود في كسلا بعدد صغير ثم توسعت هذه المجموعة وتكاثروا حتى بلغ عددهم في المدينة 55 أسرة. وفي فترة الحكم الانجليزي – المصري تم تخصص موقع خاص بسكن الهنود في كسلا حمل أسم ( حي الهنود) (14).
تتميز الشخصية الهندية في كل المدن السودانية بأنها شخصية مسالمة لا تميل إلى العنف وتشهد لهم بذلك محاضر الشرطة في المدن السودانية عبر تاريخهم الطويل، وبمرور الزمن أصبح الهنود في كسلا وكل المدن السودانية جزء من المجتمع السوداني يشاركون أهل هذه المدن السراء والضراء أما في مدينة كسلا فأنهم يشاركون الدولة احتفالاتها الرسمية واستقبال كبار الزوار كما يشاركون بتراثهم الفني في المناسبات القومية، وقد بلغ عدد الهنود في كسلا حسب إحصاء (1993م) (236) نسمة.
حصل الهنود من الجيل الثاني والثالث في كسلا على الجنسية السودانية وذلك وفقا لقانون الجنسية السوداني، هناك ملاحظة وهو رغم حصول الهنود في كسلا على الجنسية السودانية إلا أنهم مازالوا يحتفظون بجوازهم الهندي الذي يسهل عليهم دخول الهند والتنقل بين أقطار العالم والجنسية والجواز السوداني يتيح لهم تملك المنازل والمتاجر واثبات الشخصية للتنقل داخل البلاد (15).
يعتبر معظم أفراد المجموعة الهندية في كسلا من الطبقة الوسطى ويوجد قلة من الطبقات الدنيا لكنهم يتعاملون بشكل واحد وعلى قدم من المساواة ولا يوجد في المجتمع الكسلاوي طبقات وفوارق اجتماعية على غرار ما هو سائد في المجتمع الأم وقد تمت في مدينة كسلا زيجات بين طبقات متباينة وهو أمر نادر الحدوث في الهند. لا توجد مجموعات قبلية عند الهنود بالمعنى الواضح في المجتمع السوداني ولكن في مقابل ذلك هناك توجد هناك فئات طبقية على اساس المهن والحرف مثل مجموعة الصياغ، والتجار، والحلاقين (16).
ساهم الهنود المقيمين في كسلا في الأعمال الخيرية في المدينة وذلك من خلال العمل المباشر وذلك عبر تقديم الدعم المادي والعيني للمحتاجين من أهل المدينة وهناك شكل أخر غير مباشر وذلك من خلال سلوكياتهم كمجموعة محبه للخير وتبحث عن تقديم النموذج الجيد (17).
علاقة الهنود بالسيد الحسن الميرغني:
عند قيام الحرب العالمية الأولى تعرضت مدينة كسلا لهجوم غادر من قبل إيطاليا حيث هاجمت القوات الإيطالية المدينة واستولت عليها، عندها أحتمت مجموعة الهنود في المدينة بالسيد الحسن الميرغني الذي وفر لهم الحماية الكافية عبر مسيده وبيوت الختمية.
ثم بعد ذلك شهدت مدينة كسلا دخول عدد أكبر من الهنود وذلك عبر القوات الهندية التي وصلت للسودان للتحرير كسلا من القوات الإيطالية ودول المحور، وقد كانت القوات الهندية تعمل تحارب تحت راية قوات الحلفاء. نجحت القوات الهندية مع القوات الأخرى في تحرير المدينة، ولمساهمة القوات الهندية في تحرير كسلا أوجد هذا الأمر نوعا من المودة الخاصة بين الختمية والهنود في كسلا استمرت حتى اليوم (18).
الهنود في مدينة الدامر:
مدينة الدامر هي حاضرة ولاية نهر النيل وقد كانت في وقت سابق حاضرة الاقليم الشمالي، لمدينة الدامر تاريخ عريق وهي واحدة من المدن التجارية المهمة في شمال السودان وتربط مع سواكن بطريق تجاري عبر بربر. ارتبطت مدينة الدامر بطائفة المجاذيب شيوخ المدينة وأهم معالمها. وفد الهنود إلى الدامر في العام منذ العام (1940م) وتعد عائلة (أرون كومار مقنلال) من أعرق الأسر الهندية في الدامروتمارس هذه العائلة تجارة الاقمشة والعطور.
وقد كانت مجموعة الهنود في الدامر من أكبر المجموعات الهندية في السودان لكن لبعض العوامل ترك معظمها الدامر واهاجر منها للعاصمة لأسباب كثيرة وتبقت في الدامر عائلتان فقط، امتزجت مجموعات الهنود في الدامر بالمجتمع المحلي مشاركين في افراحهم واتراحهم (19).
العائلة الثانية في مدينة الدامر هي عائلة (كريت كانت قولبداس دوشي) وهو من مواليد السودان في العام (1942م) وزوجته مولده في مدينة كسلا في العام (1948م) ولديه ابن واحد يدعى (بنيش) مولود في الدامر، وصلت عائلة (كريت لدامر في العام (1930م) وذكر أنهم كهنود لهم اعتقاد في الشيخ المجذوب في الدامر نتيجة للإحترام والتقدير الذى وجدوه من مجتمع الدامر ومن المجتمع السوداني (20).
نجد أن هنود الدامر قد اندمجوا في المجتمع السوداني واصبحوا جزاً منه وما يدل على ذلك تداخلهم مع المجتمع وزيارتهم للشيخ المجذوب كل جمعة ثم احساس هذه المجموعة بروح الوطن والإنتماء له وما يدل على انسجامهم في مجتمع الدامر علامات الحب والثناء لا تبارح هذه المجموعة تجاه اهل الدامر.
الهنود في أم درمان:
ارتبطت مدينة أم درمان في نشأتها وتطورها بالثورة المهدية والتي اتخذت منها عاصمة لدولتها الوليدة بواسطة الإمام محمد أحمد المهدي وبعد وفاته أستمر الخليفة عبدالله في اتخذاها عاصمة للدولة المهدية.
بعد سقوط الدولة المهدية ودخول الجيش الغازي الانجليزي المصري لأم درمان عمل تخريبها وتحويل العاصمة لمدينة الخرطوم. رغم الدمار الذي لحق بالمدينة إلا أنها استعادت نشاطها ودورها السياسي في تاريخ الحركة الوطنية السودانية وأصبحت قبلة للمجموعات المهاجرة من داخل وخارج السودان.
جاءت مجموعات الهنود إلى أم درمان بغرض التجارة واستقرت بها قادمه من شرق السودان وود مدني والدامر وكسلا وغيرها من المدن التي شهدت تواجد مجموعات هندية وقد كان توافد هذه المجموعات في العام (1955م) وقد وجد الهند في مدينة أم درمان ضالتهم لأنها مدينة تمتاز بالهدوء والترابط واستقبال الأخر. وقد سكن الهنود في معظم أحياء أم درمان القديمة مثل حي القلعة، ود ارو، الملازمين، حي السوق، الشهداء، بيت المال، ودنوباوي وغيرها من الأحياء القديمة (21).
بعد وصل عدد كبير من الهنود إلى مدينة أم درمان اندمجوا في مجتمعها كما حصل غالبيتهم على الجنسية السودانية، ومن أشهر الهنود في المدينة الدكتور (أنيل كومار) الذى سماه والده على نهر النيل تيمننا بنهر النيل درس الدكتور (أنيل الطب) في جامعة الأسكندرية ثم تخصص في جمهورية الصين، ويعد من الشخصيات السودانية متعددة المواهب فهو عضو اللجنة الأولمبية السودانية وعضو كذلك في مجلس الصداقة الشعبية السودانية وعضو في نادي الهلال العاصمي للتربية الرياضية بالإضافة لكل ذلك فالدكتور (أنيل) هو أستاذ في كلية الطب جامعة بحري (22).
عرف الباحث الدكتور (أنيل كومار) عن قرب فهو إنسان بسيط متواقع يحب الجميع ويحبه الجميع، وهو أول الشهادة السودانية للعام 1967م من مدرسة كمبوني وهو من مواليد السودان، كما أن منزله في حي القلعة بأم درمان مفتوح للكل الأهل والمعارف والجيران وهو دائم السؤال عنهم وعن أحوالهم، ومن الأشياء التي تذكر في حق الرجل أنه يمنح من وقته الثمين ساعة يوما بمنزلة لمقابلة المرضى من الجيران والأهل وهو يقدم ذلك دون مقابل، ويأتي إليهم بمنازلهم في أي وقت. كما يعد الدكتور أنيل وعائلته من أهم معالم حي القلعة الأم درماني فهو سوداني يحمل الكثير من القيم الجميلة والسمحة.
الهنود في سوق أم درمان:
يعد سوق أم درمان من أعرق الأسواق في المدينة وظل هذا السوق يقوم بدوره منذ الدولة المهدية، وقد كان البضائع بأنواعها المختلفة ترد إليه مداخل وخارج السودان، كما أن السودانيين يحضرون للسودان من المدن السودانية المختلفة بغرض التسوق ولسوق أم درمان شهرة عالمية وذلك نسبة لوجود عدد كبير من الأجناس من مختلف بقاع العالم، وفي سوق أم درمان يعمل التجار الهنود وقد حمل العديد منهم الجنسية السودانية ومن هولا التجار (ارتيلال) و(رامجي سامجي) و(سيزاد ليفي) وغيرهم من التجار الهنود الذين يعملون في العطور والقماش منذ قديم الزمان (23).